إنه فبراير/شباط 2008، ولا حديث في مصر سوى عن «عصام الحضري». الصحف، البرامج التلفزيونية، المواقع والمدونات الجماهيرية، جميعها تعج بالجدل والنقاش. كل ذلك للإجابة على ثلاثة أسئلة؛ لماذا رحل عن الأهلي بهذه الطريقة؟ كيف سيتأثر النادي سلبيًا؟ ومن يخلفه في حراسة المرمى؟ 

دعك من السؤالين الأول والثاني، أما الثالث فبقي معلقًا دون إجابة لسنوات طويلة. جرب الأهلي الاعتماد على أبنائه، انتدب حراس مرمى من داخل وخارج مصر، وتعاقب على هذا المركز طابور يبدأ عند «أمير عبد الحميد» وينتهي مع «شريف إكرامي»، دون أن يملأ أحدهم الفراغ الذي صنعه عصام.

صحيح أن الأهلي كان يفوز بالبطولات، لكنه أيضًا خسر نهائيات بسبب أخطاء الحراس، لذلك لم يشعر المشجع الأهلاوي بالاطمئنان كما فعل مع وجود الحضري، إلا أن الوضع اختلف الموسم الماضي بعدما قدم «محمد الشناوي» أداءً مذهلًا تحت قيادة مدربه “ميشيل يانكون»، جعل كثيرين يعتبرونه أهم لاعبي الفريق، وجعل أكثر منهم يجيبون بثقة على السؤال الثالث.

الشناوي الذي لا يعرف ماذا يفعل

حين تعاقد الأهلي معه صيف عام 2016، لم يبدُ الشناوي الحل الذي سيخلص النادي من صداع حراسة المرمى. إذ امتلك سجلاً غير متميز مع الأندية التي لعب لها، ويكفيك معرفة أنه استقبل أهدافًا أكثر من عدد المباريات التي خاضها سواء مع حرس الحدود، طلائع الجيش، وبتروجيت.  

الأمر الملفت هو عدد المباريات التي حافظ فيها على نظافة شباكه، تخيل أنه لم يحمِ عرينه سوى 12 مرة خلال 45 مباراة مع الجيش، كما 28 مرة من أصل 88 لقاء بقميص بتروجيت. طبعًا لا يتحمل الشناوي مسؤولية ذلك وحده، فهناك عوامل تساهم في استقبال الأهداف، مثل جودة المدافعين وأسلوب لعب الفريق، ولكنها لا تجعله بريئًا أيضًا.

وسيلاحظ المتابع لمسيرته نمطًا متكررًا من القرارات الخاطئة سواء في تعامله مع الكرات الهوائية، أو توقيت خروجه من مرماه، كما إخفاقه أحيانًا في تشتيت الكرة بعيدًا عن مناطق الخطورة. وقد قسى المعلق «محمود بكر» عليه ذات مرة بعدما ارتكب خطأ فادحًا أمام الزمالك، ووصفه بأنه لا يعرف ماذا يفعل. 

أضِف إلى هذا معاناته مع ركلات الجزاء، إذ تقول إحصائياته إن مرماه تلقى 16 هدفًا من 17 ضربة جزاء سددت على مرمى بتروجيت، وهي نسبة لا تجعله حارسًا أساسيًا في فريق يسعى للفوز بكل البطولات. لكل ذلك لم يبدو حينها أنه سيحدث فارقًا ضخمًا مع الأهلي، لكنه أثبت العكس.

3 هفوات في 90 دقيقة

حتى بعد انضمامه للقلعة الحمراء، عزز الشناوي هذا الشعور. إذ لعب في موسمه الأول 6 مباريات فقط بين كأس مصر وبطولة الدوري، واستقبل مرماه 6 أهداف، جاء بعضها نتيجة لأخطاء ارتكبها، لكن إكرامي كان يرتكب أخطاءً أكبر، فقرر «حسام البدري» الدفع بالشناوي أساسيًا في الموسم التالي. 

ومع ظهوره المنتظم، بدأت مزاياه الفنية تبرز. فهو يحظى بردة فعل جيدة، ويساعده طول قامته وذراعيه في الحركة لعرقلة التسديدات، كما يتمركز غالبًا بشكل سليم تحت المرمى. أضِف لذلك الهدوء والتركيز الذي يتحلى بهما، وهذا ما يعينه على تجاوز الضغوط.

