أأبالغ؟ من الممكن، ولكن المؤكد هو أنني أشعر بسعادة بالغة. تصدرنا الليجا مجددًا وأثبتنا أنه لا يمكن القول إننا انتهينا، هيا الآن للحصول على التأهل من قلب مدينة مانشستر. فليسقط كل شيء وليحيا فريق مدريد! يحيا مدريد، يحيا مدريد!

إذا فتشت داخل عقل أي مدريدي بتلك الليلة السعيدة، التي فازوا فيها على برشلونة بالبرنابيو بهدفين دون مقابل، ستجد تلك الكلمات تتراقص داخل رأسه بعد ما أحيا زيدان الأمل مجددًا في موسم كاد ينهيه ريال مدريد بنفسه قبل بداية مارس، ولكن كيف؟

يجب مراجعة كل أفكار زين الدين زيدان قبل السؤال عن الكيفية لأن رأس ذلك الفرنسي – وإن لم يكن يعلم – يحتوي على ثلاث كلمات تقوده لكل شيء وتعبر عن كل شيء، الرهان والسهولة والانتماء.

الرهان: نادرًا ما يخسر زيزو

لقد حاولت تكرارها عدة مرات حتى في الحملات الإعلانية ولكنها لم تصب، لقد كانت مثالية يومها
زيدان متحدثًا عن هدفه الإعجازي أمام ليفركوزن في نهائي الأبطال 2002

كان ذلك رهانًا على تسجيل هدف خيالي، كرة صعبة وعلى القدم الضعيفة وبنهائي الكأس الأغلى في العالم ويقرر زيزو أن يراهن الجميع على أن يضعها في المرمى، الجميع بمن فيهم نفسه والنتيجة هي النجاح. زيدان المدرب لا يختلف كثيرَا عن اللاعب، والرهان هنا ليس على كرة طائشة أو مهارة مجنونة، الرهان هنا على مسيرة لاعبين ومصير ناد!

هل يستطيع أحدهم أن يشكك بقدرات داني كارفخال ومارسيلو وتوني كروس ولوكا مودريتش وكاسيميرو؟ بالتأكيد لا. بالعكس ففي قمة أدائهم هم الأفضل بالعالم في مراكزهم ولكن من منتصف موسم زيزو الأخير قبل الرحيل وبموسم لوبيتيجي وسولاري طالب الجميع برحيل كل الحرس القديم لسوء مستواهم وتشبعهم وتحمس الكل لمواهب مثل يورينتي وسيبايوس وكوفاسيتش، وهنا تدخل زيزو برهانه الأكبر في مسيرته التدريبية حتى الآن.

قاتل زيزو، في ذلك الكلاسيكو بشكل خاص ومنذ عودته بشكل عام، على إعادة كل هؤلاء إلى مستواهم رغم وجود البدائل.

راهن زيزو على الحل الأصعب وغامر بكل شيء، فبعد موسم كارثي عاد كاسيميرو ليصبح – حتى الآن – أكثر من قطع كرات في الليجا برصيد 51 كرة ويصنع أحد أعظم عروضه على الإطلاق أمام ميسي أحد أفضل عناصر اللعبة على مر تاريخها ليشاهد الكل نسخة رديئة جدًا من ليونيل.

ميسي فقد الاستحواذ 3 مرات كثاني أكثر لاعبي اللقاء
ميسي فقد الاستحواذ 3 مرات كثاني أكثر لاعبي اللقاء
ميسي نجح في مراوغة واحدة في اللقاء بنسبة 25%
ميسي نجح في مراوغة واحدة في اللقاء بنسبة 25%

هل كان سيقوم يورنتي بكل هذا إن لم يرحل للأتليتي؟ لا أحد يعلم، ولكن المؤكد أن زيزو أعاد كاسيميرو لعرشه كأفضل متوسط دفاعي في العالم بلا منازع والنتيجة يحصدها ريال مدريد بأداء فردي من الطراز العالمي في الكلاسيكو.

