نقترب جميعًا من اللحظة التي سيُعلن فيها ليفربول بطلًا للدوري الإنجليزي الممتاز لأول مرة منذ عام 1990، كأول لقب للدوري الإنجليزي يُضاف لخزائنهم بنسخته الحديثة، وكختام رائع لتلك الرواية الجذابة.

يعتبر ذلك النجاح هو قمة الهرم الذي سعى له المدرب الألماني «يورجن كلوب» منذ أن هبطت قدماه أرض «أنفيلد» للمرة الأولى. لكنه في الغالب سيكون ذلك النجاح القاتل الذي قد أشار إليه ذات مرة الدكتور «أحمد خالد توفيق»، والذي لن تقبل الجماهير بعده أي نجاح آخر مهما بلغ حجمه، بنفس القدر من الاحتفاء.

الأكيد أن لكل نجاح بذلك القدر ضريبة سيدفعها الفريق الإنجليزي بعد تلك اللحظة المُنتظرة. يعتقد أسطورة ليفربول السابقة، «جيمي كاراجر» أن الفريق الحالي يمتلك في قوامه 6 نجوم كِبار، هم «محمد صلاح»، «فيرمينو»، «ماني»، «فان دايك»، «ألكساندر أرنولد» والحارس «أليسون».

وبعيدًا عن رؤية الجماهير لذلك الشأن، فإن إقناع اللاعبين بالاستمرار بعد تحقيق كل شيء ممكن، والأهم هو ذلك اللقب الذي طال انتظاره، ستكون عملية صعبة جدًا، فقط يتبقى السؤال: هو أيهم سيرحل؟

أيهما أرخص؟

وفقًا لتصنيف موقع «Transfer-markt» فإن السداسي الذي ذكره كاراجر هم السداسي الأعلى في القيمة السوقية من بين قوام فريق ليفربول، يتواجد صلاح وماني في قمة السداسي بقيمة سوقية تتخطى الـ150 مليون يورو، ويليهم ألكساندر-أرنولد الذي يصعب وصفه بظهير أيمن، لأن مهامه تتخطى ذلك الوصف، إلى الحد الذي يجعل قيمته تصل لـ110 مليون يورو، في حين يمتلك فيرمينو القيمة الأقل بـ90 مليون يورو.

وفقًا لما يمر به السوق العالمي لأسعار اللاعبين في الوقت الراهن، فإن تلك الأرقام ليست مطابقة تمامًا لما سيتم إنفاقه في حال رغبت في الحصول على اللاعب فعلًا، لكنها تؤخذ في الاعتبار عند إتمام الصفقة، وتستغل الأندية ذلك البند من أجل الحصول على مقابل أكبر نظير التضحية بخدمات لاعبهم لأي راغب.

وما هو منطقي، أنه لا توجد قوى مالية قادرة على دفع تلك المبالغ إلا القوى الإنجليزية الكبرى، كمانشستر سيتي، وليفربول ومانشستر يونايتد وتشيلسي -لا نضع أرسنال ضمن هؤلاء لأسباب نعلمها جميعًا. وبعيدًا عن القوى المعروفة من الدوري الممتاز الإنجليزي، فإن اعتبار ريال مدريد وبرشلونة أطرافًا في السباق على أي نجم كبير، لهو أمر بديهي لا يمكن نفيه.

وبعيدًا عن التاريخ الذي يؤكد أن أي نجم لمع نجمه على أراضي المملكة البريطانية، كان مقره الطبيعي في أحد قطبي الدوري الإسباني، فإن الأزمة الفنية لدى عملاقي إسبانيا تدفعهما نحو السعي للحصول على خدمات أحد أطراف الثلاثي الهجومي بالتحديد، ويبعد الثلاثي الدفاعي عن المطامع لارتفاع أسعارهم بالنسبة لبقية الطامحين، وهو ما يجعلهم في مأمن بعض الشيء.

في حين يحتاج ريال مدريد وبرشلونة إلى الثلاثي الهجومي أو أي منهم، وبالأخص يرغب «الميرينجي» في الحصول على خدمات أحد ثنائي الطرف، ماني أو صلاح، باعتبارهما حلاً للأزمة الهجومية التي يعاني منها الفريق في الوقت الحالي، وبالنظر إلى اقتراب بيع الجناح الويلزي «جاريث بيل» وذلك لعدم اتفاقه مع سياسة المُدير الفني ولا إدارة النادي ولا رغبات الجماهير.

