من تتبع تاريخ الجماعة نلاحظ أن نوعين من الأزمات هي التي تشكل تهديدا للجماعة حسب ضراوتها وطبيعة البيئة المحيطة وهما: أزمات تتعلق بشرعية القيادة، وأزمات تتعلق بالرؤية الفكرية والإستراتيجية: كما حدث مع أزمات التنظيم الخاص، خاصة في عصر الهضيبي، وأزمة تفسير تنظيرات سيد قطب.

وهذا ما يفاقم من خطورة الأزمة الحالية على كيان الجماعة، حيث إن هذين العاملين اجتمعا بوضوح وضراوة فيها، كما أن الظروف المحيطة تزيد من خطورة هذه الأزمة وتعقيداتها، ونتناول في هذا الجزء عاملين من هذه العوامل الخارجة عن الأزمة التي تزيد من حدتها وخطورتها وتداعياتها على الجماعة.


السيولة الفكرية وشرعية الإنجاز

ترجع أهمية أزمة تنظيرات سيد قطب الى أنها حسب السردية التاريخية أول أزمة فكرية حقيقية تمر بها الجماعة، ومع إن السجون بالأساس هي من غذت هذه الأزمة إلا انها أيضا من احتوتها واستطاعت الجماعة أن تخرج منها بسلام نسبي، ولكن مع سيولة فكرية واضحة.

فقد مال الشيخ القرضاوي، وهو يعتبر أهم منظري الجماعة بعد التأسيس الثاني، إلى تفسير كلام الأستاذ سيد قطب على محمل تكفير المجتمع وهو ما يتعارض مع فكر المرشد الأول حسن البنا، ولكن ومع مكانة القرضاوي الفكرية لدى الجماعة فقد تصدى بعض أعضاء مكتب الإرشاد،كالدكتور محمود عزت و الدكتور محمد مرسي، لهذا التفسير ورأوا أن تنظيرات سيد قطب لا تكفر المجتمع ولا تتعارض مع فكر الإمام البنا.

بعد مجزرة فض رابعة تحول خطاب الجماعة تماما من الرؤية الإصلاحية الى الرؤية الثورية؛ أو حتى نكون أدق الإنحياز للخيار الثوري، كان هذا التحول يبدو تحولا غاضبا أكثر منه تحولا حقيقيا يعتمد على رؤية فكرية وإستراتيجية عميقة.

بعد مجزرة فض رابعة تحول خطاب الجماعة تماما من الرؤية الإصلاحية الى الرؤية الثورية ويبدو تحولا غاضبا أكثر منه تحولا حقيقيا يعتمد على رؤية فكرية

بعد الأزمة الأخيرة، وسواءا كانت أزمة رؤية تبعتها أزمة شرعية أو العكس، بدا واضحا خطورة السيولة الفكرية على الجماعة، وأنها تحوي بداخلها تيارات فكرية متعددة ومرجعيات فكرية مختلفة ومتناقضة أحيانا، وهذا ما يظهر من مقالات وحوارات قيادة الطرفين.

فبينما يرى الأستاذ ابراهيم منير أن الرؤية الإصلاحية هي خيار الجماعة الدائم من لدن تأسيسها حتى الآن وشبه المخالفين لهذه الرؤية بـ «جماعة محمد»(1)، فإن د/ احمد عبدالرحمن يرى أن رفض الأستاذ البنا للخيار الثوري كان نتيجة الظروف المحيطة وقتها ولا يمكن إنزالها على أرض الواقع حاليا، ويرى أن الجماعة تصالحت مع الخيار الثوري وانحازت له بقرارها المشاركة في ثورة 25 يناير 2011، وأن على قيادة الأخوان تبني خيارات الصف الثورية.

وفي حين يرى د/ غزلان أن السلمية ثابت من ثوابت الجماعة، تبنت القيادة الجديدة خيارات فقهية بديلة كالتي صدرت بإسم «نداء الكنانة » وما تضمنته دراسة للهيئة الشرعية للجماعة الصادرة بعنوان «فقه المقاومة الشعبية للإنقلاب ».

