عادت اليمن مرة أخرى إلى الشاشات الإخبارية عبر اتفاق ستوكهولم منتصف الشهر الماضي، والذي أفضى إلى اتفاق بتسليم مدينة الحديدة لقوات الأمن الداخلي التابع لحكومة هادي «الحكومة الشرعية»، وتسليم ميناء الحديدة وموانئ راس عيسى والصليف لإدارة الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من ذلك الاتفاق فإنه خلال 72 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ خرقت قوات الحوثي المتواجدة في الحديدة اتفاق الهدنة، إذ أعلنت يوم الثلاثاء 25 ديسمبر/ كانون تراجعها عن تسليم الميناء والذي كان مقررًا له خلال 21 يومًا من تاريخ إبرام الاتفاق.

وبالرغم من سريان الاتفاق فقد تلاعبت جماعة الحوثي وقامت بتسليم الميناء لقوات تابعة لها متحايلة على الاتفاق، وما زال الموقف ضبابيًا في حين كان من المتوقع عقد جولات مفاوضات في شهر يناير الحالي على أرضية اتفاق استكهولم، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، لتستمر حالة من تعقيد الأزمة اليمنية.

ولكي نفهم المشهد اليمني المعقد علينا أن نسعى لفهم ودراسة ثلاثة أمور :

1. طبيعة الدولة اليمنية منذ نشأتها والتي تنعكس ظلالها على مشهد الأزمة اليمنية (باعتبارها سابقًا وبديلًا حاضرًا في الأذهان عن الوضع الحالي).

2. خريطة التدخلات الخارجية باليمن وأهدافها وتقاطعها وتعارضها ( باعتبارها محركًا للأزمة الحالية).

3. آفاق الحل السياسي والعسكري باليمن.

في الجزء الأول من هذا التقرير يسوقنا التساؤل هل الدولة اليمنية هشة؟ وما عوامل ضعفها ؟ وهل الدولة التي كانت مأمولةً إبان ثورة فبراير/ شباط 2011، تعالج مواطن الخلل في بناء الدولة اليمنية أم لا؟


أزمة الدولة اليمنية

علي عبد الله صالح وابنه الأكبر أحمد
هل الدولة اليمنية فاشلة؟

يصدر التقرير السنوي للدول الفاشلة عن صندوق السلام التابع للأمم المتحدة بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي منذ عام 2005، وتحتل اليمن منذ عام 2011 حتى 2017 مركزًا متقدمًا في مؤشر الدول الأكثر فشلًا حول العالم.

سنعتمد في تعريفنا الدول الفاشلة أو الهشة على هذا الذي أورده دوغلاس نورث وآخرون في كتاب «في ظل العنف»: (هي الدول التي لا يوجد بها تمييز واضح بين المؤسسات الاقتصادية والسياسية، ربما باستثناء شركات متعددة الجنسيات، ولا يوجد تمييز يوضح بين ما هو مدني وعسكري ولا تحتكر الدولة العنف). فهذه الدولة تفشل في تأدية وظيفتها وفي صنع شخصية جامعة، ولا تمتلك القدرة على فرض قوانينها بشكل سلطوي وأيديولوجي.[1]

إذن الدولة اليمنية على هذا المعيار تُعد فاشلة، حيث لم تستطع الدفاع عن ذاتها في مواجهة ميليشيا مسلحة كميليشيا الحوثي، السؤال التالي، يتمحور حول أسباب تلك الهشاشة، وعوامل الضعف التي أنهكت الدولة اليمنية، وجعلتها عرضة للانهيار أمام التحديات الحقيقية، ومن أهم تلك العوامل:[2]

1. الهوية.

2. تاريخ لدولتين.

3. المفاضلة بين الديموقراطية أو الوحدة.

4. توزيع الريع.

5. محاولات توسيع دور الدولة وزيادة مركزيتها.

6. عدم احتكار العنف.

7. شرعية النظام.

8. البيروقراطية الناقصة.


الهوية

عانت اليمن من أزمة الهوية كما بقية العالم العربي، إلا أنها من أشد الدول العربية تباينًا، وهذه أهم محددات تباين الهوية في اليمن:

1. الانتماء الديني: يمثل الشيعة الزيدية أقل من 30% من الشعب اليمني وتنقسم الزيدية إلى هادوية وجارودية بالإضافة الى مكون اثني عشري، وآخر شافعي سني وهو المكون الأكبر لليمنيين ويغلب على جميع محافظات الجنوب تقريبًا، أما حضرموت فمكونها شافعي سني صوفي ومركزه مدينة تريم، ويمتد شرقًا في محافظات الجنوب، إلا أنه يتراجع في مدينة تعز بشكل كبير، وهناك طوائف علوية في حضرموت، ومكارم في الشمال، ويهود في الشمال لكن بأعداد صغيرة جدًا وهامشية.

