في كل جولة من جولات الحرب بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، تفاجئ المقاومة عدوها بإدخال سلاح جديد في الخدمة. يعطي السلاح الجديد دفعةً معنوية هائلة لمقاتلي المقاومة، ويؤثر سلبًا على عدوهم. فتطوير سلاح، أو خلق سلاح من العدم، يعني قدرات هندسية كبيرة، وإمكانات على التصنيع في ظل حصار خانق، ومراقبة على مدار 24 ساعة من أعتى أجهزة الاستخبارات في العالم.

في المعركة الدائرة حاليًا، معركة طوفان الأقصى التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، أعلنت كتائب القسام دخول سلاح جديد وهو قذائف الياسين. ثم مع مرور الأيام واستمرار الاشتباكات صارت قذائف الياسين بطلًا ثابتًا في تصدي المقاومة للتوغل البري لقوات الاحتلال في أي محور من محاور الاشتباك. وأعادت للأذهان اسم الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية.

القذيفة من عيار 105 ملم، وهى بالأساس مضادة للدروع والدبابات. وكونها مضادة للدروع يعني بالضرورة أن رأسها الحربي يحتوي على مرحلتين، الأولى مرحلة متفجرة تحدث فجوة أو ثقبًا في جسد المدرعة المُحصّن، أما المرحلة الثانية فتنفجر في هذه الفجوة، أو في داخل الآلية المدرعة أحيانًا، كي تحدث بها أكبر قدر ممكن من الخسائر.

يعطي المختصون لهذا النوع من القذائف مصطلح القذيفة الترادفية. ويُقاس مدى نجاعة تلك القذائف بالفترة الزمنية بين إطلاقها وبين إصابتها للهدف. ولا يمكن ملاحظة ذلك بالتصوير العادي، لأن الزمن يُقاس بالميكرو ثانية، لذا فيبدو من التعجل الحكم على دقة أو قوة قذائف الياسين بشكل موضوعي.

تنتمي قذيفة الياسين إلى عائلة الآر بي جي-7. بالتالي تتشابه معه في أنه بعد إطلاقها بأمتار بسيطة يبدأ المحرك الصاروخي داخلها بالعمل. ما يعطي إشارة لأربعة زعانف خارجية بالانفتاح. تلك الزعانف تعطي المقذوف المنطلق ثباتًا في رحلته نحو هدفه، كما أنها تعطيه قدرة على التحليق بشكل أسرع.

ولا تحتاج قذائف الياسين للإطلاق من مسافات بعيدة عن الهدف، فكلما ابتعدت المسافة بين الهدف والمُطلق تزداد احتمالية الخطأ. فأفضل مسافة يمكن أن تُطلق منها القذيفة هو عن بعد 150 متر عن الهدف، وأقصى مسافة هى 250 مترًا. وتلك الأرقام تبدو بسيطةً، لأن في حالة المقاومة وقتالها مع قوات الاحتلال الإسرائيلي فإن القتال أشبه بقتال الشوارع، وفي قتال الشوارع تعتبر تلك مسافة كافية تمامًا، بل وكبيرة أحيانًا.

 لهذا نلحظ في بعض فيديوهات كتائب القسام أن الاستهداف يكون لآليات ثابتة كي تنعدم فرصة الخطأ. كما أظهرت المقاطع المصورة استخدام القذيفة ضد دبابات الميركافا، التي تُعتبر عماد الترسانة العسكرية الإسرائيلية، وأعطبتها ما يعني أن القذيفة جيدة بما يكفي في مقابل العديد من الآليات الأخرى الأقل قوة. لأن الميركافا تمتاز بأن لديها حساسات على جوانبها الأربعة تُطلق قذائف متشظية لإعطاب وتفجير أي صاروخ قادم إليها، لكن يبدو أن بها نقاط عمياء استطاعت المقاومة استغلالها.

القذيفة تبلغ سرعتها 300 متر في الثانية، وتنطلق من صواريخ الآر بي جي الروسية، المحمولة على الكتف، ما يعطيها فرصة أكبر للاقتراب من الهدف المراد إصابته. كما أنها تخرج من الأنفاق بسهولة ويتحرك بها المقاتل زاحفًا بشكل يصعب معه ملاحظته من قبل قوات الاحتلال التي يستهدفها. كما أنه خفيف الوزن وخفيف الارتداد، فلا يترك خلفه أثرًا ناريًا كبيرًا قد يصيب من يحمله.

والحركة بها آمنة بشكل كبير، فحتى لو سقطت القذيفة بالخطأ على الأرض من يد المُقاتل فإنها لا تنفجر لأن إبرة الإطلاق تحتاج إلى اصطدام قوي كي تتحرر.

ويوصي الخبراء العسكريون الدوليون أن أي استخدام للقذائف من نوعية الياسين أو الآر بي جي يجب أن يتم فيه بعض الاحتياطات المعينة. مثل أن يتم فتح فم الرامي أثناء إطلاقها لأن صوت خروجها يزيد الضغط على أذن الرامي فقد يؤدي إلى انفجارها. وأن يكون موقع الإطلاق مموهًا ويصعب اكتشافه، والأهم أن يتم اختيار ساتر آخر يهرع إليه مُطلقها بعد إطلاقها لأن الغازات المنبعثة منها تدل على مكانها.

كما يجب ألا يتم التحرك بالقذيفة في وضع التلقيم، أو مكشوفة، بدون تمويه كافٍ لأنها تعتبر الهدف الأول لكافة طائرات الاستطلاع. وكي يزيد المُطلق من احتمالية نجاحه في إعطاب أو قتل الهدف الذي يقصده فيجب أن يستهدف نقطة ضعف المركبة التي يقصدها، وتحتوي كافة الآليات على نقاط تمتاز بأنها أقل تحصينًا من باقي هيكل الآلية.

الياسين محلية الصنع بالكامل، وبالتأكيد دخولها المعركة لا يعني انتهاء المقاومة من تطويرها، بل سوف تشهد الحروب القادمة أجيالًا جديدة من قذيفة الياسين، بجانب ظهور أسلحة جديدة بالطبع.