لقد كانت فرصتنا الأفضل لإثبات أنفسنا مرة أُخرى في بطولتنا المُفضلة، لم يكن الأمر سهلًا كما يبدو للجمهور الآن، بل احتاج إلى مجهود بدني شاق وتحضير ذهني غير عادي من مدير فني متميز مثل «زين الدين زيدان».

هكذا بدأ قائد فريق ريال مدريد «سيرخيو راموس»حديثه مع صحيفة الماركا الإسبانية بعد لقاء فريقه ضد باريس سان جيرمان الفرنسي على ملعب حديقة الأمراء. لقاء مهم تغلب فيه فريق العاصمة مدريد على نظيره الفرنسي بهدفين مقابل هدف واحد ليتأهل إلى دور الثمانية بدوري أبطال أوروبا بنتيجة 5-2 بمجموع المبارتين.

مباراة شهدت العديد من التفاصيل الفنية والنفسية التي يمكننا الحديث عنها، ولكن أهم ما شهدته تلك الليلة هو إثبات أبناء زيدان أن شخصيتهم الأوروبية مازالت حاضرة وبقوة في المواعيد الكبرى وأنهم لن يتخلوا عن مدربهم الفرنسي الذين يدين معظمهم بالفضل إليه في تألقهم واستمراريتهم في هذا التألق، لا سيما الدون البرتغالي الذي استفاق وكأن موسمه لا يبدأ إلا مع بداية دور الـ16 من دوري الأبطال.

الحديث هنا عن بعض التقارير الصحفية التي أشارت إلى احتمالية حدوث تغييرات هائلة في معقل السانتياجو برنابيو في حالة فشل الفريق في عبور عقبة باريس سان جيرمان، ولكن زيدان نجح في الاختبار وبنجاح تكتيكي يثبت به الأسطورة الفرنسية مرة تلو الأُخرى أنه وُلد عملاقًا في عالم التدريب.


الشوط الأول: زيدان يستحضر مباراة الذهاب

بدأ «زين الدين زيدان» مباراة البارحة من حيث انتهى في مباراة الذهاب، 4-4-2 في أبسط صورها دون أي تعديلات عليها ليضمن بها السيطرة على منطقة منتصف الملعب وقد كان له ما أراد. زيزو مدرب ذكي تكتيكيًا، يتذكر جيدًا معركة الوسط التي خسرها في مباراة البرنابيو حين بدأ المبارة بطريقة 4-1-2-1-2 قبل خروج «إديسون كافاني» لصالح «توماس مونيه» في الشوط الثاني. أما «أوناي إيمري» فقد بدأ المباراة بالطريقة ذاتها 4-3-3 دون أي تعديل عدا دخول «أنخيل دي ماريا» بدلًا من المصاب «نيمار داسيلفا».

ريال مدريد, باريس سان جيرمان, كرة القدم العالمية, دوري أوروبا
تشكيل الفريقين، ريال مدريد (يمين) وباريس سان جيرمان.

بدأ الفريقان المباراة بتوتر شديد، ففي أول عشر دقائق فقط فقد لاعبو باريس سان جيرمان الكرة سبع مرات في مقابل أربع مرات للاعبي ريال مدريد، وهو رقم كبير لكلا الفريقين. بعد ذلك بدأ لاعبو ريال مدريد في الضغط المبكر على حاملي الكرة من الفريق الباريسي حتى أتت ثمار هذا الضغط من تسديدة «راموس» بعد عرضية «أسينسيو» في واحدة من أخطر فرص الشوط الأول والتي أنقذها «أريولا» حارس باريس سان جيرمان.

أحكم الريال قبضته على المباراة بعد الربع ساعة الأولى من اللقاء؛ نتيجة للانتشار الجيد لرباعي خط الوسط والانضباط التكتيكي الشديد للاعبي منتصف الملعب «أسينسيو» و«فاسكيز» واللذين ساعدا في إبطال العديد من الهجمات للفريق الباريسي، ومساعدة «كاسيميرو كوفاسيتش» في مواجهة الثلاثي «رابيو،موتا،فيراتي»، فكانت الغلبة لمنتصف الملعب الأبيض بوضوح. بأربعة لاعبين نجح زيزو في امتلاك حديقة الأمراء.

ريال مدريد, سان جيرمان, دوري أوروبا, كرة القدم العالمية
نجاح رباعي منتصف ملعب نادي ريال مدريد في استخلاص الكرة عشر مرات خلال الشوط الأول في مقابل ثلاث مرات فقط لوسط ملعب باريس سان جيرمان.

دور «أسينسيو» و«فاسكيز» لم يقتصر فقط على معاونة لاعبي الارتكاز في وسط الملعب، بل شمل تكوين ثنائيات ممتازة مع ظهيري الفريق «مارسيلو» و«داني كارفخال» لاستغلال المساحات في أقصى أطراف الملعب، وهي المساحات التي لم يغطها «رابيو» و«فيراتي» بالشكل المناسب مع ظهيري الفريق الباريسي «يوري» و«داني ألفيش».

