تمثل المحاورة تطبيقا جديدا لمنهج دريدا التكفيكي الألسني على الخطاب السائد عن 11 سبتمبر. فقد وجه اهتمامه إلى الظواهر اللغوية وظواهر التسمية والتاريخ محاولا فهم ما يحدث فيما وراء اللغة، وما الذي يدفع إلى هذا الترديد اللانهائي «11 سبتمبر، 11 سبتمبر»، عبر تفكيك مرادفات السيادة وجوهر الهيمنة والآلة المفاهيمية للخطاب الدولي السائد.

فإننا بإزاء شيء استحدث تاريخًا. وما يستحدث تاريخًا هو شيء جرى استشعاره بشكل فوري بوصفه حدثًا عظيمًا فريدًا، وهو شعور أقل عفوية مما يبدو، جرى إنشاؤه وصوغه وتشكيله عبر آلة تقنية –اجتماعية– سياسية جبارة.


عرض الكتاب

تبدأ المحاورة بالحديث عن الانطباع السائد عن 11 سبتمبر/أيلول باعتباره حدثًا عظيمًا، وهنا يتساءل دريدا: ما هي ماهية الانطباع؟ وما هي ماهية الحدث؟ وفوق هذا وذاك، ما هي ماهية الحدث العظيم؟

وجه دريدا اهتمامه إلى الظواهر اللغوية وظواهر التسمية والتاريخ محاولا فهم ما يحدث فيما وراء اللغة، وما الذي يدفع إلى هذا الترديد اللانهائي لـ11 سبتمبر/أيلول.

أكد دريدا أن هذا الانطباع هو حدث في حد ذاته لا ينفصل عن لغة الخطاب التي تعولم من خلالها، وهي التي صاغته وأنتجته عبر آلة معلوماتية منظمة. وجهاز المعلومات هذا بطبيعة الحال جهاز سياسي وتقنى واقتصادي.

فكم من جرائم قتل جماعي شبه فوري لم يتم تسجيلها وتأويلها لم تكن جديرة بخلق حدث عظيم ولم تعط الجميع انطباعا بأنها كوارث لا تمحى.

ميّز «جاك دريدا» بين انطباعين:

فهناك من ناحية واجب الشفقة على الضحايا والنقمة على المجزرة. وهناك من ناحية أخرى الانطباع المسئول تجاه الحدث الذي تشكل إعلاميا والذي يقبل التأويل والتفكيك، أي هذا التقييم الخاص للشروط، والذي يحاول أن يجعلنا نؤمن بأن هناك حدثا عظيما جرى في 11 سبتمبر.

أحال دريدا إلى مفهوم الحدث عند هيدجر، فالحدث يكمن قبل كل شيء في ألا أفهم وهو ما يؤدى حتما نحو استيعابه والتماثل معه والقدرة على تحديده وتأويله، والحدث الجدير بتسميته حدثا عظيما لا يتواجد إلا عندما تخور قوى هذا الاستيعاب أمام حد من الحدود التي تتمنع على الاستيعاب واستحالة التنبؤ به، فهل يعتبر حدث 11 سبتمبر حدثا لا سابق له؟ هل هو حدث لم يكن من الممكن التنبؤ به؟ هل هو حدث فريد حقا؟

إذا سلمنا بهذا التعريف للحدث، فعلى مستوى فرادة الحدث، لم يكن التنبؤ بأمر 11 سبتمبر أمرًا مستحيلا ويمكننا الاستدلال بعملية أوكلاهما وتعرض البرجين من قبل لعملية تفجير بالمفرقعات ناهيك عن اعتداءات أخرى كثيرة ضد المصالح الأمريكية خارج الأراضي القومية الأمريكية.

أما على المستوي الكمي فيتساءل دريدا:

ما المقصود بكلمة الحدث العظيم؟ هل المقصود بذلك أبعاد الأبراج أو الأراضي التي شن عليها الهجوم؟ لا أحد يستطيع أن يخط حدودا دقيقة لمثل هذه الأشياء المسماة بالأراضي القومية الأمريكية أو بـ«المصالح الأمريكية»، وإلى أين تصل هذه المصالح؟ وتلك مشكلة أخرى تجعل من الصعب معرفة متى وأين يكون هناك حدث؟ هل المقصود بالحدث العظيم عدد الضحايا؟

على مستوى فرادة الحدث، لم يكن التنبؤ بأمر 11 سبتمبر أمرا مستحيلا ويمكننا الاستدلال بعملية أوكلاهما وتعرض البرجين من قبل لعملية تفجير بالمفرقعات.