2. الانتماء العرقي: وهي التباينات العرقية التي تعود إلى أصل الشعب اليمني وما زال يحافظ بعضهم على توارث التمييز العرقي، فمثلًا يشكل انتسابهم لقحطان أحد أهم روافد الهوية اليمنية القبلية، وربما تفسر بعض صراعاتهم مع قبائل أخرى استدعاء صراعات موروثة وقديمة، في حين ينتسب المهرة الى أعراق حميرية وتتشارك مع قبائل في عُمان والدول المجاورة، وهناك أعراق هندية وأخرى صومالية وحبشية تتركز في الجنوب.

3. الانتماء السياسي: ربما تكون خريطة التحالفات العسكرية للقبائل خلال فترة الحروب الأهلية باليمن بعد الثورة في ستينيات القرن الماضي أحد كواشف المشهد السياسي الحالي، فمثلًا العداء التاريخي بين قبائل أبين والضالع بسبب الحرب الأهلية. مثّله الصراع بين عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي والرئيس عبدربه منصور هادي إذ كانا على طرفي نقيض إبان الحرب الأهلية 1994 – «حرب الستين» في منطقة دافوس بأبين.

4. التباين الثقافي: تتعدد اللهجات بشكل حاد في اليمن، حتى إن بعض المناطق لا تفهم الأخرى عند حديثهم، ويحدث ذلك التباين في ثقافتهم وتصورهم للدولة كما سنوضح فيما بعد.

وللاطلاع على التوزيعات العرقية والإثنية، يمكننا تقسيم اليمن جغرافيًا من ثلاثة إلى أربعة أجزاء، يمكن أن تُكَون تباينات جامعة:

أ. الجنوب اليمني

يضم عدن وصولًا إلى الوسط اليمني «البيضاء» وجزءًا من الضالع شمالًا، ومن لحج غربًا إلى شبوة شرقًا. وهو الجنوب الذي ظل تحت الاحتلال الإنجليزي لفترة تجاوزت 128 عامًا، ويتمتع بأغلبية سنيه شافعية. توجد به أقليات صومالية وإريترية وجيبوتية ومن جزر القمر، وكذلك عرق هندي غير متمايز سياسيًا وثقافيًا عن المكون الثقافي عكس بقية الأعراق الأخرى.

ب. الشمال اليمني

يضم كل محافظات الشمال باستثناء ساحل تهامة (الحديدة وجزء من محافظة حجه). وهو يتمتع بأغلبية زيدية شيعية وهي أقرب الطوائف الشيعية للسنة، وظلت خلال 1100 عام تحكم الشمال وتدين بولائها للدول السنية المتعاقبة، لم يتعرض هذا الجزء للاحتلال الأجنبي لكن ظل يرزح تحت تدخلات بريطانية وأخرى إيطالية في فترات زمنية متفاوتة وأثناء الأحداث المفصلية في العصر الحديث.

ج. ساحل تهامة

ساحل منبسط يضم كلًا من الحديدة والجزء الساحلي من محافظة حجة، كان يتبع لإمارة الأدارسة التي امتدت حتى عسير وسقطت عسير وجازان مع ضم المملكة السعودية لتلك المناطق، ويظل هذا الشق له خصائص أنثروبولوجية ودينية وسياسية، كما أن منطقة الساحل ظلت فترات بين حكام متعاقبين في بداية القرن الماضي وذلك لضعف تحصنها الطبيعي «الجغرافي» وصعوبة المحافظة عليها.

د. إقليم حضرموت والمهرة

يتمتع بأغلبية سنية صوفية تقل بالتدريج كلما ذهبنا نحو الشرق مع ظهور لطوائف الإباضية، كما أن للمهرة لغة دارجة يستخدمونها كاعتزاز بأصولهم التاريخية، وتعتبر جزيرة سقطرى تابعة لهذا الإقليم في عاداته وتقاليده، ويعتبر من أكبر الأقاليم الذي يسكنه التجار الذين يشكلون قوة اقتصادية في كل من السعودية والخليج وشرق آسيا تحديدًا في الأقاليم المسلمة مع طفرة التبادل التجاري، حتى اعتبر القوة الناعمة لليمن قديمًا.