براعة زيدان في تلك المباراة لم تكمن فقط في الانتشار الجيد واختيار الطريقة المناسبة لمجابهة الخصم، بل في الاعتماد على ثنائي صغير في السن والرهان على التزامهما التكتيكي، وأنت تملك «توني كروس» و«لوكا مودريتش» على دكة البدلاء، زيدان يبني مستقبلًا عظيمًا لريال مدريد!

ريال مدريد, سان جيرمان, كرة القدم العالمية, دوري أوروبا, مارسيلو, أسينسيو
الخريطة الحرارية لثنائية «مارسيلو-أسينسيو» والتي توضح اعتمادهما على أطراف الملعب بعيدًا عن العمق، في مقابل ثنائية «فيراتي-ألفيش» التي مالت في أوقات كثيرة لقلب الملعب.

استمر الوضع على ما هو عليه حتى الدقيقة 42، حيث أضاع «إديسون كافاني» أخطر فرصة لباريس سان جيرمان في أحداث الشوط الأول. التقطت كاميرات التليفزيون زيزو وهو منفعل بشدة بعد تلك الفرصة. لم نعلم تحديدًا هل انفعال زيدان بسبب عدم التزام خط دفاع فريقه بتعليماته أم هي تبعات انفراد «كريم بنزيما» التام الذي أضاعه منذ أربع دقائق فقط.


الشوط الثاني: ريال أوروبا يعود

بدأ الشوط الثاني بحماس شديد من جانب باريس سان جيرمان، لاعبين وجماهير. لاعبو باريس يمارسون الضغط العالي على لاعبي الريال فظلت الكرة حوالي ثلاث دقائق كاملة في منتصف ملعب الريال في بداية الشوط الثاني. أما الجماهير فانطلقت في إشعال الشماريخ بكثافة شديدة اضطرت حكم اللقاء الألماني «فليكس بريش» إلى إيقاف اللقاء لمدة دقيقة ونصف تقريبًا حاول خلالها البرازيلي «تياجو سيلفا» تهدئة الجماهير والإشارة لهم بعد إشعال المزيد من الألعاب النارية.

بعد ذلك بدقيقتين فقط، حاول «داني ألفيش» مراوغة جوهرة مدريد الثمينة «ماركو أسينسيو» فنجح لاعب ريال مدريد في استخلاص الكرة والركض بها من دائرة المنتصف وحتى منطقة جزاء المنافس ثم الوقوف على الكرة وتمريرها من بين أقدام الظهير البرازيلي بمهارة وثقة تجعل جماهير الريال تشكر زيزو في كل مرة تداعب فيها أقدام هذا الشاب الإسباني الكرة، كل تمريرة من أقدام «ماركو أسينسيو» تجعل جماهير البرنابيو تطمأن أن مستقبل ناديهم بخير.

مرر «ماركو» الكرة إلى «فاسكيز» القادم من الخلف بسرعة كبيرة، والذي أرسل عرضية متقنة قفز إليها الدون البرتغالي على ارتفاع ليس بالقليل ليعلن بهذه الرأسية تقدم الضيوف. رأسية جعلتنا نتذكر هدفه في نهائي كأس ملك إسبانيا أمام برشلونة الأسباني، وهدفه في البرنابيو أمام بيته القديم ومعلمه «السير أليكس فيرجسون» وغيرها من الأهداف التي صعد فيها «كريستيانو» للكرة على ارتفاعات غير عادية.

ريال مدريد, أسينسيو, فاسكيز, كرة القدم العالمية
قطع «أسينسيو» للكرة ثم الركض بها وتمريرها ل «فاسكيز» القادم من الخلف في الهدف الأول لريال مدريد.

بعد هذا الهدف أدرك أصحاب الأرض أنهم لن يعبروا إلى دور الـ8 بأي حال من الأحوال. ريال مدريد ليس بالفريق الذي يستقبل ثلاثة أهداف في نصف ساعة بسهولة، خاصة إن كنت تتحدث عن دور إقصائي بدوري الأبطال، فبدا لاعبو باريس وكأنهم يصطنعون الحماس والحمية على قميص النادي. «موتا» يخرج ويدخل «باستوري» بدلًا منه لتتحول الطريقة من 4-3-3 إلى 4-2-3-1.

تصريحات «نبيل معلول» المدير الفني للمنتخب التونسي بعد المباراة.

خمس دقائق بعد هذا التبديل، ويقوم الإيطالي «ماركو فيراتي» بتدخل عنيف على «لوكاس فاسكيز» يتبعه باعتراض شديد على الحكم الألماني فيشهر في وجهه البطاقة الصفراء الثانية، وكما نعلم في عُرف كرة القدم أنها إذا اصفرت احمرت! «فيراتي» خارج الملعب.