لا أحد أحصى عدد الضحايا بنفس الدقة في أماكن أخرى من العالم في حالات أخرى. بل إن الحقيقة التي تتعلق بأوربا والولايات المتحدة وإعلامهما أن حالات القتل الجماعية التي حدثت خارج الأراضي الأمريكية والأوربية كتلك التي حدثت في رواندا والعراق وفلسطين والتي قد يزيد عدد ضحاياها عن ضحايا الحادي عشر من سبتمبر[1] لا تؤدى إلى مثل هذه الاضطرابات التي أحدثها 11 سبتمبر.

هل كان المقصود بذلك هو نوع السلاح المستعمل؟ أي الطائرات التي تدمر مباني مكتظة بالمدنيين! ربما لا يحتاج ذلك مثالا توضيحيا؛ فالحرب العالمية وقصف هيروشيما وناجازاكي ما زالا حاضرين في الأذهان.

يبدو أن التفكيك الكمي لم يتضمن مفاجآت متفردة تجعل مما حدث في 11 سبتمبر حدثا عظيما فريدا. لذلك سيحاول دريدا البحث عن تفسيرات أخرى دالة وكيفية. قبل أن يبدأ محاولته لتفسير ما حدث كيفيا؛ يشير دريدا إلى ضرورة التأكيد على حقيقة دامغة ترسم آفاق العالم منذ نهاية الحرب الباردة مفادها أن:

الاستقرار النسبي والمؤقت لما اتفق على تسميته بالنظام العالمي يتوقف على ما يوحي به رصيد القوة الأمريكية من ثقة اقتصادية وعسكرية وإعلامية أو تقنية، وحتى على مستوى منطق الخطاب النظري. أي ما يتعلق بلغة القانون الدولي والدبلوماسي ومن ثم القانون الدولي نفسه حتى وإن كانت الولايات المتحدة أول من يخترقه.

التفكيك الكمي أيضا لم يتضمن مفاجآت متفردة تجعل مما حدث في 11 سبتمبر حدثا عظيما فريدا

يتساءل دريدا عن ماهية الشيء الذي تعرض للتهديد جراء الاصطدام الذي حدث؟ هل هو فقد هذا الشيء بعينه أو ذاك؟ أم هذا الشخص؟ أو هذا الموضوع؟ هل هو تلك المباني المدنية ذات الدلالة على النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري؟

أبدا، إن ما تعرض للتهديد هو نمط التأويل نفسه: بديهياته ومنطقه وتلك الآلة المفاهيمية التي من المفترض أن تتيح لنا بالتحديد فهم وتفسير شيء من قبيل 11 سبتمبر. ودريدا هنا يتحدث عن الخطاب السائد في المجال الدولي المؤلف من جمل رزينة مُشكلة من مُفردات الجريمة والحرب والإرهاب.

تلك الجمل التي تزعم القدرة على التميز بين الحرب والإرهاب، بين الإرهاب الداخلي والإرهاب الدولي، بين إرهاب الدولة والإرهاب المستقل عنها. وقد شرح دريدا[2] ذلك بطريقة ملموسة أكثر، اعتمد دريدا في شرحه على ثلاثة أنساق تعتمد جميعها على منطق «الحصانة الذاتية – Auto-immuneK».


المرحلة الأولى: الحرب الباردة ما تزال ماثلة في الأذهان

هذا الاختراق ينتهك أراضي دولة تقلد نفسها إضمارا دور السيد بين الدول ذات السيادة وذلك حتى من وجهة نظر أعدائها وبالذات منذ ما يسمى بـ«نهاية الحرب الباردة». وهذا الدور المفترض فيه مبدئيا أن يحافظ في النهاية على رصيد الثقة بشكل عام، على الرصيد بمعنى المعاملات المالية وبمعنى رصيد الثقة التي تضعها في اللغة وفي القوانين وفي المعاملات السياسية والدبلوماسية.

