لأول مرة منذ 20 عامًا تقريبًا، تدور نقاشات حول انتخابات مجلس إدارة نادي الزمالك دون ذكر اسم «مرتضى منصور». عليك الآن أن تتنفس الصعداء، ثم تعيد قراءة تلك الجملة عدة مرات. أي نقاش سيدور بعد ذلك لن يضاهي تلك الجملة في أهميتها.

في البداية، دعني أُطلعك على أحد أسرار مهنة الكتابة. قبل كتابة كل مقال يجب أن نسأل أنفسنا عن السبب الذي نسعى للكتابة من أجله، فمن ذلك السبب ينطلق كل شيء، من البحث وسرد المعلومات وطرحها ومن ثم الوصول لنتيجة نهائية للسبب الأول.

ولن أُخفيك سرًا، عندما قررت كتابة ذلك المقال كنت أسعى لقراءة مشهد انتخابات نادي الزمالك القادمة بعد التطورات التي طالته. لكن أثناء بحثي، اكتشفت أن المشهد يحتاج أن يُرتب للقراءة أصلًا، لأنه غير جاهز بالمرة.

اللاعب رقم 1

ما جعل مشهد انتخابات الزمالك بحاجة لقراءة قبل عامٍ كامل من موعد انطلاقها، هو تدخل وزارة الرياضة المصرية بقرار إيقاف مجلس منصور عن العمل، وفقًا لما قد وجدته لجنة تفتيش إداري -عُينت بمعرفة الوزارة- من ملابسات في عمل المجلس يمكن وصفها بـ «مخالفات مالية».

وعطفًا على أهمية الجملة الأولى: «انتخابات مجلس إدارة نادي الزمالك بدون مرتضى منصور»، كان واجبًا أخلاقيًا أن تطفو فرحة ابتعاد مرتضى عن المشهد -نسبيًا- فوق أي تفكير آخر، سواء كان تفكيرًا في احتمالية عودته مرة أخرى، أو في عوار ذلك ومدى صحته قانونيًا، أو حتى توقيت تنفيذه.

لكن إمعانًا في طفو الفرحة، كان ضروريًا ذكر أن القانون دائمًا ما يكون هو اللاعب رقم 1 في المعارك على تلك الدرجة من الخطورة. لذا اتبع الوزير «أشرف صبحي» الصيغة القانونية الأسلم في إبعاد رئيس الزمالك السابق، وهي الإيقاف وليس الحل، فلا يحق للوزارة حل المجلس، لكن يمكنها إيقافه عن العمل باعتباره أحد أذرع الدولة المتمثلة في نادي حكومي، لحين انتهاء التحقيقات أو انتهاء مدة الانتخاب، أيهما أقرب.

يفضل منصور استخدام القانون في الصف الأول بمعاركه، كما فعل في لحظة انتخابه للمرة الثانية كرئيس لنادي الزمالك، حينما وضع لائحة انتخابات تفيده بنودها بكل الطرق، كان أهمها هو حق الانتخاب الذي كفله منصور لكل شخص يملك عضوية داخل جمعية الزمالك العمومية، دون النظر لمدة هذه العضوية.

ولمعرفة الفارق، فإن لوائح الجمعيات العمومية في كل الأندية المصرية تقضي بمرور عام واحد على الأقل في العضوية حتى يحق للعضو الإدلاء بصوته في انتخابات النادي.

وفور أن حصل منصور على اعتماد الجمعية العمومية البيضاء على ذلك البند وما رافقه، بات فوزه في الانتخابات أمرًا ميسورًا، لأنه يضمن بنسبة كبيرة أصوات كافة الوافدين الجدد للنادي، لأنه من سمح بعضويتهم من الأساس، سواء بتقسيط قيمة العضوية أو التسهيلات في العضويات الاستثنائية.

العدل للإنتاج الفني فقط

حتى اللحظة التي كتبت فيها هذه السطور، كان اسمي «مدحت العدل» و«أحمد سليمان» هما الأبرز بين المرشحين لرئاسة مجلس إدارة نادي الزمالك المُقبل.

