خلق الله القلم أول الأشياء وأمره أن يكتب ما هو كائن ليوم القيامة، وكذلك حينما أرسل الله رسله، دائمًا ما ارتبطت رسالتهم بكتاب من عند الله يبقى لدى القوم، فإن هم التزموا بما فيه عاشوا حياة طيبة، وإن تركوه ضلوا.


ما الذي تحتويه هذه المجموعة من المقالات؟

البعض يرى بأن الكتابة موهبة، وأنا مثلهم أؤمن بأنها موهبة في الأساس، لكن يمكن لأي شخص أن يكتسبها أو يعمل على تنميتها طوال الوقت

هذه المجموعة تتكون من ثمان مقالات، أربعة مقالات تتحدث عن الكتابة بشكل عام، بداية من تعريف الكتابة، مرورًا بالأغراض المختلفة منها، والمراحل التي تمر بها عملية الكتابة حتى يخرج العمل الأدبي، ختامًا بمجموعة من العوامل التي تساعد على تحسين عملية الكتابة. مقالان نتناول فيهما الحديث عن أنواع محددة من الكتابة مثل المقال والخاطرة والقصة، ومقالان نستعرض في أحدهما مجموعة من فيديوهات ted التي تفيد في الكتابة، والآخر مجموعة من النصائح وهذا سيكون المقال الختامي.

كنت أحاول عبر هذه المقالات أن أجعل منها دليلًا يمكنه أن يساعد أي شخص، سواءً كان يكتب بالفعل، أو سيبدأ في طريق الكتابة، ولذلك سعيت أثناء كتابة هذه المقالات إلى تغطية كل ما يمكنه أن يفيد أي باحث عن وسيلة لكي يبدأ في رحلة الكتابة.

البعض يرى بأن الكتابة موهبة، وأنا مثلهم أؤمن بأنها موهبة في الأساس، لكن يمكن لأي شخص أن يكتسبها أو يعمل على تنميتها طوال الوقت. فكما يقول توماس إديسون «النجاح 1 % موهبة، 99 % جهد»، ولذلك أنا أوضح بأن هذه المقالات لا تساعد الشخص على اكتساب موهبة الكتابة، لكنها تساعده على أن يطور من الموهبة الموجودة لديه، ولتحقيق هذا الأمر فإنه في آخر بعض مقالات هذه المجموعة سيكون هناك بعض التدريبات التي تساعد على تنمية الكتابة، وكل تدريب سيكون مرتبطًا بموضوع المقال الأساسي، وسيكون هناك شرح للغرض من ممارسته بعد عرض كيفية تنفيذه، حتى يتاح للشخص معرفة لماذا يقوم بتنفيذ هذا النشاط بالتحديد. ويمكننا الآن بعد هذه المقدمة أن نبدأ في المقال الأول.


أهمية الكتابة

يعد اختراع الكتابة من أبرز الاختراعات التي ساهمت في تنمية البشرية عبر تاريخها، فمن خلال الكتابة أمكننا تناقل العلم والمعرفة بين الأجيال المختلفة، فصار العالم كله وحدة واحدة قادر على التطور والإنجاز في شتى مجالات الحياة.

والكتابة لم تساهم فقط في نقل المعرفة إلينا، وإنما أمكننا من خلال مختلف أنواعها العيش في الأجواء التي كانت تسيطر على الأمم.

بدأت الكتابة أول الأمر في حضارة بلاد الرافدين لدى السومريين، قبل ما يقرب من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، ونحن هنا حين نتحدث عن الكتابة فإننا نقصد التدوين.

والكتابة لم تساهم فقط في نقل المعرفة إلينا، وإنما أمكننا من خلال مختلف أنواعها العيش في الأجواء التي كانت تسيطر على الأمم، وأصبحنا نحيا في المشاهد المختلفة عبر ما يكتب.

فحين نقرأ المعلقات (وهي أشهر ما كتبه العرب في الشعر) ندرك كيف كانت حياة العرب في هذا الوقت، فهذه المعلقات في الغالب تبدأ بذكر الأطلال ومحبوبة الشاعر، فعرفنا منها كيف كانت حياة العرب بالضبط في هذه الفترة من ترحال وفقد للأحبة، بل وكنا نعيش مشاعر هذه الفترة أيضًا من إبداع الشاعر، فنجد أن شعورنا يتمزج سويًا مع شعوره.

الكتابة هي التي تضمن لنا حفظ التاريخ، من خلال تدوين كل ما يحدث في كل الأمم والعصور، والتدوين لن تجده من وجهة نظر واحدة فقط، بل الحق مكفول للجميع أن يكتب، فتجد العديد من المصادر التي تتحدث عن التاريخ والفترات الزمنية المختلفة.

لا تقدم بدون بداية، لن تصل إلى الرقم مائة بدون المرور على الرقم واحد. إذا طبقنا هذا المبدأ في حياتنا سنجد أن الكتابة هي التي تسهل علينا البداية، وكذلك تسهل علينا التقدم.


كوبرنيكوس مثالًا

كوبرنيكوس هو العالم الذي ساهم في التأسيس لعلم الفلك بمفهومه المعروف حاليًا، ماذا فعل بالتحديد؟

ساد اعتقاد قديمًا بأن الأرض هي مركز الكون، والأجرام السماوية بما فيها الشمس هي التي تدور حول الأرض. لم يقتنع كوبرنيكوس بهذا الأمر، وقام بعمل بعض الحسابات والتجارب حتى وصل إلى نتيجة قاطعة: الأرض ليست هي مركز الكون، والشمس هي مركز المجموعة الشمسية التي نحن موجودون بها حاليًا.

