كل عام وأنتم بخير، ورمضانكم صحيٌّ وكريمٌ، بإذن الله. مهمتنا كما هو الحال منذ سنوات ليست سهلة، فصيام ثلثي اليوم في حرارة الصيف ليس بالأمر الهيِّن على أجسامنا. لكن مع هذه الكبسولة الصحية الموجزة، ستَتَقبَّل أجسامُنا الأمر بشكل سلس، ولن نتجنب فقط المشكلات، بل سنحصل على فوائد استثنائية حصرية لرمضان.


ماذا يعني 16 ساعة من الصيام في حر الصيف؟

لحسن الحظ، لايُدخل صيام رمضان – الذي يُقطع يوميًا بوجبتيْن على الأقل – الجسم في حالة المجاعة starvation المرضية، وما يصاحبها من تغيراتٍ خطيرة في نشاط خلايا الجسم. لكن مع ذلك يضطر الجسم غالبًا إلى السحب من مخزونه الاستراتيجي من الدهون في الساعات الأخيرة من النهار، وهذا يمثل فائدة عظيمة لو أُحسِن استغلالها.

الجانب الخطير يتمثل في أن النهار الطويل، مع حرارة الجو، والتعرض المباشر للشمس، وما يصحب ذلك من العرق الغزير، قد يعرضنا لخطر الجفاف، والذي تتدرج أعراضه من الإرهاق الشديد، والشعور بالدوخة والغثيان، وفقدان التركيز، وعدم القدرة على القيام بالأنشطة العقلية بكفاءة، وصولًا إلى كوارث صحية حقيقية قد تحدث خاصة لدى كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة كالضغط والسكر والقلب .. الخ، مثل التضرر الكلوي الحاد نتيجة نقص كمية الدم الواصل إليها، وكذلك الإصابة بجلطات القلب، أو المخ، نتيجة زيادة لزوجة الدم بعد فقد الكثير من المياه.


كيف تتجنب الجوع والعطش

لن يحقق الالتزام ببرنامجنا الصحي الموجز مجرد تقليل الشعور بالجوع والعطش بشكل كبير، وكذلك الأعراض المصاحبة للجفاف، بل سنتجنب حدوث معظم المشكلات الصحية الكبيرة ذات العلاقة بالصيام. وبالنسبة للوزن،فعلى الأقل تثبيته، إن لم نخسرْ بعض الكيلوجرامات. وكذلك سننعم باختفاء الشعور الشهير بالتخمة الملازم للإفطار غير الصحي في رمضان. وأيضًا تقليل حدوث الحموضة، وعسر الهضم، وتمدد البطن بالغازات .. الخ مشاكل الجهاز الهضمي. بالإضافة إلى تحسين اللياقة البدنية.

اقرأ أيضًا: نصائح هامة حتى لا يؤذي حر الصيف صحتك.

السحور .. رمانة ميزان الصيام

بداية اليوم وعموده هو وجبة السحور، ويجب أن تكون في الساعة الأخيرة قبل أذان الفجر. يعتقد البعض خطأً أنه لفقد الوزن في رمضان، يجب الاكتفاء بوجبة الإفطار. سيؤدي هذا لنتيجة عكسية، فالحرمان الزائد من الطعام، يدفع الجسم لتقليل حرق الدهون للحفاظ على مخزوناته. كما أن الشعور الدائم بالجوع، هو أكبر خطر على أي نظام للريجيم، لأنه عاجلًا أو آجلًا سيدفع الشخص إلى إنهائه.

أهم ما يجب أن تتصف به وجبة السحور المتكاملة هو أن تكون غنية بالسوائل، بشكل مباشر، أو من خلال الخضروات والفاكهة مثل البطيخ والخوخ .. الخ. وذلك لتقليل مدة حدوث الجفاف أثناء النهار. في المقابل، لن يفيد الإسراف في شرب السوائل، لأنه بعد حد معين، ستقوم الكلى بالتخلص من الكميات الزائدة، فنحن لا نملك سنامًا كالجمل لتخزين السوائل. ما بين 2.5 و3 لترات من السوائل ما بين الإفطار والإمساك هو قدر جيد للغاية.

