بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 4 يوليو الجاري زيارة إلى قارة أفريقيا، وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها تاريخية؛ كونها أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى القارة منذ قرابة العشرين عامًا، تحديدًا منذ عام 1987، بعد دعوات أفريقية له لزيارة القارة منذ فبراير الماضي. وتأتي تلك الزيارة كما هو معلن من قبَل الحكومة الإسرائيلية بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا، علاوة على رفع مستوى العلاقات السياسية بين الجانبين. وتشمل تلك الزيارة أربع دول أفريقية في منطقة الشرق الأفريقي؛ وهي أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا.


شرعية ودعم سياسي أفريقي

تحمل زيارة نتنياهو للقارة الأفريقية عدة أهداف؛ فمن ناحية هي تأكيد للتواجد والتوجه الإسرائيلي تجاه أفريقيا، لاسيما منطقة شرق أفريقيا التي تتمتع بأهمية إستراتيجية كبرى، حيث تسعى إسرائيل إلى توسيع دائرة علاقاتها الدبلوماسية مع دول القارة للحصول على المزيد من الشرعية الدولية، خاصة في ظل ما تواجهه إسرائيل من انتقادات أوروبية فيما يخص القضية الفلسطينية، وإعلان عدد من الدول الأوروبية الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ الأمر الذي دفع إسرائيل إلى البحث عن منافذ أخرى لنيل مزيد من الشرعية السياسية.

تقدم إسرائيل نفسها على أنها الحليف الأنسب لأفريقيا بدلاً من الدول العربية؛ ما دفعها لطلب عضوية الاتحاد الإفريقي.

كما يأتي توسيع علاقاتها مع الدول الأفريقية كمدخل للقيام بنشاطات وعلاقات تعاونية سواء سياسية أو اقتصادية أو أمنية فيما بينهم. ويترتب على ذلك تعزيز وضع إسرائيل الدولي، وضمان مساندة الأفارقة – الذين يمثلون كتلة كبيرة – لها في المحافل الدولية في قضايا إسرائيل المطروحة على الساحة الدولية، مثل الاستفادة من الكتلة الأفريقية في التصويت ضد مشروعات القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة – كانت نيجيريا ورواندا قد رفضتا قبل عامين مشروع قرار بمجلس الأمن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في مدة لا تزيد على 3 سنوات – فضلاً عن قرارات التفتيش عن المواقع والأسلحة النووية في إسرائيل من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.ولا يتوقف الأمر فقط عند المساندة في المحافل الدولية، لكنها تشمل أيضًا المحافل الإقليمية، خاصة في ظل ترحيب عدد من الدول الأفريقية بضم إسرائيل كعضو مراقب في منظمة الاتحاد الأفريقي، وهو ما رحب به الرئيس الكيني «أهورو كينياتا» خلال لقائه مع نتنياهو.بالإضافة إلى ذلك، تقدم إسرائيل نفسها على أنها البديل المناسب بدلاً من الدول العربية لأفريقيا، وكذلك لعدد من القوى الإقليمية، خاصة في ظل تراجع الوجود العربي بشكل عام، والمصري بشكل خاص، خلال السنوات الماضية، وهو ما دفع إسرائيل لتتقدم بخطوات متسارعة وثابتة إزاء أفريقيا – خاصة في منطقة شرق أفريقيا، وتميز علاقاتها مع دول المنطقة – بتطويع ما تمتلكه من إمكانيات تكنولوجية وعلوم أمنية واقتصادية يمكن أن تستفيد منها الدول الأفريقية، وهو ما انعكس على الترحيب الأفريقي بالتعاون مع إسرائيل.ولما كانت قارة أفريقيا، لا سيما منطقة الشرق الأفريقي، ساحة للنفوذ تتكالب عليها القوى الدولية والإقليمية، فإن إسرائيل تسعى إلى التواجد بقوة في تلك المنطقة، لكسب النفوذ الإقليمي، خاصة مع تنامي نفوذ دول إقليمية مثل تركيا والصين وإيران والبرازيل والهند، مستغلة في ذلك العلاقات الإستراتيجية التي تربطها بالغرب والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تقدم نفسها كونها رجل الغرب والولايات المتحدة في أفريقيا لتحقيق أهدافها الإستراتيجية والأمنية.