تبدو هذه التناقضات عجيبة، ولكن مع تتبع تاريخ الجماعة نلاحظ أن السيولة الفكرية كانت سائدة في أغلب المراحل التاريخية للجماعة.

ولكن ما يجعل هذه المرحلة مختلفة، هي طبيعة التغييرات التي طرأت على رؤى شرائح مهمة من الجماعة بعد عمليات القمع الأمني الشديد التي تمر بالجماعة، وكذلك حالة السيولة والعنف التي تمر بها المنطقة.

تنطلق رؤى هذه الشرائح، وخاصة قطاع مهم داخل شريحة الشباب، من استحالة إصلاح الدولة من داخلها، وأن اسقاطها أو اخضاعها بات واجبا، وهو ما يعد انقلابا على الرؤية التاريخية للجماعة؛ إذا ما استثنينا مرحلة تنظيم 1965 ؛ بالتدرج والنضال الدستوري والإصلاح من داخل بنية الدولة، خاصة بعد حل النظام الخاص.

تتفق هذه الرؤية مع منطلقات السلفية الجهادية، وهو ما يجعل من شرعية الإنجاز والمواجهة معيارا معتمدا لدى هذه الشرائح ؛ خاصة قطاع كبير داخل شريحة الشباب ؛ فإذا ما فشلت الجماعة في تبني هذه الرؤية والعمل على أساسها والإنجاز فيها، فسيحدث شرخ عميق في تأييد هذا الشباب للجماعة وانتمائهم لها، وهو ما يظهر من تأييد بعض شباب الجماعة لتنظيم الدولة، وتأييد البقية لحركات تابعة لتنظيم القاعدة، وانتشار لتنظيرات السلفية الجهادية بين هذه القطاعات.

وقد تداولت بعض النوافذ الإعلامية المؤيدة للقيادات الجديدة مؤخرا خبرا عن مبايعة سبع مجموعات من اللجان النوعية لتنظيم الدولة.

أيا كانت السيناريوهات التي ستؤل اليها الأزمة الحالية إلا أن السيولة الفكرية، وما أعقبها من اشكاليات فكرية ساهمت بشكل واضح في الأزمة الحالية، وستساهم بفاعلية في مآلاتها، وستظل عامل تهديد كامن داخل الجماعة، ما لم يحدث انشقاقا كبيرا بين متبني كلا الرؤيتين، وهو أمر مستبعد على أي حال.


هرمية التنظيم الحديدي في ورطة

لم يكن شيئا مستغربا أن تجد البعض قبل الثورة يصف الجماعة بأنها من أقوى التنظيمات التي عرفتها البشرية، وبغض النظر عن صحة هذا الكلام من عدمه، إلا أن تنظيم الإخوان المسلمين كان يمكن وصفه بالتنظيم الحديدي الذي تجاوز العديد من الأزمات و«المحن» الطاحنة، بفضل التنظيم بدرجة أو بأخرى.

تعتمد التنظيمات الهرمية على فكرة تراتبية الإدارة، فالصف الأول هو من يتحكم بشكل فعلي في مفاصل هذه الكيانات، وقد حاولت الجماعة في الفترة الأخيرة الإعتماد على فلسفة اللامركزية في الإدارة نظرا للظرف الأمني، ولكن ما زال التنظيم هرميا بشكل كبير وهو ما يتضح من أزمة التمويل التي تحدثت عنها بوضوح القيادات الجديدة.

تعتمد التنظيمات الهرمية على فكرة تراتبية الإدارة وحاولت الجماعة مؤخرا الإعتماد على فلسفة اللامركزية إداريا نظرا للظرف الأمني ولكنه ما زال هرميا

تراهن القيادة الجديدة فيما يبدو من طريقة تعاملها مع الأزمة على أنها تمثل مطالب الصف الثورية، وخاصة شريحة الشباب، ففي سرديته للأزمة يذكر هذا الطرف أن رؤيته الجديدة حازت على موافقة الأغلبية الكاسحة من ممثلي القطاعات والمكاتب الإدارية ولجنة إدارة الأزمة، وأن رؤيته التي اعتمدها في ابريل اعترض الصف عليها باعتبارها لا تواكب متطلبات العمل الثوري. فيما تراهن القيادات القديمة على حسم الأمر في الصف القيادي الأول للتنظيم.

