“لمعرفة كيف هو الوضع في اليرموك، قوموا بقطع الكهرباء والماء والتدفئة عن أنفسكم واحصلوا على وجبة واحدة في اليوم وعيشوا في الظلام وعلى حرق الخشب”، هكذا يتحدث أنس- أحد سكان مخيم اليرموك- واصفاً الحالة المتردية التي وصل إليها قاطني هذه المنطقة المشتعلة من الأراضي السورية.

اليرموك اسم لنهر طوله 57 كم منه 47 كم داخل الأراضي السورية، ينبع من بحيرة “مزيريب” في سوريا ثم يسير النهر ليشكل جزء من الحدود السورية الأردنية، نهر اليرموك ارتبط في الذاكرة التاريخية للعرب بمعركة شهيرة وقعت في العام الثالث عشر الهجري بين المسلمين والروم، واليوم يجري صراع آخر بين عدة أطراف داخلية وإقليمية في هذه المنطقة المشتعلة من الأراضي السورية.

نلقي الضوء في هذا التقرير على نشأة مخيم اليرموك، والأحداث التي مر بها منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس من عام 2011، والأطراف الفاعلة في حتى التطورات الأخيرة التي حدثت بدخول تنظيم الدولة الإسلامية الصراع القائم في المخيم.

وفقا لتعريف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأنروا” فكلمة “مخيم” تعني : قطعة من الأرض تم وضعها تحت تصرف الوكالة من قبل الحكومة المضيفة بهدف إسكان اللاجئين الفلسطينيين وبناء المنشآت للاعتناء بحاجاتهم. أما المناطق التي لم يتم تخصيصها لتلك الغاية فلا تعتبر مخيمات. ومع ذلك، فإن للأونروا مدارس وعيادات صحية ومراكز توزيع خارج المخيمات حيث يوجد تواجد كبير للاجئين الفلسطينيين، كما هو حال مخيم اليرموك الذي يعد أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا رغم أنه مخيم غير رسمي طبقا للتصنيف سابق الذكر، وتمتاز الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية في المخيمات عموما بالفقر وبالكثافة السكانية وبظروف الحياة المكبلة وبنية تحتية غير ملائمة كالشوارع والصرف الصحي.

تأسس مخيم اليرموك عام 1957 م لإيواء عدد من اللاجئين الفلسطينيين على مساحة تبلغ مساحة حوالي 2.1 كيلو متر مربع جنوب العاصمة السورية دمشق، ترجع جذور أغلبية ساكنيه إلى منطقة الجليل والمدن الساحلية بالأرض المحتلة، ومنطقة بحيرة طبرية وسهل الحولة وحيفا وعكا والناصرة وصفد، إلى جانب اللد والرملة والخليل والقدس المحتلة، وقد أطلق السكان على عدد من أحياء وحارات المخيم أسماء مناطق فلسطينية، وقد شُكلت عام 1964 بلدية لإدارة شؤون المخيم، وتقديم الخدمات الضرورية للاجئين بتنسيق مع الأونروا والهيئات الرسمية السورية المعنية، حتى مطلع 2012 عدد سكان المخيم أكثر من 144000 فرد طبقاً لإحصائيات الأونروا ، كما تضم ثلاثة مستشفيات، و28 مدرسة.

بدء الصراع المسلح إلى مخيم اليرموك

دخل مخيم اليرموك في أتون الصراع القائم بسوريا في منتصف ديسمبر 2012، بعد أن بدأ النظام السوري في ضرب بعض الأماكن في المخيم بدعوى أنه مأوى لفصائل من المعارضة المسلحة، وقام بعمل حصار على قاطني المخيم، فلم يسمح إلا بدخول حجم ضئيل من المساعدات، ومن تلك اللحظة لم تهدأ الأوضاع، بل تزداد اشتعالاً مع ازديداد عدد الأطراف المتصارعة فيه.

تكمن الأهمية الاستراتيجية للمخيم كونه يبعد حوالي 8 كم من قلب العاصمة دمشق، وهو داخل فيها من ناحية الجنوب، ويُعد بمثابة حائط الصد بين المعارضة المسلحة على اختلافاتها والقوات النظامية المرتكزة في العاصمة.

