كان رجال الشرطة بيقوموا بدورهم، ورجال الإسعاف بيقوموا بدورهم، ورجالي كمان بيقوموا بدورهم، ولقوا الشريط ده، أعتقد يهمك
الريس حلاوة (الفنّان حسني عبد الجليل)، من فيلم «جاءنا البيان التالي».

بتلك العبارات البسيطة، أوضح زعيم عصابة اللصوص للمراسل الذي يبحث عن دليل لإدانة رجُل أعمال فاسد، حقيقة تشابك مصالح البشر المهتمين بأي حدث. فما يمثّله شريط الفيديو من أهمية لـ«نادر سيف الدين»، قد لا يحمل نفس الأهمية للص بارع، وهذا هو مربط الفرس.

كرة القدم كمثال، تعد إحدى المنظومات الأكثر تعقيدًا وتشابكًا، فعلى الرغم من سعي الجميع أولًا وأخيرًا للفوز، في جانب مظلم من عالمها، يعمل البعض على «ضبط» نتائجها، وفقًا لمصالحهم. بالتالي، تتخطى مسألة الفوز الرغبة والإمكانيّات، وتخضع أحيانًا لمدى قدرة مجموعة من البشر، لا يهتمون بكرة القدم من الأساس، على القيام بمهام عملهم.

على الطريقة الكلاسيكية

يمكنني التلاعب بالمباريات في جميع أنحاء العالم، أفعل ذلك في أستراليا، أيرلندا، بلجيكا. أحيانًا أتلاعب بمباريات تصفيات كأس العالم.
جزء من تحقيق الاتحاد الدولي لكرة القدم مع أحد المتهمين بالتلاعب بالمباريات، سبتمبر/أيلول 2013.

حتى لا ندفن رؤوسنا بالرمال، نعلم تمامًا أن «بيزنس» التلاعب بالمباريات قائمًا، يصل قيمته لعشرات المليارات، لكن المتعارف عليه، طبقًا لعدة تقارير، هو التلاعب بنتائج مباريات ودية سواء دولية أو لأندية، أو حتى التلاعب بنتائج مباريات الدوريات الأقل قيمة، لكن الكارثة التي تكمُن في التصريح أعلاه؛ هو زعم الرجل قدرته على التلاعب بمباريات تصفيات كأس العالم، وهو ما يعني بداهةً التأثير بشكل مباشر على هويّة المتأهلين لأكبر بطولة كرة قدم دولية.

في الواقع، الأمر أكثر تعقيدًا مما نظُن، حيث يتم هذا التلاعب وفق إستراتيجيات عديدة، منها ما يبدو ساذجًا، ومنها ما تأثّر كما كرة القدم الاحترافية.

أثناء منافسات تصفيات «كونكاكاف» المؤهلة كأس العالم 2018 بروسيا، كان منتخب السلفادور لا يزال يعاني من تداعيات إيقاف 14 لاعبًا دوليًا عقب ثبوت تقاضيهم رشاوى للتلاعب بمباريات المنتخب عام 2013.

في سبتمبر/ أيلول 2016، وقبل نهاية منافسات مجموعة التصفيات بجولة واحدة، والتي كانت تضم منتخبات، المكسيك، كندا، هندوراس إلى جانب السالفادور، فجَّر لاعبو منتخب السلفادور مفاجأة ضخمة؛ حيث خرجوا مجتمعين بمؤتمر صحفي ، معلنين تلقيهم عرضًا للتلاعب بمباراة السلفادور وكندا، مقابل حصولهم على مبالغ تتراوح ما بين 1350 و 2700 دولارًا أمريكيًا، لكل لاعب ينجح في خوض الـ90 ضد كندا، والأهم؛ أن يساعد في تحقيق النتائج المتفق عليها.

طبقًا للتسجيل الصوتي الذي أذاعه اللاعبون خلال مؤتمرهم الصحفي، قُدّم العرض بواسطة رجل أعمال سلفادوري يدعى «ريكاردو بيديلا»، نيابة عن رجل أعمال هندوراسي آخر، لم يفصح عن اسمه.