متى تاه اليمنيون؟

الرئيس اليمني الراحل «علي عبدالله صالح» والزعيم الليبي الراحل «معمر القذافي»

عبر هذا العرض السريع يمكن الحديث عن مشكلة الهوية اليمنية أنها تشكلت عبر أسباب عديدة منها:

1. الوجود الاستعماري البريطاني الذي زرع التفرقة بين أبناء الجنوب والشمال.

2. التقدم الثقافي والتقني لأهالي الجنوب مقارنة بالشمال، بسبب زيادة نسبة المتعلمين فيه.

3. الهزيمة السياسية والنفسية للشعب الجنوبي على يد الاحتلال البريطاني، مما مكنهم من قبول سلطة الدولة مع ضعف المكون القبلي في حاضرة المدن في مقابل تمركز قبلي معقد كلما اتجهنا نحو الوسط والشمال.

4. تعاظم الانتماء القبلي في الشمال وهو انتماء سياسي بالأساس قبل أن يكون ثقافيًا.

5. دخول تيارات إصلاحية جديدة مثل حزب الإخوان المسلمين المسمى «حزب الإصلاح».

6. وجود نواة لحركة اشتراكية نشأت بالجنوب إبان دعم الاتحاد السوفيتي لدولة الجنوب الشعبية.

والحقيقة أن أزمة الهوية العرقية باليمن لا يمكن تجاوز المكون القبلي فيها خصوصًا أن هناك توافقًا بين المكون القبلي والانتماء الديني على سبيل المثال بين قبائل بكيل وسنحان المتركزة حول الطوق الجنوبي لصنعاء والتي تدافع عن المذهب الزيدي في مقابل قبائل العوالق المتمركزة في محافظة شبوة والتي تدافع عن المنهج السلفي الجهادي.. إلخ. وكلما زاد التوافق بين القبيلة والمذهب الديني زاد احتدام الصراع الإثني والجهوي هناك.


تاريخ لدولتين

ظل اليمن الجنوبي بعد التحرر من الاستعمار الإنجليزي عام 1967 دولة مستقلة حتى حدث الاندماج مع اليمن الشمالي عام 1990، وظل اليمن الشمالي يعاني حربًا أهلية بين الجمهوريين المدعومين من مصر والاتحاد السوفيتي وبين الإماميين المدعومين من السعودية وشاه إيران بهلوي والأردن وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، حتى وضعت الحرب أوزارها لصالح مواءمات بين مصر والسعودية أفضت لسيطرة الجمهوريين بمواءمات مع القبائل المؤيدة للإماميين، وفي المقابل بدلًا من الحرب ضد الإماميين كانت الحرب في الجنوب تدور حول الاستقلال من المستعمر الإنجليزي.

شكل المساران المختلفان لشعب الشمالي والجنوبي أصلًا مختلفًا لبناء الدولة ومصيرًا متباعدًا في ذلك الحين، ففي الوقت الذي كان يتساءل فيه أهل الجنوب عن هويتهم السياسية بين اشتراكية معتدلة «عربية» أو ماركسية علمية لينينية أو ماوية ودار على ذلك صراع سياسي أفضى لحرب أهلية داخلية، كان التساؤل في صنعاء مختلفًا والتحدي متباينًا، كان يدور حول فلك الدولة والجمهورية أم القبيلة، وأفضى لخلل سياسي وتراجع للدولة على حساب التمدد الاشتراكي.

حيث كان الجنوب في موقع استقرار أكبر في السبعينيات مما أدى به للتدخل السياسي باليمن الشمال ومبادرته بحربين 1972-1979، وزعزعة أمنه الداخلي باغتيال رئيس اليمن الشمالي ثم حروب الجبهة التي أفضت الى التحالف الذي سيقود اليمن نحو الوحدة فيما بعد، وهو تحالف العسكر الجمهوريين مع القبيلة بالإضافة لمكون الإخوان المسلمين، والذي تزعمه صالح ليقود اليمن فيما بعد من خلاله، ويختلف مع الزمن باختلاف أحد أركانه مثل خروج الإخوان المسلمين منه في نهاية تسعينيات القرن الماضي.

الديموقراطية أم الوحدة

بعد تعثر الاتفاق الذي أبرم بين شطري اليمن عام 1994 وبعد أن نجحت اليمن في 1992-1993 في تنفيذ أول انتخابات نزيهة من نوعها في العالم العربي أجمع، نجحت ديموقراطية المواثيق في تقسيم السلطة بين حزب المؤتمر الشمالي والحزب الاشتراكي الجنوبي وحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) وهو تحالف يضم قوى الإخوان القبلية وبقايا داعمي الإمام ومجموعة من التكنوقراط.

