عادة ما توجد لدى الدول ذات النفوذ الدولي والإقليمي؛ مسارات تخطيطية متكاملة ومعقدة إلى حد ما. تبدأ في الأدنى من تخطيط المتابعات الحكومية، ثم وضع خطط قطاعات العمل الحكومي، والسياسات العامة للدولة، وصولًا إلى الإستراتيجية العامة للدولة التي ينتظم في إطارها أعمال الدولة الداخلية والخارجية.لكن في الدول العظمى وبعض القوى المهيمنة إقليميًا؛ توجد مدونة استراتيجية ترتقي فوق استراتيجية الدولة العامة بحيث تكون الأخيرة تبعًا لها في أحيان كثيرة، وهي ما تسمى بـ«الإستراتيجية العظمى – Grand Strategy» وهي بلا شك أعلى وثيقة استراتيجية وسيادية للدول الكبرى في الوقت الحالي.


عن الإستراتيجيات العظمى

عادة ما تكون تلك الإستراتيجيات؛ استراتيجية عسكرية أو استراتيجية أمن قومي وذلك بسبب طبيعة النظام الدولي الحالي، التي تميل في قدر كبير منها نحو «الأمْنَنة – Securitization» نظرًا لإيلاء أهمية قصوى في الربط بين مفاهيم دولة الرفاهية، والسلم الدولي بمستوى تدجج الدول بالسلاح والأنظمة الأمنية والعسكرية المعقدة.وإذا كنا نتحدث عن أهمية ومحورية الإستراتيجية العظمى -العسكرية في أغلب وجوهها- لدى بعض الدول ذات النفوذ الإقليمي؛ فإن الأمر سيكون ذا بال خاص إذا ما تحدثنا عن محورية هذه الوثائق لدى الدول العظمى، لاسيما الولايات المتحدة، الصين، روسيا، الهند، المملكة المتحدة، ألمانيا وفرنسا التي تلعب أدوارًا شديدة المحورية في تشكيل نظام العالم القادم.

لا تتمتع أي دولة من دول العالم بالتخطيط التداخلي الإدماجي عالي التعقيد على القدر الذي تتمتع به الولايات المتحدة. فالتباينات بين الخطط والإستراتيجيات الحكومية قد تكون في أقل مستوياتها على الرغم من اتساع مهام الحكومة وإداراتها.

يكمن الهدف الرئيسي من وجود استراتيجيات عظمى للدول هو تعزيز قدرات تلك الدول على وضع تفسيرات وقراءات محكمة للتهديدات الوجودية والبيئات الكبرى “Macrocosm” التي تعيش وتتعايش في إطارها تلك الدول وتشكيل الوجدان القومي في مسائل العداء والولاء واليقظة الإستراتيجية، وهو امر بلا شك ليس محل مناقشات الإستراتيجيات العامة للدول والتي تعني بشكل كبير بدفع نماذج التنمية والاستقرار والحَوْكمة.


نماذج التخطيط الإستراتيجيحسبما تم ذكره أعلاه، فإن وثائق الإستراتيجيات العظمى التي تتناول شئون الأمن الإستراتيجي؛ تتعاطى مع كافة مفردات واقع الدولة الداخلية والخارجية. وعليه فإن نماذجها التحليلية والتخطيطية يجب أن تتمتع بالتركيب والتعقيد للحصول على رؤية مركبة أقرب للواقع شديد التركيب في المسارح والبيئات الدولية الكبرى التي تلعب في إطارها الدول العظمى. وعليه، فقد تبنت الدول والكيانات الكبرى صاحبة السيطرة على العالم نماذج صارمة للتخطيط الإستراتيجي بحيث تكون منهجية معتمدة لديها في وضع وكتابة وثائقها الإستراتيجية الكبرى مثل الإستراتيجية العسكرية محل هذا التقرير.وكل نموذج من تلك النماذج يتم تسميته على الحروف الأوائلية للمقتربات التي يغطيها ويتناولها؛ فمثلا نموذج PEST المبسط للتخطيط الإستراتيجي للشركات المحلية الكبرى يقوم على فهم البيئة (السياسية–الاقتصادية–الاجتماعية–التكنولوجية)، في حين يتناول نموذج «EPISTLE» للتخطيط المركزي الإستراتيجي للشركات متعددة الجنسيات الجوانب (الاقتصادية-السياسية–الاستخباراتية/المعلوماتية–الاجتماعية–التكنولوجية–القانونية-البيئية).فإن كان هذا المستوى من التعقيد يخص نماذج تخطيط لشركات اقتصادية أو مؤسسات اجتماعية لا يتعدى أصحاب المصلحة فيها عشرات الألوف على أكثر تقدير، فإن المنطق يقول أن نماذج تخطيط الدول يجب أن يقدم قراءة أكثر عمقًا وتركيبية من تلك القراءة. ومن أشهر نماذج التخطيط الإستراتيجي للدول النموذج البريطاني «STEEPLED» الذي يتناول الجوانب (الاجتماعية–التكنولوجية-الاقتصادية–البيئية–السياسية–القانونية–الأخلاقية-الديموغرافية)، ونموذج مؤسسات الإتحاد الأوروبي «DEPISTLES» الذي يتناول الجوانب (الديموغرافية-الاقتصادية–السياسية–الاستخباراتية/المعلوماتية–الاجتماعية–التكنولوجية–القانونية–البيئية-الأمنية).
يتمتع نظام التخطيط الإستراتيجي الأمريكي بقدر عالي جدًا من التعقيد يراه البعض مطلوبًا للإيفاء بالتزاماتها الدولية.

