هذه المرة، لم تمنعه خسارة فريقه، من الحفاظ على عاداته للموسم الثاني على التوالي، بالتغيب عن مباراة العودة في دور ال16 بدوري أبطال أوروبا. آملاً في عودة فريقه للتعويض بمباراة العودة، ليتذكر الجمهور هذه البطاقة الحمراء بمنعها هدفًا ثالثًا، ساهم بتخفيف الأضرار، كما تذكروا عرقلته في نهائي 2016، وعرقلة «فالفيردي» في نهائي السوبر الإسباني 2020.

وسواء حدث هذا السيناريو أم لا، فقد نجح «سيرجيو راموس» بحفر اسمه في أذهان المشجعين بالبطاقات الملونة كما الأهداف. ب«26» بطاقة حمراء – حتى الآن – أصبح الأول بتاريخ ريال مدريد والليجا ودوري أبطال أوروبا، وفي انتظار المزيد. لكن هل يعلم «راموس» أن معاناته كانت بدايتها إشارة مرور؟

اختراع الكروت

حتى عام 1970، لم يكن للكروت الصفراء والحمراء تواجدًا في عالم كرة القدم، وكان الحكَّام يكتفون بتلقين اللاعبين العقوبة شفهيًّا، حتى أتت مباراة إنجلترا والأرجنتين في كأس العالم 1966، لتغير كل شيء. هذه البطولة التي حملت لإنجلترا كأس العالم الوحيد بتاريخها، ويتذكرها الكثيرون بالهدف الشبح لمهاجم إنجلترا «جويف هورست» بمرمى ألمانيا الغربية في النهائي، لكن ما حدث بربع النهائي كان مؤثرًا أيضًا.

وفقًا لما ورد بكتاب «The Boys of ’66 – The Unseen Story Behind England’s World Cup Glory»، عكر الأرجنتينيون الأجواء بإفراطهم في العنف والاعتراض على قرارات الحكم، لكن ذلك لم يمنعه من طرد قائدهم «أنطونيو راتين».

رفض «راتين» الخروج من الملعب، وبدا أن بقية الفريق سينضم له، لكنه اقتنع أخيرًا، وتوجه لغرف خلع الملابس. لكن بعد المباراة اشتعلت الأحداث، وحاول بعض لاعبي الأرجنتين، اقتحام غرفة خلع ملابس المنتخب الإنجليزي، لتنهال عقوبات الفيفا على الطرفين، ويخرج المدرب الإنجليزي «ألف رامسي» بتصريح غاضب، تلقى على إثره انتقادات لاذعة.

كان بإمكاننا تقديم كرة قدم أفضل أمام خصم آخر، خصم آتى ليلعب كرة القدم، لا للتصرف كالحيوانات.
مدرب المنتخب الإنجليزي في كأس العالم 1966، ألف رامسي.

اكتمل المشهد الفوضوي عندما نشرت الصحف في اليوم التالي تقرير المباراة، الذي أوضح إيقاف الحكم للأخوين «تشارلتون»، بوبي وجاك. وقد علم اللاعبان ومدربهما ذلك من الصحف، مثلهم مثل الجماهير. ليبدأ الإنجليزي «كين أستون» مسئول الحكام في تلك البطولة بالتفكير في طريقة للقضاء على هذه الفوضى.

إلهام الصدفة

ترأس «كين أستون» لجنة الحكام بالفيفا منذ عام 1970 حتى 1972، ورأى أن حل هذه المعضلة يتمثل في تحويل التواصل اللفظي بين الحكام واللاعبين، إلى تواصل مرئي وملموس، ومن هنا أتت فكرة الكروت، لكنه كان محتارًا في ألوانها.

وفي أحد الأيام، بينما كان يقود سيارته على طريق «كينسينجتون»، توقفت سيارته أمام إشارة مرور، ليأتيه الإلهام، بجعل اللون الأصفر للتحذير، والأحمر للطرد.

