من الجيد أن نعرف تجارب الآخرين، ما الذي يدفعهم نحو الكتابة، وكيف يفكر كل منهم حين ينوي كتابة أي عمل، وكذلك أن ندرك شعورهم الحقيقي نحو الكتابة وتأثيرها في حياتهم، لذلك في هذا المقال نستعرض معًا مجموعة من فيديوهات عبر موقع ted، لمجموعة مختلفة من الكتّاب ورواة القصص، حيث يحكي كل شخص منهم عن الكتابة وتجربته معها ومنظوره الذي يؤمن به ناحية الكتابة، والغرض من هذه الفيديوهات ليس تعليميًا في المقام الأول فهي لن تعلمنا كيف نكتب، لكنها ربما تجعلنا نرى الكتابة بمنظور مختلف لم نعتد عليه من قبل من مشاركة هذه التجارب، وبعد ذلك يمكننا أن نتابع رحلتنا نحو مجالات الكتابة الإبداعية في المقال القادم.


1. الخيوط إلى قصة عظيمة

يتحدث أندرو ستانتون (مخرج ومؤلف وكاتب سيناريو لأفلام الرسوم المتحركة، مؤلف فيلم: البحث عن نيمو) في هذا الفيديو عن القصص في حياتنا ومدى تأثيرها علينا، وكيف أن القصص تعمق وجودنا في الحياة، وأن جوهر النجاح للقصة يعتمد على مقدرة الكاتب على جعلنا نهتم بما جاء فيها.

يتحدث أندرو كذلك عن رغبة الجمهور في البحث فيما وراء القصة، التعمق في أحداثها ومحاولة استنتاج أو فهم ما بها، وبالتالي ليس عليك أن تقدم لهم كل شيء في القصة.

القصة العظيمة تعطينا وعدًا أن الأحداث القادمة بها تستحق حقًا أن نستمع إليها، وأنه يمكننا إثارة الصراع في القصة، بحيث يرغب الجمهور في معرفة ما سيحدث على المدى القريب، والأهم من ذلك هو الرغبة في معرفة ما سيحدث على المدى البعيد.

كذلك يتحدث عن أن القصة لها توجيهات مساعدة وليس قواعد صارمة، فأنت يمكنك أن تخلق لنفسك القواعد التي تريدها في كتابة القصة، وتلتزم بالتوجيهات الموجودة من قبل كعامل مساعد في الكتابة، لأنه من خلال هذا يمكنك أن تنسج خيوطك الشخصية معًا نحو كتابة قصة عظيمة.


2. عبقريتك الإبداعية بعيدة المنال

تتحدث إليزابيث جيلبرت (كاتبة ومؤلفة رواية: كل،صلِّ،أحب) في هذا الفيديو عن عبقرية الإبداع الخاصة بالكاتب، والخوف الذي يتعلق بردود الأفعال حول ما يكتبه الشخص، بشكل قد يدفعه إلى التفكير كثيرًا حول مستقبله في الكتابة.

وتتحدث أيضًا عن الإشارات الإبداعية الداخلية، وكيف يحاول كل منا السيطرة عليها من خلال تجارب تحكيها عن بعض الأشخاص، وكيف يجب علينا ألا نقلل بسبب هذه الإشارات.

تعرض إليزابيث أيضًا قضية هامة يفكر فيها كل شخص أثناء الكتابة، والتساؤلات حول جودة العمل الذي يُكتب حاليًا، وقرار تقديمه إلى الجمهور، والتفكير حول نجاح الكتابة أو عدم نجاحها، وتقرر في النهاية أن الأهم هو أن يقوم الكاتب بعمله، أن يمارس الكتابة مهما حدث، فإن لاقى ما كتبه الإعجاب كان هذا شيئًا عظيمًا، أما إن لم يلقى القبول المطلوب، فهو سوف يستمر في الكتابة على أية حال.


3. أي خوف يمكن أن يعلمنا؟

تتحدث كارين توماسون (كاتبة ومؤلفة كتاب: عصر المعجزات) في هذا الفيديو عن الخوف، والشبه الذي يجمع بين الخوف وبين رواية القصص، وكيف أنهما يشتركان في نفس البنية.

مخاوفنا تؤثر في اختياراتنا، توضح كارين هذا الأمر في الفيديو من خلال حكاية (سفينة إسكس)، والتي كانت سببًا في إلهام الروائي هرمان ملفيل لكتابة قصته المشهورة (موبي ديك)، وفي الحكاية الحقيقية كان لدى أفراد السفينة ثلاثة اختيارات للنجاة من الموت، فجاء اختيارهم النهائي مبنيًا على مخاوفهم.

