عندما بدأت كتابة هذه المجموعة من المقالات، كنت أعرف بأنها يجب أن تكون تطبيقًا حرفيًا لفكرة «كيف يُكتب المقال»، فإن كنت أدعو إلى فكرة معينة، يجب أن أحرص على أن أكون أول المطبقين لها بالتأكيد، لكن دعنا نتفق من البداية أنه لا قواعد ثابتة بخصوص الكتابة الإبداعية، فقط أنت وأسلوبك وما تقدمه للقارئ، وهنا أستعين بكلمة قالها الكاتب محمد أبو الغيط «قواعد كتابة المقال، هي عبارة عن مقادير للطبخة، لا يوجد طبختين متماثلتين، ولا يجب استخدام كل المقادير في كل طبخة»، ومن هنا نبدأ حديثنا.


تحديد الفكرة

يتميز المقال دائمًا بأنه يفرض عليك فرضًا داخليًا بأن تعالج فكرة معينة أو قضية محددة في المقال، وحول هذه الفكرة أنت تبني مقالك كما تريد.

أفضل الأفكار في كتابة المقال تحديدًا هي التي تواكب الأحداث الحالية، ولذلك يفضل أن تكون متابعًا لما يحدث حتى تختار الأفكار الطازجة وتقدمها للقارئ.

ولكن ماذا إن قررت أن تكتب في قضية حدثت منذ وقت طويل؟ هنا مهارتك في أن تجعل القارئ يشعر بأن الموضوع جديد، أو يشعر بأهمية أن يقرأ مقال يتحدث عن هذه القضية في الوقت الحالي.

أما إن كنت تكتب في قضايا معاصرة بشكل عام، فاحرص على إسقاطها على حياة الأفراد، بحيث يشعر القارئ أن مقالك يخاطبه هو، وأن رسالتك تختص به دونًا عن البقية.

تذكر كوبرنيكوس؟ أتمنى ألا تنساه، فلم أجد مرافق أفضل منه في رحلتي مع هذه المقالات حتى الآن، لو أراد أن يصيغ فكرته ليتحدث عنها، ماذا يمكن أن تكون؟ بالتأكيد سيحدثنا عن خطأ أن الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس هي مركز المجموعة، وأن هذا الكشف هام جدًا للجميع.


كتابة المقال

1. تحديد الأسلوب المناسب للمقال: طبقًا لطبيعة الفكرة التي ترغب في الكتابة عليها، يمكنك اختيار الأسلوب المناسب، واللغة الجيدة التي تشد انتباه القارئ، وحاول في المقال ألا تعتمد على الأسلوب العاطفي فقط للتأثير في الناس، بل يفضل أن تذكر بعض المعلومات والحقائق لدعم الفكرة.

2. اختيار العنوان: من الأمور الهامة والتي تميز المقالات هو اختيارك للعنوان، فالعنوان قد يكون العامل الذي يدفع القارئ إلى الدخول لمقالك وقراءة الموجود به، وبالتالي تجنب العناوين التقليدية، وكن حريصًا على عنوان يناسب طبيعة الموضوع، ويحتوي على عامل جذب.

3. المقدمة: المقدمة قد تؤدي دورًا مثل العنوان في المقالات، ومعها قد يقرر القارئ إن كان سيتابع رحلته مع مقالك أو لا، لا تكتب مقدمة طويلة جدًا، بل اجعلها بسيطة وجذابة قدر الإمكان.

4. طول المقال: في البداية لا داعي لمحاولتك أن تكتب وكأنها آخر مرة تكتب في هذا المقال، وبالتالي لا تخرج كل الأفكار التي لديك بدون أن تكون مناسبة للمقال، احرص على أن يكون طول المقال مناسب للقارئ، مثلًا متوسط عدد الكلمات المناسبة في المقال 1000 كلمة، واعلم أن الزيادة لا تكون فعّالة دائمًا.

5. تقسيم المقال إلى فقرات: خطأ شائع لدى البعض أن يكتب مقاله كوحدة واحدة، عبارة عن مجموعة من الكلمات المرصوصة، حتى وإن كان مقالك رائع جدًا، لكن لا أحد سيحب أن يقرأه بهذا الشكل.

ويفضل أن تقوم بتقسيم المقال إلى مجموعة من الفقرات المناسبة، وتضع لكل فقرة عنوان فرعي يعبر عنها، وهكذا حتى آخر فكرة في المقال.

6. الخاتمة: آخر شيء يتذكره الناس هو النهاية، ولذلك يعتبر شيء جيد أن تقوم بصياغة خاتمة مختلفة، سواءً كانت تلخيص لفكرة المقال، أو تذكير بأهم ما جاء فيه.

7. تنسيق المقال: من الأمور الهامة أن تقوم بتنسيق مقالك، اهتم بعلامات الترقيم، وبتقسيم الفقرات إلى مجموعة من الجمل، وإن كانت هناك صور مناسبة لكل فقرة يمكنك أن تضعها، فكل هذه العوامل تعطي القاريء إحساسًا بالراحة أثناء القراءة.