تمت تجربة الكروت الصفراء والحمراء لأول مرة رسميًّا بكأس العالم 1970 بالمكسيك، وحققت التجربة نجاحًا، جعلها تطبَق فيما بعد في بطولات الدوري. لكن كعادة الإنجليز في التعامل مع أي تحديث يطرأ على اللعبة، أخذوا وقتًا أكثر من اللازم لاستيعابه، فلم يطبقوا نظام الكروت سوى بعدها ب 6 سنوات(1976).

كان سعيد الحظ صاحب البطاقة الحمراء الأولى، هو جناح نادي بلاكبيرن روفرز، «دايف وانجستاف»، ثم تبعه في وقت لاحق من نفس اليوم، «جورج بيست»، لاعب نادي فولهام في ذلك الوقت.

لكن الاتحاد الإنجليزي فاجأ الجميع بقرار غير متوقع، وقرر إلغاء الكارت الأحمر في عام 1981، وكانت حجتهم تتمثل في تعرض الملاعب الإنجليزية لأحداث عنف داخلها وخارجها، ومن شأن الحكام غير المسيطرين على عواطفهم، زيادة الطين بلة.

استمر الوضع كما هو عليه حتى أتت تعليقات سلبية من المجلس الدولي المسئول عن وضع قواعد اللعبة، وأوصى بإعادة تقديم نظام الكروت مرة أخرى بالكرة الإنجليزية، ليعود من جديد مع بداية موسم 1987/88، حتى يومنا هذا.

مهرجان الكروت للجميع

الغريب أن الاتحاد الذي تأخر كثيرًا في تطبيق نظام الكروت، قرر أن يكون سبَّاقًا في تعميم النظام على المدربين، مثلهم مثل اللاعبين. حيث بات المدرب وجهازه معرضين لتلقي البطاقات الصفراء حال ركل زجاجات المياه، أو التهكم على الحكم أو المنافس، والبطاقات الحمراء حال المشادات العنيفة أو البصق أو منع لاعب من استكمال اللعب.

كل ذلك بغرض ضبط سلوك المنطقة الفنية قدر المستطاع، وقد تم تجربة القانون الجديد في بداية موسم 2018/19، في دوري الدرجة الأولى، ثم مسابقات الكئوس. إذا تحصل المدرب على 4 بطاقات صفراء سيتم إيقافه مباراة واحدة، 8 بطاقات مباراتين، 12 بطاقة ثلاث مباريات، وقد يصل الأمر للجلوس أمام الهيئة التأديبية في ويمبلي لمناقشة الأمر إذا وصل العدد إللى 16.

ومع بداية موسم 2019/2020 بدأ تطبيق القانون في البريميرليج، وقد كان سعيد الحظ، صاحب أول إنذار هو مدرب مانشستر سيتي «بيب جوارديولا»، في مباراة فريقه أمام ليفربول في كأس الدرع الخيرية.

بات واضحًا أننا على الطريق نحو مهرجان «الكروت للجميع»، لكننا نسينا شيئًا مهمًّا، بما أن ألوان الكروت مستوحاة من إشارات المرور، فلماذا لم نرَ كارتًا أخضر؟

في الحقيقة، فإن الكارت الأخضر قد سجل ظهوره في عام 2015، في الدوري الإيطالي «Serie B»، لكن ليس لعقاب اللاعبين، ولكن لتشجعيهم. إذا ارتأى الحكم لاعبًا يقوم بتصرف يشجع على اللعب النظيف والروح الرياضية.

ثم سجل الكارت الأخضر ظهورًا آخر، بصفة غير رسمية في 2018، تحديدًا في بطولة كأس العالم المقامة بلندن، التابعة لاتحاد «CONIFA»، والذي يضم الاتحادات المستقلة غير المنضمة للفيفا. وكان الغرض منه هذه المرة، هو طرد اللاعب لكن مع منح فريقه حق استبداله.

حاليًّا وعلى المستوى الرسمي، ليس منتظرًا رؤية لون جديد قريبًا، لأن الكروت بشكل عام بالنسبة للجماهير، تمثل معيارًا سهلاً وواضحًا للحكم على اللاعبين، ما بين رزين ومتهور، وما بين فان دايك وراموس، وكي يظل المعيار واضحًا، فلا حاجة لإضافة ألوان أخرى، قبل ضمان تطبيق الألوان الحالية بنزاهة.