ويبدو أن التنظيم الهرمي الحديدي الذي عرفته الجماعة قبل الإنقلاب قد تعرض لضربة كبيرة، حيث وصل التنظيم لحالة انهيار كبيرة بعد فض اعتصام رابعة، ولكن استطاع امتصاص الضربة وإعادة تماسكه من جديد، ولكن هناك حالة شك كبيرة حول قوة التنظيم وإمكانية تجاوز هذه الأزمة بحسمها في الصف القيادي الاول، وعلى الجانب الآخر هنا حالة شك أكبر في قدرة الصف على حسم هذا الخلاف كما تراهن القيادة الجديدة.

عامة فإن سيناريو حل الأزمة لصالح رؤية القيادة القديمة، وهو ما أرجحه، سيكون محل شك كبير فيما يخص تماسك التنظيم وفاعليته على المدى المنظور، وعلى الجانب الآخر فإن سيناريوهات حل الأزمة لصالح رؤية القيادة الجديدة تزيد من احتمالية تماسك الصف وفاعليته على المدى القريب، ولكن اشكاليات الرؤية الفكرية والإستراتيجية وطبيعة التحديات الكبيرة التي يواجهها التنظيم تضع علامات استفهام كبيرة على طبيعة التغير الذي سيطرأ على مسار التنظيم ورؤيته، وإمكانية معالجتها بفاعلية ونجاح لا تخاطر بتماسك التنظيم ومستقبله.

– كما لا يمكن اغفال عامل كالقمع الأمني الشديد الذي يقلل من إمكانيات تقريب وجهات النظر بين الطرفين نظرا للظروف الأمنية التي تستدعي الحيطة والحذر في تحركات قيادات الجماعة الفاعلين، وكذلك يمكن لحملة اعتقالات عشوائية أو ممنهجة أن تحول المسار لصالح فريق على حساب الآخر.


سيناريوهات مسارات الأزمة

يضع هذا التقرير مجموعة من السيناريوهات فيما يتعلق بمآلات الأزمة، ومستقبلها كالتالي:

نجاح الوساطات في حل الأزمة

من الصعب تصور تنازل «القيادة التاريخية» عن رؤيتها للثورة السلمية، خاصة مع المعوقات الواقعية التي سيقابلها التنظيم إذا انحاز الى خيار الثورة العنيفة، وهو ما يعد تهديدا فعليا لوجود التنظيم من وجهة نظرهم، وكذلك يتعارض مع ثوابت الجماعة كما توضح الكثير من مقالاتهم وحوارتهم، وكذلك الضغوطات من بعض تنظيمات الإخوان في المنطقة وفي أوروبا وأمريكا، باعتبار أن هذا يهدد المكاسب التي حققوها، وتغيير كبير في نظرة وتعامل حكومات الدول التي يتواجدون بها، وكذلك ضغوطات من بعض الدول الإقليمية والدولية وخاصة الدول الحليفة كتركيا وقطر، وكذلك اتجاه الأمور لصالحهم ؛ قبل الإجتماعات الأخيرة التي جمعت بين الطرفين ؛ ما يصعب معه تخيل التنازل عن رؤيتهم (2).

وعلى الجانب الآخر تراهن القيادة الجديدة على قدرة الصف المؤمن «غالبيته» بالتصعيدالثوري، وخاصة شريحة الشباب، على حسم الأمور لصالح هذه القيادة في النهاية، فقد بدأت بعض اللجان،كلجنة الشباب، و الهيئة الشرعية، بالإضافة لبعض المعتقلين، الإنتصار لهذه الرؤية عبر بيانات تم نشرها، وهو ما سيمكنهم من إيجاد حل ينتصر لرؤيتهم.

