يقول أحد أصدقائي: «دائمًا وأبدًا ما كان القلم هو وسيلة التغير الأساسية في المجتمع، لذلك فإن معيار تقدم الشعوب هو الأفراد الذين وقع على عاتقهم حمل هذا القلم. من أراد التغير عليه بانتقاء ونقد هؤلاء دائمًا وأبدًا إلى أن يستقيموا أو أن يعتزلوا».

ولن أضيف على هذا الكلام شيئًا في مقدمة هذا المقال، لكنني سأؤكد على الأهمية الشديدة للكتابة ومدى تأثيرها، وكنا قد تحدثنا في المقال السابق عن تاريخ الكتابة وأهميتها، وكذلك تعرضنا لتعريف الكتابة بشكل سريع، والآن نستكمل حديثنا عن الكتابة وأغراضها وأنواعها.


أغراض الكتابة

يصنف الباحثون الكتابة من حيث طريقة الكتابة والصياغة إلى نوعين: الكتابة الوظيفية، الكتابة الإبداعية.

فأيًا كان نوع الكتابة، فلا بد وأن للكاتب غرض يسعى للوصول إليه، ويختار نوع الكتابة بناءً على معطيات متعددة، منها: الجمهور المتلقي، الفكرة، الغرض المراد إيصاله، الأسلوب الأنسب، …إلخ. إذًا من هنا نسأل أنفسنا سؤالًا: ما هي الأغراض المختلفة للكتابة؟

هل تذكر كوبرنيكوس؟ العالم الذي تحدثنا عنه في المقال الأول، وعن دوره في تأسيس علم الفلك بشكله الحديث.

سنتخيل في كل نوع من الأنواع القادمة كيف كان كوبرنيكوس ليحدثنا عن نظريته باختلاف كل غرض، لنبدأ معًا.

1. كتابة تعبيرية

أي أن الكاتب في هذا الجزء يقوم بالتعبير عن آرائه الشخصية وخبراته، وهنا لا يكون هناك مجال للاختلاف مع الأفراد المتلقيين لأن الكاتب يعبر عن رأيه الشخصي، أو يعبر عن خبرة شخصية، فهي أمور تخصه هو في المقام الأول، والغرض الأساسي منها هو المشاركة مع المتلقي بغرض نقل الاستفادة مثلًا أو لفت الانتباه لنقطة معينة وليس إقناعه.

مثال كوبرنيكوس: أنا أرى بأن الأرض ليست هي مركز الكون، إنما الشمس هي مركز المجموعة التي نحيا بها، لقد توصلت لهذا بعد تجارب عديدة، ويسرني أن أنقل لكم هذا الاكتشاف.

2. كتابة إقناعية

هنا يركز الكاتب على رغبته في إقناع المتلقي بالمكتوب، فيبدأ في تقديم أدلته المنطقية التي تدعم الفكرة التي يدعو إليها، أو الرأي الذي يتبعه ويرغب في إقناع الناس به.

مثال كوبرنيكوس: لقد نجحت في إثبات أن الأرض ليست هي مركز الكون، بل الشمس هي مركز المجموعة التي نحيا بها، وأدلتي على هذا الأمر كالتالي: …، وهذا يؤكد وجهة النظر التي أدعو إليها.

3. كتابة تفسيرية «توضيحية»

وهي التي تعتمد على الاستفاضة في الشرح، وتقديم أمثلة على الشيء المشروح، في الغالب يلجأ الكاتب لهذا النوع لتبسيط مسألة معينة للناس، أو يشرح نقطة غير مفهومة، أو صعبة على المتلقي أن يفهمها بمفرده، ومن هنا تأتي الأمثلة لزيادة التوضيح.

على أننا نلفت الانتباه بأن المثال لا يعد دليلًا يمكن أن يحتج به أحد، وهذه نقطة مهمة جدًا، فهناك من يظن بأن تقديمه لأمثلة يغنيه عن توفير دليل، وهنا نؤكد على فكرة أن الأمثلة تقوي الشرح وتثبت الفكرة لدى المتلقي، لكنها ليست دليل معتمد.

مثال كوبرنيكوس: تقول النظرية أن الأرض هي مركز الكون، ويستدل البعض لإثبات هذه النظرية على أن بعض الكواكب تدور حول الأرض في عام كامل، ولكن في الواقع ذلك لا يحدث بل الأرض هي التي تدور حول الشمس في عام واحد، فيبدو للبعض أن هذه الكواكب تدور حول الأرض بفعل تشابه الحركة ومدة الدوران.

4. كتابة جدلية

الكتابة الجدلية تعتمد في أساسها على النقاش أو عرض المغالطات أو المتناقضات في أمر معين، ويكون في هذا النوع كذلك عرض للآراء، والأهم في كل ذلك هو الالتزام بعرض الأدلة وتقديم الحجج المناسبة لتأكيد الفكرة التي يدعو إليها الشخص، حتى يتمكن المتلقي من مقارنة الآراء ببعضها وتحديد أيها الصواب وأيها الخطأ.