وبعد هذه التعثر قامت حرب أهلية سميت حرب «الستين» عام 1994 بعد فشل الاتفاق الخاص بالوحدة حيث قام الحزب والتجمع الجهوي الحاكم «المؤتمر الشعبي» بفض التحالف مع الحزب الاشتراكي الجنوبي وأعلن الحرب المقدسة ضد الملاحدة كما يسمونهم، وذلك بالتزامن مع وجود تحالف سياسي وعسكري مع الجناح القبلي للإخوان المسلمين منذ حرب الجبهة 1978-1982م، والجناح العسكري المقرب للإخوان علي محسن الأحمر بالإضافة لدعم مادي سخي من تجار مدينة تعز، وقد قام حزب الإصلاح بمساعدة قبائل جنوبية باجتياح لحج وعدن والسيطرة على الجنوب اليمني.

كانت اليمن أمام مغامرة حقيقة وهي أن تقايض الوحدة بالديموقراطية، واختار النظام الحاكم والمهيمن وقتها أن يقدم فرض الوحدة بالقوة على حساب المسار الديموقراطي.

توزيع الريع

حدثت مشكلة أخرى أثرت على قوة الدولة اليمنية الناشئة وتماسكها، وهي توزيع الريع، وذلك نظرًا لأن اليمن كان قابعًا تحت حكم الفرد الواحد «علي عبدالله صالح»، فقد جرت العادة أن يتم التقسيم الريع كعوائد صادرات النفط والجمارك مع شيوخ القبائل التي تحيط بصنعاء وذلك لتأمين المحيط الذي كان يستقر فيه، فرغم كون صالح رئيسًا لليمن فهو كان يتصرف من منطلق قبلي.

ما حدث أن سعي الدولة لبقرطة القبيلة وتحويلها للقيام بدور وظيفي أفضى إلى عملية عكسية، وابتلعت المؤسسة القبلية تلك الدولة الناشئة، حيث كانت القبائل ذات النفوذ والسلطة وقبائل طوق صنعاء تتمتع بامتيازات مالية واقتصادية وسلطوية على كافة ربوع اليمن، في حين يخفت هذا الاتجاه جنوبًا مع تعاظم نفوذ الدولة هناك، مما أدى بالأخير إلى اضطراب في الهوية والانتماء اليمني الجنوبي.

كما يظهر بشكل فج التفاوت بين الطبقات، فكما أن هناك 60% من الشعب اليمني تحت خط الفقر، فإن ثمة رجال أعمال فاحشي الثراء بسبب تجارة السلاح والنفوذ داخل الدولة وعلاقتهم القوية مع دول الخليج، وهو ما أدى إلى خلل في العدالة الاجتماعية باليمن.

محاولات مركزة الدولة

في عام 1986 كانت الحوالات المالية من دول الخليج إلى اليمن فاقت الدخل المحلي للدولة، ولهذا نمت كانتونات تجارية في معزل عن الدولة. فعلى سبيل المثال نما القطاع التعليمي غير الحكومي بشكل رهيب حتى وصل في منتصف الثمانينيات لحد سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على التعليم، بافتتاح عدد ضخم من المعاهد الدينية بعد انتصارها في حرب الجبهة 1982 ضد الاشتراكيين، كما أنشأت بعض التيارات الدينية معاهد ومدارس لهم، مثل الزيدية في محافظة صعدة، والشيعة الإثنى عشرية في صنعاء.[3]

كذلك شق الطرق وشبكات الري إلى الأرياف قامت بها قوى مدنية في حين كانت الدولة غائبة تمامًا عن هذا الدور، حتى قبل الثورة التي قامت في 2011. لم توجد مؤسسة دينية رسمية ثابتة مثل الأزهر بل جرى تداخل قوي وكبير بين الإخوان المسلمين والمؤسسة الدينية اليمنية، فعلى سبيل المثال وجود جامعة الإيمان التي كان يترأسها عبد المجيد الزنداني «المنتمي للإخوان المسلمين» وهي في الوقت نفسها أقرب للسلفية العلمية، وتمثل إحدى أهم المؤسسات العلمية الدينية بالبلاد، وهي التي كانت تقر مناهج التربية الإسلامية في المدارس وخاصة مناهج التوحيد المخالفة للمنهج الزيدي فيها.