دكتور مدحت العدل، أحد مُلاك شركة العدل للإنتاج الفني، هو طبيب أطفال تخرج من كلية الطب جامعة عين شمس، وولد في مدينة المنصورة عام 1955. ينتمي للزمالك في تشجيع الكرة المصرية، وهي صلته الوحيدة بكرة القدم من قديم أو من بعيد.

دعنا الآن نحاول نسيان أن الحديث يدور حول مدحت العدل نفسه، ونحاول أن نتخيل أنه فقط مثال حقيقي عما يريده الجمهور في المطلق داخل كل شيء يخص كرة القدم، فالجمهور الرياضي حاليًا تنتابه حالة شك بانتماء أي شخص يمت لناديه بصلة.

فمثلًا، يعتقد البعض أن ذلك اللاعب لا يشعر بآلام الجماهير، أو هذا المدرب لا يهتم إذا فاز النادي أو خسر لأنه يحصل على راتبه في كل الأحوال، وأن مجالس الإدارات تسعى للكسب فقط وأن كل الحكام يحصلون على الرشاوي ومتواطئين.

وبرغم إقرارنا بحقيقة تلك الاعتقادات أو على الأقل بعضها، فهذا لا يعطي المساحة الكافية للمشجع أن يتحرك لشغل أي منصب في النادي بدون كفاءة واضحة فيما سيشغله.

يشبه الأمر التدوين على موقع تويتر. فرصة لأن تكتب كمشجع مجموعة محددة من الحروف لتعبر عن رأيك فيما يدور في اللعبة، وينتهي الأمر بمجرد أن يحدث ما هو أجدد لأنك فرد ضمن مجموعة ليس إلا، ولأنك لا تملك الخبرة الكافية لتطبيق ما تطالب به على أرض الواقع.

الحديث هنا لا يدور أبدًا عن تشكيك في قدرات الأخ الأكبر في عائلة العدل في شئون الإدارة، لأننا حين نقول إن ذلك المهندس الذي ينتمي لنادي تشيلسي مثلًا، لا يصلح لأن يكون حارس مرمى لفريقه بدلًا من الحارس الإسباني «كيبا أريزابالاجا»، فهذا تشكيك في إمكانياته كحارس مرمى وليس كمهندس.

السؤال هنا: هل الانتماء الشديد للدكتور مدحت لنادي الزمالك كرجل أعمال ومدير شركة كبيرة في الإنتاج الفني فقط، يعطيه المساحة الكافية أن يفكر في إدارة نادٍ هو يعترف بنفسه أنه لا يعرف عنه شيئًا لسنوات؟

الطبيب الزملكاوي لم يزر النادي قط منذ سنوات، ولا يعرف طلبات أعضائه حتى، ولا يمكنه معرفة كل رغبات جماهير النادي كرويًا. فهل يكفي مليون متابع على موقع تويتر ابن عائلة العدل لإقناع الجمعية العمومية داخل أسوار النادي وملايين الجماهير خارجها؟

رئيس السوشيال ميديا

بالرغم من كل ما قد نقوله الآن فلن يحرك ذلك ساكنًا فيما ترغبه جماهير نادي الزمالك، غير الأعضاء، في رئيس ناديهم.

فكل ما قد تحتاجه جماهير النادي الكروية يختلف كليًا عما قد تفكر به أعضاء الجمعية العمومية، ولذلك يؤمن مدحت أن جماهير النادي تلك لو تملك حق التصويت لكان قد ضمن الاكتساح.

إذ يمثل العدل كل أفكار جماهير الزمالك بلا شائبة. هو فرد من الجماهير العتيقة للنادي بالتالي يعيش كل شيء يخصه، كل شيء بالمعنى والحرف، ينتقد الحكم عقب كل مباراة بنتيجة سلبية، يوزع السباب على اللاعبين المتخاذلين والأهم، أنه يؤمن بالحق الأصيل لجماهير النادي في لقب نادي القرن.

لكن لسوء حظ الدكتور مدحت، فإن من يحق لهم التصويت لا يهتمون كثيرًا لتلك القضايا، مع ذلك فإنه من الإجحاف أن ننكر دور هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي في اختيار رئيس النادي الخاص بهم، وإن حاولت ذلك فعليك مراجعة الانتخابات الأخيرة للنادي في عام 2017.

