مع انطلاق ظاهرة الربيع العربي في بداية العام 2011، حدثت بعض التحولات في المنطقة، وجاءت المواقف الخليجية فاترة كما في الحالة التونسية واليمنية، أو حتى معادية كما في الحالة المصرية والبحرينية.نتناول هنا في هذه المساحة؛ محاولة تحديد المواقف الخليجية من هذه التحولات، والدور والتأثير الذي مارسه الخليجيون في هذه الأحداث. وفي المقابل نتناول أيضًا النتائج التي حملتها هذه التحولات على الخليجيين أنفسهم.


الربيع العربي

الموقف منها

مع انتقال الظاهرة إلى بلدان أخرى، كان للخليجيين مصلحة بشكلٍ أو بآخر في حدوث التغيير فيها. على سبيل المثال؛ فالمواقف الخليجية تجاه ما حدث في سوريا وليبيا، جاءت داعمة للتغيير بشكلٍ كبير هناك، بل وقد شارك بعضهم بالفعل بجهود عسكرية في عملية التغيير تلك.بيد أنه في حقيقة الأمر لا يمكننا التحدث عن “موقف خليجي” تجاه ظاهرة الربيع العربي؛ إذ أن الموقف القطري خصوصًا قد جاء مغايرًا بشكلٍ كبير لكافة المواقف الخليجية الأخرى، وداعمًا منذ البداية لجهود التغيير. فبدأ تعارض المواقف الخليجية في تونس، لكنه اتضح بشدة في الحالة المصرية على مدار حلقاتها المختلفة الممتدة منذ سقوط الرئيس المصري المخلوع «محمد حسني مبارك»، وحتى صعود الرئيس الحالي «عبدالفتاح السيسي» إلى حكم البلاد بعد إزاحة الإخوان المسلمين في حكم مصر؛ ممثلين في شخص الرئيس الأسبق «محمد مرسي».وحتى في بعض الحالات التي لم يكن الخلاف فيها حاضرًا حول مسألة دعم التغيير فيها -كما في سوريا أو ليبيا- تنافس الخليجيون فيما بينهم على دور كل منهم في التغيير والأطراف الرئيسية في عملية التغيير تلك.الدوافعغابت الإستراتيجية الخليجية الموحدة عن الموقف؛ فحاولت الأطراف الخليجية المختلفة التعامل مع الظاهرة من خلال دوافع وأهداف مختلفة. وفي هذه الأثناء يمكن بشكل عام تقسيم الدول الخليجية الفاعلة في مسار الربيع العربي إلى معسكرين يضم الأول قطر، والآخر يضم السعودية والإمارات وبدرجة أقل كلًا من الكويت والبحرين. وفي حين جاءت المواقف القطرية أكثر انفتاحًا بشكل عام على ظاهرة الربيع العربي، جاءت مواقف الفريق الثاني أكثر تحفظا في التعامل مع الظاهرة ونتائجها. بالنسبة لقطر، فإنه يمكن القول بأن الدوافع التي كانت تحرك قطر في تعاطيها مع الربيع العربي تتمثل في رغبتها في لعب دور إقليمي أكثر بروزا في المنطقة.يأتي هذا من خلال تحويل رصيدها الكبير الذي حققته في المنطقة على مدى سنوات طويلة، من القيام بدور الوساطة في النزاعات المختلفة، وتنظيم المؤتمرات واستضافة المحافل الدولية المختلفة، حتى غير السياسية منها، واستضافتها لكأس العالم 2022، أو بطولة العالم لكرة اليد 2015 وغيرها؛ إلى نفوذ وحضور حقيقي في المنطقة. خصوصًا أنها تملك الإمكانيات الاقتصادية الضخمة التي تمكنها من لعب هذا الدور.