بالرغم من أن التعددية الدينية هي أهم ما يميز نيجيريا، وتعد مؤشرًا هامًا من مؤشرات التحول الديمقراطي، ويقوم النظام الديمقراطي في استراتيجيته على اتباع سياسات تكفل حقوق الجماعات المختلفة؛ إلا أن التحول الذي مرت به تخلله بعض العقبات والصعوبات. إذ توجد نحو 250 جماعة عرقية ولغوية، ودينية تؤدي جميعها إلى زيادة حدّة الصراعات القبلية والنزعات الإنفصالية.ويتخذ الصراع بين الإثنيات المختلفة صورًا عديدة منها ما هو اقتصادي، وما هو ديني، أو إقليمي. كما تشكّلت العديد من الجماعات والحركات الدينية، ولعل أبرز هذه الجماعات تشددًا وتخريبًا في نيجيريا؛ هي جماعة «بوكوحرام» التي ظهرت عام 2002. وبالرغم من أعمال العنف والقتل التي قامت بها هذه الجماعة، فإن الحكومة النيجيرية لم تتخذ أيّ تشريعات أو قرارات لردعها.ومن هنا نتوصل إلى أن هناك إشكالية في إدارة الدولة للتعددية الدينية في نيجيريا؛ التي تواجه عملية التحول الديمقراطي منذ عام 2000. أدت عملية التحول هذه بدورها إلى ظهور جماعات متطرفة متعددة منها جماعة «بوكوحرام».


نشأة نيجيريا كمجتمع تعددي

نالت نيجيريا استقلالها أول أكتوبر/ تشرين الأول عام 1960، عاصمتها الإدارية «أبوجا – Abuja»، وهي العاصمة الإتحادية الجديدة للبلاد منذ الـ 12 ديسمبر/ كانون الأول عام 1991. تعد نيجيريا دولة فيدرالية علمانية، حيث نظام الحكم فيها جمهوري، رئاسي، فيدرالي[1]. تتسم نيجيريا بأنها واقع اجتماعي يتسم بالتعددية والإنقسام، ليس فقط على أسس دينية فحسب، لكن أيضًا على أسس إقليمية وإثنية، ولغوية. هناك ثمة أنماط مختلفة من التعددية في المجتمع النيجيري. من أهم هذه الأنماط التالي:

التعددية الإقليمية

هناك تمييز بين الشمال (شمالي نهر النيجر)، والجنوب (جنوبي نهر النيجر). في الشمال هناك تمييز بين الشمال الأعلى (المُسلم)، والشمال الأدنى (وهو ما يعرف أيضًا بالحزام الأوسط حيث تعيش أقليات تغلب عليها المسيحية والوثنية). وفي الجنوب أيضًا هناك تمييز بين مناطق اليوروبا (في الغرب)، ومناطق الإيبو (في الشرق)، ومناطق الأقليات (في الوسط). وقد انقسم النيجيريون في مناسبات عديدة على أساس انتمائهم الإقليمي.

التعددية الإثنية (العرقية)

هي من أبرز أنماط التعددية وضوحًا في المجتمع النيجيري. حيث يعيش في نيجيريا ما لا يقل عن 250 جماعة إثنية. هذه الجماعات تتفاوت تفاوتًا كبيرًا في حجمها، ولغاتها وثقافتها. فهناك 3 جماعات كبرى تشكل نحو 66% من سكان نيجيريا، وهذه الجماعات هي:

  • الهوسا-فولاني: في شمال نيجيريا. يمثلون نحو 29% من السكان معظمهم مسلمون، ويتحدثون لغة «الهاوسا».
  • اليوروبا: في جنوب غرب نيجيريا. يشكلون نحو 20% من السكان يتوزعون بالتساوي تقريبًا بين المسلمين والمسيحيين، ويتحدثون لغة «اليوروبا».
  • الإيبو: في جنوب شرق نيجيريا. يشكلون نحو 17% من السكان معظمهم من المسيحيين، ويتحدثون لغة «الإيبو».

التعددية الدينية

ينقسم سكان نيجيريا بشكلٍ أساسي –من الناحية الدينية – إلى مسلمين ومسيحيين. ومع نهاية القرن الـ20 شكّل المسلمون نحو 53% من سكان نيجيريا، والمسيحيون 39%، وأتباع الديانات التقليدية 8%. لذا يمكن القول بأن التعددية الدينية في نيجيريا تعتبر في حقيقة الأمر ثنائية دينية (إسلامية-مسيحية)، خاصة من منظور العلاقة بين الدين والسياسة؛ وذلك لسببين:

  1. أن أكثر من 90% من النيجيريين إما مسلمون أو مسيحيون. حيث يشكل كلاً منهما كتلة سكانية ضخمة.
  2. أن من ظلوا على دياناتهم التقليدية ينتمون إلى جماعات إثنية صغيرة مشتتة في وسط نيجيريا وجنوبها. بينما ينتمي أغلبية المسلمين والمسيحيين إلى جماعات إثنية كبرى ذات قواعد إقليمية، وذات دور فاعل في السياسة النيجيرية[2].