كذلك يجب أن تحوي الأطعمة بطيئة الهضم التي تؤخر إحساس الجوع نهارًا، مثل الفول، والشوفان، والحمص، والعدس، والخبز السن، مع مصادر الطاقة التي ستزود أنشطتك نهارًا، وأهمها النشوبات المعقدة كالموجودة في الخبز الأسمر الغني كذلك بالألياف المفيدة، والفواكه، والبقوليات، والبطاطس المسلوقة. وكذلك الدهون غير المشبعة كالموجودة في الزيتون وزيته، والأفوكادو.

تناول كذلك الألبان قليلة الدسم، والزبادي. فهي تحتوي البروتينات المغذية، بقدر أقل من الدهون. وتحتوي خمائر طبيعية تنظم الهضم والامتصاص، فتقلل التخمة وعسر الهضم. كما تحتوي قدرًا من السوائل، بجانب الكالسيوم المهم جدًا لنشاط العضلات. ومن أفضل الاطعمة الحلوة للسحور، مهلبية الأرز مع قطع الفواكه. فهي مصدر للطاقة من خلال النشويات المعقدة الموجودة في الأرز، بجانب فيتامينات الفواكه، وبروتينات اللبن، وكمية من السوائل.

أما أهم ما يُفضَّل تجنبه في السحور أو على الأقل تحديد كمياته، فهو الأكلات المملَّحة بمختلف صورها، إذ تزيد العطش نهارًا بشكل كبير. وكذلك تجنب الشاي والقهوة والمشروبات الغارية، فهي تزيد إدرار البول، مما يزيد العطش نهارًا. أيضًا ابتعد عن السكريات البسيطة عالية السعرات الحرارية كالموجودة في حلويات رمضان الشهيرة، والعصائر كثيفة السكر كالسوبيا .. الخ. إذ تمتص بشكل كبير، وتختزن على هيئة دهون. وقد تسبب كذلك زيادة العطش نهارًا. ولا تتناول في العموم كميات كبيرة من الطعام ، فهذا سيسبب مشاكل الهضم، والحموضة.


في نهار رمضان

يجب أن تنال قسطًا جيدًا من النوم لتجنب الإرهاق نهارًا أثناء العمل، فالإرهاق يفاقم الإحساس بالجوع والعطش. أثناء العمل نهارًا تجنب التعرض للشمس المباشرة خاصة بين الظهر والعصر، تحسُّبًا من ضربات الشمس، وأيضًا لمنع فقد الماء في العرق الغزير، وحاول ما استطَعْتَ البقاء نهارًا في جو ملطّف، بتكييف الهواء على حرارة معتدلة البرودة.

بعد العصر، وقت هام للغاية من أجل برنامجنا الصحي. حاول القيام بنشاط رياضي معتدل خاصة في الساعة الأخيرة قبل الإفطار، حيث تنكسر حرارة الجو، ويقل الخوف من ضربات الشمس، والجفاف، خاصة مع اقتراب أوان الإفطار. هذا النشاط في تلك الساعة الحيوية يحفز حرق الدهون بشكل هائل. فالطاقة التي يحتويها طعام السحور تُستَهلَك غالبًا في أول 6-8 ساعات من الصيام، يلجأ بعدها الجسم للجلوكوز المُخزَّن «الجليكوجين» في العضلات والكبد كمصدر للطاقة، وهذا سيغطي الاحتياجات لساعتين أو ثلاثة أُخَرْ.

بعد ذلك، سيلجأ الجسم حتمًا إلى مخزون الدهون، مع قيامك بأقل مجهود، حتى لو مجرد المشي بخطوة سريعة «بسرعة 4-5 كم / ساعة على الأقل، ويمكن حسابها عبر تطبيقات اللياقة على الهواتف الذكية» أو الجري المعتدل، أو مباراة في كرة القدم مع الأصدقاء ، أو بعض تمارين الضغط والبطن .. الخ.