ويبدو أيضًا أن قطر قد اختارت منذ البداية الاعتماد على تيار الإسلام السياسي -وفي القلب منه الإخوان المسلمين- من أجل تحقيق هذا الهدف. ليس فقط لأن قطر قد ارتبطت بتيار الإخوان المسلمين منذ فترات بعيدة، واستضافت فيها رموزًا عدة لهم؛ بل أيضًا لأن هذا التيار كان يبدو أنه الأكثر تنظيمًا وقدرة على تولّي زمام الأمور بعد الثورات الشعبية. وعلى هذا الأساس كان الدعم الكبير لهم في تونس ومصر واليمن وليبيا، بل وحتى في سوريا.السبب الأبرز في هذا الانفتاح القطري الكبير على تيار الإخوان؛ هو عدم قلق حكام قطر من أن يشكّل الإخوان خطرًا على عرشهم بسبب الوضع الاقتصادي الممتاز الذي تشهده قطر وكذلك قلة عدد السكان المواطنين مقارنة ببلاد كالسعودية والإمارات.وهو ما يجعل حكام قطر أكثر حرية في خيارات السياسة الخارجية. وقد دعّم من الموقف القطري علاقات قطر الجيدة مع تركيا التي كانت هي الأخرى داعمة لنفس التيار، وهو ما شجّعها على المضي قدمًا في دعم الإخوان بالرغم من الضغوطات الشديدة التي واجهتها من دول الخليج الأخرى.أما بالنسبة للمعسكر الخليجي الثاني؛ فيجب في البداية تفهُّم أنه ليس حلفًا صلبًا كما يبدو. فالدوافع في كلتا الحالتين قريبة ولكنها ليست متطابقة، وهذا ما اتضح بشكلٍ كبير بعد تولي الملك «سلمان» حكم السعودية، وما جمع بين هذه البلدان في نفس المعسكر خصوصًا السعودية والإمارات، هو قلقها من تبعات التغيير في الجوار العربي والصعود الإخواني الكبير الذي أعقب الثورات العربية.والسعودية خصوصًا كانت قلقة من تهديد مركزها في العالم العربي والإسلامي بسبب صعود الإخوان المسلمين إلى حكم مصر. صحيح أن المملكة قد ارتبطت لفترات طويلة بعلاقات جيدة مع الجماعة، وكانت تقدم لها بعض الدعم، إلا أن هذا الدعم كان يرتبط بظروف وأهداف أخرى.أما مع وصول الإخوان إلى رئاسة مصر واقتران أفكارهم الإسلامية الأكثر انفتاحًا -مقارنة بالسعودية- بثقلها الكبير في المنطقة وأدوات تأثيرها الناعمة وسط منطقة ظلت لفترة طويلة تعاني إما من المغالاة في التشدد الديني، أو المغالاة في الإنفتاح؛ فإن نموذجًا مصريًا “إخوانيًا” ناجحًا سيمثل بلا شك تحولًا شديدًا ليس فقط في موازين المنطقة، بل وفي موازين القوى الخليجية الداخلية ذاتها كذلك. هذا إلى جانب محاولات التقارب مع إيران التي بدأت بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011 مباشرة، ثم تجددت في عهد الرئيس المصري الأسبق «محمد مرسي» مرة أخرى.