أول أعراض الحصانة الذاتية الانتحارية: الأرض -أي الشكل الحرفي لتأسيس من يمثل «قوة القانون»- تجد نفسها معرضة فيها لاعتداء أمام كاميراتها الخاصة.

ورصيد الثقة هذا الذي يشعر العالم بالحاجة إليه، حتى من قبل أولئك الذين يسعون إلى تدميره، تمتلكه الولايات المتحدة. والولايات المتحدة تستطيع أن تجعل العالم يصدق على هذا التقييم المتسق لنفسها والذي يتيح لها تمثيل هذه الوحدة المزعومة للقوة والقانون معا، كما يتيح لها تمثيل القوة العظمى للقانون وخطابه.

وهنا أول أعراض الحصانة الذاتية الانتحارية: فالأرض -أي الشكل الحرفي لتأسيس من يمثل «قوة القانون»- تجد نفسها معرضة فيها لاعتداء أمام كاميراتها الخاصة، يأتي إليها من داخلها من قبل تلك القوى، التي تبدو وكأنها لا تحوز قوة خاصة بها، ولكنها تجد الوسيلة، عن طريق التحايل مع تطبيق المعرفة التكنولوجية المتطورة التي تمكنها من الاستيلاء على سلاح أمريكي في مدينة أمريكية وعلى أرض أمريكية.


المرحلة الثانية: ما هو أسوأ من الحرب الباردة

يتعلق الأمر بصدمة وبالتالي فهو يتعلق بالحدث الذي لا تنبثق آنيته من الماضي ولا من الآن التي أصبحت ماضيا، ولكن من الحاضر القادم. لذلك يجب التفكير في زمانية الصدمة.

فإن حدث 11 سبتمبر لن يكون حدثا عظيما إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الصدمة التي أصابت الوعي واللاوعي لم تكن بسبب ما حدث، ولكنها أصابتنا بسبب المخاطر الغامضة التي يتوعدنا بها مستقبل أشد خطورة من الحرب الباردة نفسها.

تخيلوا لو أننا قلنا للأمريكيين وللعالم بأسره من خلال الأمريكيين إن ما حدث رغم كارثيته قد انتهى أخيرا وأننا لن نشهد أبدا حدوث نكبة بمثل هذه الجسامة أو أشد وطأة منها، وفي اعتقادي أننا كنا سنفرغ من الحزن والحداد في وقت غير طويل وكانت الأمور ستعود إلى نصابها الطبيعي ومجراها المعتاد.


المرحلة الثالثة: الحلقة المفرغة للقمع

الصدمة التي أصابت الوعي واللاوعي لم تكن بسبب ما حدث، ولكنها أصابتنا بسبب المخاطر الغامضة التي يتوعدنا بها مستقبل أشد خطورة من الحرب الباردة نفسها

الوسائل التي تستخدمها هذه القوة لمواجهة ما تمت تسميته بشكل مريب «الحرب على الإرهاب»، بما في ذلك جميع أشكال الحرب، تعمل جميعها على إحياء أسباب الخطر الذي تزعم القضاء عليه، وذلك في الأمدين القصير والطويل معا.

فعدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في ساحات المعارك خارج أمريكا يمثل أضعاف عدد من لقوا حتفهم في أحداث سبتمبر. وهو ما عبر عنه إدغار موران حيث يعتبر أن سياسة القمع وإن استطاعت القضاء على الأعراض فهي لا تقضي على الأسباب، بل يمكن بوجه خاص أن تغذيها. وهذه الأسباب تكمن في التفاوت ومظاهر الجور والجحود.

يتناول دريدا بعد ذلك مصطلح «الحرب على الإرهاب»، محاولا تفكيكه معتبرا إياه تعبيرا شديد الارتباك. ويجادل دريدا بأن العنف الذي جرى لا علاقة له بالحرب التي كتب عنها شميت[3]، فهي ليست تلك الحرب الكلاسيكية بين دولتين متخاصمتين.

إن مفهوم الإرهاب مفهوم مرتبك وليس له تعريف دقيق فما الذي يميزه عن الرعب الذي اعتبره هوبز في كتابه leviathan الشرط الأساسي للوجود السياسي ولممارسة القانون والسيادة؛ فما الذي يميزه عن التهديد الذي تستعمله الدولة لاحتكار العنف كما يقول فالتر بنيامين؟ وما الذي يميز إرهاب الدولة عن الدفاع عن النفس؟ فجميع إرهابيي العالم يردون بأنهم يدافعون عن النفس ضد الإرهاب الذي تمارسه الدولة.

