يولي تنظيم القاعدة اهتماماً خاصاً لليمن، فمنذ تأليف المنظر الأبرز لتنظيم القاعدة أبو مصعب السوري كتابه “مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم”، عمل التنظيم على إيجاد بيئة مناسبة له في اليمن، ويرجع هذا الاهتمام الخاص باليمن لأسباب عديدة لعل أهمها العامل الديني المتمثل بالأحاديث النبوية التي تتحدث عن الملاحم وأحداث آخر الزمان فتعطي اليمن مكانة فيها، ولعل أبرزها: “يخرج اثنا عشر ألف من عدن أبين ينصرون الله ورسوله”، إضافة لذلك يعد العامل الجغرافي والثقافي سبباً هاماً في هذا الاهتمام، حيث توفر البيئة اليمنية القبلية ما قبل الحديثة حاضنة مناسبة للمجاهدين.

وقد مر العمل الجهادي في اليمن بمراحل متعددة حتى انتهى إلى شكله الحالي، فمنذ عودة المجاهدين من أفغانستان في منتصف التسعينات إلى اليمن وحتى إعلان “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”، عرف التنظيم عدة تحولات حتى انتهى إلى شكله الحالي، ونسعى فيما يلي إلى تسليط الضوء على المرحلة الأخيرة للتنظيم والتي اندمج فيها فرعا اليمن والسعودية عام ٢٠٠٩.

يعد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الفرع الأكثر خطورة وحيوية من بين فروع القاعدة في العالم بحسب تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2013، حيث لا يزال هذا الفرع يتبنى أجندة واستراتيجية القاعدة الأولى في استهداف العدو البعيد ممثلاً بأمريكا والغرب، كما أن التنظيم والذي يتخذ من جنوب ووسط اليمن مقراً له يتواجد في بيئة مناسبة ومثالية بعيداً عن السلطة المركزية وفي مناطق جبلية ومعقدة وفي دولة باتت تصنف على أنها دولة فاشلة ما يصعّب عملية الوصول إلى قادته وأعضائه.

وأخذ التنظيم فاعليةً أكبر منذ اندماج فرعي القاعدة في كل من السعودية واليمن في بدايات عام 2009 -وذلك على إثر حملة مركزة استهدفت فيها السلطات السعودية عناصر تنظيم القاعدة في أراضيها ما دفعهم إلى اللجوء إلى اليمن حيث تغيب القبضة الأمنية المحكمة والمركزية في السلطة ما يتيح لهم مساحة أكبر للتحرك والتخطيط- وقد تولى زعامة التنظيم المدمج اليمني ناصر الوحيشي المعروف بأبي بصير، وفور دمج التنظيمين فيما بات يعرف “بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، أخذ الفرع الجديد يطور تكتيكات عسكرية مبتكرة أقلقت الإدارة الأمريكية وجعلتها تضعه على رأس أولوياتها في برنامجها لـ “مكافحة الإرهاب”.

ففي العام ٢٠٠٩ تمكن التنظيم من صناعة عبوة ناسفة ذكية للنيجيري عمر الفاروق خبأها تحت ثيابه واستطاع السفر بها من أوروبا إلى ديترويت دون أن تتمكن أجهزة الرقابة في المطارات من اكتشافها، لكن العملية فشلت في نهاية المطاف لعدم تمكنه من تفجيرها ما أدى إلى القبض عليه ومحاكمته في أمريكا والحكم عليه بالسجن مدى الحياة، كما كرر التنظيم هذه المحاولة في العام ٢٠١٠ وذلك عبر إرساله طرود مفخخة إلى الولايات المتحدة إلا أنه تم رصدها في دبي، كما ثبت اتصال التنظيم بالطبيب الفلسطيني -الذي كان يعمل معالجاً نفسياً للجنود الأمريكان- نضال مالك الذي قتل 13 عسكرياً أمريكياً في قاعدة عسكرية بتكساس في العام ٢٠٠٩، وقد جاء إغلاق كل من بريطانيا وأمريكا لسفاراتها في شهر أغسطس للعام ٢٠١٣ على إثر معلومات عن نية تنظيم جزيرة العرب القيام باستهداف مصالح أجنبية في المنطقة ليؤكد مدى خطورة التنظيم والجدية التي تتعامل بها أمريكا إزاء تهديداته!

