ربما يكون غياب كل من حكيم زياش ونصير مزراوي عن قائمة منتخب المغرب في الشهور الأخيرة، وآخرها عن تشكيلة أسود الأطلس المستدعاة لمباراتي الكونغو المصيريتين في تصفيات كأس العالم والذي أفضى إلى اعتزال زياش دوليًا، وكل ما يتعلق فيه بالثنائي فوزي لقجع رئيس الجامعة المغربية لكرة القدم، ووحيد خليلوزيتش المدير الفني لأسود الأطلس، واحدًا من أكثر الملفات «صبيانية» الذي قد تتعرض له في سجل متابعتك الرياضية.

ستجد فيه تفاصيل مثل أن خليلوزيتش أراد إجبار مزراوي على شرب الماء، ثم سكب مزراوي الماء على الأرض فاستشاط خليلوزيتش غضبًا وقرر عدم استدعاء مزراوي مجددًا بسبب تلك الزجاجة!

ستجد أن لقجع خرج في مؤتمر صحفي ليعلن استدعاء الثنائي لمباراة الكونغو قبل ساعات من رفض اللاعبين نفسيهما لهذا الأمر!

ملف يبدو صبيانيًا لدرجة كبيرة، ولكن الحقيقة قد تكون أعمق من ذلك، لقد أراد لقجع وخليلوزيتش غسل أيديهما من ملفات عديدة، ورغم بعض التوتر بينهما عقب إخفاق أسود الأطلس في كأس أمم إفريقيا، إلا أن هذا الملف تحديدًا اتفقا فيه على ذبح الثنائي زياش ومزراوي وتقديمهما للجماهير المغربية.

دفاع «غيابي»

دعنا أولًا نتفق على شيء هام، النقطة الأساسية في الخلاف الذي دفع زياش للاعتزال الدولي لم تكن متعلقة فقط بخليلوزيتش، هناك استياء عام من إدارة الجامعة المغربية للملف، وبالتحديد زياش الذي تعرض لإساءات عديدة في ندوات صحفية علنية من خليلوزيتش. كانت نقطة استيائه الرئيسة من الجامعة المغربية، أنه يريد حماية علنية له أمام الكل، لا مجرد توصيات في الغرف المغلقة.

تواصلنا مع حمزة شتيوي، الصحفي الرياضي المغربي بموقع «هسبريس» وقال في تصريحات خاصة لـ « إضاءات»: «في البداية كان خليلوزيتش يقول دومًا إن الخلافات مع زياش ومزراوي بسيطة، ولكن مع كثرة السؤال عنهما وفي ظل طبيعة خليلوزيتش العصبية والصدامية، بات الرفض يزداد أكثر فأكثر، فبات يسيء لهما في كل مرة ويتناول أخلاقهما وأنها يريان نفسيهما أكبر من المنتخب، وقال إن زياش لو كان ميسي فلن يستدعى للمنتخب، كل ذلك أثار استياءهما، وبالأخص زياش».

وأضاف: «مزراوي صديق مقرب لزياش، ولما رأى الثنائي تلك الإساءة، تضامن مزراوي مع زياش صديقه المقرب في اتخاذ ذلك القرار» يقصد رفض تمثيل أسود الأطلس.

ويستطرد شتيوي: «زياش كان يستنكر حماية الجامعة له (غيابيًا) وهذا ما قاده إلى الاعتزال الدولي».

الحماية الغيابية تلك تمثلت مؤخرًا في إرسال الجامعة المغربية لأحد نجوم الكرة المغربية السابقين، الحسين خرجة، لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الثنائي المستبعد وخليلوزيتش، وكانت الأمور «شبه إيجابية» بين الأطراف المختلفة –من وجهة نظر شتيوي- الذي يؤكد أن الضغط كان قويًا على خليلوزيتش مع كل حصة تدريبية أو حضور جماهيري كان يهتف فيه الجمهور باسم الثنائي زياش ومزراوي.

ضربة استباقية

الخطوة التي كانت بمثابة ضربة استباقية لكل من زياش ومزراوي، كانت التعجيل بإعلان استدعائهما للقائمة الأولية لمنتخب المغرب لمباراتي الكونغو، وإلقاء الكرة في ملعبيهما كي يرى الجمهور كله رد فعليهما على هذه الخطوة.

توفيق الصنهاجي، الصحفي الرياضي وأستاذ مادتي الصحافة الرياضية والرعاية الرياضية بجامعة الأخوين في المغرب يرى أن لقجع من حقه أن يفعل ذلك لأنه «أعلى من المدرب هيراركيا في المنظومة» مؤكدًا أن «الأمر ليس له علاقة بوحيد أو لقجع، الأمر له علاقة بزياش ورؤيته لما يحدث داخل صفوف المغرب».

وأكد الصنهاجي: «وحيد قال إنه اتصل بنصير، ولقجع قال ذلك، لا نصير ولا حكيم أتيا رغم توجيه الدعوة لهما في القائمة الأولية وقد رأينا تصريح زياش حين قال إنه لن يأتي».