الخوف لا يعتبر دائمًا أمرًا سيئًا، بل إنه يمكن أن يكون فعالًا جدًا في حياتنا، فالأمر يعتمد على كيفية تعاملنا معه، لو أننا احترمنا مخاوفنا حقًا واستمعنا إليها جيدًا، ربما كانت سببًا في نجاحنا في المستقبل.

وفي الكتابة فإن استغلال المخاوف بالشكل الصحيح، والاستماع إليها يمكنه أن يخلق أعظم القصص، والتي إن نظرت إليها لوجدتها تقترب من الحقيقة جدًا، فالخوف يمكنه أن يعلمنا الإبداع المرتبط بحقائق تعيش بداخلنا جميعًا، كما حدث مع هرمان في قصته.


4. سياسات الأدب

تتحدث إليف شافاق (كاتبة ومؤلفة كتاب: قواعد العشق الأربعون) في هذا الفيديو عن الأدب وأهميته، وتتطرق للحديث عن القصص وكيف تكمل بعض النقص في شخصياتنا، لتصل بنا في النهاية إلى الشخصية التي نريدها.

تتحدث إليف عن أهمية الأدب في إزالة الحواجز الموجودة بين الجميع، وأن القصة لا يجب أن تصنف على أنها تعبير عن صاحبها، أو ما يمكنني أن أعتبره هنا تدوين للهوية، بل إنها تصنف كقصة ولا تخرج هذا عن الإطار أبدًا، وهذا ليس تقليلًا من القصص، بل لعله ما يعطيها حقها في أن يُنظر إليها بالشكل الصحيح.

وتؤكد إليف أن الأدب الحقيقي هو ما يجب أن يأخذنا بعيدًا عن ذاتنا، يتيح لنا أن نشعر بما يُكتب حقًا، ويصنع تغييرًا في شخصياتنا، وأن عظمة ما يُكتب يكمن في مقدرته على أن يوحّدنا ويزيل الحدود بيننا.


5. النجاح والفشل ومحاولة الحفاظ على الإبداع

تتحدث إليزابيث جيلبرت (كاتبة ومؤلفة رواية: كل،صلِّ،أحب) عن المحاولات الدائمة للنجاح في الكتابة، والتجارب الفاشلة التي نمر بها جميعنا، أو على الأقل إن لم نمر بها فإننا نخشى أن نقع ضحية لها.

وتحكي كيف كان عملها الذي تقدمه للنشر يُرفض لمدة 6 سنوات، وتفكيرها في أن تبتعد عن الكتابة بسبب الفشل، لكنها في كل مرة تقرر أن الاستمرار فيما تحب أهم من التوقف بسبب الفشل، وأن عليها دائمًا أن تعود إلى الديار، وديارها الحقيقية هي الكتابة.

ترى إليزابيث أن الديار هي أي شيء تحبه، فإن كنت تحب الكتابة، ليس المهم هو أن تخشى من الفشل، أو تسعى إلى النجاح فقط، أو حتى تقلق حول مستوى النجاح المتوقع لك، بل المهم هو أن تفعل ما تريده وأن تكتب، لتظل دائمًا في ديارك ولا تبتعد عنها.


لماذا نستمع إلى هؤلاء؟

الحقيقة أن هذا ليس عنوان لفيديو آخر في المقال، لكنني عندما كنت أستمع إلى هذه التجارب كنت أشعر بأنني أعيش في داخل التجربة فعلًا.

ليس الأمر مجرد حديث ينطق به أحدهم ليقنعك بأن الكتابة سهلة، أو يخبرك بأن تستمر في الكتابة دون أن تهتم بأي شيء آخر، لكنه ينقل إليك تجربته الحقيقية.

يتحدث معك كيف كانت تجربته تمر بالعديد من المراحل حتى يصل إلى ما يحلم به، وأنه يمكن لنا أن نخوض الرحلة حتى نصل إلى ما نريد.

فقط علينا أن نؤمن حقًا بما نفعل، وأن نعرف بأن الرحلة تحتاج إلى الصبر والعمل الجاد، وأن نطلق العنان للإبداع بداخلنا دون أن نترك أي شيء يؤثر علينا، أو كما قال باولو كويلو «آمن وإن لم يؤمن بك أحد». فهذا هو منظوري الفعلي للكتابة، إيمان برسالةٍ أؤديها في الحياة، ويومًا ما ستصل إلى الجميع.

نعود من المقال القادم إن شاء الله للحديث عن الكتابة الإبداعية، وسنبدأ بالمقال والخاطرة، وسننتهي بالقصة في المقال التالي، نلتقي على خير إن شاء الله.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.