الحب خطيئة، والرحمة خطأ. مبادئ نيتشة، فيما يبدو، أنها الوحيدة الصالحة للعيش في هذا العالم، والثمن هو أن نتحول إلى موتى أحياء. الممثلون على خشبة مسرحية (الزومبي والخطايا العشر) بكامل ثيابهم وعلى الوجوه أقنعة، والملابس غامقة وسوداء وفي وسط الظلام تنطلق الدعوة بصوت جهوري: «أهلاً بكم في العالم الجديد».

المسرحية من إنتاج مسرح الهناجر، 2016، وتأليف نشوى محرم وطارق الدويري، وأخرجها الديوري بسينوغرافية فيديو المسرح. سوف تجد شاشة معلقة في خلفية المسرح تتغير عليها الصور والأحداث. تظهر دمية عملاقة تقود الممثلين وتعطيهم الأوامر التي يطيعونها بشكل أعمى.

مَن يجرؤ على عصيان أوامر الزومبي الممسوخة يكون عقابه أسطوريًا!، وعملية استخدام التقنيات الرقمية للصوت والصورة على المسرح حديثة نسبيًا بطبيعة الحال، فنراها في بداياتها على يد أعمال رابطة البنّائين التي حاولت السير على منهج مسرح البسكاتور ومسرح الشباك، واستخدمت الفيديو الرقمي كبير الشاشة لأغراض درامية على خلفية شبكة المسرح واستغلال إمكانيات الرسوم المتحركة المعبرة والبث الحي والمونتاج باستخدام الحاسب الآلي، وقدمت (ماريان ويمز) المؤسسة للفرقة عام 1993 مسرحية إبسن (البنَّاء الأسطى)، نسخة حديثة، معتقدة أن الوسائط الإلكترونية يمكنها أن تعيد الحياة إلى المسرح وقالت:

إن ثقافة الشاشة قد أصبحت وسيلة سائدة للتعبير الفني، وإذا كنت تعتزم أن تصبح فنانًا عاملاً في عالم اليوم، فإن عليك أن تصارع مع هذا على مستوى من المستويات.

واستخدمت النص الكلاسيكي بمواد حية وسابقة التسجيل على شاشات الفيديو ثم عرضها على الشاشة الكبيرة في المسرح مع استخدام مركَّب للرسوم المتحركة الرقمية والمونتاج المتقدم، وصار الأمر أشبه بفيلم حي على خشبة المسرح، فأنت ترى الممثلين والفنيين يعملون متعاونين معًا فيما يشبه سيمفونية الفرقة لخلق هذا المشهد الشامل.

ومع أن استخدام الفيديو الرقمي في مسرحية (البنَّاء الأسطى) عام 1994 كان عرضًا بدائيًا نسبيًا، لكن الاستجابة كانت مدهشة، فالنص بسيط والملابس حديثة والعرض قائم في مخزن صناعي في نيويورك. الديكور تألَّف من منزل خشبي حطمت أجزاء منه أثناء العرض لتكشف الغرف بالداخل، وفي النهاية قُسِّم إلى قسمين.

يذكرنا الكشف التاريخي والتدمير بالحركة الدرامية للمسرحية ذاتها مع الكشف عن أسرار العائلة وتفكك العلاقة بين سولينس وزوجته، وظهر أن ثمة مقترب مفاهيمي يبدو أنه مبشر وواعد أكثر من سابقه، ارتكز على القياس بالثورة الرقمية لكن من الواضح أنه يلقى إغفالاً من جانب النقاد في عالم المسرح، ربما لعوامل أخرى لا تتعلق مباشرة بالتقنيات الرقمية، مثل النص المسرحي والإخراج، …إلخ.

ومن ثم فقد تهدد هذا المقترب بالإخفاق في لفت الانتباه وإثارة مشاعر الثورة التي شعر بها المراقبون للتغيرات في دراسة المسرح في التسعينيات، والأخذ في الاعتبار إمكانية أن التحولات في النموذج المعياري ليست أبدًا كاملة كتعريف كامل يتضمن أن النماذج المعيارية المنافسة على المستوى النظري لم تساو الرؤى العالمية برمتها، ومن ثم فإن التوقف الفكري للتجديد على هذا النحو يخفي الاستمرارية الكامنة في مستوى منهجي أعمق.

وفي مسرحية (الزومبي والخطايا العشر) تظهر على الشاشة الموجودة في المسرح دائرة مقسومة إلى نصف أسود علوي وأبيض سفلي، يتأملها الزومبي وهم يرقصون في استعراضات سخية فعلاً، في مقابل العرض المسرحي الفقير (الحلال) المعروض في الوقت نفسه (تأليف أشرف حسني وإخراج محمد إبراهيم على مسرح الطليعة)، ويتحدث عن جماعة إرهابية في جبل الحلال، حيث اكتفت مصممة الديكور (هبة عبد الحميد) بوضع صخرة عملاقة في منتصف خشبة المسرح، تصطدم عليها الأضواء وخطب الشيخ الشعراوي ونشيد صليل الصوارم الداعشي والأنغام الصوفية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.