ولكن منطقيًا كان استدعاء زياش بعدما أعلن بوضوح عقب كأس العالم للأندية عدم عودته مجددًا لقائمة المغرب لمعرفته «بما يدور داخل المنتخب» أمرًا مراد به حرقه تمامًا إعلاميًا، ربما بإيعاز من خليلوزيتش وربما برغبة الجامعة المغربية في تبرئة ساحتها من الأمر برمته، ولكن المؤكد أن الأمر كان أصعب بالنسبة لظهير أياكس المطلوب في برشلونة، نصير مزراوي.

مزراوي قال في وقت سابق إنه سيكون سعيدًا بالعودة إلى صفوف المغرب وتلقي استدعاء لتمثيل أسود الأطلس، وخلال الفترة الأخيرة أعلن لقجع أن تواصلاً تم بشكل مباشر بين خليلوزيتش ومزراوي (نفاه الأخير)، وبالتالي كانت خطوة استدعاء مزراوي لقائمة أسود الأطلس لمباراتي الكونغو اختبارًا صعبًا للاعب.

لكن مزراوي آثر وجهة نظر صديقه المقرب ويبدو أن هذا أتى بعد تشاور مع زميله السابق في أياكس، ورفض الاستدعاء وأعاد الكرة إلى ملعب الطرف الآخر مع زياش وكلاهما أعلن أنه يشعر «بمعاملة غير حسنة» وبالتأكيد لن يكون وضعهما أمام المدفع وإجبارهما على العودة بشروط خليلوزيتش المدرب الذي صارا يكرهانه، بعيدًا عن تلك المعاملة التي يشتكيان منها، وهذا الأمر لا يمكن أن يتنصل منه لقجع، الذي يبدو أنه اتخذ هذه الخطوة بعد تخطيط مع خليلوزيتش نفسه بإلقاء اللاعبين فريسة أمام الجماهير.

30 عامًا في فرنسا ولا يتحدث الفرنسية!

الصنهاجي يلقي باللائمة على خليلوزيتش في التعامل مع كواليس المنتخب المغربي داخليًا، مشيرًا إلى نقطة هامة تتمثل في أن خليلوزيتش لا يتحدث الفرنسية على سبيل المثال مع أنه قضى في فرنسا 30 عامًا، ومع أن اللاعبين المغاربة يتحدثون الفرنسية، فكيف له أن يجد حلولًا للمشاكل الداخلية في المنتخب؟

ويرى الصنهاجي أيضًا أن الأجواء الداخلية مقلقة قبل مباراتي الكونغو رغم اصطفاف الجماهير حول وصول الأسود إلى نهائيات كأس العالم 2022، قائلًا: «الكواليس بها (لخبطة) والحديث يثار عن مشاكل في صفوف المنتخب االمغربي قبل مباراة مصيري».

وأضاف: «إبعاد مصطفى حاجي عن جهاز خليلوزيتش رغم أنه في جهاز المنتخب من 8 أعوام مع ما يتمتع به من قيمة في أذهان المغاربة، إلى جانب إعلان خليلوزيتش أن هناك لاعبين لا يريدون أن يكونوا في بنك الاحتياط ينبئك عن حجم المشاكل الكبير داخل الكواليس، رغم تلاحم الجماهير واصطفافها حول المنتخب في مشوار التأهل إلى نهائيات كأس العالم».

لا تحدثوني عنهما مجددًا

شتيوي يرى أن خليلوزيتش هو من أراد هذا السيناريو وأن «الجامعة أيضًا رأت فيها فرصة لتبرير موقفها أمام الجماهير بدعوى أننا وجهنا لزياش ومزراوي الدعوة لكنهما لا يريدان القدوم».

هكذا تكتمل الصورة، الاستدعاء الأول كان حتميًا لإنهاء هذا الملف بتحميل اللوم للاعبين، لأن رد فعليهما كان مرجحًا أن يأتي هكذا، ورغم أن العلاقة بين لقجع وخليلوزيتش لم تبدُ على ما يرام خصوصًا في أعقاب الفشل المغربي في كأس أمم إفريقيا 2021، إلا أن المصلحة جمعت الطرفين في ملف زياش ومزراوي، وكان من الضروري أن يقدم الثنائي المغربي البارز في أوروبا قربانين للجماهير المغربية، للتخلص تمامًا من هذا الضغط، ومن غير المنطقي أن تتم خطوة كتلك دون تشاور على الأقل بين لقجع وخليلوزيتش.

وحين خرج خليلوزيتش مؤخرًا ليقول بمنتهى الأريحية إنه «لن يتوسل لأحد كي يأتي إلى المنتخب المغربي» كان يضع الفصل الأخير في صراعه مع الثنائي معلنًا انتصاره عليهما خاصة عندما قال بوضوح: «انتهى أمر زياش ومزراوي.. لا تحدثوني عنهما مجددًا».