وقد جاءت الثورة اليمنية في العام ٢٠١١ لتفتح للتنظيم آفاقاً جديدة للتعامل مع الشأن اليمني المحلي، حيث أدت الثورة إلى ضعضعة السلطة المركزية في صنعاء والتي كانت هشة أساساً، ما جعل التنظيم ينتقل من استراتيجية الجهاد الأممي الذي يستهدف العدو البعيد إلى التفكير لأول مرة في إقامة الإمارة المحلية وصراع العدو القريب ممثلاً بالسلطات اليمنية المحلية، فأنشا لذلك الغرض ما بات يعرف بـ “أنصار الشريعة” كتنظيم محلي مساند يتزعمه أبو حمزة الزنجباري جلال بلعيد، ودون أن يؤدي ذلك للانخراط الكامل في الشأن الداخلي والتخلي عن استراتيجية العدو البعيد، حيث سيحرص قادة تنظيم جزيرة العرب إلى التأكيد على هذا الهدف مع كل إصدار، وهو ما سيظهر أيضاً من خلال العملية الشهيرة التي استهدفت الجريدة الفرنسية “تشارلي ايبدو” والذي أعلن التنظيم في اليمن مسؤوليته عنها.

ونسعى فيما يلي إلى توضيح تلك التغيرات العميقة التي أحدثتها الثورة الشعبية في اليمن وما تلاها من أحداث على استراتيجية التنظيم وعلاقته بالبيئة المحلية والسلطات اليمنية، ومن ثم دخوله في مواجهة حركة أنصار الله المعروفة بجماعة الحوثي، وتأثير “عاصفة الحزم” على التنظيم، ونختم أخيراً بالحديث عن تنظيم داعش في اليمن والذي كان قد تبنى تفجير مساجد تابعة إدارياً لجماعة الحوثي في صنعاء ومدى تواجدها في اليمن!

الثورة اليمنية وخيار أنصار الشريعة

أدت الثورة اليمنية إلى تقليص نفوذ السلطة في صنعاء وخروج عدد كبير من المدن في الأطراف عن نطاق سيطرتها كما في صعدة شمالاً التي سقطت بأيدي الحوثيين، وكما في محافظات شبوة والضالع جنوباً والتي استولى عليها الحراك الجنوبي، هنا بدأ تنظيم القاعدة ذو الأجندات الأممية بالتفكير في التفاعل مع البيئة المحلية واستغلال هذا المجال الذي أتاحته الثورة، فأنشأ لذلك تنظيماً موازياً أو معاوناً ذو طابع محلي شعبي يقوده اليمني جلال بلعيد “أبو حمزة الزنجباري”، دون أن ينخرط التنظيم الرئيسي بكامل بنيته وهياكله في الشأن المحلي ويترك الأجندة الأممية والإستراتيجية الأصلية التي قام عليها.

وقد تمكن تنظيم أنصار الشريعة من التوسع سريعاً في جنوب اليمن، حيث استولى على محافظة أبين القريبة من عدن وأقام عليها ولاية أبين وعاصمتها زنجبار، كما تمكن التنظيم من توطيد علاقاته بالقبائل الجنوبية وتجنيد عدد كبير من أبناء المناطق المحلية، وبموازاة ذلك كان تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب مشغولاً بتجنيد عناصر يقومون بعمليات أممية كما سيتضح هذا مع الأخوين كواشي -المسؤولين عن عملية تشارلي إيبدو في فرنسا- الذيْن كانا قد تلقيا تدريباً في اليمن في العام ٢٠١١.

أدى هذا التوسع إلى إثارة المخاوف الأمريكية، ماجعلها تتمسك بالإبقاء على الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وأجهزته الأمنية تحت قيادة أفراد عائلته والتي استندت عليها أمريكا في حربها ضد “الإرهاب”، من هنا دفعت أمريكا صالح للتوقيع على المبادرة الخليجية التي ضمنت له الإبقاء على نفوذه في المؤسسة العسكرية وهيمنة أبنائه وقادته العسكريين الموالين له كما هو عليه، وفور التوقيع على المبادرة الخليجية ونقل السلطة إلى هادي سعى الأخير إلى خطب ود أمريكا وتقديم نفسه حليفاً جديداً لها في حربها ضد القاعدة، وقد تنامت ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار في العام ٢٠١٢ لتصل إلى ٥٢ غارة جوية في حين بلغت في العام الذي سبقه 18 غارة جوية.