وعلى الرغم من عدم وجود نصوص صريحة باسم النموذج الأمريكي؛ إلا أنه بالنظر في مفردات الخطط والإستراتيجيات الأمريكي العظمى فإن ذلك النموذج قد يطلق عليه «GEDIPISTLES» نظرًا لتناوله الجوانب (الجغرافية–الاقتصادية–الديموغرافية–الاستخباراتية–السياسية–الأيديولوجية–الاجتماعية-التكنولوجية–القانونية–البيئية-الأمنية) على التوالي.وإذا ما أخذنا وثيقة الإستراتيجية العسكرية الأمريكية 2015 كنموذج تحليلي لهذا النمط التخطيطي، فإنه سيكون من السهل الوصول إلى هذه العوامل بكل سهولة ويسر. تعتبر هذه الوثيقة أرقى وثيقة سيادية بالولايات المتحدة ويليها إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية ووثيقة السياسة المالية. وتصدر هذه الإستراتيجية على نحو غير منتظم حسب جسامة التهديدات ومتطلبات الاستجابة لها. وصدرت أول وثيقة بعد انهيار الإتحاد السوفييتي في عام 1991 ثم 1994، 1997، 2004، 2008، 2011 على التوالي. وتتولى رئاسة هيئة الأركان المشتركة تحرير بنودها بالتشاور مع أعضاء الهيئة والقيادات الجغرافية الموحدة ومكاتب وزارة الدفاع قبل عرضها على الكونجرس للموافقة عليها.


هيكل الوثيقة

تناقش الإستراتيجية العسكرية الأمريكية 2015 ضرورات مواجهة الدول ذات الطموحات الانتشارية، والتي تشكل تهديدًا للأعراف الدولية وكذلك منظمات التطرف المسلحة والتي تقوض منظومة الأمن العابر للإقليم. كما تحدد الإستراتيجية الطرق والوسائل الإستراتيجية المثلى للقيام بتلك المواجهات وكسر شوكة الخصوم من الدول أو الجماعات والتنظيمات.كما اعتبرت هذه الإستراتيجية أن صياغة التحالفات من بين حلفاء وشركاء الولايات المتحدة الدوليين لخوض تلك المعارك الدولية، هي أمر أساسي لا يمكن الفكاك عنه. كما حددت الإستراتيجية بعض السلوكيات والخصائص التشغيلية والعملياتية التي يتوجب تعزيزها داخل أطر عمل القوات الأمريكية من أجل مواجهة التحديات وتقليص التهديدات المحددة.تقوم الإستراتيجية العسكرية الأمريكية 2015 على عدة محاور كالتالي:أولًا: وضع قراءة للبيئة الإستراتيجية الدولية ومتغيراتها الأساسية.ثانيًا: وضع قراءة للبيئة العسكرية التي تعمل في إطارها القوات المسلحة للجيش الأمريكي، وأجهزة المعلومات وهيئات الدعم والإسناد الخاصة به.ثالثًا: تصميم إستراتيجية عسكرية متكاملة ومدمجة للتعاطي مع التحديات المعرفة في العنصرين الأول والثاني.رابعًا: مبادرات التعاون والتحالف الدولي للقوات.

