تخيل فريقك الذي تشجعه يمر بفترة حرجة، نتائج مخيبة، إدارة سيئة، مدرب ولاعبون دون المستوى. الوضع يبدو بائسًا لأقصى درجة ولا خلاص منه عما قريب. وبتلقائية شديدة تجد نفسك متجهًا نحو عالمك الافتراضي، محاولًا إنقاذ الفريق. ستفعل ما اعتدت عليه، ستذهب إلى لعبتك الإلكترونية المفضلة، لتبدأ باختيار فريقك، ومحاولة نسيان الواقع.

ما يسمى بالـ «Manager Mode» أو «Master league» سيجعلك تتحكم بالفريق. ستصبح المدرب وتتحكم بكل شيء؛ تحدد أسلوب اللعب، والطريقة، وتشتري وتبيع من تشاء، ولأنك لاعب بارع فستفوز وتحقق مسيرة ناجحة في العالم الافتراضي. أما في الواقع، فتظل بانتظار أن تأتي إدارة فريقك بمن يستطيع أن يفكر مثلك لينقذ مسيرتهم.

ولأن الواقع دائمًا أكثر تعقيدًا، فقد شهدت الكرة الإنجليزية تجربة شبيهة بتلك التي تخيلناها، لكن بطريقة جديدة لما تضف للألعاب الإلكترونية بعد، ويمكننا أن نطلق عليها «Agent Mode»، نسبة إلى وكلاء اللاعبين. حيث سيعتمد عليك النادي لإنقاذه لكن كوكيل للاعبين.


سقوط مزدوج

منذ خمسة أعوام فقط كانت مدينة ولفرهامبتون تشاهد فريقها في دوري الدرجة الثالثة «League One». حالة من الحزن كانت تعم المدينة، في تكرار لما مروا به في فترة الثمانينيات، عندما هبط الفريق من الدرجة الأولى إلى الثانية ثم الثالثة. لم يكن بمقدورهم فعل شيء سوى الاستمرار في المساندة.

عادوا من جديد إلى الدرجة الثانية، ثم انتظروا الفرج قادمًا من الصين. حين قررت مجموعة «فوسون إنترناشيونال الصينية»شراء النادي مقابل 45 مليون باوند في صيف عام 2016. ومنذ ذلك الوقت أبرزت صحيفة الجارديان البريطانية علاقة المجموعة الصينية بالبرتغالي «خورخي مينديز» أحد أشهر الوكلاء في اللعبة.

لم تتحقق النتائج سريعًا، فموسم 2015/ 16 كان كارثيًّا، حيث احتل الفريق المركز الـ 15 بعد أن تناوب على قيادته المدربان «والتر زينجا»، و«بول لامبرت». قرر النادي أخيرًا أن يفعِّل علاقته مع «خورخي مينديز» بشكل أكبر، وأطلق له العنان في قيادة الفريق، في تفعيل لوضع جديد لم تعهده كرة القدم من قبل: Agent Mode.

استطاع وكيل كريستيانو رونالدو إقناع لاعبين من المستوى الأعلى أن يلعبوا في الدرجة الثانية بإنجلترا، في وجود المدرب السابق لفالنسيا وبورتو، «نونو سانتو». ودون الحاجة للتخمين فإن وكيل نونو سانتو هو مينديز بالطبع. وكان من أبرز اللاعبين الذين تعاقد معهم الوولفز: دييجو جوتا (أتلتيكو مدريد)، وروبين نيفيز (بورتو)، وكانت صفقة الأخير هي الأغلى في تاريخ الدرجة الثانية (15.8 مليون باوند). وبالطبع مع تزايد الإنفاق، تمكن اللولفز من الصعود إلى البريميرليج لكتابة أبرز فصول القصة.