وعلى الرغم من أن هادي لم يأل جهداً في محاربة القاعدة وإثبات شراكته مع أمريكا إلا أن عدم إحكامة السيطرة على الجيش حالت دون تحقيقه نتائج ملموسة على الأرض، ففور توليه السلطة أرسل هادي حملة عسكرية إلى أبين -على الرغم من أن هيكلة الجيش لم تكن قد تمت بعد- وقد تمكنت الحملة من استعادة المدينة بالفعل، لكن هذا حدث بسبب انسحاب تنظيم أنصار الشريعة من المدينة وتخليه عن السيطرة المكانية وإعادة تموضعه وانتشاره في داخل المدن وهو ما أدى بعد ذلك إلى شن معارك كر وفر على معسكرات الجيش والأمن في عدة محافظات جنوبية كحضرموت وأبين والضالع وغيرها.

ومع تنامي الاضطرابات في صنعاء وعدم قدرة الرئيس اليمني عبدربه منصور على إحكام سيطرته على ألوية الحرس الجمهوري التابعة لعلي صالح وأبنائه، بدا لأمريكا أن عبدربه لم يعد باستطاعته تقديم المزيد في “الحرب على الإرهاب”، هنا ظهر الحوثي -النقيض للقاعدة والتيار السلفي عموماً والحليف لإيران- خياراً جيداً لدى صانع القرار الأمريكي.

التمدد الحوثي وسياسات الحرب على الإرهاب

منذ انقلاب الثالث من يوليو عام ٢٠١٣ في مصر وتولي النظام الإقليمي والدولي سياسات الحرب على الإرهاب للقضاء على ثورات الربيع العربي وتثبيت الأنظمة الاستبدادية مرة أخرى، قدم الحوثي خطاباً متماهياً مع هذه السياسات الجديدة، فمنذ ذلك الحين لم يخل خطاب لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي من محاربة الإرهاب، ولم يقتصر الإرهاب هنا على تنظيم القاعدة فحسب، بل شمل المؤسسات الدعوية والعلمية السلفية والتي تعدها أمريكا رافداً أساسياً للقاعدة والقبائل اليمنية الحاضنة لهذه المؤسسات السلفية، وبدا أن إيران التي أصبحت شريكاً دولياً من خلال هذه الحرب منذ مطلع العقد الماضي قد دفعت حليفها في اليمن عبدالملك الحوثي لتبني هذا الخطاب وهذه السياسات ما يفسح المجال لشراكة مع أمريكا ويتيح لجماعة الحوثي لعب دور أكبر في اليمن.

استطاع الحوثي إحراز تقدم ملموس في مواجهة المؤسسات السلفية والقبائل اليمنية، فقد تمكن في شهر نوفمبر من العام ٢٠١٣ من إجلاء السلفيين في منطقة دماج بصعدة وإغلاق دار الحديث الذي كان محط اجتذاب لعددٍ غير قليل من طلاب العلم من مختلف دول العالم، كما تمكن بعدها من شن حرب على قبائل حاشد في عمران وخلال هذه الحرب فجر الحوثيون العشرات من دور القرآن والمراكز العلمية السلفية، الأمر الذي لم تتمكن حتى سلطة علي عبدالله صالح من تحقيقه نظراً للاعتبارات الدينية والقبلية ولموازين القوى الاجتماعية، وفور سقوط العاصمة صنعاء بأيدي الحوثيين وبتواطؤ مع قوات الحرس الجمهوري الخاضعة لعلي صالح توجه الحوثيون صوب جامعة الإيمان التابعة للشيخ عبدالمجيد الزنداني وقاموا بإغلاقها، وهو أمر نظرت إليه القيادة الأمريكية بارتياح واستحسان كبيرين.

أنصار الشريعة في اليمن
صورة للقياديين في أنصار الشريعة نبيل الذهب و مأمون حاتم مع وفد من قبائل مذحج في رداع