8. مراجعة المقال: المراجعة بالنسبة لي لا تقل أهمية أبدًا عن الكتابة، بل عليك أن تقوم بها دائمًا، وأن تحاول قراءة المقال من وجهة نظر القراء، ولو وجدت هناك شيء يحتاج إلى تعديل، يمكنك أن تقوم بتعديله، وكذلك تراجع الغلطات النحوية والإملائية، ونحن تحدثنا عن المراجعة في عمليات الكتابة، يمكنك أن تعود إلى هذا المقال وتقرأه مرة أخرى.


ما الفارق بين الخاطرة والمقال

يخلط البعض بين كتابة الخاطرة، وكتابة المقال، ولكنهما مختلفان تمامًا فيما بينهما، والكاتب الذي يبحث عن التعريفات يعرف هذا الأمر بالتأكيد.

لماذا الخلط إذًا؟ يمكن أن نقول بأن من ينظر إلى الخاطرة دون فحص سيعتقد بأنها مقالًا مكتوبًا، أو العكس.

هذا لأنه يمكنك أن تستخدم نفس التقسيم في الاثنين «العنوان، المقدمة، المحتوى، الخاتمة» وبسبب التشابه في الطول بينهما، فيحدث الخلط.

المقال تحدثنا عنه، أما الخاطرة فإنني أميل إلى اعتبارها فن حر أكثر منه فن يلزمك بقواعد محددة، فالخاطرة يمكنك أن تكتبها كوحدة واحدة، مقسمة إلى فقرات، لكن بدون الحاجة إلى الفصل بين هذه الفقرات.

لا يمكن أن تفرض على نفسك أسلوبًا معينًا في الكتابة، بل تطلق الخيال لنفسك في اختيار الأسلوب الذي يناسبك، وحتى الفكرة يمكن أن تكون خيالية تعبر عن شيء يدور في ذهنك أنت لا من الواقع، أو تعبر عن فكرة شخصية بحتة.

تتميز الخاطرة بأنها تفتح المساحة لك لأن تعبر عن أي شيء تريده، بل قد لا تحتاج إلى وجود معلومات من الأساس، وإن اعتمدت على العاطفة هذا كافي جدًا.

في الأغلب نعتمد جميعنا على كتابة الخواطر للتعبير عما يدور بداخلنا، سواءً كان هذا الشيء شخصي أو مجتمعي، نحاول أن نخرج كل شيء في الذهن، ليكون مكتوبًا أمامنا.

ولكن هذا لا يعني أن تكون الخاطرة خالية من الإبداع، فالقارئ لن يتأثر بما تكتب، إلا إن تمكنت فعلًا من أن تكتبه بطريقة إبداعية، وهنا الفارق الذي يميز كتابة شخص عن الآخر.

تخيل لو أن كوبرنيكوس قرر أن يكتب خاطرة عما يدور في ذهنه؟ سنجد أننا أمام تساؤلات وأفكار شخصية بحتة يتم طرحها، وقد لا يتم تناولها أو نقاشها بشكل جدي، قدر الاهتمام بالتركيز على مقدرة كوبرنيكوس على التفكير والتعبير عما يدور في ذهنه، وقد تُصنف على أنها كلام خيالي فقط، لا يؤخذ على محمل الجد، ولذلك يعتبر أفضل أن يقدم لنا كوبرنيكوس فكرته في مقال، وقتها سيأخذها الجميع على محمل الجد، وسيفكر في الحلول والنظريات التي يريد تقديمها، هل أدركت الفارق الآن؟


تدريب المقال

فكرة التدريب: هو نشاط أو مجموعة من الأنشطة التي يؤديها الشخص عندما ينتهي من قراءة المقال، وهي مبنية على رغبة الشخص في التعلم، لذلك فإنه يؤدي النشاط بمفرده في المنزل ليتأكد من فهم المقال بالشكل الصحيح.

في هذا المقال نستعرض مجموعة من التدريبات المختلفة التي يمكن تنفيذها:

1. اختر لنفسك فكرة معينة، ثم اكتب عنها مقالًا وخاطرة، وقارن بين الاثنين، كرر التجربة أكثر من مرة حتى تجد نفسك قادرًا على كتابة مقال وخاطرة بالشكل الصحيح.

2. حدد مقالًا معينًا، سواء من النشاط رقم 1 أو من مقالات خارجية أو من مقالات قديمة لك إن وجدت، وقم بتغيير عنصر من عناصر المقال «العنوان، المقدمة، الخاتمة، محتوى المقال» مع ثبات العناصر الأخرى، ستجد أن من كل مقال ستحصل على 4 مقالات، وهكذا حتى تتمكن من إجادة عناصر المقال.

تحدثنا في هذا المقال عن كيف يُكتب المقال، وما هو الفارق بين المقال والخاطرة، وفي المقال القادم نتحدث عن كتابة القصة، نلتقي على خير إن شاء الله.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.