الوسائل التي تستخدم لمواجهة ما تمت تسميته بشكل مريب «الحرب على الإرهاب»، تعمل جميعها على إحياء أسباب الخطر الذي تزعم القضاء عليه>

هكذا تحول الإرهاب إلى مصطلح متداول يطلقه كل فاعل على أعدائه، إنه اتهام متبادل استفاد من الخلط والفوضى الذين واكبا استخدام المفهوم المذكور.

نحن إذن، حسب دريدا، بصدد تشويش في الحقل الدلالي للكلمات والتعابير المستعملة، تشويش نرى فيه هيمنة قوى تتمكن في ظروف معينة من فرض تسمياتها ومن ثم تأويلها وبالتالي إضفاء الشرعية عليها.

فمن ينسي هؤلاء الأبطال المناضلين العظماء الذين أمدتهم أمريكا بالسلاح والتدريب في الحرب السوفيتية الأفغانية قد صاروا بين عشية (1989-2001) وضحاها الخطر الأعظم الذي يهدد العالم ولابد من استئصاله!

إن تلك الدلالة السائدة اليوم والتي نسحبها على كلمة الإرهاب إنما تهيمن في المجال العام عن طريق النفوذ التقني الاقتصادي للإعلام فكيف كان لـ11 سبتمبر أن يكون دون أجهزة التلفزيون؟

فمع غياب رنين إعلامي قادر على تحويل حدث قتل آلاف الأشخاص في زمن وجيز إلى حدث استعراضي فإن الآثار النفسية والسياسية الناتجة عنه لهي أقل وطأة من تلك الآثار التي قد يسببها اغتيال شخص ما في بلد معين وثقافة معينة لديها جهاز إعلامي فائق القوة والبريق. وهل من الضروري أن يكون الإرهاب هو إرهاب الموت فقط؟ وهل يعد ترك الأخر يموت، إرهابا، كما يحدث عندما نترك مئات الملايين من البشر يموت من الجوع والبرد والمرض؟

يؤكد دريدا بأنه يجب أن نتذكر أن التعبئة الإعلامية القصوى حول 11 سبتمبر كانت من المصلحة المشتركة لكل من قاموا بتنظيم العملية وكل أولئك الذين صمموا على إعلان الحرب على الإرهابيين باسم الضحايا. فقد كانت المصلحة مشتركة أفضل ما تكون عليه المشاركة بين الطرفين، فلم يقع الإرهاب الحقيقي إلا منذ اللحظة التي بدأ فيها عرض واستغلال أو إتاحة عرض واستغلال الصور التليفزيونية من قبل من كان هو الهدف نفسه.

تحول الإرهاب إلى مصطلح متداول يطلقه كل فاعل على أعدائه، إنه اتهام متبادل استفاد من الخلط والفوضى الذين واكبا استخدام المفهوم المذكور.

المحاورة الثانية:

يحلل دريدا بعد ذلك التبدلات الجغرافية والسياسية لكل من الدوافع والمصالح الإستراتيجية الدبلوماسية التي تكثفت في أحداث 11 سبتمبر ومنها تقارب بوش مع بوتين وإطلاق يده في الشيشان وخلط الإرهاب الفلسطيني -على حد تعبيره- بالإرهاب الدولي، لكي يستلزم مواجهة هو الأخر وهو ما نراه يتكرر حاليا في 2015 في المحاولات الحثيثة من قبل البعض لإقناع العالم بإدراج أعدائهم السياسيين على قائمة الإرهاب الدولي، مؤكدين أنهم لا يواجهونهم بالإرهاب المضاد وإنما بتلك الحرب النظيفة على الإرهاب.

يقول دريدا إن نهاية الحرب الباردة أدت لوجود معسكر واحد أو عدد من الدول ذات سيادة وذلك في مواجه قوى مجهولة خارجة على شكل الدولة في هيئة منظمات مسلحة تستطيع القيام بعمليات لا تندرج تحت اسم معين (لا حرب ولا إرهاب) ولا تحت اسم دولة قومية معينة بدوافع مختلفة عرقية أو دينية أو حتى اجتماعية اقتصادية.