أدى الدمج بين السياسات الطائفية والحرب على الإرهاب إلى تصاعد نفوذ القاعدة في المقابل، وبدا أن الأمور تتجه للصدام بين أنصار الشريعة وأنصار الله المعروفة بجماعة الحوثي، وقد بادر تنظيم أنصار الشريعة إلى استهداف تجمعات للحوثيين في صنعاء عبر عمليات انتحارية ساهمت في تسريع هذا الصدام، كما قاد أنصار الشريعة المنتشر في المناطق الوسطى وبخاصة محافظة البيضاء هجوماً على عدد من المؤسسات العسكرية في محافظة البيضاء واستولى على عتاد عسكري منها، وعزز من تحالفاته الشعبية مع القبائل اليمنية والتي كان أبرزها قبيلة مذحج وقيفة التي كانت بدورها تتحفز لمواجهة الحوثيين في منطقة رداع بمحافظة البيضاء. وبعد إحكام الحوثيين سيطرتهم على العاصمة والمحافظات الشمالية تقدموا صوب المناطق الوسطى والجنوبية حيث ينتشر تنظيم القاعدة، وفي محافظة البيضاء تحديدا جرت معارك عنيفة بين الحوثيين والقبائل المحلية مسنودة بتنظيم القاعدة، وقد ساعد الطيران الأمريكي الحوثيين عبر استهداف تجمعات للقبائل ولتنظيم القاعدة ما ساهم في تقدم الحوثيين بمدينة رداع والتي كانت تعد إحدى معاقل تنظيم القاعدة في المحافظة، وهو ما دشن مرحلة جديدة من التعاون التام بين أمريكا والحوثي على أرضية مايعرف بـ “الحرب على الإرهاب”. كانت محاربة الإرهاب إذاً الذريعة أو الغطاء لتمدد الحوثي وهيمنته على المناطق والمحافظات اليمنية تباعاً، وقد جرى هذا في ظل قبول ورضا دولي، حيث أن تمدد الحوثي قد أدى إلى قلب موازين اجتماعية وثقافية لم تكن لأي سلطة القدرة على المساس بها، إلا أنه في المقابل ساهم في تقريب القبائل اليمنية السنية من تنظيم القاعدة ودفع اليمن نحو خيار التوحش والحرب الطائفية.

عاصفة الحزم وتنظيم القاعدة

شنت المملكة العربية السعودية بالتحالف مع عدة دول عربية واسلامية فجر الخميس الموافق 26 مارس حملة عسكرية أسمتها بـ “عاصفة الحزم” ضد قوات الحوثي وعلي صالح. وتأتي هذه الحملة في سياق الحرب الباردة بين السعودية وإيران حيث يمثل الحوثي ذراع إيران في اليمن، ويظهر من هنا افتراق المنظور السعودي عن الأمريكي في اليمن، ففي الوقت الذي تولي فيه أمريكا اهتماماً لمحاربة تنظيم القاعدة وتتحالف مع الحوثي على هذه الأرضية، كان الانشغال السعودي ينصب مؤخراً على الحد من تمدد الحوثيين وتدعيم حليفها الرئيس عبدربه منصور في مواجهتهم.

وقد جاءت العاصفة لتصب في مصلحة تنظيم القاعدة، فبعد أن كان التنظيم قد انحسر وتراجع في عدد من المناطق على إثر تمدد الحوثي، تمكن تنظيم القاعدة مجدداً في الـ 17 من شهر أبريل الماضي من إحكام سيطرته على عاصمة محافظة حضرموت -كبرى المحافظات اليمنية- المكلا الساحلية، كما ويسعى إلى التمدد في مناطق أخرى من بينها محافظة لحج المجاورة لعدن؛ فقد استغل التنظيم العمليات العسكرية ضد الحوثيين وقوات علي صالح فأخذ بالتمدد والانتشار في محافظات جنوبية وقد استولى التنظيم على معسكرات تابعة للجيش من بينها قيادة المنطقة العسكرية الثانية واللواء 27 ميكا في المكلا التي تحتوي على أسلحة ثقيلة.

عززت هذه التطورات من المخاوف الأمريكية، فقد نشرت وكالة الشرق الأوسط على لسان وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر: “بأن عناصر تنظيم القاعدة والمتحالفين معهم فى اليمن قد استغلوا فترة التوتر الأمني المصاحب للعمليات العسكرية الدائرة هناك وقاموا بتعزيز مواقع القاعدة في اليمن” وقد أدى هذا لتزايد الضغط الأمريكي على السعودية للموافقة على الهدنة التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدأ سريانها منذ عدة أيام. وتأتي هذه الهدنة كمقدمة للبحث عن مخرج سياسي يبقي على قوات صالح والحوثي التي تعتمد عليهما أمريكا لمواجهة تنظيم القاعدة في اليمن.