مثال كوبرنيكوس: النظرية التي تقول بأن الأرض هي مركز الكون هي نظرية خاطئة، وذلك للأسباب التالية: …، والدليل على ذلك: …، وفي الواقع الشمس هي مركز المجموعة، وذلك للأسباب التالية: …، والدليل على ذلك: …، وبالتالي فإن نظريتي هي الأقرب للصواب.

5. كتابة وصفية

هذا النوع من الكتابة يعتمد على ذكر تفاصيل الشيء من جميع النواحي حتى يتسنى للمتلقي فهمها، فالكاتب حين يسعى إلى نقل صورة معينة للأفراد يلجأ لهذا النوع من الكتابة.

مثال كوبرنيكوس: نظريتي تقول بأن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، والافتراضات التي بنيت عليها هذه النظرية كالتالي: …، والتجارب التي قمت بها لإثبات النظرية كالتالي: …، والاستنتاجات التي خرجت بها كالتالي: …، فهذه هي تفاصيل النظرية التي خرجت بها حول مركزية الشمس.


هل يمكن تحقيق أكثر من غرض في أثناء عملية الكتابة؟

نعم يمكن ذلك، بل في أغلب الأوقات يسعى كل كاتب لتحقيق أكثر من غرض في عملية الكتابة، وذلك بناءً على الفكرة التي يرغب في طرحها على الأفراد.

فبالتأكيد يمكننا أن نقول أن كوبرنيكوس اعتمد على تحقيق كل هذه الأغراض في شرح نظريته، باختلاف أنواع المتلقين أمامه الذين ناقشوه أو طلبوا فهم نظريته، أو اعترضوا عليها اعتراض كامل.


أنواع الكتابة

نعود إلى الأنواع التي تحدثنا عنها في بداية المقال من حيث طريقة الكتابة أو الصياغة: الكتابة الوظيفية، الكتابة الإبداعية.

الكتابة الوظيفية: هذا النوع من الكتابة يعبر عن أنواع الكتابة التي تختص بتحقيق أغراض معينة في حياة البشر، ومطالب حياتهم.

بعض مجالات الكتابة الوظيفية كالتالي: التلخيص، كتابة الرسائل، كتابة الخطابات، تدوين الملاحظات، كتابة الاستمارات، كتابة التقارير، كتابة محاضر الجلسات، كتابة الاجتماعات، كتابة الإعلانات، كتابة اللافتات، كتابة الإرشادات، كتابة المراجع، كتابة السيرة الذاتية للتوظيف في عمل ما، كتابة الأوراق البحثية.

بعض مجالات الكتابة الإبداعية كالتالي: الشعر، الرواية، القصة، القصة القصيرة، المقال، الخاطرة، المسرحية.

وهي تعتمد على مهارة الكاتب وصياغته للتعبير عن الفكرة بالشكل الذي يراه صحيحًا، وبالطريقة التي تؤثر في المتلقي، ومن هنا سميت كتابة إبداعية، لأنها تعتمد على مقدرة الكاتب على أن يخلق شيء من العدم، أن يخلق عمله –باختلاف نوعه– من مجرد فكرة تدور في ذهنه.

وسيكون لنا حديث باستفاضة في المقالات القادمة عن بعض أنواع الكتابة الإبداعية.


تدريب المقال

*فكرة التدريب: هو نشاط أو مجموعة من الأنشطة التي يؤديها الشخص عندما ينتهي من قراءة المقال، وهي مبنية على رغبة الشخص في التعلم، لذلك فإنه يؤدي النشاط بمفرده في المنزل ليتأكد من فهم المقال بالشكل الصحيح.

في هذا المقال نستعرض مجموعة من التدريبات المختلفة التي يمكن تنفيذها.

1. تحديد فكرة أو مجموعة من الأفكار، وبعد ذلك يكتب الشخص عن هذه الفكرة طبقًا لأغراض الكتابة التي ذكرناها، كل غرض بمفرده.

2. تحديد فكرة أو مجموعة من الأفكار، وبعد ذلك يكتب الشخص عن هذه الفكرة باستخدام غرضين أو ثلاثة فقط من أغراض الكتابة.

الغرض من هذه التدريبات هو أن يحدد الشخص لنفسه إن كان قادرًا على تحديد غرضه من الكتابة أو لا، وأيضًا إن كان قادرًا على الدمج بين الأغراض المختلفة في كتابته.

في هذا المقال تعرضنا للحديث عن أنواع الكتابة سواءً من حيث الغرض أو من حيث الصياغة، وفي المقال القادم سيكون لنا حديث عن كيفية بناء أي عمل من اللحظة الأولى وحتى النشر، نلتقي على خير إن شاء الله.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.