لم تكن الولايات المتحدة الهدف الوحيد ولا حتى الهدف الرئيسي بعملية 11 سبتمبر بل يرتبط الأمر بخلق ظروف عسكرية ودبلوماسية من شأنها أن تنول من استقرار بعض البلدان العربية الموزعة بين رأى عام قوى مناهض لأمريكا والغرب وبين حاجة حكوماتها الغير ديمقراطية إلى الاستناد إلى تحالف دبلوماسي وعسكري مع الولايات المتحدة.

لم تكن أمريكا الهدف الوحيد ولا حتى الهدف الرئيسي بعملية 11 سبتمبر بل يرتبط الأمر بخلق ظروف عسكرية ودبلوماسية من شأنها أن تنول من استقرار بعض البلدان العربية

وهنا نجد واحدا من المعطيات الإشكالية الناتجة مرة أخري من الحصانة الذاتية: أي هذه التبادلات والتحالفات الإستراتيجية والبترولية مع الولايات المتحدة التي نصبت نفسها بطلا مدافعا عن حقوق الإنسان والديمقراطية مع أنظمة قمعية غير ديمقراطية تشكل أيضا عدوا وهدفا لمن يزعم أنهم يقودون الإرهاب الدولي ضد أمريكا وحلفائها.

يعتقد دريدا بأن الإستراتيجية المتعارف عليها عند من يسمون بالإرهابيين ليست فقط تقويض العدو الرئيسي ولكن أيضا تقويض الأشد قربا من خلال مواجهة شبه داخلية وربما يمتد الأمر للحلفاء أنفسهم. وتلك نتيجة أخرى من عمليات الحصانة الذاتية التي رأيناها في جميع الحروب الأهلية وحروب التحرير حيث تؤدي المزايدة الحتمية في التنافس مع المؤيدين إلى الهجوم عليهم بشكل لا يقل ضراوة عن الهجوم على العدو الرئيسي.

وهذا سبب يضاف إلى الأسباب التي تدفعنا إلى ألا نتعامل مع الإسلام أو كل ما يتعلق بالعالم الإسلامي باعتباره وحدة متناسقة. فالعالم الإسلامي من وجهة نظر دريدا ليس الآخر المطلق الذي لم يعد في وسع الغرب أن يفهمه، فهم تعلموا وتدربوا وتسلحوا على الطريقة الغربية وبأيدي الغرب الذي اخترع كلمة الإرهاب ويجب رصد التمايزات، والاختلافات داخل العالم الإسلامي نفسه حيث تتنازعه الصراعات والتناقضات الجوهرية وهى تنساق هنا أيضا لعملية تدمير للذات أو بعبارة أخرى تنساق لعملية الحصانة الذاتية كما يحدث للغرب.

بحسب دريدا، فإن أسوأ ما في تأثير بن لادن العسكري والخطابي والنظري يتمثل أولا وقبل كل شيء في أن هذا الفعل وهذا الخطاب لا مستقبل لهما على الإطلاق في إمكانية إصلاح المجال العام أو إصلاح العالم نفسه وكل ما يتم طرحه هو توظيف قوى الرأسمالية وقوى العلوم التقنية الحديثة في خدمة تفسير جامد معين للوحي الإسلامي.


هوامش:[1] يمكن النظر إلى الإحصائيات التي قدمها نعوم تشومسكي لعدد ضحايا 11 سبتمبر وضحايا عمليات أخرى لإرهاب الدولة في كتابه «11/9 was there an alternative؟»[2] ظهر مصطلح الحصانة الذاتية أول مرة في كتاب دريدا العلم والإيمان بدلالته الفلسفية لتحليل ظاهرة العودة للدين والتشدد والأصولية ثم سحبه بعد ذلك ظواهر أخرى كالسيادة وجعل منها مفتاحا لجميع ظواهر الانغلاق العنيفة. وهو مصطلح مقتبس من العلوم الطبية ويصف الأمراض التي تنشأ من مهاجمة الجهاز المناعي للذات بدلا من توجهه للأجسام الغريبة.[3] فرّق فيلسوف السياسة الألماني كارل شميت بين الحرب الكلاسيكية (مواجهة مباشرة بين دولتين متخاصمتين) والحرب الأهلية وحرب الأنصار (العصيان المدني وحركات التحرير القومية).