تنظيم داعش في اليمن

داعش في اليمن
لقطة من فيديو محذوف يفترض أنه لتنظيم “داعش” في اليمن

أدى الدمج بين “سياسات الحرب على الارهاب” والسياسات الطائفية التي استندت عليها أمريكا مؤخراً إلى تنامي المسألة الطائفية في اليمن، وهو ما وفر أرضية مناسبة لتنظيم داعش للتواجد في اليمن، فالأساس الهوياتي الطائفي هو المحرك لتنظيم داعش ، حيث يقوم التنظيم على استراتيجية مقاتلة العدو القريب ممثلا في الشيعة والأنظمة المحلية كما يطرح التنظيم نفسه دائماً باعتباره ممثلاً للسنة ومصالحهم. من هنا كان انتقال التنظيم إلى اليمن أمراً بديهياً بعد توسع الحوثي وتحالفه الضمني -وربما المعلن- مع الإدارة الأمريكية، فبعد أشهر قليلة من استيلاء الحوثيين على صنعاء أعلن التنظيم عن تشكيله إمارة صنعاء كما نشر بعدها تسجيلاً يظهر فيه عدد من الملتحقين بصفوفه في عرض عسكري، ثم أعلن التنظيم في الـ ٢٠ من مارس الماضي مسؤوليته عن 3 تفجيرات في العاصمة اليمنية صنعاء استهدفت مساجد تتبع إدارياً للحوثي، ما أدى لمقتل 77 قتيلاً، من بينهم المرجعية الدينية للحوثيين إمام جامع بدر، المرتضى زيد المحطوري. وكانت هذه الحادثة تدشيناً لعمليات تنظيم داعش في اليمن، ويبدو للوهلة الأولى تأثرها كثيراً بنمط الصراع الطائفي الجاري في العراق، فعلى الرغم من أنه لا توجد مساجد للزيدية منفصلة عن مساجد السنة في اليمن، إلا أن التنظيم قرر استهداف عدة مساجد يديرها الحوثي باعتبارها مساجد شيعية، وقد أثارت هذه الحادثة غضباً عارماً في اليمن ما دفع تنظيم القاعدة لإصدار بيان يعلن فيه عدم مسؤوليته وتبرأه من العملية وتأكيده على التزام نهج القاعدة المعروف بعدم التعرض لدور العبادة والأسواق. ويبدو من خلال المتابعة أن تنظيم داعش في اليمن لا يزال يعتمد على استراتيجية “الذئاب المنفردة” أي العمليات المنفردة التي تقوم بها مجموعات صغيرة دون أن يكون هناك تنظيم وعمل مؤسسي خلفها، وغالباً ما يترك لهذه المجموعات حرية اختيار المكان والزمان والتنفيذ، وعلى الرغم من إظهار داعش تسجيلاً في شهر أبريل الماضي يظهر فيه عدد من الملتحقين به في اليمن وهم يؤدون تدريبات إلا أن العدد الذي ظهر في الإصدار محدود جداً ولا يرقى للقول بأن داعش قد بنى هيكلا تنظيميا في اليمن. ويفتح إعلان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن إمارة في اليمن باباً للصراع بينه وبين تنظيم قاعدة الجهاد الذي بادر إلى استنكار هذا الإعلان، وحمّل الشيخ حارث النظاري القاضى الشرعى بتنظيم القاعدة قادة داعش مسؤولية الصراعات التي ستفتح بينهم داعين التنظيم لإعادة تقييمه للوضع اليمني ومحملينه مسؤولية الفتنة التي ستحدث بين المجاهدين بحسب النظاري. ويحظى تنظيم القاعدة في اليمن بعلاقات جيدة مع القبائل مما يتيح له تكوين حاضنة شعبية في اليمن، خاصة وأن أدبيات القاعدة تقوم على أساس جهاد النكاية التضامني الذي يسمح لها بالعمل داخل الحراك السني العام المقابل لتمدد الحوثي، في الوقت الذي تقوم استراتيجية داعش على أساس جهاد الشوكة والتغلب مايعني احتكار راية الجهاد تحت لوائها. وخلاصة القول فإنه مع استمرار هيمنة الحوثي على المشهد اليمني واعتماد أمريكا للسياسات الطائفية في مواجهة الفصائل السنية فإنه من المتوقع توسع نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن مع احتمال إيجاد تنظيم داعش لأرضية مناسبة في اليمن.


اقرأ المزيد:

تقدير موقف: عاصفو الحزم في السياق اليمني والإقليمي

لماذا اهتمت القاعدة باليمن؟ وكيف نشأت فيها؟