قبل الخوض في التطورات التي شهدها مخيم اليرموك في مطلع أبريل الحالي يجدر بنا أن نتعرف على كل من “كتائب أكناف بيت المقدس”، و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” نظراً لما لهما من أهمية في مجرى الصراع الدائر في المخيم، ولكونهما فصيلان فلسطينيان بالأساس:

كتائب أكناف بيت المقدس: فصيل فلسطيني إسلامي يبلغ عدده 300 فرد تقريبا، انضموا إلى الثورة السورية كجهة لتقديم الدعم اللوجستي ابتداءً من تقديم ذخائر وتدريب على الأعمال القتالية، والمشاركة في بعض العمليات النوعية بصورة فردية، ثم تطور الأمر بتشكيل مجموعات مسلحة لحماية المخيم من هجمات جيش النظام وجبهة تحرير فلسطين – القيادة العامة، والتي تصفها الأكناف بـ “شبيحة النظام”.

وتعد كتائب أكناف بيت المقدس محسوبة من الناحية التنظيمية على حركة المقاومة الإسلامية حماس، ورغم أن حماس قد أصدرت بياناً أعلنت فيه أنه لا علاقة لها بالفصائل المتحاربة في سوريا إلا هناك مؤشرات تؤيد ذلك، حيث أن قائد كتائب الأكناف هو محمد زغموت الشهير باسم ” أبو أحمد المشير ” وقد عمل مرافقاً لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، كذلك يشاركه في القيادة نضال أبو العلا الشهير بأبي همام والذي عمل أيضاً مرافقا لنائب رئيس المكتب السياسي السابق لحماس في سوريا موسى أبو مرزوق .

جبهة تحرير فلسطين – القيادة العامة: فصيل فلسطيني قومي يساري أُسس في 24 أبريل 1968 إثر انشقاق عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ويتزعمها منذ نشأتها أحمد جبريل أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهو فلسطيني الأصل ويحمل الجنسية السورية، تؤمن الجبهة من خلال ميثاقها بأن الثورة المسلحة هي السبيل لتحرير فلسطين، وإن نضالها جزء من النضال العالمي ضد كل أشكال الاستعمار وتعارض أي تسوية سياسية مع إسرائيل، وتُصنف الجبهة كمنظمة راعية للإرهاب من قِبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وكندا.

رغم الشعارات التي يرفعها أحمد جبريل زعيم الجبهة إلا أنه وقف وجبهته مع نظام الأسد منذ اندلاع الاحتجاجات في مارس 2011، وشارك في الحصار الذي يضربه النظام على مخيم اليرموك من الناحية الشمالية، مما أدى إلى حدوث انشقاقات في الجناح العسكري الموالي له، وانحيازها إلى صف المعارضة، وأعلنت الجبهة في أكتوبر 2014 مشاركتها في العمل العسكري المباشر على الحدود اللبنانية – السورية إلى جانب الجيش اللبناني ومقاتلي حزب الله في صد محاولات تسلل بعض فصائل المعارضة السورية عبر الحدود باتجاه لبنان .

بداية الأزمة الحالية

شهد المخيم طوراً جديداً للصراع مع حادثة اغتيال يحيى حوراني، والذي نعته حركة حماس رسمياً في بيان لها ف 30 مارس، حيث اغتيل على يد مجهول أطلق عليه عدد من الرصاصات أثناء توجهه إلى مستشفى فلسطين أحدى مستشفيات المخيم.

كان يحيى حوراني المُكنى بأب صهيب قد اختير لتمثيل عدة فصائل لتسوية الأوضاع داخل المخيم، وكان دائما يطالب بتحييد المخيم، وإبعاده عن النزاعات المسلحة، يرى البعض أن تنظيم الدولة هو المسئول عن اغتيال حوراني، لرفضها تكرار عقد أي تسوية مع نظام الأسد، كما حدث في بلدتي “ببيلا” و “يلدا” بالقرب من المخيم.