حسب التسجيل الصوتي لبيديلا، كان الهدف من هذا العرض مساعدة المنتخب الهندوراسي، الذي كان لا يزال يملك فرصة للتأهل للمرحلة القادمة من التصفيات، بشرط تحقيق السلفادور لنتيجة من ثلاث أمام كندا؛ إما الفوز، أو التعادل، أو الخسارة بفارق هدفٍ واحد. وهذا لتأمين احتمالية خسارة المنتخب الهندوراسي أمام منتخب المكسيك المتصدر.

بشكل ساخر، لم يجد رجل الأعمال السلفادوري أي داعٍ لوصف هذا العرض بالتلاعب، على العكس تمامًا، رأى في ذلك تشجيعًا للاعبي منتخب السلفادور من جهة، ومساعدة لصديق من جهة أخرى، خاصة بعدما أكد بأن العرض لا علاقة له بالمراهنات، واصفًا صديقه الهندوراسي بالملياردير، الذي لا يسعى خلف المال.

في النهاية، رفض لاعبو السلفادور العرض من جهتهم، ولم يحتاج منتخب الهندوراس سوى للاعتماد على نفسه بالتعادل مع المكسيك في الجولة الأخيرة، ليتخطى بذلك منتخب كندا في سلم الترتيب.

جوزيف لامبتي: إن لم تستحِ

في التصفيات المؤهلة لنفس كأس العالم في روسيا، لكن بالقارة السمراء، كان الحكم الغاني «جوزيف لامبتي» يبصُم على شهادة وفاته كحكم كرة قدم، بعد ما وُصف حسب بيان الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» بـ6 سنوات من التلاعب بالمباريات بقارّة إفريقيا.

طبقًا لوكالة الأنباء العالمية «رويترز»، صدر القرار بإيقاف «لامبتي» عن مزاولة النشاط مدى الحياة، بعد ثبوت تورّطه في التلاعب بنتيجة مباراة جنوب إفريقيا والسنغال ضمن منافسات المجموعة الرابعة.

جاء القرار بعد مراجعة شريط المباراة، والتأكُد من منح الحكم ركلة جزاء وهمية، تلاها احتسابه لهدف مثير للجدل من ركلة حرة لمصلحة منتخب جنوب إفريقيا.

في الواقع، يُعتقد أن الحكم الغاني، لم يتقاضَ أموالًا بشكل مباشر من الجانب الجنوب الإفريقي، حيث أظهرت التحقيقات التي أجراها مسؤولو الـ«فيفا» نمطًا متكررًا في سلوكيات الحكم أثناء إدارته للمباريات محل التحقيق، والتي تعود لعام 2010.

وفقًا لتقرير «فيفا» الاستقصائي حول سلوكه، قام «لامبتي» بسلوكيات واتخذ إجراءات محددة على أرض الملعب، والمثير أن هذه الإجراءات كانت متوقعة في أسواق المراهنات الدولية من قبل المُراهنين، الذي بدا أنهُم على علم بالقرارات قبل اتخاذها سواءً كانت احتساب ركلة جزاء، أو هدف في وقت مُعين.

هذه المرة كذلك، حتى وإن أثرّت قرارات الحكم في نتيجة المباراة، وكادت لتحرم المنتخب السنغالي من المشاركة في كأس العالم، إلا أن تاريخ «لامبتي» مع الأخطاء الغريبة ساعد في كشفه. بالتالي، أعيدت المباراة، ونجح منتخب السنغال في العبور للمونديال، بعد تغلبه على نظيره الجنوب إفريقي بهدفين نظيفين.

جنوب إفريقيا: «كلاكيت تاني مرّة»

أثناء الجولة الأخيرة من منافسات المجموعة السابعة ضمن تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم قطر 2022، وقبل نهاية الشوط الأول بربع ساعة تقريبًا من مباراة غانا وجنوب إفريقيا التي أقيمت على أرض الأول، احتسب الحكم السنغالي «ماجيت ندايي» ركلة جزاء مثيرة للجدل، لصالح الـ«بلاك ستارز»، صعدت بهم للتصفيات الإفريقية النهائية.

عقب المباراة بأيام، أعلن الاتحاد الجنوب إفريقي تقدمه باحتجاج رسمي على نتيجة المباراة، وتضمن الاحتجاج اتهامًا واضحًا بالفساد والرشوة، وإشارة لارتباط نتيجة المباراة بسوق المراهنات.

