إن فك حصار حلب من شأنه قلب طاولة المؤامرات الدولية ضد سوريا، فنتائج المعركة تتجاوز فتح الطريق عن المحاصرين إلى قلب موازين الصراع في الساحة الشامية

كانت هذه كلمات «أبو محمد الجولاني»، قائد «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقا) تعليقا على الحملة العسكرية التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية لفك الحصار الذي ضربه النظام السوري على مدينة حلب. كان النظام قد عزم، منذ فبراير/شباط 2016، على حصار حلب وإسقاطها من أجل كسر أحد أهم معاقل الثورة وإنهائها فارضا سيطرته المطلقة على أهم الحواضر السورية، ومن هنا تأتي الأهمية البالغة للتطورات التي تمت في معركة حلب والجبهة الشمالية والتقدم الذي أحرزته فصائل المعارضة على حساب قوات النظام وحلفائه وكذا التدخل التركي – الذي مازال محدودا حتى الآن – في الشمال السوري.


مستقبل المواقف الدولية والإقليمية

رغم توالي الإدانات لحصار وقصف حلب إلا أنه لم يكن هناك تحرك فعلي سواء في المؤسسات الدولية أو من خلال مبادرات دولية منفردة من أجل إنهاء هذه المأساة، فبالنسبة للموقف الأوروبي من المرجح أن يتجه للقبول إلى حد ما بالرؤية الروسية ببقاء «الأسد» حيث تعاني أوروبا من أزمات الإرهاب واللاجئين بخلاف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وهذا ما سيجعلها تنكفىء وإن كان مرحليا تجاه مشاكلها وتحدياتها لذا فستركز الآن على «محاربة الإرهاب» وليس رفع المعاناة عن الشعب السوري، فليس من الوراد أن تغير نتائج معركة حلب كثيرا في الموقف الأوروبي، إلا أنها قد تستمر في استغلال الأزمة كورقة ضغط على روسيا باعتبار أن سوريا أصبحت ميدانا لتصفية الحسابات بين العديد من القوى الدولية والإقليمية.

انتقالا للولايات المتحدة التي ما زالت مصرة على موقفها من رحيل «الأسد» لكن من المؤكد ، مع قرب انتهاء ولاية الرئيس «باراك أوباما»، أن لا تتخذ خطوات حقيقية لتحقيق هذا الهدف مثل توسيع الدعم للمعارضة وفرض مناطق آمنة في بعض مناطق سوريا وأهمها حلب، بل تتجه واشنطن للتوافق مع موسكو على تنسيق عملياتهما ضد «النصرة» و«داعش» والبقاء بقبول «الأسد» مرحليا، أو قبول ممثلين عن النظام في مرحلة انتقالية.

بالنسبة للمواقف الإقليمية ومنها الدور السعودي الذي يعد من أبرز الداعمين للمعارضة من المرجح أن يقل دعمها للمعارضة حيث صرح وزير الخارجية «عادل الجبير» أن الرياض مستعدة لإعطاء حصة لروسيا في الشرق الأوسط، مقابل تخليها عن «الأسد» واعتبر أن الاختلاف مع الروس بشأن سوريا ليس بنتيجة اللعبة بل بالطريق التي تؤدي إليها، وهذا يوضح أن الموقف السعودي ضعف وسيتغير نتيجة الضغط عليه في مناطق أخرى – وخاصة في اليمن -، ورغم تأكيد السعودية أن «الأسد» سيرحل سياسيا أو عسكريا، أما موقف حليفتها الإمارات وعلى خلفية اشتداد حصار حلب أكدت أن لا حل عسكري في سوريا، ولا بديل عن الحل السياسي وفق «جنيف 1»، وأن غياب هذه القناعة لدى الأطراف كافة سيطيل أمد مأساة سوريا، وهذا يؤكد أن الموقف الإماراتي سيتغير في الأزمة السورية والذي كان متوافقا بشكل كبير في البداية مع حلفائها الخليجين والغربيين.

أما تركيا والتي تعد المتضرر الأكبر من الأزمة نجد أنها ستتجه للتركيز على الداخل على خلفية الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز الماضي، والسعي للتركيز في المقابل على منع قيام حزام كردي في الشمال يفصل تركيا عن سوريا والعالم العربي، ويمثل قاعدة ارتكاز لتنظيم «البي كا كا» الإرهابي. وخلال الشهر الحالي شاهدنا بوادر تلك السياسة بالفعل؛ إذ التقى «أردوغان» في موسكو نظيره «بوتين» يوم 8 أغسطس\ آب 2016 من أجل تطبيع العلاقات مرة أخرى بعد حادثة إسقاط الطائرتين، وأكد «أردوغان» على أنه لا سلام في سوريا بدون روسيا، ومن الواضح أنه قد تم الاتفاق في هذا اللقاء على التدخل التركي – عملية «درع الفرات» – في الشمال السوري لمنع وحدات حماية الشعب من إجراء تغيير ديموغرافي قسري بحق العرب والتركمان الساكنين غرب الفرات بل هناك معلومات احتمال حصول لقاء ثلاثي أمني إيراني سوري تركي في طهران قريبا لبحث مجموعة من الترتيبات اللوجستية والأمنية ذات صلة بالوضع الميداني السوري.