مع مطلع شهر إبريل، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية باقتحام مخيم اليرموك من ناحية الحجر الأسود جنوب المخيم، وقاموا بمهاجمة كتائب أكناف بيت المقدس، وثمّ من يرى حدوث اتفاق بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة، حيث سمحت النصرة بدخول مقاتلي الدولة من ناحية الحجر الأسود والتي كانت ترابط فيها، رغم المعارك الدائرة بينهما في شمال البلاد والتي سقط فيها العشرات من الطرفين، وهناك شكوك حول مبايعة مقاتلي النصرة لتنظيم الدولة، في الوقت ذاته تعرض المخيم لقصف عنيف من جانب قوات النظام السوري.

دفع تنظيم الدولة بألف مقاتل، في حين أن عدد مقاتلي الأكناف لا يتعدى ثلاثمائة مقاتل، وقد امتدت المواجهات لأسبوع، شهد تفوق لمقاتلي تنظيم الدولة، وإحكام سيطرته شيئاً فشيئاً، وقد بث التنظيم اليوم الأربعاء صوراً توضح سيطرته على المخيم.

وقفة مع تسلسل الأحداث في الأسبوع الأخير

تبادل كل من كتائب بيت المقدس وتنظيم الدولة الاتهامات، فاتهم بعض المقربين من كتائب أكناف بيت المقدس تنظيم الدولة باغتيال يحيى حوراني، وانتشر على إثر ذلك تعرض الأكناف لأحد رجال “الدولة” في المخيم، في حين اتهم التنظيم الأكناف بأنهم يسعون لعقد هدنة مع نظام الأسد ، وأنهم قاموا باعتقال عدد من أعضاء التنظيم بالمخيم.

أصدرت كتائب أكناف بيت المقدس بياناً أوضحت فيها أن مبدأ “تحييد المخيم” أمر لا ضرر فيه طالما خلى من شروط مجحفة، وأن جميع فصائل المخيم قد وافقت علي ذلك ومن ضمنها جبهة النصرة، وأن ذلك ليس داعياً لاتهامهم بالخيانة، ورفضت فيه أيضاً اتهامهم بالتحالف مع نظام الأسد والشبيحة، حيث قامت قوات الأسد بقصف مواقع تمركز الأكناف في نفس الوقت الذي هاجمت فيه تنظيم الدولة لهم، في حين غابت ضربات النظام السوري عن الحجر الأسود معقل تنظيم الدولة.

كذلك هاجم بيان الأكناف جبهة النصرة، واصفاً أن دعوى الحياد الذي تبنته هو أمر ترده الأدلة والوقائع، وأن الحياد مرفوض ابتداء حيث كان ينبغي على جبهة النصرة الوقوف بجانبهم ضد تنظيم الدولة الذي بدأ بالعداء الذي عاني منه كل من الأكناف والنصرة.

موقف حماس

قد أصدرت حركة حماس بياناً حول الأوضاع بمخيم اليرموك أدانت فيه اقتحام المخيم وتحويله إلى ساحة قتال، ودعت إلى حقن دماء الفلسطينيين الأبرياء، وطالبت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بالتدخل وتحمل المسئولية لإنقاذ سكان المخيم من الإبادة والقتل.

تقدير موقف لمركز الزيتونة[1]

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أول أمس ورقة تقدير موقف بعنوان “اليرموك..إلى أين؟” أوضحت فيها تطور سير المواجهات بين تنظيم الدولة وكتائب أكناف بيت المقدس في الأسبوع الأخير، والسيناريوهات المحتملة في الفترة القادمة، كما بيّن أن سواء استقر الأمر على سيطرة تنظيم الدولة على المخيم أو عاد إلى قبضة كتائب أكناف بيت المقدس، أو سيطرت عليه قوات النظام، فسيكون أهل المخيم هم الخاسرين في كل الأحوال، ولن يكون من السهل عودة الأمور كما كانت قبل دخول المخيم في الصراع القائم على أرض سوريا.