اقرأ أيضًا: جاريث بيل: هل يُنهي الجولف نرجسية جماهير البرنابيو؟

وبرغم ذلك الاحتياج الذي يعرفه القاصي والداني، يعتقد المسؤولون في العاصمة مدريد، أن بإمكانهم الحصول على خدمات صلاح بسعر زهيد، تقريبًا 130 مليون سترليني. يُفضل المدرب الفرنسي «زيدان» الحصول على خدمات مواطنه «مبابي»، لكن إدارة النادي تسعى لخيار أكثر رخصًا، وهو صلاح.

هل يخسر صلاح الصراع الرقمي؟

يتفق اعتقاد مسؤولي ريال مدريد في رخص سعر صلاح مقارنة برفقائه في الفريق مع رؤية كاراجر، الذي يظن أنه في حال وضع أي فريق مبلغ يقترب من الـ150 مليون إسترليني، فإن جماهير النادي ستوافق على رحيل الجناح المصري، ولن يجدون في ذلك أزمة.

يظن المحلل الخاص بسكاي سبورت أن جماهير النادي لا تقدر قيمة صلاح الحقيقية بالرغم من كل ما يُقدمه الفريق. لكن ما الذي جعل صلاح يتدنى لتلك الدرجة، بالرغم من كونه هداف الفريق للموسم الثالث على التوالي؟

في منتصف شباط/فبراير من عام 2020، وضع المُحلل «محمد بُوت»، المُحلل بموقع «Squawka»، تحليلًا لشرح موسم الثلاثي الهجومي لليفربول، لمحاولة إيجاد تفضيل لأحدهم على الآخر، بعيدًا عن الرد الدبلوماسي الذي يقتضي بأن جميعهم مهم للفريق ولا يمكن الاستغناء عن أي منهم.

قسم بوت المقارنة إلى 4 أقسام رقمية، تعتمد على شمول أدوار الثلاثي مع التأكيد على أن جميعهم قد شارك في نفس عدد الدقائق تقريبًا، كانت الأقسام هي: القدرة على التسجيل، الصناعة، المراوغة، والقدرات الدفاعية. تفوق صلاح في رقم واحد فقط وهو القدرة على التسجيل.

حتى تاريخ المقارنة التي أقامها الموقع الإنجليزي، كان قد سجل المصري 18 هدفًا، مقابل 13 لماني، و8 لصالح المهاجم البرازيلي. أما فيما يخص المراوغة، صناعة الأهداف والقدرات الدفاعية، فإنك ستجد صلاح يتوارى خلف الثنائي بأرقام بعيدة.

أكمل المُهاجم البرازيلي 818 تمريرة من 1035 محاولة للتمرير، في حين حاول ماني في 906 مرة تمكن من اكمال التمريرة في 743 منهم، بينما لم يُكمل صلاح إلا 618 تمريرة فقط من أصل 805 تمريرة.

ولم يقدر أحد الثلاثي الهجومي مجابهة «بوبي» في عدد اللمسات، حيث لمس الكرة 1500 مرة، صنع 10 أهداف من 88 تمريرة في الثلث الأخير للملعب، وتمكن من تمرير 237 تمريرة إلى الأمام. بجانب عدم خسارته للكرة بشكر متكرر في نصف ملعب الخصم، حيث يملك 376 خسارة للكرة فقط، مقابل 380 و397 لماني وصلاح على الترتيب.

بينما يتفوق السنغالي فيما يخص المراوغات بـ54 ناجحة من 86 محاولة، فإن فيرمينو الذي يملك نفس عدد المراوغات الناجحة من عدد محاولات أقل -85 محاولة- لم يخسر الصراع في أي مقارنة بينه وبين الثلاثي إلا في التسجيل والمراوغات فقط، بينما يملك الأفضلية في الأدوار الدفاعية والتمرير ومساعدة زملائه.

ما الذي يجعل صلاح زهيد السعر؟

بالرغم من تفوق صلاح في التسجيل، لكنه لا يملك النسبة الأعلى في إنهاء الفرص. حيث يمتلك الجناح الدولي السنغالي نسبة 20% في تحويل تصويباته إلى أهداف، بينما يمتلك صلاح نسبة 16% فقط، ويبتعد البرازيلي بـ9% فقط، مع احتفاظ الدولي المصري بأعلى عدد محاولات تصويب على المرمى -112 تصويبة.

تعتبر هذه الأرقام انخفاضًا واضحًا في أداء صلاح مقارنة بموسمه الأفضل في مسيرته المهنية، الموسم الأول مع ليفربول، والذي سجل خلاله 46 هدفًا. يعتقد «نيك برايت» محلل سكاي سبورت أن أنانية صلاح هي السبب في ذلك الانخفاض في القدرة على التسجيل.