على أبواب الخليج

كما كان للخليجيين تأثير كبير على مجريات الربيع العربي؛ فإن الربيع العربي كذلك قد أثّر عليهم، لكن الأسلوب الذي اتبعه الخليجيون في مواجهة هذه الآثار التي جمعت بين الترغيب؛ متمثلا في الإغداق في العطايا والمنح الاقتصادية. والترهيب؛ متمثلا في المواجهة الحازمة لأزمة البحرين وإرسال قوات درع الجزيرة، التي تكونت في الأساس من قوات سعودية وإماراتية، لمواجهة المتظاهرين، ومنع حكام البحرين من تقديم تنازلات للمتظاهرين قد تكون وَبالًا على الملكيات الخليجية الأخرى.ولعل ذلك هو السبب الرئيسي في مشاركة قطر في درع الجزيرة بالرغم من مواقفها الداعمة للربيع العربي بشكل كبير، فحتى ذلك الحين كان الربيع العربي قد خرج في البلدان الجمهورية فقط، وكان نجاحه في دولة ملكية سيمثل سابقة خطيرة على بلدان الخليج الملكية، خصوصًا أن الأوضاع السياسية في الخليج متشابهة إلى حد بعيد.السبب الآخر الذي حدا بالخليجيين إلى رد الفعل الحازم هذا؛ هو الصبغة الطائفية التي اتشحت بها الأزمة في البحرين، التي يحكم فيها نظامٌ سنيق أغلبيةً شيعيةً، إذ كانت المطالب نابعة أساسًا من البحرينيين الشيعة. وما أثار قلق الخليجيين أكثر؛ هو طبيعة الموقف الإيراني الذي كان يحرض على مزيد من الاحتجاجات. هذا في ظل وجود أقليات شيعية كبيرة في بلدان الخليج.التدخل الخليجي في البحرين منع بشكلٍ كبير امتداد هذه الاحتجاجات من التمدد في أرجاء الخليج. فبالرغم من أن الوضع في البحرين لم يعد إلى ما قبل فبراير/ شباط عام 2011 حتى الآن، إلا أن الأوضاع قد هدأت إلى حد بعيد. وقد وجّه التدخل العسكري، الذي تم بعيدًا عن واشنطن، رسالات واضحة إلى الداخل والخارج على حد سواء بأن الأنظمة الخليجية لن تسمح بالمساس بعروشها بأي شكل.وعلى الرغم من أن الأحداث في بلاد الخليج الأخرى -بعيدًا عن البحرين- قد أخذت طابع المبادرات الإصلاحية لتوسيع صلاحيات بعض المجالس وتوسيع المجال العام -كما حدث في الإمارات والسعودية-؛ فإن حتى مثل هذه المطالبات لم تكن مقبولة في الخليج وتمت مواجهتها في إطار سياسة الترهيب والترغيب.


الربيع العربي والتنافس الخليجي-الخليجي

بالرغم من أن المعسكرين السابقين قد توافقا في عدة حالات -خصوصًا في البحرين-؛ فإن التنافس بينهما في الحالات الأخرى -كمصر وليبيا-، قد أثّر على العلاقات بشكلٍ سلبي كبير حتى وصلت إلى سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر نتيجة الموقف القطري من مصر خصوصًا.

ففي حين كانت قطر الداعم الأكبر للإخوان المسلمين في مصر؛ كانت السعودية والإمارات -خصوصًا الإمارات- تعتبرهم خطرًا عليها، ولم تكن الإمارات تتورع عن التعبير عن ذلك بشكلٍ واضح وعلى لسان مسؤوليها الرسميين.

ومع إسقاط حكم الإخوان في مصر بواسطة المؤسسة العسكرية بدعم سعودي-إماراتي واضح، بلغت العلاقات أسوء مراحلها والذي تبلور بسحب السفراء من الدوحة كما أسلفنا. وقد مثّل هذا التحول الحدث الأبرز والهزيمة الأكبر للربيع العربي الذي تبنته قطر منذ البداية.لم ينتهِ الأمر في القاهرة -بل ربما بدأ- إذ حاولت الإمارات خصوصًا تكرار نفس الأمر مرة أخرى في تونس وليبيا. في تونس كانت حركة النهضة -التي تدعمها قطر- أكثر وعيًا بمسارات الأمور. حيث سايرت التيار ولم تقف في مواجهته كما فعل إخوان مصر، وهو ربما ما تم وفق نصيحة قطرية، وتمكنّوا من الوصول إلى صيغة سياسية ضمنت لهم البقاء في الحياة السياسية مع فرصة كبيرة للعودة أقوى في مرحلة قريبة.وفي ليبيا -التي لا يعلو صوت فيها على صوت السلاح- حاولت الإمارات مرة أخرى، وهذه المرة بمساعدة نظام «عبدالفتاح السيسي» في مصر، كسر شوكة الإخوان المسلمين الذين تدعمهم قطر من خلال محاولة استنساخ التجربة المصرية مرة أخرى من خلال دعم محاولة الانقلاب التي أُطلِق عليها “عملية الكرامة” التي قادها اللواء المتقاعد «خليفة حفتر».