بينما يفضل الكثير من شباب الجماعة الذين تحاورت معهم إعادة الأمر الى الإنتخابات، وهو مطلب قد يبدو متفائلا بسبب القبضة الأمنية العنيفة، وتجاوز الأزمة لمثل هذه الأطروحات، وصعوبة تجاوز الفريقين؛ من حيث النفوذ والرؤية ؛ في حال إجراء انتخابات جديدة، وأنه حدثت إنتخابات بالفعل للقطاعات السبع أستطاعت «القيادة التاريخية» استقطاب الغالبية منهم لاعتماد الانتخابات على التراتبية التربوية والتنظيمية.

كما ذكرنا في سرديات الفريقين فإنه يبدو تماما أن الأزمة تتمحور، بجانب الشرعية، حول الرؤى والإستراتيجيات، بين السلمية «المبدعة» والعنف، وهو ما يعقد المشهد، إذ إن هناك خطوات فعليه تم اتخاذها في اتجاه العمل العنيف «النوعي»، وهو ما قد يصعب على الفريقين احتوائه إن أرادوا، وهو ما يظهر بوضوح في أزمة مبايعة بعض مجموعات «العمل النوعي» لتنظيم الدولة.

وكذلك يصعب احتواء إيمان شريحة مهمة من شباب الجماعة بالثورة العنيفة، وتجدر الإشارة الى أن هناك معلومات كثيرة تتردد حول أن نهج «العمل النوعي» بدأ فرديا ثم بدأت القيادة الجديدة في احتوائه، وهو ما يزيد من احتمالية التحركات الفردية المشابهة.

ومما سبق نرجح ان الحل الوسط سيصب في النهاية لصالح «القيادة التاريخية»، وستظهر «القيادة الجديدة» بمظهر من تخلو عن رؤيتهم وشعاراتهم وانحيازاتهم للحفاظ على وحدة الصف، وهو ما يفضله بعض هذه القيادات.

قد يسكن هذا الحل الأمور مؤقتا، ولكن طبيعة التغيرات داخل بنية شريحة مهمة من شباب الجماعة خاصة «الإداريين منهم»، وقسوة الظرف الأمني، وضغوطات الحاضن الإسلامي الثوري الذي انحاز للجماعة ضد الإنقلاب، كل هذا سيجعل من هذا الحل حلا مؤقتا مهدد بالفشل في أي وقت.

بينما قد يحدث حل يميل لرؤية القيادة الجديدة، وهو ما سيساهم في تماسك الجماعة وفاعليتها على المدى القريب، ولكنه قد يخاطر بوجود الجماعة في حد ذاتها على المدى المتوسط، ما لم يصاحب هذه التغيرات رؤية فكرية وإستراتيجية عميقة.

وقد يحدث في النهاية حل وسط كاجراء انتخابات تتجاوز الطرفين، وهو حل يبدو أن الأزمة قد تجاوزته بالفعل، نظرا لنفوذ وتغلغل كل طرف داخل مفاصل الجماعة، وإن كان هو أفضل الحلول حسب معظم الأراء التي تحاورنا معها.

حسم أحد الطرفين

وهذا يعتمد على قدرة هذا الطرف على التواصل واستقطاب قيادات الصف الأول «مسئولي القطاعات خاصة والمكاتب الإدارية»، فإن تعذر حسم أي من الطرفين في هذا المستوى ستتجه الأمور الى مزيد من التعقيد نظرا لضعف الصفوف التالية في قاعدة الجماعة وانقسامها.

وقد قطعت «القيادات التاريخية» مسافة كبيرة الى الآن بما تدعيه من قوة موقفها اللائحي، وشرعية القائم بأعمال المرشد وتاريخ هذه القيادات، وخبرتها التنظيمية الكبيرة (3)، وتحكمها في الموارد المالية، وسرية تحركاتها، في محاولة الإمساك بالهيكل الإداري مرة أخرى.