رسخ المصري في عقول مدافعي كل الخصوم أن التصويب على المرمى ومحاولة ضرب الشباك هي الغرض الأسمى لديه، بالتالي يمتلك المدافع المواجه له جهة واحدة لإغلاقها وهي جهة المرمى، في حين يرى برايت أن تفكير صلاح في معاونة زملائه أكثر بعض الشيء، ستجعل هناك حالة من التنويع وبالتالي صعوبة في خيارات المدافعين من أمامه.

يمكنك بسهولة تذكر المشاجرة التي نشبت بين صلاح ورفيقه على الرواق الآخر. حينها قام موقع «talksport» بعقد مقارنة بين الثلاثي من حيث عدد الفرص التي صنعوها لبعضهم البعض، من أجل الفصل فيما إذا كان المصري لا يفضل التمرير لرفيقه ماني فعلًا، وهو ما اتضح بسهولة.

حيث صنع ماني لصلاح 43 فرصة سانحة للتسجيل، في حين لم يصنع له صلاح إلا 25 فرصة فقط في مقابل 34 فرصة صنعهم لزميله الآخر فيرمينو. وقتها بدأت الجماهير في النظر لصلاح بصورة مختلفة، بكونه عُنصرًا يؤثر على الانسيابية الهجومية التي مهدت لهم تلك السطوة الهجومية الواضحة.

لكن بالعودة لتصريح جيمي كاراجر، هل ذلك هو السبب الوحيد الذي سيجعل جماهير ليفربول تُضحي بصلاح بسهولة؟ الأكيد أن صلاح هو الأقل في الناحية الإمتاعية بالنسبة لجماهير الـ«ريدز». يعتقد «رود خوليت» أن جناح تشيلسي السابق «يغش»، ولا يقوم بنفس الجهد الذي يبذله زملاؤه.

يقوم صلاح بإيحاء أنه يقوم بنفس الجهد كالجميع، لكن في النهاية، هو لا يضغط مثلهم، بالتالي يخسر مقارنة الأرقام الدفاعية، ولا يصنع مثلهم، ولا حتى يراوغ مثلهم. بالنظر إلى مقارنة «Squawka»، تجد أن صلاح أتم 49 مراوغة من 81 محاولة للمرور من الخصم، في حين نجح ماني وبوبي في 54 مراوغة من 86 و85 محاولة على الترتيب.

لا يبتعد كثيرًا عن زملائه، لكن انظر إلى أماكن المراوغة ومدى جودتها، تكتشف أن ماني يحصل على أخطاء في مناطق أخطر من الثنائي، لأنه يراوغ بغرض صنع خطورة حقيقية. لذلك وقع ضد السنغالي 35 خطأ في مقابل 16 فقط لصالح محمد صلاح.

ضع كل ما سبق، وربما أكثر من الأسباب، تجد أن صلاح يُعتبر هو الأعلى قيمة سوقية بين كل زملائه، لكنه ربما الأقل شعبية بالنسبة لجماهير فريقه، حسب تأكيد أحد أكثر المُقربين منهم وهو الأسطورة جيمي كاراجر، لكن في المقابل، يعتبر صلاح الأكثر شعبية بلا منازع في مناطق أخرى، الوطن العربي بالتأكيد.

صراع الأكثر شعبية

في عام 2013، افتتح الاتحاد الإسباني أول مكتب لهم لإدارة شئونهم التسويقية داخل الوطن العربي، في مدينة دبي الإماراتية. بعد حوالي 7 سنوات، نجحوا في الحصول على 15 مليون متابع عربي على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

يمتلك الإسبان سياسة ناجحة للتسويق ونشر شعبية دوريهم داخل الأوساط العربية والخليج بشكلٍ خاص، يمكن وضع ذلك لأسباب وجود نجوم كـ«ليونيل ميسي» و«رونالدو»، وربما لاسباب أخرى، لكن الأهم أن لا دوري في العالم ينازع شعبية الدوري الإسباني في الأوساط العربية.

تقول «مايت فينتورا» المدير التنفيذي للدوري الإسباني، إن مباريات فريق إسبانيول تمتلك متابعة في الصين أكبر من لقاءات الكلاسيكو، يعود ذلك لتواجد الصيني «واو لي» في صفوف الفريق الكتالوني، وما قد تسعى إليه إدارة الاتحاد الإسباني في السنين القادمة هو أن تضم نجمًا كبيرًا من الوطن العربي ومن شمال أفريقيا، ولن تجد أفضل من صلاح للقيام بذلك الدور.

خروج صلاح من ليفربول يُعد مسألة ليست بالسهلة، لكنها تعتبر أسهل بكثير من خروج أحد زملائه، بالأخص حينما يكون أكثرهم ترحيبًا به في الفرق القادرة على دفع مقابله المادي.