المفاوضات مع طهران تظهر أن النظام النووي العالمي يعمل بأفضل شكل كهيكل متسق. ولكن جميع عناصره تواجه تحديات حقيقة في سبيل حفظ السلام.

رغم أن القنبلة الذرية طورت لأول مرة عام 1945، إلا أنه لم يكن حتى العام 1957 أن أجرى قطاع الاستخبارات الأمريكي أول توقع لكيفية انتشار الأسلحة النووية حول العالم. خلص أول تقدير إلى أن حوالي عشرة دول قد تمتعت بالقدرة على بناء القنبلة خلال العقد التالي. وبعد ذلك بست سنوات، حذر الرئيس جون إف كنيدي من أن السبعينيات قد تشهد عالما تمتلك فيه 25 دولة أسلحة نووية. يعتبر ذلك الواقع المغاير – لما قد يبدو العالم عليه دون نظام منع انتشار الأسلحة النووية – أحد الأسئلة الأهم والأكثر إزعاجا في السياسة الدولية.

لحسن الحظ، يمثل ذلك واقعا مغايرا فقط. عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية في العالم اليوم، تسعة دول، لا يزال كبيرا، ولكن ذلك العدد بعيد كل البعد عما كان مقدرا. ومع ذلك، يمثل اتفاق الشهر الجاري مع إيران خطوة تاريخية في سبيل منع انتشار الأسلحة النووية: فللمرة الأولى منذ فجر الحقبة النووية، لا توجد دولة يعرف عنها السعي بشكل معلن لامتلاك أسلحة نووية.

مع مرور الأيام الستين التي يراجع فيها الكونجرس الأمريكي الاتفاق، يغرق النظام السياسي الأمريكي في النقاش حول مميزات الاتفاق للولايات المتحدة والشرق الأوسط.

كما يعتبر الاتفاق النووي هاما لتمثيله لشهادة كبيرة على فاعلية النظام المعقد للمؤسسات الدولية التي تحكم العالم النووي. وفي حالة إيران، جرت عملية اكتشاف الدول التي تسعى لامتلاك أسلحة نووية وإعادتها للامتثال كما ينبغي أن تجري: حيث اكتشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووكالات الاستخبارات الوطنية سلوكا غير ملتزم في الوقت المناسب، وعندما رفضت إيران تهدئة المخاوف، أحالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قضيتها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي فرض عقوبات صارمة ومتصاعدة، وأخيرا، توصلت المفاوضات متعددة الأطراف التي لم تعرف الكلل إلى اتفاق حول كيفية رد إيران إلى الامتثال لالتزاماتها الدولية وفرضت ضمانات غير مسبوقة لمنع برنامجها من الأنشطة المحظورة.

وضعت المفاوضات معايير جديدة للصرامة، والتعاون، والإبداع، لتولد عدة أدوات جديدة قد تعمل كأدوات قيمة لتصحيح تحديات مستقبل الانتشار النووي، والتي تشمل قناة شراء خاضغة للمراقبة يستطيع العالم من خلالها الموافقة على مشتريات إيران من العناصر الحساسة، وشرط أن تشحن إيران اليورانيوم المخصب الخاص بها خارج البلاد ليخضع لإجراءات تحقق غير مسبوقة تهدف إلى خفض فاعليته. باختصار، يقوي الاتفاق مع إيران نظام المؤسسات الذي لا يجب أن يتولى المهمة الصعبة الخاصة بتحقيق الاتفاق فقط، بل يجب أيضا أن يعمل على تحقيق التطلع التالي.

ما كان الاتفاق ليأتي في وقت أفضل بالنسبة للنظام النووي العالمي. فعناصر النظام الموجودة بالفعل مدمرة بفعل الخلافات، بينما لم يسمح بعد لأجزاء أخرى أساسية بأن تكون فعالة. رغم أن الانتباه قد تركز على فرق التفاوض في فيينا، إلا أن الاتفاق الإيراني يمثل دليلا على أن النظام يعمل بشكل أفضل كهيكل متسق. وتواجه عناصره تحديات حقيقية وتحتاج إلى الانتباه إن أراد النظام النجاح.

بصفتها أساس النظام النووي العالمي، تقدم “اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية” تأكيدا لا لبس فيه على أن برامج الأسلحة النووية الجديدة غير قانونية. ولكن صلابة الاتفاقية مهددة بسبب ضعف تقدم الدول النووية بصدد نزع الأسلحة وضعف تحرك الدول المعنية التي تدرس صياغة حظر عالمي للأسلحة النووية. تحتاج الاتفاقية من القوى العظمى أن تحرز المزيد من التقدم بصدد السيطرة على الأسلحة، ومن الحركة الإنسانية أن توجد سبل بناءة للسعي لأهدافها الصالحة.

عند قراءة نص الاتفاق الإيراني، يبدو واضحا مدى اعتماد المجتمع الدولي على الوكالة الدولية للطاقة الذرية – ليس فقط كمفتشة غير متحيزة للدول بل أيضا كمفاوضة صبورة يمكنها مساعدة تلك الدول في العودة إلى الامتثال. ستحتاج الوكالة إلى تمويل إضافي لتطبيق التفتيش الدقيق ومتابعة شروط الاتفاق النووي.