يقامر زيزو على المواهب الشابة أيضًا باعتماده على فينيسيوس جونيور بدلًا من رودريجو رغم أن الثاني مطلب جماهيري وإعلامي وأرقامه أفضل حيث سجل 7 أهداف وصنع هدفين، في حين قام فينيسيوس بتسجيل 4 وصناعة 3 في 9 مباريات أكثر!

نجح رهان زيزو على فينيسيوس بإعلان ميلاد نجم جديد في سانتياجو برنابيو بعد تسجيل هدف في برشلونة وتقديم أداء جميل من الناحية اليسرى. الأدهى أنه راهن على ماريانو الذي لم يلعب تقريبًا بدلًا من يوفيتش، ونجح الرهان!

لا تعتمد كل تلك الرهانات على إحصائيات أو نظرة تكتيكية فاحصة بقدر اعتمادها على إحساس زيدان اللاعب المعجزة.

السهولة

خبرتي ليست خبرة مدرب، خبرتي أتت من خبرتي كلاعب. معرفتي بالميدان واللاعبين واللعبة
زيدان عن خلفيته كمدرب

تميز زيزو لاعبًا بأنه كان يصنع كل شيء وكأنه منطقي وبديهي حتى في أصعب مراوغاته. السهل الممتنع الذي تستطيع أن تقول إنك ستفعله بسهولة رغم أن الحقيقة عكس ذلك.

كذلك زيدان المدرب الذي لا يبتكر خططًا جديدة ولا يصنع آلاعيب تكتيكية تحتاج لشرح بمئات الأسطر ولكنه وإن صح التعبير: «يلعب السهلة». لاعبون جيدون في مراكزهم المعتادة مع بعض التعليمات التكتيكية وكل شيء سيسير في الطريق الصحيح.

كان نجمًا ولذلك يعرف كيف يشعر النجوم، حينما طالب الكل بإبعاد كورتوا عن حراسة مرمى ريال مدريد في بداية الموسم، كان يعلم أن جودته ستعود بالتأكيد، والنتيجة هو أنه أكثر من حافظ على نظافة شباكه في الليجا بـ 12 مباراة وكان بطل الشوط الأول في الكلاسيكو بتصديين حاسمين أبقيا الريال في الملعب.

استمرت الانتقادات على استمرار إشراك كارفخال وبالفعل كلف مستوى كارفخال السيئ خسارة ريال مدريد أمام مانشستر سيتي، ولكن زيزو يعلم ما لا نعلم نحن وبأداء بطولي لم نشاهده لداني منذ إصابته في قلبه منذ عامين يقرر أن يصبح بطل الكلاسيكو الأول ونجم المباراة لدرجة أنه – بغض النظر عن الصلابة الدفاعية – قرر أن يتقدم ويضغط في مناطق رأس الحربة والجناح ويصنع فرصة هدف لبنزيما من مركز صانع الألعاب. الأغرب لم يأتِ بعد، الأغرب هو مارسيلو!

أصبح مارسيلو – بعد ما كان جبهة هجومية لحاله – مصدر قلق وتوتر للفريق في آخر موسمين بعد هبوط كبير في مستواه خصوصًا مع الأداء الرائع لميندي الذي ارتبط مع جمهور الملكي بالصلابة الدفاعية ونظافة الشباك ليقرر زيدان وعكس كل التوقعات البدء بمارسيلو أساسيًا في الكلاسيكو رغم تفوق ميندي في كل شيء هذا الموسم.

على اليمين إحصائيات فيريلاند ميندي، ويسارًا إحصائيات مارسيلو وتفوق واضح للفرنسي
على اليمين إحصائيات فيريلاند ميندي، ويسارًا إحصائيات مارسيلو وتفوق واضح للفرنسي

شعر زيدان بشيء لا يمكن للمحللين أن يفسروه وتفسره كلمات زيزو بأنه اكتسب خبرته لاعبًا تجاه مارسيلو وأنه يمتلك من الجودة والخبرة للقيام بدوره في الكلاسيكو الأهم تقريبًا منذ 10 سنوات ليقدم مارسيلو مباراة بطولية لم يكتف فيها بواجبه الهجومي المعتاد بل وأنقذ ريال مدريد من فرصة هدف محقق لميسي. سهولة اتخاذ زيزو لقراراته مثيرة للإعجاب، ولكن المثير بصورة أكبر هو معاندة كل شيء له عندما يقوم بالعكس.