وبالرغم من تلك المزايا، إلا إنها لم تغطِّ على عيوبه، وتسبب الشناوي غير مرة في هز شباك الأهلي. هل تذكر مشوار النادي القاهري بدوري الأبطال خلال الموسم؟ في دور المجموعات فاز الأهلي بشق الأنفس على كمبالا سيتي الأوغندي 4-3، والسبب في تعقيد المباراة كان ارتكابه لـ3 هفوات غريبة. 

الخطأ الأول وقع فيه بسوء تعامله مع الكرات الهوائية. والثاني كان نتيجة ردة فعل بطيئة، وتوقع خاطئ لمسار الكرة. أما الثالث فهو أغربهم، لأنه فشل في إيقاف تسديدة بعيدة، لتفلت الكرة منه وتسكن المرمى.

الأكثر غرابة هو أن الكرة أفلتت منه مجددًا في نصف النهائي أمام وفاق سطيف، ثم كلف النادي توديع كأس العرب بعد خروج غير موفق من مرماه بمباراة الوصل الإماراتي، ولو كان الكابتن بكر حيًّا يرزق لما رحمه. 

كيف تنهض بعد الزلزال؟

الشناوي لم يكن حارسًا كارثيًا، لكنه أيضًا لم يكن ممتازًا. صحيح أنه حقق تطورًا خلال موسمه الثالث 2018/2019، وازدادت نسبة تصدياته الناجحة من 70% إلى 73% في دوري الأبطال، لكنه كان تطورًا بطيئًا لن يسعفه مع خط دفاع غير مستقر، متذبذب المستوى، ولا يمثل حائط صد لهجمات الخصوم. 

كان هناك من يتساءل: ماذا سيفعل محمد الشناوي لو ظهر الفريق بشكل سيئ جدًا؟ هل يقدر على ترجيح كفته مثلما كان يفعل الحضري؟ أم أنه لن يختلف كثيرًا عن إكرامي؟ وقع ذلك في السادس من إبريل/نيسان 2019، الذي لم يكن يومًا سيئًا وحسب على الأهلي، بل زلزالًا لم يتوقعه أكثر المتشائمين. 

والزلزال وقع نتيجة حالة توهان عانى منها لاعبو الوسط والدفاع، ليسمحوا لصن داونز بإطلاق 19 تسديدة، منها 13 تسديدة بين خشبات المرمى، وهو ما وضع الشناوي أمام اختبار قاسٍ جدًا. تصدى حارس الأهلي لثماني تسديدات، لكن بقيت خمس كرات أخرى جعلتها النتيجة الأسوأ في تاريخ الأهلي. 

الأهلي، افريقيا، محمد الشناوي.
احصائيات مباراة الأهلي وصن داونز, المصدر: الإتحاد الإفريقي.

الهزيمة الثقيلة دفعت «أحمد شوبير» لسؤاله: هل انتابتك رغبة في التراجع والانسحاب بعد المباراة؟ لم يفكر الشناوي وأجابه: بالطبع لا، وأشار إلى اجتماعه مع اللاعبين لمطالبتهم برد اعتبار الفريق، وهذا خلق دوافع كبيرة داخلهم للفوز بالدوري هذا الموسم، والقتال على دوري الأبطال الموسم المقبل. 

هذه لم تكن مجرد تصريحات تستهدف تبرئة ساحته، فالمتابع لما حدث بعد المباراة سيجد أن الشناوي لم يهرب من المواجهة، بل تقبل العقوبة التي وقعتها الإدارة على اللاعبين، ثم ظهر أساسيًا في 9 من أصل 10 مباريات متبقية بالدوري، رافضًا التخلي عن فرصته ومتحديًا الضغوط. 

لذلك يمكن وصف هزيمة صن داونز بالنقطة الفارقة في مسيرة الشناوي، فصحيح أن مشاكله الفنية لم تنتهِ بعدها مباشرة، لكنها جعلت سماته الشخصية من شجاعة وإصرار وتحمل المسئولية تتضح، وتوسع دوره في قيادة الفريق، كل ذلك حوّله بعد وقت بسيط لحارس مصر الأفضل، وجعله يقدم أداءً مشرفًا بكأس الأمم الأفريقية 2019. 

