أتعرف ذلك الهاجس الذي يضرب عقلك الباطن أثناء النوم، ذلك الذي يُشعرك بأنك قد سقطت الآن من على حافة عالية ولا تملك إلا لحظات قبل أن يحتضن جسدك الأرض بارتطام ينكسر معه عظمك؟ ما مدى الأضرار الجسدية التي تجد نفسك عليها حين تدرك أنك لم تتحرك ولو شبر واحد من على سريرك؟ النتيجة: لا ضرر إطلاقًا.

أنت على سريرك، فمهما تخيلت ارتفاع هذه القمة، لن يتمكن ذلك من إلحاق أي ضرر جسدي حقيقي بك، لأنك على الأرض أصلًا. فكيف ستسقط؟ لكن ما يبدو غريبًا، أن ذلك الهاجس يُمكن ربطه بكل طموحاتك التي تبنيها مع المدرب الذي تم تعيينه مؤقتًا لفريقك لِتوه.

مهما تخيلت نجاحات براقة لفريقك برفقته، كالفوز بدوري الأبطال مثلًا، وانتهى الأمر بلا أي بطولة فإن ذلك لا يُعد سقوطًا، أو أن أضراره تساوي صفرًا، لأنك وبكل بساطة لم تتوقع أي نجاح قبل مجيء في ظل الظروف التي تركك عليها المدرب السابق، أو بوضوح أكثر لن تتضرر بأي نتيجة نهائية للتخيل لأنك على الأرض أصلًا.


الكل يُريد أن يكون «زيدان»

جاء كرجل طوارئ فجعل أوروبا كلها في حالة طوارئ.

انتشرت ظاهرة المدرب المؤقت أو مدرب الطوارئ في أوروبا بالتزامن مع موجة الإقالات التي أطاحت بالعديد من المدربين. دائمًا ما يكون المدرب هو الحلقة الأضعف في أي حالة سيئة للفريق، فبالقطع هو ليس بقيمة أي نجم في فريقه وبالتالي هناك سهولة بالغة في تحميله أي خطأ ممكن. وما زاد الأمر انتشارًا، هو وجود نجاحات لا تُنكر لمدربي الطوارئ في عدة تجارب، لا سيما تجربة «زين الدين زيدان».

صحيح أن الفرنسي خلق لنفسه ولريال مدريد تاريخًا لا يُنكر خلال 3 سنوات فقط، لكن الأهم في تلك الرحلة أنها حولت قيمة ومواصفات المدرب المؤقت، فبعدما كان يُعد اختيار أحد المدربين المؤقتين هو نهاية متابعة الجماهير للفريق، باتت الجماهير نفسها تنتظر تلك الفترة من أجل تكرار مأمول لمسيرة الفرنسي، التي تُعد هي الأنجح لأي مدرب في العقدين الأول من الألفية الجديدة، بات الشغف يكمن في الفترات المؤقتة وليست الطويلة ويمكن التأكيد أن ذلك ليس بغريب عن طبيعة البشر.

يُعد تدشين مشروع طويل الأمد هو أحد أكثر الأشياء الكريهة للطبيعة البشرية، التي تميل إلى الإنجازات سريعة، بالتالي يعتمد مُعظم الناجحين على تقسيم أهدافهم إلى قسمين: أحدهما على المدى الطويل والآخر على المدى القصير، حتى يتم بالأخيرة تشبيع الرغبات النفسية لحين الوصول إلى الأولى، تلك الحقيقة هي الخلية الأولى التي بُنيت عليها أسطورة مدربي الطوارئ.

تغيرت كذلك مواصفات المُدربين المؤقتين بعد وصول الفرنسي إلى «سانتياجو بيرنابيو». في السابق، كانت تميل الإدارة إلى تعيين أحد الخبراء في عالم التدريب من أجل الوصول بالفريق إلى بر الأمان، فكرة بدائية تلجأ لها أي إدارة، حتى لو خارج نطاق كرة القدم، من أجل الوصول إلى أي نتيجة غير الفشل الكامل، فمثلًا اسم كـ«سام ألاردايس» كان أحد أبرز المشاهير في ذلك الجانب، لكن من بعد زيزو يمكنك أن تشهد الاختلاف.

