يكثر الحديث، بخاصة في وسائل الإعلام الخليجية، عن انتصار أوبك، بقيادة الدول الخليجية، على أمريكا في الحرب النفطية. حقيقةً ذلك الانتصار ليس له أساس من الصحة بل بالعكس يمكن القول بأن أمريكا هي من انتصرت، ولفهم دلالات الحرب نستعرض النقاط التالية:

أولًا: ماهية الحرب النفطية:

عملت دول الأوبك، بقيادة المملكة العربية السعودية، على زيادة إنتاجها النفطي لاستعادة حصتها كاملة في الأسواق العالمية بعدما اقتنصت روسيا جزءًا كبيرًا من حصة أوبك في الأسواق منذ أن اتبعت الدول تخفيضًا في حصصها الإنتاجية بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وما تبعها من حالة ركود في الاستهلاك النفطي العالمي. وأدى ارتفاع إنتاج أوبك، بالإضافة لوجود فائض في الأسواق بسبب ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي بنحو 3 مليون برميل خلال العاميين الأخيرين، إلى هبوط بلغ أكثر من 50% في أسعار النفط للتراجع من 115 دولارًا للبرميل في يوليو 2014 إلى ما يقرب من 45 دولارًا في يناير 2015.

وعلى الرغم من ذلك ظلت دول أوبك تنتج عند مستويات قياسية من النفط تتخطى حاجز الـ 30 مليون برميل يوميًا، الحصة المقررة للمنظمة منذ عدة سنوات، وذلك لرغبة من السعودية على وجه الخصوص في القضاء على صناعة النفط الصخري الأمريكية التي تطلب أسعارًا تتراوح بين 60-80 دولارًا للبرميل حتى تكون مربحة ويستطيع المستثمرون بالصناعة استكمال استثماراتهم التي تحتاج إلى تقنيات مرتفعة الثمن كالتكسير الهيدروليكي.

ثانيًا: ما آلت إليه السوق النفطية:

1- ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 40% عن مستوياتها في يناير الماضي لتصل لنحو 67 دولارًا للبرميل.

2- ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تنتج النفط عند مستوى قياسي يصل إلى 9،5 مليون برميل يوميًا.

3- استغلت أمريكا انخفاض الأسعار وزودت مخزوناتها النفطية لأعلى مستوى على الإطلاق منذ بدأت في تخزين النفط في عام 1982 ليصل المعدل إلى ما فوق 480 مليون برميل.

4- أعلن عدد من شركات النفط الأمريكية، في بداية العام، عن تأجيل خططهم الإنتاجية مع تخفيض الإنفاق الاستثماري نظرًا لانخفاض الأسعار.

5- استمرت السعودية في إنتاج النفط بمستوى قياسي يتخطى حاجز 10،3 مليون برميل يوميًا، بعدما كانت تنتج النفط عند مستوى 8،5 مليون برميل يوميًا في 2008 مع الاحتفاظ بنحو 4 مليون برميل كطاقة إنتاجية فائضة.

ثالثًا: من الذي انتصر في الحرب النفطية؟

للإجابة على ذلك التساؤل لا بد من الإجابة على عدد من التساؤلات الفرعية التي تتمثل في؛

1- هل إنتاج الخليج للنفط بمستويات مرتفعة في ظل أسعار منخفضة يعتبر مكسبًا أم خسارة؟

النفط بطبيعة الحال هو سلعة ناضبة تستخرج من باطن الأرض، لذا عند استخراجها وإنتاجها لا بد من حساب الفرصة البديلة للإنتاج والفرصة هنا هي الحفاظ عليها في باطن الأرض للأجيال القادمة بدلًا من إنتاجها بمستويات منخفضة. فعلى سبيل المثال كانت السعودية تبيع نحو 9 مليون برميل يوميًا بسعر 115 دولارًا في المتوسط أي بإجمالي يتخطى حاجز مليار دولار يوميًا، وحاليًا تنتج السعودية النفط عند مستوى 10.3 مليون برميل يوميًا بسعر 60 دولارًا في المتوسط بإجمالي 618 مليون دولار يوميًا أي أنه حتى مع زيادة الإنتاج بأكثر من مليون برميل يوميًا خسرت المملكة ما يقرب من 400 مليون برميل يوميًا.

2- ماذا فعلت أمريكا حيال التراجع في أسعار النفط؟

منذ أن تراجعت أسعار النفط في صيف 2014 اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة توسعية في مخزوناتها النفطية، وقامت بشراء كميات مرتفعة من النفط الخام بأسعار تقل 50 % عن مستوياتها الأساسية وبالتالي أصبحت تمتلك مخزونًا كبيرًا بأسعار أقل، مما يعطيها ميزة تنافسية فيما بعد في إنتاج المنتجات النفطية. وكذلك قامت أمريكا بإغلاق أكثر من نصف عدد حفارات النفط العاملة بها، وإن كان الأمر للوهلة الأولى يبدو سلبيًا نظرًا للتأثير على حجم الاستخراج وكذلك معدلات التوظيف بالصناعة، إلا أنه بحساب الفرصة البديلة نجد أن إيقاف العمل سيوفر تكاليف إضافية تدفع في مقابل استخراج نفط يباع بأسعار زهيدة.

3- هل توقفت صناعة النفط الصخري الأمريكية؟

على الرغم من إعلان عدد من شركات النفط الأمريكية عن تخفيضها للإنفاق الاستثماري للنفط خلال العام 2015، أعلنت وكالة الطاقة الأمريكية عن ارتفاع إنتاج أمريكا من النفط خلال أبريل بمستوى قياسي، وقالت الوكالة أن الإنتاج ربما يتباطأ خلال شهري مايو ويونيو قبل أن يرتفع مجددًا في يوليو. وفي الوقت الذي تستكمل فيه أمريكا خططها الإنتاجية بدأت أسعار النفط ترتفع مجددًا لتقترب من 70 دولارًا بعد أن كانت معظم توقعات بيوت الاستثمار تشير إلى تراجعها لنحو 30 دولارًا للبرميل.

إذًا لم تتوقف الصناعة الأمريكية وفي الوقت ذاته ارتفعت الأسعار بما يجعل الصناعة مربحة، وعلى النحو الآخر خسر الخليج مليارات الدولارات نتيجة انخفاض الأسعار. وبالتالي خسر الخليج الحرب النفطية ضد الولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن الخليج منتصرًا كما يشاع.

اقرأ المزيد

النفط الإيراني.. بين المفاوضات النووية والعقوبات الغربية

بين آليات السوق والمخاطر السياسية: كيف تؤثر حروب النفط على أسعار العملات ؟

جلال كشك يقرأ “قيام وسقوط إمبراطورية النفط”