أصغر الكبار أم أكبر الصغار؟

وكأن البريميرليج كان ينقصه مزيد من المنافسة حتى يصرح الدولي البرتغالي «جواو موتينيو» بمثل هذا التصريح. بطل يورو 2016 مع المنتخب البرتغالي، فاجأ الجميع بانضمامه إلى الوولفز رفقة مواطنه «روي باتريسيو»، ليتحول ولفرهامبتون إلى مستعمرة برتغالية برعاية مينديز.

استمر مشروع ولفرهامبتون بالتقدم، رغم الشكوك التي أحاطت به. فلا عجب أن يشك الجميع في علاقة النادي بخورخي مينديز، خاصة بعد أن بات النادي الإنجليزي يضم لاعبين برتغاليين «8 لاعبين» أكثر من بورتو البرتغالي نفسه!

في النهاية، قدم ولفرهامبتون ما لم تعتد عليه إنجلترا من أي فريق صاعد. فآخر إنجازات الصاعدين كانت المركز الثامن لفريق ريدينج في موسم 2006 / 07، والمركز الثالث لنيوكاسل في موسم 1993 / 94. يحتل الوولفز حاليًا المركز السابع خلف الستة الكبار، لكن الأهم أنه يقدم أداءً ممتعًا، ويضايق الفرق الكبيرة كما لم يفعل أحد.


«كونتي» جديد

لنبدأ بالتذكير بأن «نونو سانتو» كان أحد لاعبي المدرب جوزيه مورينيو في فريق بورتو الفائز بدوري أبطال أوروبا في عام 2004. لكنه يدين بالفضل للبرتغالي الآخر والملقب بالأستاذ، جيزوالدو فيريرا – المدرب السابق لنادي الزمالك المصري – حيث عمل في طاقمه الفني بناديي ملقا الإسباني، وباناثنايكوس اليوناني.

يعتمد مدرب الوولفز على طريقة 3-4-3، شبيهة بتلك التي اعتمد عليها أنطونيو كونتي قبل موسمين مع تشيلسي. البداية بامتلاك نسخته الخاصة من دييجو كوستا، وهو المهاجم المكسيكي «راؤول خيمينيز». ثم ثلاثي بالخلف يسهل للفريق الخروج بالكرة، بالإضافة للثنائي المميز في وسط الملعب، موتينيو ونيفيز، خاصةً نيفيز بتمريراته الطولية. يهدف الفريق دائمًا إلى خلق موقف اثنين ضد واحد على الأطراف، مع حجز أظهر الخصم بواسطة لاعبي الهجوم، وصعود الأجنحة (Wing backs) لتوفير الزيادة.

لكن من أين تأتي قدرة الفريق على مضايقة الكبار؟ الدفاع بخمسة لاعبين وتقارب الخطوط هو الجزء الأسهل، لكن الأصعب هو توزيع ضغط لاعبي الهجوم. مثلًا أمام تشيلسي، الكل يعلم أن «ساري» يفضل البناء معتمدًا على ارتكازه الدفاعي (فابريجاس) فأضاف لاعب وسط ثالثًا لمضايقته، بينما تكفل ثنائي الهجوم بإغلاق زوايا التمرير على مدافعي تشيلسي ودعوتهم للتمرير في منطقة الوسط؛ حيث كانتي وروبين لوفتس تشيك.

والعكس أمام مانشستر يونايتد بالدور الأول، لم يكن الفريق بحاجة للضغط على الارتكاز المدافع، لأنه كان فيلايني. فاعتمد على الثنائي خلف رأس الحربة راؤول خيمينيز لإغلاق زوايا التمرير في الوسط نحو بوجبا وفريد. وأمام أرسنال الذي لعب بثنائي ارتكاز، فاعتمد على ثنائي هجومي – أسفل خيمينيز – مرةً أخرى، ليضايقا لاعبي وسط أرسنال في التحضير.

ثم يأتي الجزء الأهم، وهو قدرة الفريق على مباغتة خصومه بالهجمات المرتدة، فوفقًا للمحلل «ستاتمان دايف»، فإن الوولفز يحتل المركز الأول في عدد المرتدات بـ 24 مرتدة ويليه ليفربول.