أثناء النزاع في ليبيا؛ كشف تقرير أممي أن كلًا من الإمارات وقطر قد دعمتا أطراف النزاع فيها. وبمعنى آخر؛ دخل الطرفان “حربًا بالوكالة” على الأراضي الليبية

وبالإنتقال إلى سوريا يمكن القول أنه بالرغم من أن المواقف الخليجية في مجملها داعمة لإسقاط نظام «بشار الأسد»؛ إلا أن سوريا أيضًا أصبحت ساحة جديدة من ساحات التنافس بين المعسكرين السابقين؛ فكلًا منهما عمل على دعم فصائل معارضة معينة ميدانيًا وسياسيًا.حافظت قطر على توجهها العام من خلال دعمها للإخوان المسلمين السوريين إلى جانب عدة فصائل أخرى، وهو ما أدى في النهاية إلى “تشرذم” المعارضة السورية وتمكُّن «الأسد» من الصمود حتى الآن.وكذا الحال في اليمن؛ حيث قدم الخليجيون مبادرة خليجية موحدة لحل الأزمة؛ أفضت إلى خروج الرئيس اليمني «علي عبدالله صالح» من الحكم، لكن حافظت قطر على دعمها لممثل الإخوان في اليمن -التجمع اليمني للإصلاح- في حين حاولت الإمارات بشكلٍ خاص إضعاف هذا التيار من خلال إدخاله في مواجهة مع الحوثيين.أفضى ذلك في النهاية إلى سقوط معظم اليمن تقريبًا في يد الحوثيين، واضطرار الخليجيين للتدخل العسكري المباشر لمواجهتهم. وتشير العديد من الدراسات إلى أن الدور الإماراتي السابق قد آثار حفيظة السعودية كثيرًا بعد تولي الملك «سلمان» الحكم بعد ذلك.غير أن التغيّرات الكبيرة التي شهدتها السعودية منذ تولي الملك «سلمان» حكم السعودية، أدّت إلى ظهور تغييرات كبيرة في التعاطي الخليجي مع ملفات المنطقة. حيث جاء الملك «سلمان» برؤية أكثر انفتاحًا على الإخوان وحلفائهم في المنطقة، وهو الأمر الذي مكّن من إحداث تحسن نوعي ملحوظ في العلاقات مع قطر.وقد انعكس هذا التحسن في الزيارات المتكررة، والتنسيق الذي تشير إليه تقارير عديدة في سوريا بين الطرفين؛ الذي يدلل عليه دعم إخوان سوريا لعاصفة الحزم في اليمن، وكذلك تراجع وتيرة الدعم السعودي لنظام «السيسي». وفي المقابل هدّأت الإمارات هي الأخرى بعض الشيء من اندفاعها في مواجهة تيار الإخوان بسبب تراجع الحماس السعودي تجاه هذا الأمر. وبالرغم من أنه لا يمكننا القول أن تحسنًا ملحوظًا قد طرأ على علاقات قطر والإمارات، إلا أنه بعد عدة زيارات متبادلة بين ولي عهد أبو ظبي وأمير قطر؛ يمكن القول أن ماءً قد بدأ يجري في النهر، ربما يمكن اعتبار إحراز بعض التقدم في المسار السياسي في ليبيا مؤشرًا عليه.