الإفطار .. النصر صبر ساعة

نحن الآن أمام اللحظة الحاسمة. إما انتصار ساحق لصحتنا ونشاطنا، أو الفشل الذريع. لن يتهاون الجهاز الهضمي أبدًا مع إيقاظه فجأة بعد أكثر من 15 ساعة من النوم على ضجيج الدجاج المحمر، والمحاشي، والمكرونة بالبشاميل، والطبيخ المسبّك، والكنافة، والقطائف .. الخ، إذ سيرد بتخمة شديدة، وآلام بالبطن وانتفاخات. وسيُكلَّل الفشل كذلك باختزان كل هذه الطاقة الفائضة على هيئة دهون.

سيتحقق النصر بتطبيق نظرية الكيف وليس الكم التي طبقناها في السحور، وببعض الصبر. البداية المثالية بعد شرب السوائل ستكون بـ 3-5 تمرات، ستعوض فقد الطاقة أثناء النهار. كما ستنشط الجهاز الهضمي، وتسهل الهضم، من خلال ما تحتويه من ألياف. ومن البدايات الجيدة أيضًا التين، والمشمش، والخوخ، وعصائر الفاكهة باللبن، فهي غنية بالطاقة والسوائل.

من الوجبة الرئيسة، ابدأ بسلطة الخضراوات فهي غنية بالسوائل، والفيتامينات، والأملاح الذائبة الحيوية كالبوتاسيوم والصوديوم .. الخ. كما أنها تملأ المعدة مقابل قدرٍ هامشي من السعرات الحرارية، فتقلل الجوع، وتساعدك على تقليل كمية الطعام. ويمكن كذلك تناول حساء الخضروات أو اللحم أو العدس .. الخ. حاول الآن تأخير الوجبة الرئيسة لنصف ساعة، يكون فيها الجهاز الهضمي قد أفاق من الغيبوبة النهارية، فتتجنب التخمة الشهيرة بعد الإفطار.

أفضل وجبات الإفطار هي الغنية بالبروتين دون قلي أو تحمير. كالدجاج منزوع الجلد وكاللحم الأحمر، مع البطاطس والخضار المسلوق ( السوتيه )، أو السمك المشوي. مع قدر معتدل من النشويات، كطبق صغير من الأرز أو المكرونة، أو رغيف من الخبز، والذي يفضل أن يكون من الخبز الأسمر الأقل في السعرات، والغني بالألياف المسهلة للهضم. ولضمان هضم مثالي أضف الزبادي إلى المائدة.

إن كنت لابد ستتناول بعضًا من حلوى رمضان ثقيلة السعرات كالكنافة والقطائف …. الخ، فاجعل هذا بعد فاصل زمني من الوجبة الرئيسةـ، واتبعها بنشاط مسائي شبيه بما فعلنا قبل الإفطار. وإن كان الأمثل الاستعاضة عنها بالفواكه، والتي ستتيح لك أكل كمية أكبر، دون تعارض مع الريجيم.. فمثلًا .. السعرات الحرارية في قطعة صغيرة من الكنافة لا تتجاوز 50 جم، حوالي 250 – 300 سعر حراري، وهو نفس القدر الموجود في كيلو من البطيخ أو نصف كيلو من الخوخ، أو ربع كيلو من الموز والتفاح.

أما عن أصحاب الأمراض المزمنة كالسكر والضغط والقلب والفشل الكلوي والكبدي .. الخ اقرأ الدليل الإرشادي للصوم لأصحاب الأمراض المزمنة في مقالنا السابق:دليلك الصحي الشامل في شهر رمضان.

والآن صوموا تصحوا، نتمنى لكم صومًا مقبولًا وإفطارًا صحيًا شهيًا.