عندما قرر زيدان إجلاس كروس طوال المباراة أمام مانشستر سيتي وفسر ذلك لأسباب فنية فقد ريال مدريد محرك وسط الميدان الأول له وتاه الجميع بسبب ذلك، هنا عاند زيزو نفسه وقرر أن يخرج عن أسلوبه الذي ميزه، فالفيردي رائع ولكنه ليس كروس. المدهش أنه استطاع تحمل غضب توني وتراجع عن قراراه بإشراكه أساسيًا في الكلاسيكو ليصنع هدفًا ويمرر 64 تمريرة صحيحة من أصل 65!

الانتماء

أنا محظوظ للتواجد بأكبر ناد بالعالم، سعيد جدًا وأعمل بشغف
زيزو عن وظيفته كمدرب لريال مدريد

يكررها تقريبًا في كل مؤتمر صحفي أنه سعيد للتواجد بريال مدريد وأنه يشكر بيريز للتعاقد معه منذ ما يقرب 18 عاماً. حتى وإن لم يقلها فهو يفعلها، قبوله للمهمة في 2016 والفريق محطم ثم قبوله المهمة في 2019 والفريق أكثر تحطيمًا لا تنم سوى عن حب وإخلاص كبيرين لهذا النادي. تضحية بكل الحسابات التي كانت ستجعله يرفض لو فكر لمدة دقيقة واحدة لا يمكن تسميتها سوى بالحب.

نحن مع زيدان حتى الموت
راموس كابتن ريال مدريد عن مدى دعم الجميع لزيزو

تكفي كلمات راموس وحدها لتفسر ما حدث في كلاسيكو الليلة، الفريق مهزوم نفسيًا وبدنيًا وفجأة يلعب كاسيميرو وكارفخال وكأنهما يدافعان عن شرفهما كرجال وينطلق فينسيوس بالكرة بحماس كأنه مولود بالفالديباس ويقوم كروس بتوجيه اللاعبين والكرة في قدميه. حب زيدان لمدريد انتقل للاعبيه وتخطى الأمر كرة القدم وأصبح رغبة في الانتصار باسم النادي أياً كانت المنافسة وكان المنافس.

لم يكن كلاسيكو الأول من مارس/آذار مجرد مباراة من قبل أن تبدأ، فبنظرة أبعد نسبيًا قد تكون المباراة الأهم في تاريخ زيدان كمدرب ! نعم أهم من نهائيات أوروبا التي خاضها حيث الخسارة هنا بمثابة فقدان الليجا نظريًا وانتهاء الموسم بفشل ذريع وإعلان زيدان مدرب الصدفة الذي ساعدته مهارة لاعبيه ووجود لاعب مثل رونالدو في تحقيق إنجاز تاريخي.

يعلم زيزو جيدًا كل هذا وكان قدر الحدث، ساعده لاعبوه بقتاليتهم العالية وتحول الموسم في 90 دقيقة فقط لتصدر الليجا والرغبة في القتال عليها والحلم بالعبور الصعب في الاتحاد أمام بيب جوارديولا. في 90 دقيقة قام زيدان بتقديم مارسيلو وكارفخال نسخة 2017 وبتقديم كاسيميرو وكروس كالأفضل في مركزيهما في العالم وبإعلان مولد فينيسيوس جونيور والأهم أنه كمدريدي فاز على برشلونة وبعرض فاخر.

لم يكن ذلك الكلاسيكو مجرد مباراة، كانت تعبيراً عن كل أفكار زيزو داخل الملعب وخارجه وكانت اختبارًا لمدى صلابته ذهنياً للخروج من يوم كاد يودي بموسم كامل ولكنه جعله يومًا يبشر بنهاية سعيدة.