الخليج وداعش

أضاع الخليجيون فرصة ذهبية للإجهاز على الإرهاب في المنطقة بعد مقتل زعيم طالبان «أسامة بن لادن» في منتصف العام 2011. وبدلًا من ذلك؛ ساهم الخليجيون في إظهار تنظيم جديد أكثر تشددًا ووحشية إذا ما قورِن بتنظيم القاعدة. الدور الخليجي في ظهور داعشساهمت السياسات الخليجية تجاه الربيع العربي بالإضافة إلى التنافس الخليجي-الخليجي، الذي تناولناه سلفًا، في تقوية الجماعات المتطرفة بشكلٍ مباشر. ففي سوريا دعم الخليجيون بعض الجماعات المتطرفة من أجل إسقاط «الأسد». فمثلًا تشير تقارير عديدة إلى علاقة قطر والسعودية بتنظيمات على شاكلة “جبهة النُّصرة” التي تمثل “القاعدة” في سوريا. وما يجعل هذه التقارير تكتسب مصداقية لا بأس بها؛ هي قدرة دولة مثل قطر على التوسط لديها في بعض القضايا مثل توسطها للإفراج عن الراهبات السوريات في معلولا وغيرها.كما أن تأخر الحسم في سوريا قد أدّى إلى أنها تحولت إلى بيئة خصبة وجاذبة لأصحاب الأفكار المتشددة، وقد سمح هذا الأمر للجماعات المتطرفة، وعلى رأسها داعش، من التمدد والتوسع بشكل كبير حتى هددت بإزالة دول قائمة من خريطة الشرق الأوسط.كما أننا لا يجب أن ننسى المواقف الخليجية التي اعتُبِرَت داعمة لانتفاضة العشائر السنية في العراق، والتي وفرت غطاءً سياسيًا لها بعد فض قوات الأمن لاعتصامات الأنبار. وقد اتضح فيما بعد أن داعش كانت تختبئ خلف واجهة العشائر السنية.عزز الدور الخليجي في دعم إسقاط حكم الرئيس الأسبق «محمد مرسي» من مقولات الجماعات المتطرفة، وأقام لهم الحُجة على جماعات الإسلام السياسي التي ارتضت العمل السياسي السلمي، واللجوء إلى الديمقراطية. كما لم يكتفِ حكام الخليج بدعم القمع غير المسبوق الذي حدث في مصر والدفاع عنه في المحافل الدولية فحسب. فكل هذه السياسات صبّت في النهاية في بوتقة العنف والرغبة في الانتقام؛ الذي يُترجَم حاليا في شكل عنف فردي أو من خلال الانضمام إلى داعش وغيرها.وقد أكّدت قطر على النقطة السابقة من خلال تأكيدها المتكرر على أن الإرهاب هو نتيجة طبيعية لتصرفات بعض الأنظمة المستبدة؛ في إشارة واضحة إلى «بشار الأسد» في سوريا و«عبدالفتاح السيسي» في مصر. ولعل المواقف القطرية التي تبلورت منذ بداية الربيع العربي؛ هي إحدى الأسباب الرئيسية، إلى جانب عوامل أخرى بالطبع؛ في أن احتمالات التهديد الإرهابي لقطر أقل من دول خليجية أخرى كالسعودية والإمارات والكويت.


الخليجيون في التحالف الدولي ضد داعش

جاءت مشاركة الخليجيين في التحالف الدولي ضد داعش ليخفف من الهجوم والضغوط المستمرة عليهم تحت دعوى “دعم الإرهاب والتطرف” في المنطقة خصوصًا للسعودية وقطر. ترغب السعودية خصوصًا في إنهاء صداع الخلافة الذي ينافس مكانتها الدينية في نظر قطاع غير بسيط من المسلمين، وفي نظر الشباب السعودي والخليجي خصوصًا.أمّا قطر فإنها ترغب في التأكيد على تعاونها مع شقيقاتها الخليجيات في درء الأخطار بعيدًا عن الخليج، بالإضافة إلى تأكيد علاقاتها الإستراتيجية بالولايات المتحدة. وبالنسبة للإمارات، فإنها ترغب في استمرار التأكيد على دورها في مواجهة التطرف والجماعات المتشددة في المنطقة، وربما كذلك التأكيد على أن مواجهتها للإخوان المسلمين مجرد جزء أكبر من مواجهتها مع التطرف، كما أن المشاركة تعزز مكانتها في إستراتيجية واشنطن كشريك أساسي في الحرب على الإرهاب.وعلى أيّ حال، فإن التحالف الدولي كذلك كان في حاجة إلى انضواء الخليجيين تحت لوائه؛ من أجل الحصول على الشرعية في مواجهة الجماعات المتطرفة. حيث تتخذ هذه الجماعات من الإسلام مرجعية وشعارًا لها في ممارسة أعمالها، كذلك لتواجه ادعاءات الحرب على الإسلام من قِبل الغرب.