تدير معاهدة “الحظر الشامل للتجارب النووية”، رغم كونها غير مفعلة،نظام رصد دولي، والذي يطمئن جميع الدول على أن أعدائها لا يتسابقون عبر اختبار الأسلحة النووية. يتيح ذلك التأكيد للدول النووية خفض مخزونها وخفض ضغوط الانتشار النووي عن الدول غير النووية. وحتى يكون نظام الرصد فعال بشكل كامل في اكتشاف التجارب النووية، يجب أن تصدق ثمان دول أخرى على المعاهدة، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

تعتبر معاهدة وقف إنتاج المواد الانشطارية اقتراحا مقبولا، سيحظر إنتاج المواد الانشطارية اللازمة للقنابل النووية حول العالم، لتفرض طبقة أخرى من القيود والتفتيش على الدول التي تريد أن تسبق أعدائها. إلا أنه مع الأسف تعطل باكستان الاتفاقية في الأمم المتحدة. يجب أن تكرس جميع الدول نفسها لإيجاد حلول لأوجه اعتراض باكستان حتى تضغط عليها للسماح بتقدم المعاهدة.

رغم عدم تمثيلها لمؤسسات، تمثل المعاهدات الثنائية للحد من التسليح بين الولايات المتحدة وروسيا عنصرا آخر هاما من النظام النووي العالمي. كما يعتبر الخفض المستمر لأكبر ترسانات العالم حاسما لطمئنة جميع الدول على أن الأسلحة النووية قد أصبحت بقايا من الماضي، ولكن تم تعليق التقدم في السنوات الأخيرة. يجب أن تضغط دول أخرى على روسيا لقبول اقتراح إدارة أوباما للتفاوض حول خفض الثلث من الأسلحة الاستراتيجية المنتشرة.

علاوة على ذلك، يجب أن يبحث الدبلوماسيون والمحللون حول العالم اقتراحات جديدة لتقييد المخاطر النووية. تعتبر اقتراحات إنشاء نظام جديد للتحكم في المواد الانشطارية، بغض النظر عن شكلها، أغراضها، أو موقعها من المقترحات الواعدة. تم إعداد نماذج لذلك المقترح من قبل السفير ريتشارد بورت وجان لودال، ومن قبل معمل القوة النووية الآجلة بجامعة برينستون.

ذلك النهج مرتبط بالأحكام الواردة في الاتفاق الإيراني الذي يلزم إيران بشحن موادها النووية خارج البلاد لإعادة معالجتها، أو خفض فاعليتها، أو تحويلها. حاليا، تعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على نموذج عالمي، وهو بنك عالمي للوقود، والذي سيقدم للدول إمدادات مضمونة من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي يمكن استخدامه في الأغراض السلمية. وفي السنوات التالية، يجب أن تعمل القوى العالمية من أجل ضمان أن يحصل البنك على قبول واسع وأن يوسع سلطته لتغطية صور أخرى من المواد الحساسة وأن يوفر خدمات أخرى للدول.

نظام منع الانتشار النووي يثير بحق التشكك بين السياسيين والمحللين حول العالم. منعت المخاوف العميقة المتعلقة بالأمن القومي والعدالة القوى العالمية من تصميم وتطبيق نظام عقلاني وشامل لتحديد انتشار الأسلحة النووية. وشكل النظام القائم على مدار عقود بواسطة ساسة لديهم حوافز متطورة. إلا أن الاتفاق الإيراني يثبت أن النظام لا يزال يستطيع أن يولد أفكارا جديدة عندما يتعرض لضغوط، وفي غضون ذلك، الاقتراحات المطروحة سابقا مثل اتفاقيات المواد الانشطارية تقدم أملا بعيدا لاستعادة العقلانية والشمولية التي تتعهد بتوفير نظام دولي مستدام وفعال.

رغم أن العقود من الجهود الملموسة قد أعاقت الانتشار النووي بشكل حقيقي، يظل النظام أهم من أي وقت سابق. ستعتمد القوى العالمية على النظام مع محاولتها تطبيق الاتفاق الإيراني، وكبح البرنامج النووي لكوريا الشمالية، والحصول على المزيد من المعلومات بشأن الأحداث الأخيرة في سوريا، واكتشاف التطلع النووي التالي في الوقت المناسب لمنع وجود دولة نووية تاسعة. كالمجالات الأخرى من الحكم العالمي، يحتاج نظام منع الانتشار النووي العالمي إلى التحسين المستمر إن أراد الاستمرار. وفي تلك اللحظة المحفوفة بالمخاطر، يجب على القوى العالمية ألا تسمح لنفسها بأن تصبح راضية عن نفسها أو أن تستهين بالنظام من أجل تسجيل أهداف سياسية على الأصعدة الداخلية. كما يجب أن يكرس العالم نفسه لبناء نظام يستطيع أن يجعل العالم مكانا أكثر أمانا من الأسلحة الأكثر خطورة.

*آدم ماونت حاصل على زمالة “ستانتون” للأمن النووي التابعة لمجلس العلاقات الخارجية.

المصدر