في حين أن «القيادة الجديدة» تبدو مترددة، ويعتمد بعض الشباب المحسوبة عليهم على إظهار الخلاف لقاعدة الجماعة عبر صفحات التواصل الإجتماعي، وهو ما لا يخلوا من اتهامات ترفضها شريحة مهمة داخل التنظيم اعتمادا على ركن الثقة، وكذلك مراهنتها على القاعدة وعدم تركيزها بشكل أساسي على حسم الأمر في الصف القيادي الأول، ولكن مع ذلك فإن شريحة كبيرة من شباب الجماعة يرغب في حسم «القيادة الجديدة» هذه الأزمة؛ إذا تعذر الوصول لإنتخابات تنهي الأزمة ؛ وإن اختلفوا معها وحملوها جزءا مهما من الحالة التي وصلت لها الجماعة.

ولكن وكما يذكر أحد أشهر شباب الإخوان على مواقع التواصل الإجتماعي ورأيه يشبه الى حد كبير أغلب الشباب «غير الإداريين» الذين تحدثت معهم «لا أميل لأحد الطرفين.. بمعنى تبني الموقف.. لكن رفضي للمكتب القديم أكبر بكثير وأرى إن المكتب الجديد مع علمي بإمكانية خطأه.. ففكرة انه ينتصر ولو نسبيا في معركة شبيه بكسر سطوة القديم بكل تمظهراته ويمنح المثال على إمكانية التغيير، وحتى يستطيع الجديد أخذ سطوة القديم وهيمنته تكون أحجار أخرى قد ألقت بالفعل في المياه الراكدة».

مما سبق نستنتج أن الأمور تتجه بشكل كبير لحسم الأزمة لصالح «القيادات القديمة»، ويظل تصرف «القيادات الجديدة» محل تساؤل، ومع إن الحديث عن الإنشقاق بدأ يزداد خاصة بين شريحة مهمة من «شباب الجماعة الإداري» المؤيدين للقيادة الجديدة، إلا أن بعض المعلومات المتناقلة تشير إلى عدم تحمس أغلب رموز «القيادات الجديدة» لمثل هذا الخيار، وهو ما قد يسهل عملية سيطرة «القيادات التاريخية» على الجماعة، وقد يؤدي هذا لانزواء «القيادات الجديدة» وما يتبعها من شريحة الشباب الإداري، وهو ما قد يزيد من حالة انكماش الحراك وتأثيره وفاعليته على الأرض.

قد تنجح «القيادات الجديدة» في رهانها على شريحة مهمة من «الشباب»، وتجاوزها لحسم الأزمة في الصف القيادي الأول إلى التغلغل في الصفوف القيادية التالية داخل التنظيم والقاعدة للضغط لحسم الأزمة لصالحهم، وهذا سيعتمد على قدرة هذا الطرف على إحداث تغلغل كبير وشاق وطويل في صفوف الجماعة، واستقطاب أكبر عدد ممكن من هذه الشرائح، بناءا على ما يملكونه من رؤية / انحياز يتقارب مع رؤيتهم، ويعتبر هذا السيناريو ممكنا، ولكن إمكانيات نجاحه تبدوا ضعيفة على المدى القريب على الأقل.

حالة اللا حسم .. اللا انشقاق

قد ينتج عن رفض بعض القطاعات والمكاتب الإدارية لحسم أحد الطرفين، إستمراره تحت قيادة الطرف الآخر، وتصبح الجماعة فعلا بقيادتتين تتنازعان الشرعية، ويحمل كلا منهما اسم الإخوان ومكتب الإرشاد، بدون إعلان انشقاق ورضا أحد الطرفين بقبول حسم الطرف الآخر.

وتثار تساؤلات حول هذه الفرضية وكيفية تعامل قيادات الصف الأول والثاني، فضلا عن القاعدة معها، وكيفية توفير التمويل المهم حاليا لتعدد الملفات وتكفيف الكثير من المنابع، ولهذا فهو يعد خيارا مستبعدا بشكل كبير.