حصل اللواء أحمد سليمان على 16 ألف صوت انتخابي من أصل 40 ألف مصوت تقريبًا قد حضروا انتخابات نادي الزمالك الأخيرة. بتفكير بسيط تتأكد أن حملة سليمان الانتخابية الكبرى أقيمت وانتشرت وترعرعت على مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يكن له حق الانتشار داخل النادي بأمر من لائحة الزمالك التي أقرها منصور.

وبعيدًا عن السبب الحقيقي الذي أعطى سليمان هذه النسبة الكبيرة من أصوات الناخبين، وهي أن أكثر من نصفهم قد اتجه للتصويت له هربًا من بطش مرتضى منصور الذي كان يعمل داخل نادي الزمالك كأنهم الجميع ضيوف في منزله فيحق له فرض ما عليهم ارتداؤه وأكله وطريقة تجمعاتهم إلخ، فإن هناك 3 أسباب لدخول سليمان لتلك المنطقة الكبيرة من الدعم.

نادي الدولة

أولهم كان اختيار جماهير السوشيال ميديا التي تسعى للتخلص من مرتضى بالقطع، وأيضًا التي تؤمن فيما قدمه سليمان لفريق الكرة بنادي الزمالك كعضو في مجلس الإدارة في المدة من 2013 حتى 2017، وثانيهم كان رغبة جزء من جماهير النادي في التقرب أكثر للدولة المصرية.

يعرف البعض أن قيادة نادي حكومي في مصري يفترض أن يكون من شخص يملك صفة «رجل دولة»، كما يفضل مرتضى منصور أن يكرر دائمًا. وقد وجدت تلك المجموعة من الجماهير في أحمد سليمان الصفات المذكورة، فأولًا هو ليس مرتضى منصور، ليس أفضل منه، لكن على الأقل غيره، ثانيًا يملك صفات التقرب للدولة وأخيرًا له خلفية رياضية.

لكن تغفل تلك الجماهير الشيء الذي يعتز به أغلب جماهير النادي الأبيض على طول الخط، بأنهم نادٍ يثور في وجه النادي الأهلي، المعروف دائمًا بقياداته التي تمتلئ برجال أعمال بسيادة حكومية عالية أو وزراء سابقين أو ما شابه، وفي حال نجح سليمان فعلًا ووقع الزمالك في أي فشل طبيعي وعادي فما السبب الذي يمكن التشبث به في هذه الحالة؟

لكن السبب الأخير في نجاح سليمان الطاغي يكمن في فرس الرهان الحقيقي للانتخابات الماضية في نادي الزمالك، وربما هو القيمة الأهم للانتخابات القادمة، وهو المهندس «هاني العتال».

السبب الحقيقي لتسميتها بانتخابات

يمثل العتال ومن يشبهه داخل جمعية نادي الزمالك العمومية الوصف الطبيعي لانتخابات. عضو من سنوات طويلة، يملك شعبية حقيقية بين الأعضاء يقدم خدماته لهم، تدرج في الوظائف داخل إدارة النادي، حتى نجح في الترشح على منصب النائب.

بالإضافة إلى أن العتال حاليًا يمثل كتلة تصويتية كبيرة، أكثر من 22 ألف صوت في العملية الانتخابية الماضية، متوقع أن ترجح كافة أي قائمة في الانتخابات القادمة. حيث يمثل العتال ومن مثله الضمانة الوحيدة لإقامة انتخابات حقيقية داخل الزمالك بمسمى طبيعي، لا يعني ذلك أن العتال هو الأنسب أو الأمثل أو غيره، لكن الشكل العام فقط يوحي بأنها انتخابات.

حيث ما قد نغفل عنه منذ سنواتٍ طويلة، أن نادي الزمالك يفشل في كل مرة، يفشل في إقامة الانتخابات نفسها وليس فيما يتلوها. يفشل في اختيار قائمته وكتله الانتخابية، ورموزه وتدرج وظائفه؛ لذلك أخبرتك أن المشهد داخل القلعة البيضاء بحاجة إلى ترتيب عميق حتى نستطيع قراءته.