لم تكن تلك التعددية الدينية تُحدِث إشكالية واضحة حيث أن دستور 1999 في نيجيريا، كان يقوم على فكرة التعددية وحرية الأديان. كما ارتبط التنظيم السياسي للأحزاب في نيجيريا إلى حد كبير بالانتماءات القبلية. كما شهد هذا العام تحولًا كبيرًا في تاريخ نيجيريا السياسي، حيث تم نقل السلطة من العسكريين إلى المدنيين، وفاز بالرئاسة «أوباسانجو» وهو مسيحي الديانة.اكتسبت هذه الإنتخابات أهمية خاصة، نظرًا لأنها كانت مرحلة فارقة ما بين التحول إلى الحكم المدني والديمقراطي أو الانتكاسة، والعودة مرة أخرى إلى حكم العسكريين الذي ظل يهيمن على البلاد طيلة أكثر من 30 عام منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1960[3].صاحب «أوباسانجو» مظاهر للتحول الديمقراطي في نيجيريا، حيث اتخذ «أوباسانجو» عددًا من الخطوات للانتقال بنيجيريا إلى ثبات الديمقراطية وتحرير الاقتصاد. كما تمت استعادة حريات كثيرة كانت منكرة في زمن الدكتاتورية، ووضع سياسة خارجية تدعم الديمقراطية وتحفظ السلام للبلاد. كما رفض تطبيق الشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا، لأنه ينادي بمبدأ العلمانية، وفصل الدين عن الدولة، وهذا ما أدى إلى صراع ديني في نيجيريا.


نشأة الصراع الديني وظهور جماعة بوكوحراملقد استبشر كثيرون بانتقال السلطة من العسكريين إلى المدنيين عام 1999، لكن هذا الاستبشار لم يدم طويلًا، بعدما ازداد الوضع تأزمًا، وتسارعت وتيرة الاضطرابات، حيث لم يمض سوى أيام قلائل على تولي الرئيس «أولوسيغون أوباسانجو» الحكم حتى بدأت البلاد ترتج من الأعماق بالعديد من الاشتباكات الطائفية، والقبلية والسياسية.كانت النتيجة الحتمية للتعدد الديني والصراعات التي تعقبتها، هو أن تظهر وتتشكّل الجماعات الدينية أهمها جماعة «بوكوحرام». ظهرت جماعة «بوكوحرام» عام 2002. وتعني بلهجة قبائل «الهاوسا»؛ «التعليم الغربي حرام». أما الإسم الذي يرددونه ولا يرضون اسمًا سواه هو «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». أسس هذه الجماعة هو «محمد يوسف»، وتهدف إلى منع التعليم الغربي والثقافة الغربية عمومًا التي ترى أنها إفساد للمعتقدات الإسلامية، وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وتستهدف في عملياتها خصوصًا عناصر الشرطة، ومراكز الأمن، وكل من يتعاون مع السلطات المحلية[4].من أهم أسباب تنامي جماعة «بوكوحرام» وزيادة نشاطها الآتي:
  1. سياسات الحكومات العسكرية والمدنية المتعاقبة في نيجيريا، التي تستخدم العنف المفرط تجاه الحركات السياسية المناوئة لها، خاصة جماعة «بوكو حرام»؛ التي استطاعت أن تكسب العديد من الأنصار في أوساط الشباب.
  2. لعب البعد العرقي دورًا كبيرًا في تنامي جماعة «بوكو حرام»، حيث تتشكل نيجيريا من قبيلتين كبيرتين هما «الهاوسا» في شمال البلاد -أغلبهم مسلمون- وقبيلة «الإيبو» -غالبية أفرادها مسيحيون- وكثيرًا ما تحدث اشتباكات دينية وعرقية بين القبيلتين.
  3. قدمت جماعة «بوكو حرام» نفسها كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين. أعطاها ذلك نوعًا من التعاطف من بسطاء المسلمين تجاه الجماعة.
  4. تردي الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة والفساد الموجود في النخبة السياسية. وما زاد الأمر سوءا؛ هو استخدام بعض السياسيين الانقسامات العرقية والطائفية من أجل الوصول للسلطة.

إدارة الدولة للتعددية الدينية

بصفة عامة يمكن التمييز بين إدارة الدولة للتعددية الدينية ضمن مجموعتين من الآليات. تتضمن الأولى؛ الآليات السلمية. أما المجموعة الثانية؛ فتشمل الآليات غير السلمية المتبعة من قِبل النظام وأجهزته المختلفة، بُغية مواجهة الصراعات للحيلولة دون تفاقمها.الآليات السلميةمنذ عودة الحكم المدني في نيجيريا عام 1999، أعلن الرئيس «أوباسانجو» حرصه على احترام حقوق الإنسان، حتى في ظل الصراعات الداخلية التي تشهدها نيجيريا، أياً كان الهدف منها أو الأساس الذي تقوم عليه. وبالفعل لجأت الحكومة إلى الحوار مع بعض الجماعات المتورطة في أعمال العنف.هدفت بذلك إلى محاولة التعرف على مطالب هذه الجماعات، وتلك الحركات، وتهدئة القائمين عليها من خلال منحهم بعض المكاسب السياسية والاقتصادية التي تستهدف استمالة هؤلاء المعاديين للنظام، وجذبهم تدريجياً له، أو على الأقل تحييدهم تجاهه، والتخفيف من وطأة العنف الذي يواجه المواطنين في نيجيريا. ومن جهة أخرى تبنت القيادة السياسية في نيجيريا وبخاصة في عهد الرئيس «أوباسانجو» استراتيجية تقوم على تشكيل لجان قضائية تتولى إدارة الصراعات؛ لاسيما ذات الطابع الديني أو الإثني (العرقي).

