11 ديسمبر/ كانون الأول 2020 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق للتطبيع بين المغرب وإسرائيل، الكواليس التي كشفتها الأيام اللاحقة أظهرت اسم ياريف الباز، وأوضحت أن رجل الأعمال، المغربي اليهودي، كان له دور محوري في صفقة التطبيع التاريخية، إذ عمل لمدة عامين بدأب ومثابرة حتى تكتمل الصفقة.

رجل الأعمال المغربي له علاقات وثيقة مع القيادة المغربية، فقد وُلد في المغرب عام 1976، ثم عمل بعد تخرّجه في بنك التمويل الفرنسي، كان طريقه في فرنسا سهلًا كونّه خريج مدرسة ESCB التجاربة المرموقة في فرنسا. أعوام قليلة ثم استقال ياريف من عمله ليُكوّن مجموعة YCAP الاستثمارية ثنائية المقر، في لوكسمبورج وفرنسا.

المجموعة الاستثمارية بلغ رأسمالها قرابة 1.5 مليار يورو، وسيطرت على غالبية الصناعات الغذائية في المغرب، فقد اشترى شركة القمح والشعير، فورأفريك، واشترى أكبر منافس له شركة، تريا. سيطرته تمتد إلى خارج حدود المغرب وتشمل مناطق عديدة في أفريقيا، فقد اشترى شركتي السكر والطواحين في السنغال، وشركة طواحين أبيجان، الرابط بين تلك الشركات أنها كانت ملك رجل أعمال مغربي آخر، جون كلود ميموران.

بجانب تلك الإمبراطورية الاقتصادية فإن ياريف يمتلك إمبراطوريةً من العلاقات جعلته حلقة وصل شديدة الأهمية بين المغاربة والإسرائيليين، فهو المُقرب من  رام بن ياراك، مسئول الموساد الإسرائيلي، من جهة الإسرائيليين، وصديق مُقرب لجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي.

اللقاء الأول الذي جمع شمل هؤلاء كان لقاءً في عام 2018، بين ياريف ورام مع وزير خارجية المغرب، باء اللقاء بالفشل، لكن نتج عنه صداقة بين ياريف وكوشنر استمرت حتى اللحظة. والتقى الثنائي، كوشنر وياريف، مرة أخرى عام 2019، وزارا معًا المقبرة اليهودية في الدار البيضاء.

التطبيع مقابل الصحراء

الصفقة التاريخية التي رعاها ياريف تمنح المغرب اعترافًا أمريكيًا بالصحراء مقابل التطبيع. وغرّد ترامب أن المغرب اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1777 ما يجعل، لذا فمن اللائق الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

وبموجب هذا الاعتراف سوف تفتح الولايات المتحدة قنصليةً لها في مدينة الداخلة، الموجودة في الصحراء الغربية. وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، صرّح بأن هذا الأمر يُعتبر تطورًا محوريًا في النزاع القديم على الصحراء الغربية، إذ قال إن من اعترف بالسيادة المغربية هي القوة العظمى وعضو مجلس الأمن والدولة الكبرى المؤثرة على الساحة الدولية.

وفي مقابل هذا الاعتراف سوف تربط المغرب خطوطها الجوية مباشرةً مع إسرائيل، وتُعيد فتح مكتب الاتصال الذي افتتح عام 1994 وأُغلق عام 2002 بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

بوريطة قال إن المغرب ليس كالدول التي سبقته في قطار التطبيع مؤكدًا على خصوصية المغرب وخصوصية دوافعه تجاه هذ الخطوة. تلك الخصوصية يقصد بها بوريطة وجود عدد كبير من اليهود يعيشون في الأراضي المغربية، ووجود ما يقارب 750 ألف مغربي يعيش في إسرائيل، ولأن ملك المغرب أمير للمؤمنين، على حسب وصف بوريطة، فإنه يجعل له علاقة خاصة باليهود المغاربة.

تلك الخصوصية أيضًا يقول عنها بوريطة إنها لن تغير من مبادئ المغرب شيئًا تجاه القضية الفلسطينية، فالمغرب يؤمن دائمًا بحل الدولتين، وأن المغرب سوف يستمر في استغلال علاقاته الطيبة مع إسرائيل من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط.

فلسطين تتلقى طعنة جديدة

الجزائر تُعتبر أكبر خاسر في الصفقة الأخيرة، إذ إنها أكبر جهة داعمة لجبهة البوليسارو التي تنازع المغرب سيادته على الصحراء المغربية. الجزائر تدعم البوليسارو ماليًا ولوجستيًا، وتفتح أراضيها أمام النازحين منذ السبعينيّات، لحظة بداية النزاع المسلح منذ عام 1976 حتى عام1991، والذي انتهى بتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار تحت إشراف الأمم المتحدة.

الإقيلم الذي ظل الإسبان مسيطرين عليه حتى عام 1975، يشهد صراعًا بين جبهة البوليسارو التي تريد الحكم الذاتي على الإقليم، والمغرب الذي يُصر على مغربية الإقليم. ومن أبرز أسباب الصراع احتواء الإقليم على احتياطات فوسفات من أكبر الاحتياطات في العالم، بجانب وجود احتياطي كبير من النفط والملح والثروة البحرية.

والقرار الأمريكي جاء لينضم إلى العديد من الدول التي فتحت قنصليّات لها في الإقليم في الآونة الأخيرة، مثل الإمارات والأردن. ويُعتبر القرار الأمريكي تعزيزًا لدبلوماسية يعتمدها المغرب مع حلفائه بحثّهم على فتح قنصليّات في إقليم الصحراء الغربية تأكيدًا على مغربية الإقليم.

كما أن فلسطين هي بالتأكيد خاسرة من تلك الضربة الجديدة، حتى وإن أكد الجانب المغربي أن فلسطين لن تتضرر من التطبيع، لكن الواقع أنه قد زاد عدد الدول العربية المُطبعة مع إسرائيل دولة جديدة، ويصبح المغرب أول دولة في منطقة المغرب العربي تُقيم علاقات من هذا النوع مع إسرائيل.

ويُعاني الداخل المغربي من انقسامات جراء هذا القرار، والصوت الغالب هو الصوت الرافض للقرار، وامتلأت مواقع التواصل بعدة وسوم رافضة للتطبيع، وأعلنت حركة العدل والإحسان، من أكبر حركات المعارضة، رفضها للتطبيع، ودعت للاحتجاج السلمي الرافض للقرار.

إعلان ترامب جاء قبيل عدة أيام قبل رحيله من المكتب البيضاوي، ما يعني أن المشرف على تنفيذ باقي خطوات الاتفاق هو الرئيس الجديد جو بايدين، لكن بايدن لم يُعلن حتى الآن أي موقف من الصفقة، ولا وزير خارجيته  أنتوني بلينكن. عدم تحدّث الخارجية الأمريكية، الحالية أو القادمة، عن الصفقة قد يشير إلى أن الصفقة تمت دون رضا الخارجية الأمريكية.

خاصةً وأن بلينكن قد صرّح سابقًا، عام 2016، أنه يؤمن بأن حل مشكلة الإقليم المغربي يجب أن تكون عبر الحل الأممي، هذا التصريح السابق وصمت بايدن يضع الصفقة كلها موضع تساؤل، هل سيحافظ عليها جو بايدين أم لا؟