في الدقيقة 70، أحرز «إديسون كافاني» هدف التعادل لأصحاب الأرض، وحاول إحياء الحماس والروح في زملائه والجماهير، ولكن الكل كان يعلم .. ريال مدريد في دور الـ8، حتى أتت الدقيقة 81 وأطلق «كاسيميرو» رصاصة الرحمة على النادي الباريسي في حديقة الأمراء، ليعلن نهاية مغامرة فريق «ناصر الخليفي» في دوري الأبطال مبكرًا للموسم الثاني على التوالي.

خروج مبكر يعلنها صراحة:

المال ليس كل شيء في كرة القدم. البذخ وإهدار المال تجاه مشروع رياضي يلزمه مدير فني مخضرم قادر على تحمل المسؤولية، وتوجيه هذا المال في مكانه الصحيح. مدير فني ذو شخصية قوية قادر على التعامل مع هؤلاء النجوم لا الهروب منهم عند حدوث مشاكل بينهم. تأكد الآن بما لا يدع مجال للشك أن «اوناي إيمري» ليس الرجل المناسب أبدًا لمشروع «ناصر الخليفي».


هل فاجأنا زيدان أم تعلم من أخطائه؟

لا، لم يؤثر طرد فيراتي في مجريات المباراة، المباراة كانت تسير في اتجاه واحد وهو اتجاه ريال مدريد

حالة من الاستغراب تنتاب عشاق ريال مدريد هذا الموسم بسبب إصرار «زين الدين زيدان» في المواعيد الكُبرى على البدء بطريقة 4-1-2-1-2 والتي تعرف بطريقة الـ«diamond»، وهي إحدى مشتقات 4-4-2. لم تحقق تلك الطريقة النجاح المنتظر من عشاق الميرنجي، فتعادل بها ريال مدريد أمام توتنهام على ملعب البرنابيو بهدف لكل فريق، ثم ذهب بعدها ليخسر بثلاثة أهداف مقابل هدف بنفس الطريقة على ملعب ويمبلي، ثم يأتي برشلونة إلى مدريد ليقرر زيدان تكرار الخطأ ذاته والبدء بنفس الطريقة ليتكبد خسارة بثلاثية أفقدته الأمل في المنافسة على الليجا، ثم يخسر بذات الطريقة أمام فياريال بهدف دون مقابل؛ ليترك عشاق الريال في حيرة من أمرهم يسألون سؤالًا واحدًا دون غيره ألا وهو: «لماذا؟ لماذا يا زيزو؟».

تلك الطريقة أثبتت فشلها هذا الموسم لعدة أسباب أهمها ميل ظهيري الفريق للتقدم للأمام وعدم التغطية عليهم بالشكل اللازم من لاعب الوسط المتأخر والذي يكون عادة «كاسيميرو» في حالة انضمام لاعبي المنتصف إلى عمق الملعب. الأمر الآخر هو اعتماد زيدان على الحالة الفنية للاعب القابع خلف «كريستيانو» و«بنزيما»، إذا قرر اللعب بمثلث هجومي معتدل في الثلث الأخير من الملعب.

أما إذا قرر أن يكون المثلث مقلوبًا وأن يلعب بجناحين خلف «بنزيما»، فإنه يظل مرهونًا بمستوى الجناح المُشارك لـ«كريستيانو» في الملعب في ظل تراجع قدرات صاروخ ماديرا في العبور من موقف لاعب ضد لاعب، أو تذبذب مستواه الحادث هذا الموسم.

الطريقة الأُخرى التي حاول زيدان الاعتماد عليها هذا الموسم هي 4-2-3-1، والتي واجهت أيضًا بعض العوائق المتعلقة بمستوى لاعبي الارتكاز أمام رباعي خط الدفاع، بالإضافة إلى تعاظم دور «كريم بنزيما» في هذه الطريقة وهو ما لم يؤتِ ثماره على الفريق بالطبع، فكلما حاول زيدان تطبيع الفريق على تلك الطريقة شهد نتيجة سيئة لعل آخرها كان الخسارة أمام إسبانيول بهدف دون مقابل.

يبدو أن زيدان قد لاحظ أن الأمر فيما يخص الثلث الأمامي متعلق بالأساس بجودة اللاعبين، أما في منتصف الملعب فالأمر يحتاج إلى معالجة للكثافة العددية للاعبين، وتوزيعهم بعرض الملعب بشكل جيد، فلعب أمام دورتموند وفاز عليه ذهابًا وإيابًا في دور المجموعات بطريقة 4-3-3، ثم قرر زيزو تجربة 4-4-2 بشكلها الكلاسيكي، أو ما تعرف بـ«Flat 4-4-2»، فلم يخسر بها أي مباراة حتى الآن في دوري الأبطال أمام أبويل القبرصي، وأمام باريس سان جيرمان ذهابًا وإيابًا، فهل يكمل زيزو الموسم بهذا النمط، أم أن مرونته التكتيكية ستأخذنا إلى تجربة جديدة لا يعلم نتائجها إلا الله؟