الآليات غير السلمية

كانت الآليات غير السلمية هي الأكثر شيوعًا واستخدامًا من قِبل الحكومة المتعاقبة على السلطة في نيجيريا، خلال تلك الفترة. وعادة ما كان تتم هذه الآليات من خلال إرسال قوات أمن للسيطرة على الصراعات في مناطق اندلاعها. لقد أثبتت العديد من التقارير الدولية تورط أجهزة الأمن في نيجيريا في أعمال عنف ضد أي صراع يقوم في أي ولاية من ولايات الاتحاد.أعمال العنف هذه تنوعت بدءًا بالاعتقالات والتعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان، وصولاً للاغتيالات التي كانت تحدث بشكل يومي دون أيّ محاكمات للضباط المتورطين بها. أما عن تعامل الحكومة مع جماعة «بوكوحرام»؛ فقد ظلت الحكومة النيجيرية تهاجم الجماعة بعناد على مدى السنوات الـ5 الماضية. وإلى الآن لا يوجد سبب واضح حول تباطؤ الحكومة في التعامل مع هذه الجماعة، على الرغم ما تقوم به هذه الجماعة المسلحة في نيجيريا، اللهم إن كان هناك بعض المحاولات التي تعد إلى حد ما “جيدة”، لكن معظمها باءت بالفشل[5].وختامًا؛ بالرغم من تطويع كافة الآليات السلمية وغير السلمية للتعامل مع الصراعات في نيجيريا؛ إلا أن أيّا منها لم تمكّن النظام من مواجهتها، واستعادة الهدوء والاستقرار إلى مختلف أقاليم الدولة. لذا يمكن القول أن الحكومات المدنية التي عرفتها نيجيريا منذ قيام الجمهورية الرابعة، لم تستطع الحيلولة دون تفاقم الصراعات وامتدادها بين ولايات الاتحاد سواء بالإكراه أو بالإغراء.لعل ذلك مرده إلى عدم قدرة هذه الحكومات وتلك النظم على مواجهة المشكلات المسببة للصراع، والتي تتسم بغلبة البعد الاقتصادي على ما عداه من عوامل أخرى، وكأنها الباعث الرئيسي المحرك للصراع؛ سواء كانت إثنية، أو دينية، أو غير ذلك.وفى هذا الإطار أصبحت نيجيريا تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي يجعل من إمكانية استعادة الاستقرار في ظل هذه الظروف أمرًا غاية في الصعوبة، خاصة إذا ما توافرت إدارة سياسية حقيقية لمواجهة المشكلات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية التي يعيشها المواطنون في نيجيريا على نحو يؤدي إلى استعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم في الدولة[6].نخلص من ذلك أن نجاح أو فشل التعددية الدينية في دولةٍ ما لا يتوقف على عدد الطوائف الدينية أو الإثنية بها، وإنما يتوقف بالأساس على تعامل الدولة وإدارتها لهذه التعددية. فإذا نجحت الدولة في إدارة التعددية الدينية بشكلٍ يمثل جميع الطوائف الدينية عن طريق الاندماج، والاستيعاب، ونشر قيم المواطنة؛ أصبحت التعددية هذه أكثر ما تتميز به هذه الدولة. أما إذا فشلت الدولة في إدارة هذه التعددية؛ سنجد أنها سرعان ما تتحول إلى صراع وعنف، وارتكاب أحداث قتل، وخطف مثلما حدث هنا في نيجيريا.

المراجع
  1. معلومات أساسية عن جمهورية نيجيريا الاتحادية"، آفاق أفريقية، الجزء الأول، العدد الثاني، صيف 2000
  2. د. صبحي قنصوة، الدين والسياسة في نيجيريا، دراسات أفريقية، 2004.
  3. بدر حسن شافعي، "الانتخابات النيجيرية: خطوة نحو الديمقراطية"، الأهرام الرقمي، يوليو 2003
  4. حركة بوكوحرام النيجيرية"، قراءات أفريقية، يوليو 2014
  5. نهى محمد مجاهد، "بوكوحرام .. ماذا بعد نيجيريا ؟"، الأهرام، أغسطس 2014
  6. شيماء محي الدين محمود، "الانتخابات والاستقرار السياسى فى نيجيريا"، مجلة الشئون الأفريقية، (جامعة القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية)، المجلد الثاني، العدد السابع، يوليو 2014، ص 75-81