تبحث الإدارة في جعبتها عن أحد الشباب الذي سبق له التدريب ولو لمرة واحدة، لا يهم إن كان في أحد فرق الأعمار السنية الصغيرة لديهم، أو كانت تجربة خارجية -شبابية أو في الفريق الأول لنادٍ آخر. الأهم أن يكون أحد اللاعبين البارزين في تاريخ النادي، حتى يمتلك الشعبية التي تقدمه للجماهير وتعطيه رصيدًا أوليًا من الأمان ضد أي نتيجة سلبية سيقع بها في المستقبل.

يقول المدرب الهولندي «جوس هيدينك»، أحد أبرز أسماء مدربي الطوارئ في تاريخ تشيلسي، إن النجاح كمدرب مؤقت يكمن في مدى رغبتك ورغبة لاعبيك في النجاح، و أن عليك أولًا أن تسأل اللاعبين إن كانوا ما زالوا «جائعين» وبحاجة لنجاحات أخرى. مثال شاب آخر كزيدان يحقق تلك النظرية بوضوح أكثر من ألاردايس أو أحد أشباهه، بالتالي فإن الجماهير لن ترضى الآن بهذه الأمثلة مرة أخرى، هم يريدون تجربة زيدان بأدق تفاصيلها.


الأسطورة التي ستوحد الصفوف

يصعب حصر أسماء المدربين الذين نجح لاعبوهم في إقصائهم من مناصبهم، تكمن هذه الصعوبة في كثرة أعدادهم، لأنه وبكل بساطة لن يقال مدرب يُحبه لاعبوه، إلا في حالات نادرة، لكن تكمن كذلك صعوبة في حصرهم لأنهم لم يجرأوا على التصريح بذلك علانية. لكن ولأن شجاعته في غرف الصحافة غير مسبوقة، فإن البرتغالي «جوزيه مورينيو» كان أول من تمكن من التصريح جهرًا بأن إقالته من منصبه كمدرب لتشيلسي، جاءت بعد خيانة لاعبيه له، خسر «سبيشال وان» دعم لاعبيه، فلم يتوانوا في التخاذل من أجل إخراجه من غرف الملابس بلا أسف.

اللاعب الإسباني «سيرجيو راموس»

في الموسم الجديد بعد إقالة مورينيو من تشيلسي، تم تعيين «أنطونيو كونتي» على رأس القيادة الفنية للفريق بداية من 2016/17. اعتمد الفريق وقتها على رسم 3-4-3 الذي كان طفرة في هذه الأثناء. وبالرغم من زيادة عدد المدافعين في التشكيلة الأساسية، لم يشارك «جون تيري»، قائد الفريق ومدافعه التاريخي،إلا في 15 مرة فقط طوال الموسم، لكن على عكس ذلك، قاتل المدير الفني الإيطالي على بقائه في الفريق بنهاية الموسم.

كانت رغبة المدافع الإنجليزي في عدد أكبر من دقائق اللعب،شارك في 912 دقيقة فقط في آخر مواسمه بالفريق، بالتالي لم يستطع كونتي منعه من المغادرة، لكنه كان صريحًا في إعلان سبب تمسكه به. ساعده تيري في إحكام قبضته على غرف الملابس، والنتيجة كانت تاريخية بلقب الدوري الإنجليزي في الموسم الأول لمدرب يوفنتوس السابق بإنجلترا.