طبقًا لداني جوردون، رئيس الاتحاد الجنوب إفريقي لكرة القدم، لوحظ ارتفاع في المراهنات حول احتساب ركلة جزاء في نفس الوقت الذي احتسبت به ركلة الجزاء على منتخب بلاده، وهو ما اعتبره دليلًا دامغًا على التلاعب. إضافة لزعم «تيبوجو موتلانتي»، المدير التنفيذي لاتحاد جنوب إفريقيا لكرة القدم، بامتلاك معلومات تفيد بأن حكم المباراة قد قابل أحد مسؤولي غانا في السنغال، للاتفاق على التلاعب بنتيجة المباراة.

على الرغم من رفض «الفيفا» لاحتجاج جنوب إفريقيا، واعتمادها لنتيجة المباراة، نظرًا لعدم كفاية الأدلة التي تُثبت تورُّط الحكم، لا يزال مسؤولو جنوب إفريقيا يؤمنون بامتلاكهم أدلة كافية، لم يتسع الوقت لتوضيحها لمحققي الـ«فيفا»، الذين اتخذوا قرارًا باعتماد نتيجة المباراة قبل أن تُعرض عليهم كاملةً.

ولذلك، أعلن «موتلانتي» الذهاب لمحكمة التحكيم الرياضي «كاس» للفصل بين الأطراف المتنازعة، معترفًا أن الاتحاد الجنوب إفريقي ارتكب خطأً لم يُقدم كل الأدلة التي يمتلكها.

المراهنات: كل يغني على ليلاه

في 2011، أدانت محكمة ألمانية ثلاثة أشخاص بما عرف بأكبر فضيحة تلاعب بنتائج المباريات في أوروبا، حيث اعترف المتهم الرئيسي أنه قام بمساعدة زميلين من التلاعب بنتائج نحو 20 مباراة أوروبية، منها مباراة بتصفيات كأس العالم 2010، بين فنلندا وليخنشتاين.

وفي اعترافاته، أقر المتهم بسفره لحكم المباراة الصربي، للاتفاق على المقابل، الذي كان نحو 52 ألف دولار أمريكي، على أن يقوم الحكم بفعل أي شيء ينتهي بتسجيل هدفين بشوط المباراة الثاني. وهو ما حدث، حين انتهت المباراة التي كانت بمثابة تحصيل حاصل بنتيجة هدف لمثله، كان أحدهما من ركلة جزاء وهمية.

حسب تقرير نشره موقع «لوس أنجلوس تايمز» عام 2013، نحو 10.9 مليون دولار أمريكي من أرباح المراهنات تأتي عبر التلاعب بنتائج المباريات، بعد دفع القائمين على هذه الأعمال نحو 2.7 مليون دولار كرشاوى للّاعبين والحكام، بالتالي يمكنك توقّع حجم المبالغ التي لم يتم الكشف عنها أو اكتشافها من الأساس.

الفكرة هي أن تطوّر إستراتيجيات التلاعب بالمباريات جعل مسألة اكتشافها صعبة للغاية، الأمر لم يعد يتطلّب منح رشوة لفريق بأكمله، أو مطالبة الحكم بضرورة فوز فريق على آخر، لكن يكفي فقط الاتفاق على حدث واحد خلال الـ 90 دقيقة؛ مثل حصول لاعب ما على بطاقة حمراء، عدم احتساب أي مخالفات لمدة زمنية معينة، إلى آخره من الأحداث التي قد لا تؤثر على نتيجة المباريات من الأساس، لكنها تدر أرباحًا لا نهائيًا على مسيري «بيزنس» المراهنات.

في النهاية؛ العالم ليس بهذه القتامة، تعمل شركات مثل «Sports Radar» على تزويد الاتحادات الرياضية ببيانات حول أي نشاط غريب بسوق المراهنات، من أجل ضمان شفافية ونزاهة المسابقات المختلفة.

ومع ذلك، ربما لن تتوقف محاولات التلاعب بنتائج المباريات، حتى وإن كانت مدرجة ضمن منافسات تصفيات بطولة ككأس العالم، لأن بعض الناس ما زالوا «بيقوموا بدورهم».