خريطة توضيحية للوضع في مخيم اليرموك حتى تاريخ 7/4/2015 من إعداد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

الأوضاع الإنسانية في المخيم

ساءت الأوضاع الإنسانية في مخيم اليرموك منذ ديسمبر 2012، فانقطعت الكهرباء منذ سنتين ونصف، وكذلك المياه منذ ستة أشهر، وتشير التقارير إلى نزوح أكثر من 180 ألفا من أهالي المخيم منذ اندلاع الصراعات المسلحة .

أصدرت الأونروا بياناً في الخامس من إبريل ناشدت فيه الأطراف المسلحة بالتوقف عن العمليات التي تعرض المدنيين للخطر، موضحة أن مستويات المساعدة التي تقدمها قد انخفضت كثيرا، وان هناك 3500 طفلاً يعانون صعويات بالغة في توفير الحد الأدنى من الغذاء، وطالب مجلس الأمن بالسماح بإدخال مساعدات إنسانية إلى المخيم، في الوقت ذاته اعتقلت قوات الأسد أول أمس الدكتور جمال حماد مسئول الهلال الأحمر الفلسطيني والمشرف على توزيع المساعدات بمخيم اليرموك، ولا زالت قوات الأسد تواصل القصف العنيف على مناطق بالمخيم لاسيما مع سيطرة تنظيم الدولة عليه بالكامل.

وقد أقيمت وقفة تضامنية مع أهالي المخيم بالقدس، حمّل المشاركون فيها منظمة التحرير الفلسطينية مسئولية ما يحدث في المخيم، متهماً إياها بالتقصير ، وقد ناشد المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية محمد حسين العالم أجمع بما فيه من هيئات ومؤسسات رسمية وغير رسمية حماية اللاجئيين الفلسطينيين في المخيم وتقديم الخدمات لهم.

كما أقيمت وقفة احتجاجية بعد ظهر الأربعاء أمام مقر ممثلية المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، شارك نشطاء فلسطينيون وسوريون وألمان لمطالبة المفوضية والاتحاد الأوروبي بتدخل عاجل لإنهاء المعاناة المتواصلة لمن تبقى من سكان مخيم اليرموك.

موقف النظام السوري بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المخيم

أعلن وزير المصالحة الوطنية السوري علي حيدر اليوم أن الأوضاع الجارية في المخيم تستدعي “حلا عسكريا” فرضه على الحكومة دخول المسلحين إلى المخيم.

وقال حيدر بعد اجتماعه مع عضو اللجنة المركزية في منظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني في دمشق إن “الأولوية الآن لإخراج ودحر المسلحين والإرهابيين من المخيم، وفي المعطيات الحالية لا بد من حل عسكري ليست الدولة هي من تختاره ولكن من دخل المخيم وكسر كل ما قد توصلنا إليه، وأضاف أن الحكومة كانت تقول قبل أيام إن المصالحة على الأبواب، معتبرا أن “من قَلب الطاولة هو من يتحمل المسؤولية”.

خاتمة

يمثل مخيم اليرموك-الذي كان يضم منذ ثلاث سنوات أكثر من مئتي ألف لاجئا فلسطينيا، نزح قرابة 70% منه – نموذجا لاختلاف فصائل المعارضة للنظام السوري، والذي أدى إلى تفتت جهود تلك الفصائل حتى وصل الأمر إلى الاقتتال فيما بينها، بدل من توحيد الجهود لإسقاط نظام الأسد الذي استغل تنازع معارضيه لإطالة مدة بقائه في الحكم، أو على الأقل الوصل إلى موقف تفاوضي قوي .

[1] اليرموك إلى أين،مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، انظر الرابط http://www.alzaytouna.net/permalink/91732.html

إقرأ المزيد

سوريا بعد أربع سنوات من الثورة (1): إدلب .. وتقدم الثورة السورية

سوريا بعد أربع سنوات من الثورة (2): ماذا يعني اندماج “صقور الشام” مع “أحرار الشام” في سوريا؟ ( مترجم )

سوريا بعد أربع سنوات من الثورة (3): حركة أحرار الشام الاسلامية : المكونات والنشاة