كل تلك الأمثلة التي سقنها تدل على ضعف مركزية الدولة، لكن جرت بعض المحاولات لزيادة نفوذها وبسط سيادتها على الداخل اليمني بين عامي 1999-2011. فحيث كان المجتمع المدني ينمو بشكل مطرد خلال الثمانينيات كانت الدولة بطيئة النمو، وكل ما صنعته بعد ذلك أن ضمت هذه القطاعات لها مستفيدة من هذا النمو كما أشار الكاتب نزيه الأيوبي في كتابه تضخيم الدولة العربية.

عدم احتكار العنف

يعتبر المجتمع اليمني أحد المجتمعات الأكثر تسلحًا في منطقة الخليج والعالم العربي، حيث يرتبط السلاح بمفاهيم تقليدية ودينية يصعب معها نزعه. ويظل لكل مكون قبلي قوة عسكرية، ومع نجاح السيطرة على الجنوب جرت السيطرة على أسلحة معسكرات الجنوب ونقلها لكل مكون شارك في هذه الحرب. لم تستطع الدولة اليمنية احتكار العنف مطلقًا وظلت القبيلة شريكًا أساسيًا، بل إنه قد جرى ابتلاع القبيلة للقوة العسكرية، حيث سيطرت كل قبيلة من التحالف الحاكم على قطاع عسكري مثل سيطرة أسرة صالح على الحرس الجمهوري ومن خلفها قبيلته سنحان.

كل ذلك أثر على الاستقرار الأمني والسياسي للبلاد وأصبح أي حل سياسي يترجم على الأرض بحل عسكري. ربما ذلك ما جعل من تقدم الحوثي إلى صنعاء حتى يومنا هذا عملًا ناجحًا من الناحية السياسية.

شرعية النظام

عانى النظام اليمني من أزمة شرعية، إلا أنها ربما تكون أقل حدة من بعض الدول العربية، حيث عانى نظام الوحدة من فقد للشرعية في الجنوب اليمني، في حين له حضور قوي في الشمال، لكنه كان يخضع لقوة ونفوذ التحالف القبلي. فكلما تأثر هذا التحالف بالسلب اهتزت صورته وفقد بعضًا من شرعيته، كما تمردت بعض قبائل صعدة على حكم صالح عبر تمرد الحوثي الذي استمر من عام 2004 وحتى السيطرة على صنعاء 2014.

البيروقراطية الناقصة

علي عبدالله صالح، اليمن، القذافي
علي عبدالله صالح، اليمن، القذافي

ظل اليمن لا يتمتع بحكم بيروقراطي قوي بل تقليدي، كأنها ملكية أو قبلية بمسمى جمهورية، وظلت اليمن تعبر عن الدولة التي تفتقر إلى مؤسسات قوية وفاعلة، وقد جرى توسيع نفوذ المؤسسات خلال العشر سنوات الأخيرة من حكم صالح في محاولة لتوسعة نفوذ الدولة اليمنية السياسي والعسكري.[4]

لم تتمتع اليمن بمؤسسات قوية بالإضافة إلى أنه قد جرى توزيع السلطة في الجهاز الإداري بنظام المحاصصة المعتمد على التوزيع الجهوي والإثني وذلك على حساب الكفاءة والقدرة.


بلا شك فإن الدولة اليمنية في ظل هذه الوضع الذي عرضناه دولة هشة، ما يحكيه تاريخ اليمن هو أن أزمة اليمن ليست إلا استمرارًا لأزمة الدولة العربية في الشرق الأوسط ما بعد الاحتلال، ما زالت الدولة تعاني من مشاكل بنيوية ستستمر طالما لم تحل القضايا الأساسية، وقضايا التنمية لن تتقدم إلا بعد حل مشكلة هشاشة الدولة وعدم قدرتها على السيطرة على العنف واحتكاره، ليظل السؤال الذي يفرض نفسه على المكونات السياسية باليمن؛ هل من الممكن إيجاد نموذج للدولة يتجنب تلك المشكلات؟

في المقال المقبل سنطلع على خريطة التدخلات الخارجية، ومصالحها كمحرك للأحداث السياسية باليمن.

المراجع
  1. دوغلاس نورث وآخرون، في ظل العنف السياسة والاقتصاد ومشكلات التنمية، عالم المعرفة فبراير 2016.
  2. احمد وهبان. (1999). التخلف السياسي وغايات التنمية السياس
  3. نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربي، مركز دراسات الوحدة العربية 2010.
  4. خالد فتاح. (اكتوبر, 2014). اليمن التحول الديموقراطي في دولة هشة. الديموقراطية، الصفحات 80-85.