إلى هنا والمتعة حاضرة، لكن مشاريع كرة القدم ليست دائمًا بهذا الوضوح، هناك جانب عليك أيضًا الاطلاع عليه لتصدر حكمك النهائي.


مشروع ولكن؟

علينا ألا نفكر مثل الصغار. يجب أن نغير طريقة تفكيرنا حتى نتمكن من المنافسة.

يقدم النادي إلى الآن نموذجًا للفرق الصاعدة، فقد حافظ على القوام الرئيسي الذي لعب به في الدرجة الثانية،ثلاثة من أكثر خمسة لاعبين من حيث دقائق المشاركة في البريميرليج، كانوا مع الفريق في التشامبيونشيب، مع التدعيم فقط بما يحتاجه الفريق. فمزج الفريق بين المواهب الشابة التي ما زالت جائعة لإثبات نفسها، مع عناصر خبرة ما زالت قادرة على العطاء، ولم يهدر أمواله كما فعل فولهام مثلًا.

لكن هذه القدرة الشرائية العجيبة تعود بنا من جديد إلى علاقة خورخي مينديز بالنادي. كان «أندريا رادريساني»، مالك نادي ليدز يونايتد أول المشككين، حيث صرح علانية أن ترتيبات ملكية ولفرهامبتون كانت غير قانونية وغير عادلة؛ لأن مجموعة «فوسون إنترناشيونال الصينية» المالكة للنادي تمتلك أيضًا حصة في شركة «جستيفوت» التابعة لمينديز.

لدى الاتحاد الإنجليزي قواعد صارمة بشأن ما يسمى ب ملكية الطرف الثالث؛ حيث يحظر على النادي إجراء أي اتفاقات تتيح لغير النادي التحكم في قراراته وسياسته في عمليات البيع والشراء وخلافه. ومن الواضح أن ما يقوم به ولفرهامبتون هو بالضبط ما تحظره قوانين الاتحاد، لكن بقية القصة يسهل عليك استنتاجها. أُجريت تحقيقات، انتهت إلى عدم إثبات أي مخالفة.

المشكلة أن الاتحاد الإنجليزي زاد الأمر وضوحًا بدون قصد، عندما أعلن قيمة ما أنفقته أندية البريمييرليج على صفقاتها في موسم 2018 / 19 وما أنفقته على وكلاء اللاعبين أيضًا. تبدو نسبة ما دفعه نادي ولفرهامبتون للوكلاء ضئيلة مقارنة بإجمالي إنفاقه، إذ يبدو أنهم يجنون ثمار العمل مع وكيل واحد فقط، حتى لو بدا في العلن غير ذلك. الأمر قد يغير من طريقة تفكير إدارات الأندية.

أنا أعرف العديد من الوكلاء، أعرف خورخي مينديز جيدًا. أحب الحصول على مساعدتهم. أريد فقط معرفة إذا ما كان من الممكن القيام بذلك ضمن القواعد.

كان ذلك ضمن تصريحات مالك ليدز يونايتد اعتراضًا على ما يحدث، لكنها تعبر عن إمكانية تغيير إدارات الأندية لطريقة عملها، وكذلك وكلاء اللاعبين. ستعمد الأندية إلى مخالفة القواعد في الخفاء، وسيتجه الوكلاء إلى البيع بالجملة بدلاً من القطعة، سعيًا نحو عمولات أكبر.

كمشاهدين، نحن نستمتع كثيرًا بتجربة ولفرهامبتون، لكن بقية الصورة تشير إلى أن مشاريع كرة القدم الجديدة أصبحت مرتبطة بمخالفة القواعد، كلٍّ حسب حجمه. وإلى أن ينتبه القائمون على اللعبة لتلك الثغرات، علينا انتظار تحول البريميرليج إلى دوري السبعة الكبار.