طبعًا قوبل هذا الاعتقاد بالمواجهة والاتهام بالزندقة والتكفير والتشكيك في المسيحية، لكن كتاب (دورة الأفلاك السماوية) الذي وضعه كوبرنيكوس ساهم في إظهار الحقيقة، وأصبحنا الآن نعرف بأن ما كتبه هو الصواب، والاعتقاد القديم هو الخطأ.

وكانت هذه البداية التي فتحت المجال لعلم الفلك بشكله الحالي. ولو رجع أحدنا للبداية، لوجد أن ما كتبه كوبرنيكوس معلومات بدائية جدًا، لكن بدونها لما تقدمنا، والأهم أنه لو لم يُنقل لنا اعتقاد كوبرنيكوس، أو لم يكتبه هو أو غيره حتى يصل إلينا، لما حدث أي شيء.

وهذا الأمر يمكن تطبيقه على مختلف العلوم الأخرى، والتي ساهمت الكتابة في تطويرها، وما زالت تخضع للتطوير حتى الآن.


ما هو تعريف الكتابة؟

حين تبحث تجد أن هناك العديد من التعريفات، وحاولت اختيار أبسط هذه التعريفات وأشملها، فيكون تعريف الكتابة كالتالي:

ليتاح لنا فهم التعريف بشكل جيد، سنقسم كل جزئية ونتحدث عنها على حدة:

الجزء الأول: «الكتابة هي عملية معقدة، في ذاتها كفاءة أو قدرة على تصور الأفكار» يمكننا أن نعتبر هذا الجزء الأفكار المبدئية التي تطرأ على ذهن الكاتب، وهي ليست عملية سهلة بالمرة، فتصور الأفكار في الذهن يتطلب مجهودًا كبيرًا، خصوصًا في الأعمال الكبيرة.

الجزء الثاني: «وتصويرها في حروف وكلمات وتراكيب صحيحة نحوًا، وفي أساليب متنوعة المدى والعمق والطلاقة، مع عرض تلك الأفكار في وضوح، ومعالجتها في تتابع وتتدفق» يمكننا أن نعتبر هذا الجزء هو تحويل الأفكار إلى الشيء المكتوب، مع مراعاة العديد من العناصر:

العنصر الأول: اختيار الألفاظ والكلمات المناسبة، والمحافظة على قواعد اللغة والتركيب السليم للجمل.

العنصر الثاني: أسلوب الكتابة، وهو يختلف من شخص لآخر بالتأكيد، ويختلف من موضوع لآخر كذلك، فكل كاتب له أسلوبه في الكتابة، وكل كاتب يطور من أسلوبه ويشكله حسب الموضوع الذي يتحدث عنه.

العنصر الثالث: الترابط، فبعد اختيار الألفاظ والكلمات المناسبة، واختيار الأسلوب المناسب، سيكون على الكاتب معالجة أفكاره في تسلسل واضح ومترابط، بحيث يساهم في وصول فكرته إلى القارئ.

ويمكننا القول بالطبع إن هذا الجزء هو الأصعب في عملية الكتابة، فكثيرًا ما شعر أحدنا أنه يريد التعبير عن فكرة معينة، لكنه لم يعرف كيف يمكنه أن يفعل ذلك. وقد يكون هذا الأمر منطقيًا، فالقدرة على تحويل الأفكار إلى شيء مكتوب بصورته المناسبة من ناحية الألفاظ والأسلوب ليس بالشيء السهل بالمرة، ولكنه مع المحاولات المتكررة يصبح أكثر قابلية لتطبيقه دون عناء.

الجزء الثالث: «ثم تنقيح الأفكار والتراكيب التي تعرضها بشكل يدعو إلى مزيد من الضبط والتفكير» يمكننا أن نعتبر هذا الجزء هو عملية المراجعة للعمل المقدم. ومن الأمور الخاطئة التي يقع فيها الكاتب أنه لا يراجع ما يكتبه، لأي سبب كان سواء التعجل في نشر المكتوب، أو كذلك عدم الرغبة أو القدرة على مراجعة العمل، فهذه مبررات غير مقنعة بالتأكيد، والمؤكد أن مراجعة العمل تساعد على تطويره، بحيث يصبح في شكله النهائي.


تدريب المقال

الكتابة هي عملية معقدة، في ذاتها كفاءة أو قدرة على تصور الأفكار، وتصويرها في حروف وكلمات وتراكيب صحيحة نحوًا، وفي أساليب متنوعة المدى والعمق والطلاقة، مع عرض تلك الأفكار في وضوح، ومعالجتها في تتابع وتتدفق، ثم تنقيح الأفكار والتراكيب التي تعرضها بشكل يدعو إلى مزيد من الضبط والتفكير.

فكرة التدريب هو نشاط أو مجموعة من الأنشطة التي يؤديها الشخص عندما ينتهي من قراءة المقال، وهي مبنية على رغبة الشخص في التعلم؛ لذلك فإنه يؤدي النشاط بمفرده في المنزل ليتأكد من فهم المقال بالشكل الصحيح.

سنبدأ هذا المقال بتدريب بسيط جدًا، الغرض الأساسي منه هو تحديد الشخص لرؤيته حول الكتابة، ويكون ذلك من خلال كتابة كل شخص لتعريف عملية الكتابة بالنسبة له، ويحدد أهميتها في حياته وحياة المجتمع.

في هذا المقال تعرضنا للحديث عن تاريخ الكتابة وأهميتها، وكذلك تحدثنا عن تعريفها بشكل بسيط. في المقال القادم سنبدأ بالحديث عن الكتابة وأغراضها وأنواعها، نلتقي على خير إن شاء الله.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.