أفريقيا: مستقبل إسرائيل الاقتصادي

تحتل الأهداف الاقتصادية لتلك الزيارة أهمية كبيرة، ويرجع ذلك الاهتمام الإسرائيلي إلى التطور الاقتصادي الذي تشهده القارة الأفريقية خلال الفترة الأخيرة، والتوقعات بزيادة النمو الاقتصادي في أفريقيا خلال السنوات القادمة، فضلاً عن النمو الاقتصادي السريع لعدد من الدول الأفريقية على المستوى العالمي – هناك 7 دول من أصل 10 هم الأسرع نموًا اقتصاديًا في العالم – علاوة على أن قارة أفريقيا تتميز بثرواتها المعدنية والطبيعية، كما أنها تعد سوقًا اقتصادية واعدة وأرضًا خصبة للعديد من الشركات الإسرائيلية وفرصة متميزة لتسويق المنتجات الإسرائيلية، خاصة في ظل امتلاك إسرائيل لشركات كبرى في القارة مثل شركة «أجريد أب» التي تعمل في المجال الزراعي واستصلاح الأراضي والمزارع، وشركة «سوليل نيه» التي تعمل في مجال الإنشاء والتعمير، وشركة «فنادق أفريقيا» التي تعمل في مجال السياحة.ويأتي ذلك في ظل ما تعانيه أوروبا من أزمات اقتصادية، والتداعيات السلبية المتوقعة لخروج دولة بريطانيا من الاتحاد، بالإضافة إلى قرارات بعض الدول الأوروبية بشأن عدم استيراد المنتجات الإسرائيلية التي تُنتج في المستوطنات؛ ومن ثمّ، فلم يعد الاتحاد الأوروبي ذلك الرجل القوي الذي يمكن الاعتماد عليه من وجهة النظر الإسرائيلية.وبالرغم من ضآلة التجارة البينية بين إسرائيل ودول القارة والتي تبلغ 2% من سوق التصدير لإسرائيل، إلا أن هناك اهتمامًا إسرائيليًا بتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين، وهو ما دفع رئيس الوزراء إلى اصطحاب 80 من رجال الأعمال يمثلون 50 شركة إسرائيلية، كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية فتح مكاتب الوكالة الإسرائيلية للتنمية الدولية في البلدان الأربعة التي يزورها رئيس الوزراء حاليًا.كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية خلال الزيارة عن خطتها لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون مع أفريقيا، بميزانية بلغت حوالي 50 مليون شيكل – ما يوازي 13 مليون دولار – في الوقت الذي تقدم إسرائيل نفسها للأفارقة على أنها دولة نامية، لكنها تقدم لهم الدعم والمساندة بإمكانياتها المحدودة؛ مما انعكس بشكل إيجابي في تطور العلاقات الإسرائيلية الأفريقية.وقد تمثلت أبرز معالم الخطة الاقتصادية الإسرائيلية تجاه تطوير علاقاتها مع أفريقيا في التعاون مع البنك الدولي من أجل إنشاء صناديق إسرائيلية للاستثمار في القارة، فضلاً عن تطوير آليات تعاون بين المؤسسات المالية الدولية والحكومة الإسرائيلية لتمويل عدد من المشروعات في أفريقيا، علاوة على فتح ملحقيات تجارية إسرائيلية جديدة في أفريقيا، والعمل على خلق آليات من شأنها التعامل مع العقبات الرئيسية التي تواجه الشركات الإسرائيلية وتعرقل نشاطها في أفريقيا، وفتح 4 مراكز للتفوق تعمل تحت مظلة الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي في أوغندا، وكينيا، وإثيوبيا، ورواندا؛ بهدف استخدام التكنولوجيا الإسرائيلية من قبَل رجال الأعمال والمؤسسات، بما يستهدف زيادة حجم التصدير الإسرائيلي للقارة.بالإضافة إلى تشكيل آلية للتعاون بين المؤسسة الصحية الإسرائيلية ونظيرتها في دول أفريقيا، وتقديم دورات للأفارقة في مجالي الأمن الداخلي، خاصة وأن الخبرة الإسرائيلية في هذين المجالين تنال اهتمام الأفارقة بشدة.