الخليجيون والاتفاق النوويرغب الخليجيون كثيرًا في أن يكونوا جزءًا من المفاوضات مع إيران، إلا أنهم لم يستطيعوا تحقيق هذا الأمر. لذلك اقتصرت محاولات التأثير على محتوى الاتفاق من خلال الضغط على الولايات المتحدة، والأوروبيين لإقناعهم بوجهة النظر الخليجية، ووضع مصالحهم الحيوية في اعتبارهم أثناء المفاوضات. وبالرغم من ذلك أظهر الخليجيون قلقًا كبيرًا من التوصل إلى اتفاق لا يضمن لهم مصالحهم في المنطقة، ويؤدي إلى “شرعنة” النفوذ والهيمنة الإيرانية في المنطقة، خصوصًا أنه تزامن مع مؤشرات عديدة على تراجع اهتمام الولايات المتحدة بملفات المنطقة لحساب مناطق أخرى في العالم.دائمًا ما كانت السعودية -وربما البحرين أيضًا- متقدمة بعدة خطوات على باقي الدول الخليجية في الشعور بالقلق من إيران؛ ذلك أن باقي الدول تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران خصوصًا على المستوى الاقتصادي، بل إن الإمارات، التي تتهم إيران باحتلال 3 من جزرها في الخليج العربي؛ لها علاقات اقتصادية وطيدة معها. لذلك لم يكن من الغريب على هذه الدول أن تعرب عن تفاؤلها بالاتفاق النووي. على أنه لا يجب البحث بعيدًا في استخدام هذه التصريحات كمؤشرات تعبر بدقة عن مواقف الدول الخليجية من الاتفاق النووي؛ فالبلدان الخليجية لها مخاوف حقيقية من هذا الاتفاق، خصوصًا أنه ليس اتفاقًا دائمًا.وعلى أي حال فإن السعودية -وهي على رأس النظام الخليجي- وفي ظل حكم الملك «سلمان» الذي أعطى الأولوية مرة أخرى للملف الإيراني؛ تبدو عازمة على المضي قدمًا في تشكيل تحالفها المضاد للتحركات الإيرانية في المنطقة.يبدو أن الخليجيين عازمون على مواجهة النتائج التي قد يسفر عنها هذا الاتفاق، ويتضح ذلك من التحركات السريعة التي بدأت في اليمن بمجرد التوصل إلى الاتفاق النووي. كما تشير تقارير متعددة خرجت مؤخرًا على جهود كبيرة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سوريا، وهو ما تؤكد عليه الدول الخليجية. أما في حال فشل هذه الجهود؛ فإن سوريا مرشحة لأن تكون ساحة المواجهة الكبرى بين الحلف الخليجي، والحلف الإيراني في المنطقة.

خاتمة

تمثّل الدور الخليجي السلبي الذي مارسته معظم دول الخليج تجاه الربيع العربي؛ في موقفها إيزاء ماحدث في مصر. حيث كان لها دورًا محوريًا في الدفع ودعم إسقاط حكم أول رئيس مدني مُنتَخب في البلاد بواسطة المؤسسة العسكرية.

لعب الخليجيون دورًا شديد الأهمية في تشكيل تحولات المنطقة في السنوات الماضية. البداية كانت من الربيع العربي واختلاف الرؤى الخليجية حول التعاطي معه الذي تحول إلى تنافس شديد هدد الكيان الخليجي ذاته؛ مرورًا بمساهمة السياسات الخليجية في صعود نجم تنظيم داعش الإرهابي.أيضًا محاولاتهم اللاحقة لتحسين صورتهم أمام الغرب من خلال المشاركة في التحالف الدولي ضد التنظيم، ثم وصولًا إلى الاتفاق النووي الإيراني والمخاوف الخليجية من توسع إيراني في المنطقة. دفع ذلك الخليجيين إلى تسريع الخطوات في اليمن بعد فترة من الجمود، وكذلك لرغبتهم في التركيز على الملف الأكبر في المنطقة؛ سوريا.وبالرغم من غياب -أو ضعف التأثير التقليدي- لبعض الفاعلين التقليديين في المنطقة؛ مثل مصر وسوريا قد دعّم من الأدوار التي قاموا بها. نلحظ هنا غيابًا واضحًا لرؤية أو إستراتيجية خليجية للتعامل مع ملفات المنطقة، والدليل الأبرز على ذلك هي النتائج التي خلّفها الدور الخليجي الذي أدّى إلى فوضى غير مسبوقة في هذه المنطقة شديدة الحساسية.