45 دقيقة مع يانكون

حين وصل «رينيه فايلر» للأهلي مطلع سبتمبر/أيلول 2019، لم يعرف كثيرون عن مدرب الحرّاس «ميشيل يانكون». وحتى لو بحثنا عن سيرته آنذاك، فلن نصل لمعلومات كافية. إذ قضى أغلب مسيرته بأحد أندية الوسط بالدوري البلجيكي، ويدعى شارلروا.

والحقيقة أنه لم يحتاج وقتًا لتعريف الناس به، إذ ظهرت لمسته التدريبية بعد 45 دقيقة من أول مباراة يخوضها مع الأهلي بالسوبر المصري. كان ذلك حين أرسل الشناوي كرة طولية، تجاوزت خطوط الزمالك، ووصلت بدقة خلف ظهير الخصم لـ«حسين الشحات». تحولت تمريرة الحارس لانفراد بالمرمى ثم لهدف، وهو مشهد غير مألوف. 

بعد أيام، بدأ الأهلي مشواره بالدوري موسم 2019/2020. خرج الشناوي بشباك نظيفة في المباراتين الأولى والثانية، ثم كرر الأمر مجددًا في الرابعة والخامسة والسادسة وحتى العاشرة، ليستقبل هدفين فقط في المباريات العشرة الأولى. وهي إحصائيات غير مألوفة على مسيرة الشناوي. 

أما في دوري الأبطال، فظهر تركيز وثبات الحارس الأهلاوي، خصوصًا بمعالجة عيوبه. لذلك تطوّر في تعامله مع الكرات الهوائية، فأنقذ ما لا يقل عن 5 عرضيات أمام النجم الساحلي، بالإضافة لإبعاده التسديدات عن مناطق الخطورة بنجاح سواء أمام النجم أو بلاتنيوم. وهذه إشارة جديدة على عمل ميشيل يانكون معه.

ليس الحضري، لكن من يدري؟

ظل أداء الشناوي يتصاعد، حتى ألقى القدر في طريقه صن داونز بربع النهائي، تلك المواجهة التي تمناها بنفسه. يقول يانكون إنه أعد لهذه المباراة كأي مباراة عادية، والسبب كان قوة الشناوي الذهنية، التي تجعله يتعلم من أخطائه فلا يكررها، وهو ما يعكسه بالفعل نجاحه في التصدي لـ3 انفرادات خلال اللقاء.

وعلى ذكر التصديات، دعني أخبرك أن نسبة تصديات الشناوي الناجحة قفزت من 73% وحتى 83%. بالإضافة لتغيّر جذري في إحصائيات ركلات الجزاء، حيث سُددِت عليه 4 ضربات هذا الموسم بين الدوري ودوري الأبطال، دون أن يستقبل أي هدف. والفضل يعود لتحسنه في التمركز واتخاذ القرارات كما توجيه زملائه. 

ليس هذا كل شيء، فالمدرب البلجيكي يحب أن يكون حارسه عصريًا، بحيث يشارك بإيجابية في بناء اللعب وإرسال الكرات الطولية الدقيقة، لذلك ارتفعت إحصائيات التمرير لدى الشناوي خلال البطولة الأفريقية بوضوح، ليمتلك دقة تمرير داخل وسط ملعبه وصلت لـ92%، كما كرات طويلة ناجحة بنسبة 41%، وهي أرقام لم يعرفها من قبل. 

ربما تكون هذه المرة الأولى منذ رحيل الحضري التي يكون فيها حارس الأهلي بتلك القوة، لدرجة تجعله أفضل لاعبي الفريق، وقائدهم عن جدارة. وهذا ما يجعل مسيرة الشناوي جديرة بالاحترام والتقدير، لأنه بدأ في مستوى معين، ولم يستسلم لعيوبه وأخطائه، ليتحول إلى أفضل حارس داخل مصر، وربما أفريقيا. 

بالتأكيد الشناوي ليس الحضري، فهو لم يصل بعد لأدائه الاستثنائي الثابت على مر السنوات، ولا يحظى بسجل حافل بالبطولات مع ناديه ومنتخبه، لكن أيضًا ما قدمه هذا الموسم دفعنا لنسيان الخلل الذي سببه رحيل عصام، وفتح المجال أمام المتفائلين كي يأملوا بأن يكون هناك حضري جديد.