انتقالا لإيران والتي دعمت منذ البداية نظام «الأسد» وتعزز الآن مشاركتها في معارك حلب ليس من الوارد تغير موقفها في دعم النظام إلا أنها قد تنسق مع تركيا من أجل منع إقامة دولة كردية في سوريا لأن هذا يمثل تهديدا مشتركا للبلدين.


مستقبل وحدة الجماعة السورية

رغم التقدم الذي أحرز في الجبهة الشمالية إلا أنه يأتي بالتزامن مع تراجع في مواقف الداعمين الإقليميين والدوليين تجاه النظام السوري وحلفائه.

يوجد حوالي 250 فصيلا أساسيا معارضا، لكن عدد الفصائل الصغيرة قد يزيد عن ألف فصيل وتتفاوت في حجمها النسبي، وفي سيطرتها الفعلية، وفي أثرها السياسي والميداني، لذا تفتقر للحضور السياسي والذي ما زال محدودا لعوامل ذاتية وموضوعية، ومنها غياب التنسيق، وضعف الرؤية السياسية وتقاطعها جغرافيا وأحيانا تنظيميا مع مجموعات مرفوضة دوليا وإقليميا ومحليا، مثل تواجد «جبهة النصرة» و«داعش».

تبعية قطاعات واسعة من المعارضة للخارج واعتمادها على الدعم الذي يقدمه سيظل حائلا دون توحدها وفرضها لحل للأزمة قد لا يتفق مع رؤية الداعمين.

من المؤكد أن أغلب هذه الفصائل لن تتوحد على المدى القريب أو المتوسط لأنها لم تغير فعليا في مواقفها وأيديولوجيتها،أو رؤيتها لحل الأزمة إضافة لارتباط هذه الفصائل بداعمين خارجيين كل له مصالح مختلفة ومن الوارد أن مواقف هؤلاء الممولين لن تتغير، وبهذا فإن الجهات المرتبطة بهم لن تشهد تحولا سواء على الجانب التنظيمي أو الفكري، فمثلا رغم إعلان «جبهة النصرة» فك الارتباط بتنظيم «القاعدة» وتشكيل جماعة جديدة باسم «جبهة فتح الشام»، إلا أنها لم تدمج فصائل أخرى إليها كما لم تسعى أيا من الفصائل التوحد أو التنسيق معها.

بخلاف ما سبق حتى المعارضة المعتدلة مثل «الجيش السوري الحر» و«جيش الإسلام» تقوم بعمليات قصف تطال في جزء منها المدنيين المتواجدين في مناطق سيطرة النظام لذا ليس من الوارد أن تسعى لوضع استراتيجية شاملة تستطيع كسب تأييد المؤيدين لـ«الأسد» أو حتى توحيد صفوف المعارضين، كذلك سيصعب على جماعات المعارضة تقوية موقفها لأنها تسيطر على مساحات قليلة من سوريا مقارنة بالأكراد أو النظام أو «داعش»، وهذا يضعف موقفها في السيطرة على المناطق المتواجدة فيها فهي مجزأة وليست مترابطة وبالتالي غير قادرة على إقامة نظام حكم يمارس سلطات الدولة على الأرض ويحظى بالشرعية الخارجية ويقدم نموذجا يحقق قبولا من المناطق الأخرى مثل الأكراد أو المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام والأقليات من الانضواء تحته بافتراض قدرة المعارضة مستقبلا على إزاحة النظام في لحظة ما. كذلك، وخلال الفترة الماضية، لم تحقق المعارضة، نظرا لضغط معاركها التي تخوضها مع النظام، تقدما على حساب «داعش» بخلاف النظام الذي استطاع استعادة بعض المناطق منه مثل «تدمر» وكذلك الأكراد الذين استعادوا مدن عدة ومؤخرا مدينة «منبج»، وربما تأتي الأهمية البالغة للتدخل التركي في جرابلس في هذا السياق.

رغم استغلال النظام للتطورات الإقليمية والدولية في دعم مناطق سيطرته وتوسعيها وخاصة على حساب المعارضة واستغلال التوافق الدولي حول ضرب مناطق «داعش» و«النصرة» إلا أنه لن يستطيع إعادة الدولة كما كانت، حتى وإن نجح في استعادة حلب، نظرة لعسكرة المعارضة، المكونة بالأساس من عموم الشعب السوري. وفي المقابل فالمعارضة أضعف من أن تقيم دولة تشمل الجميع أو أن توحد حتى فصائلها مما يعني استمرار الحرب الأهلية لفترة ليست بقصيرة حتى وإن قل الدعم الآتي من الخارج سواء للمعارضة أو النظام.