تلك الحيلة الذكية التي اعتمد عليها كونتي هي إحدى المميزات التي يتقنها أي مدرب مؤقت شاب يملك صفات زيدان؛ أي أنه أسطورة سابقة في ناديه. لنتخيل الآن لو تمت إقالة «ساري» وتعيين «فرانك لامبارد» في منصبه، هل سيجد عناء في جعل جماهير «ستامفورد بريدج» تهتف باسمه؟

يتفق «سيرجيو راموس» مع هذا الرأي، حيث صرح من قبل أن أكبر مميزات «سولاري»، ويشترك فيها معه سابقه زيدان، أن كليهما مرا بهذه التجربة من قبل، كانوا في مكانهم وحققوا إنجازات كبيرة، ويعرفون كيف يجب أن تُعامل اللاعبين الكبار لأنك كنت منهم في يومٍ من الأيام. يجعلهم ذلك التعامل يخرجون كل ما لديهم في الملعب بالتالي الحصول على نتائج أولية كبيرة مهما كان الخصوم.


حيلة غير مضمونة

إدارة غرفة الملابس أهم من معرفة المدرب بشئون كرة القدم والتدريب.

يُعتبر «رومان إبراموفيتش»، مالك نادي تشيلسي، أحد أكثر المهاويس بإقالة المدربين. جعلتنا تلك العادة نرى أسماءً ليست بالكبيرة في المطلق، تصنع تاريخًا بارزًا مع الـ«بلوز». يأتي على رأس هؤلاء بالطبع «رافا بينيتيز» و«روبيرت دي ماتيو» أصحاب المجد الأوروبي للنادي.

نجح الإيطالي الأخير في الحصول على لقب دوري أبطال أوروبا الوحيد في تاريخ تشيلسي عام 2012، بالتالي حصل على فرصة لاستمرار تجربته للموسم التالي، لكن على غير المتوقع انخفضت نسبة فوز الفريق وظهر أنه لم يكن المدرب المطلوب لهذا المنصب، وفي الغالب يقع الجميع في نفس الفخ: تعيين مُدرب مؤقت، تحقيق نجاحات أولية لا يُستهان بها، رفع الطموح إلى السماء في الموسم التالي ثم؟ لا شيء.

يأتي المدير الفني المؤقت على فريق به بعض العيوب التي بدت واضحة خلال ما انتهى من الموسم، وبعد رأب الصدع النفسي لدى لاعبيه، يقوم بعمل بسيط من أجل وضع سياسته في عقل لاعبيه دون حذف سياسة سابقه، وباعتبار كونه شابًا ما زال يخطو أول خطواته في المهنة، فإن آراءه لم تتشعب بالقدر الكافي لجعلها معقدة ولا تتناسب مع أي من آراء سابقه، بالتالي يندرج الأمر في سلاسة تامة.

حتى وإن كان أحد المخضرمين، فإن هؤلاء لا يملكون في الغالب آراء معقدة في اللعبة، يعتمدون دائمًا على البديهي منها، مثل البساطة والاحترام ودراسة الخصم في هدوء إلخ، بالتالي النجاح الفني الأولي شيء شبه مضمون.

لم يقل أي شيء عندما تولى تدريبنا لأول مرة، فقط كان يضع اسمي في قائمة الفريق لبداية المباراة وكنت أعلم تمامًا ما يجب علي فعله.

المهاجم الإيفواري «ديديه دروجبا» عن فترته مع «جوس هيدينك»، مدربه المؤقت في تشيلسي عام 2009

مع بداية عمل الموسم الجديد يختلف الوضع، يصبح مجبرًا لخلق نظام، لا تعديل في نواقص سابقه، يحصل على تقييم خاص به وليس مقترنًا بسابقه. وعليه، يظهر مستوى كل مدرب باختلاف الآخر، ما يعني أن الحالة لا يمكن أن تُعمم بل تُعالج كل واحدة على حدة منذ هذه اللحظة، وهذه هي اللحظة التي انفجر فيها نجم الفرنسي زيزو فصار النموذج الأبرز للمدرب المؤقت في العصر الحديث.