الإنشقاق

بدأ الحديث يكثر بين طرف مؤيدي القيادة الجديدة عن ضرورة الإنشقاق؛ وهو يظهر ما ذهبنا اليه في السيناريوهين الأولين من أفضلية فرص حل الأزمة وفق رؤية القيادة التاريخية ؛ ولكن ومع كثرة هذا الحديث بين مؤيدي هذا الطرف، يبدو أن هناك شريحة مهمة خاصة من شباب الإداريين في الداخل متردد كثيرا إذا عرضت عليه خيار الإنشقاق، حتى إن بعض قيادات هذا الطرف لا تفضل هذا الخيار، حسب بعض المعلومات المتناقلة، وربما تختار الإنزواء، إلا أن تفصلهم القيادة التاريخية وهو أمر مستبعد.

– قد يحدث الانشقاق بشكل كبير وعميق: وهو ما سيهدد الجماعة فعليا خاصة بعد تراجع نسبة الفاعلين داخل الجماعة لمستويات مقلقة.

– انشقاقات جزئية كانشقاق كيانات إدارية أو لجان فنية مهمة داخل الجماعة: في ظل هذه الظروف المحيطة التي تحدثنا عنها سابقا، قد تهدد هذه الانشقاقات الجزئية على مستقبل الجماعة من حيث مساحات الوجود والتأثير على المدى القريب والمتوسط، وخاصة لجنة العمل النوعي التي بايع بالفعل سبع مجموعات منها ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة، ويتحرك البعض منها بشكل فردي بالفعل.

– انشقاقات فردية غير مؤثرة.


خاتمة

تعد هذه الأزمة أخطر أزمة مرت بها حركة الإخوان المسلمين في مصر بعد التأسيس الثاني، وربما لا نبالغ إن قلنا على مدى تاريخها، حيث إنها أزمة رؤية تغلفها أزمة شرعية، بالإضافة إلى انعدام الثقة بشكل كبير بين الطرفين.

كما تساهم التحديات داخل التنظيم: السيولة الفكرية والسيولة التنظيمية ؛ والتحديات الخارجية: كالقبضة الأمنية والسيولة والعنف التي تمر بهما المنطقة ووجود منافسين أقوياء للتنظيم تنازعه رؤريته عن الدين والدولة، تضع كل هذه العوامل والتحديات أسئلة كبيرة حول إمكانية ان يمر التنظيم من هذه الأزمة بسلام وفاعلية، أم أننا سنواجه طبيعة أخرى للتنظيم، أو ربما تفككه على المدى المتوسط.

يجادل هذا التقرير بأن سيناريو انتهاء الأزمة لصالح رؤية القيادة القديمة (سواءا بحل وسط يغلب رؤيتها أو حسم تنظيمي) وهو مانرجحه، سيثير الشكوك حول تماسك التنظيم وفاعليته على المدى المنظور، وعلى الجانب الآخر فإن سيناريوهات حل الأزمة لصالح رؤية القيادة الجديدة تزيد من فرضية تماسك الصف وفاعليته على المدى القريب، ولكن اشكاليات الرؤية الفكرية والإستراتيجية وطبيعة التحديات الكبيرة التي يواجهها التنظيم تضع علامات استفهام كبيرة على طبيعة التغير الذي سيطرأ على مسار التنظيم ورؤيته، وإمكانية معالجتها بفاعلية ونجاح لا تخاطر بتماسك التنظيم ومستقبله.


الهوامش

هذه الأزمة أخطر أزمة مر بها الإخوان المسلمين في مصر بعد التأسيس الثاني لأنها أزمة رؤية تغلفها أزمة شرعية بالإضافة إلى انعدام الثقة بين الطرفين

{1} مجموعة من الشباب التي انشقت عن الجماعة لاعتراضها على تفرد الإمام حسن البنا بالقرارات داخل الجماعة، ومحاولته ارضاء الحكومة ومهادنتها حسب زعمهم.{2} أشار د/ محمد كمال في رسالة له للصف نشرها موقع مصر العربية إلى تمكن القيادة «التاريخية» من الإجتماع بأمناء خمس قطاعات قبل الإجتماعات الأخيرة التي ضمت الطرفين.{3} تجدر الإشارة الى أن اثنين من قيادات هذا الطرف هما أمينا عام التنظيم «مسئول القطر المصري» السابقين وهما د/محمود عزت ود/محمود حسين.