الحديقة الخلفية لمصر

تكمن الأهداف الأمنية والإستراتيجية في سعي إسرائيل المستمر إلى تطويق المحيط العربي بوجه عام، وتهديد الأمن القومي المصري بشكل خاص؛ لما تمثله منطقة الشرق الأفريقي من أهمية خاصة لمصر أمنيًا وإستراتيجيًا، كما يمثل البحر الأحمر هاجسًا أمنيًا وإستراتيجيًا مستمرًا لإسرائيل مما جعله يحتل أهمية خاصة في إستراتيجيتها الأمنية، ومن ثم تسعى إسرائيل دومًا ألا يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية، من خلال توطيد علاقاتها بدول القرن الأفريقي، لا سيما إرتريا وإثيوبيا لما للمنطقة ودولها من ثقل إقليمي واضح.كما تشكل ظاهرة الإرهاب التي تعاني منها قارة أفريقيا وتصاعد نشاط عدد من التنظيمات الراديكالية التي تنسب نفسها وأعمالها إلى الإسلام مثل حركة الشباب المجاهدين الصوماليين في شرق أفريقيا، وجماعة بوكوحرام في غربها، قوة دفع لإسرائيل من خلال إثارة مخاوف الأفارقة من المد الإسلامي والحركات المتطرفة، والسعي لتقديم نفسها إلى الدول الأفريقية على أنها الشريك في مواجهة التطرف والإرهاب في القارة؛ لما لديها من خبرة في هذا المجال، فضلاً عن كونها ترى في نفسها خط الدفاع الأول للغرب ضد التطرف الإسلامي في المنطقة، والذراع الأمريكية في المنطقة التي تُنفّذ سياساتها في أفريقيا، وتعد حلقة الوصل بين أفريقيا من ناحية والدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى.وتوطّد إسرائيل علاقاتها بدول شرق أفريقيا؛ كونها منطقة نفوذ وتنافس دولي وإقليمي. وفي ظل المساعي الدولية والإقليمية نحو إعادة صياغة الخريطة الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأفريقي، وإعادة تموضع وتحديد أدوار لقوى إقليمية فيها، علاوة على التنافس الإقليمي على النفوذ في تلك المنطقة الإستراتيجية؛ الأمر الذي يدفع بإسرائيل إلى التواجد في تلك المنطقة حتى يتسنى لها أن تصبح في القلب من تلك التفاعلات، ومن ثم تصبح شبكة الربط بين كل التفاعلات الإقليمية، والانصهار فيها من خلال المشروعات والعلاقات المتطورة مع دول المنطقة.


هل تُجفف إسرائيل منابع النيل؟

اصطحب نتنياهو معه 80 من رجال الأعمال يمثلون 50 شركة إسرائيلية، كما تم رصد 13 مليون دولار لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول أفريقيا.

تتعدد الاتهامات لإسرائيل بشأن القيام بدور غير مباشر في أزمة مياه النيل في منطقة حوض النيل، لا سيما بين مصر وإثيوبيا، حيث أعرب كثير من المراقبين والمحللين عن تخوفهم من أهداف وتداعيات الزيارة الحالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى دول حوض النيل؛ أوغندا، كينيا، إثيوبيا، ورواندا، خاصة وأن هذه الزيارة تواكب افتتاح إثيوبيا للمرحلة الأولى من سد النهضة.

تتولى الشركات الإسرائيلية إدارة ملف كهرباء سد النهضة الإثيوبي، بالإضافة إلى عمليات التأمين الأمنية للسد.

ومع قيام رئيس الوزراء بتوقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية مع إثيوبيا خلال زيارته في مجال الفضاء والطاقة المتجددة والسعي نحو توطيد العلاقات التكنولوجية والعلمية والأكاديمية، إلا أن إسرائيل تحظى بتواجد اقتصادي كثيف في إثيوبيا، حيث توجد شركات إسرائيلية تعمل في سد النهضة، وتأتي على رأسها شركة «كهرباء إسرائيل»، والتي تستعين بها إثيوبيا في تولي ملف وإدارة الكهرباء هناك وتصديرها إلى دول الجوار، فضلاً عن تواجد شركات التأمين الأمنية الإسرائيلية التي تتولى عملية تأمين سد النهضة.كما تمتلك إسرائيل استثمارات زراعية ضخمة في شرق أفريقيا، لا سيّما إثيوبيا، حيث يمتلك الإسرائيليون حوالي 70 ألف هكتار من زراعات قصب السكر في إثيوبيا بتكلفة 200 مليون دولار بتمويل من بنك هايوعاليم الإسرائيلي.ومن ثم، تأتي تلك الزيارة الإسرائيلية لإثيوبيا في المقام الأول للتنسيق فيما بينهما بشأن شركات الكهرباء الإسرائيلية التي تتولى إدارة ملف كهرباء سد النهضة بعد بدء المرحلة الأولى من تشغيل السد، بالإضافة إلى توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية التي من شأنها تعزيز التعاون والتنسيق في المجالات ذات الاهتمام المشترك، علاوة على التنسيق والتعاون الأمني والاستخباراتي بين الجانبين في منطقة القرن الأفريقي.وختامًا، فإن التراجع العربي والمصري بشكل خاص وضعف القدرة على تطوير إستراتيجيات جديدة في علاقاتهم مع الدول الأفريقية، من شأنه أن يعزز فرص التواجد والنفوذ الإسرائيلي في قارة أفريقيا، خاصة في ظل السعي الإسرائيلي نحو مزيد من التعاون والتنسيق مع دول القارة المختلفة.