أولاً: البيئة الإستراتيجية

في إطار السعي لوضع قراءة شاملة لمفردات البيئة الإستراتيجية المحيطة بالولايات المتحدة الأمريكية، تقوم الإستراتيجية العسكرية الوطنية بتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة من نموذج «GEDIPISTLES» ومقترباته ومنهجياته التحليلية المركبة.تنص الإستراتيجية وفقًا لهذا المنهج والنموذج المركب أن المسرح الإستراتيجي الدولي يتميز بثلاثة عوامل أساسية:أولاً: العولمة: تمتد تأثيراتها لتشمل كافة جوانب النشاط الإنساني تقريبًا حيث تنساب المنتجات والمعلومات والبشر عبر الحدود على نحو غير مسبوق تاريخيًا على نحو يعتبره كثيرون محفزًا للنمو الاقتصادي، لكن على الجانب الآخر تزيد هذه التحركات التوترات الاجتماعية والمنافسة حول الموارد وتوسيع قواعد عدم الاستقرار السياسي.ثانيًا: انتشار التكنولوجيا: وهو أمر مترتب على العولمة، على أنه على ما به من أمور إيجابية إلا أنه يحمل مخاطر للولايات المتحدة يكمن بعضها في كسر الميزة التنافسية التي تتمتع بها أمريكا في التكنولوجيا العسكرية المتطورة كأنظمة الإنذار المبكر والقصف الموجه.ثالثًا: التحولات الديموغرافية: وهو أحد محركات البيئة الدولية في العصر الحالي. فمناطق الشرق الأوسط التي تواجه نقص في الموارد وضعف في هياكل الاقتصاد وشروخ في بنية المجتمع تتمتع بنمو مطرد في عدد السكان لاسيما الشرائح الشبابية، أما المناطق مرتفعة النمو في أوروبا وشمال وشرق آسيا تقل فيها معدلات النمو السكاني وتشيخ مجتمعاتها على نحو ملفت. كذلك، فإن حركات الهجرة من الريف إلى الحضر لا زالت على مستويات مرتفعة، كما ازدادت معدلات الهجرة غير الشرعية وما يلحقها من أعباء إقليمية ومحلية.لكنه على الرغم من هذه التحولات والتغيرات، فإن الوثيقة ترى أن الدول لا زالت اللاعب الرئيسي بالنظام الدولي لما لها من القدرة على استخدام القوة وتوفير خدمات الأمن وبناء الإجماع الوطني. لكن الوثيقة ترى أن هناك بعض الدول قد يكونون سببًا في انهيار هذه المنظومة أو تبدلها.فروسيا التي تبذل مجهودات قوية في مواجهة الإرهاب ومكافحة المخدرات، لا تتوانى عن الإضرار بسيادة جيرانها، وترنو إلى استخدام القوة في خدمة وتحقيق أهدافها، وهي أشياء تقوض الأمن الإقليمي، وتضرب عرض الحائط بالمواثيق الدولية.كذلك، فإن إيران لا تتوانى عن تطوير برنامجها النووي ورعايتها للإرهاب لتقويض استقرار العديد من دول المنطقة من بينها إسرائيل ولبنان، والعراق وسوريا، واليمن.أما كوريا الشمالية فلا زالت تركز على مسعاها لتوسيع قدراتها التكنولوجية الخاصة بالصواريخ البالستية والنووية، التي تهدد جوارها الإقليمي في اليابان وكوريا الجنوبية وكذلك الولايات المتحدة. كما تزداد معدلات هجمات «بيونغ يانغ» الإلكترونية على المؤسسات الأمريكية مما يؤدي إلى خسائر أمريكية كبيرة.أما الصين، فترى الوثيقة أنها على الرغم من تشجيع الولايات المتحدة لها بالإندماج في منظومة الأمن الدولي، فإن سلوكياتها بمنطقة الباسيفيك تزيد من التوترات، لاسيما بادعاءاتها حقوقًا في بحر الصين الجنوبي ذا البعد الإستراتيجي، الذي سعت الصين لإنشاء جزر صناعية فيه على نحو متسارع غير عابئة بمناشدات إقليمية ودولية لبكين بعدم استعراض القوة العسكرية في الإضرار بخطوط الملاحة الدولية.بالتوازي مع تحديات الدول، فإن تنظيمات التطرف المسلح –بقيادة القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام– تعمل من أجل تقويض الأمن الإقليمي وتحويل الدول إلى دول هشة ومنهارة وكذلك نشر العنف والإرهاب من اجل فرض رؤاها الاجتماعي. كما تشير الوثيقة إلى الارتباط الوثيق بين تلك التنظيمات وعصابات الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود. استخدمت هذه الوثيقة مصطلح «تنظيمات التطرف المسلح – VEO» بدلاً من المصطلح الدارج لهذه الجماعات الذي يتبناه الناتو، والأمم المتحدة، وهو «اللاعبين المسلحين من غير الدول – VNSA» للتقليل من أهمية تلك التنظميات، وعدم الاعتراف بالأمر الواقع التي تحاول فرضه.

ثانيًا: البيئة العسكرية

تمتلك الولايات المتحدة أعتى جيوش العالم. وترتيبًا على هذه الحقيقة، فإنها تواجه مخاطر وتهديدات وتحديات جسيمة، منها ما يتعلق بها كقوة عظمى، ومنها ما يتعلق بموقعها كحارس وشرطي للنظام العالمي أحادي القطب.على الرغم من تركيز الحملات العسكرية الأمريكية خلال العقد الماضي على مكافحة شبكات العنف والتطرف، إلا أن هذه الوثيقة تولي اهتمامًا بالغًا بمواجهة اللاعبين الرسميين من الدول، لا سيما ذوي القدرة والطموح على تخصيب صواريخ بالستية، وامتلاك تقنيات القصف الموجه، والأنظمة غير المأهولة، وتعظيم القدرات الفضائية والإلكترونية، وكذا أسلحة الدمار الشامل واستخدامها كافة في مواجهة جيش الولايات المتحدة والخصم من مساحة نفوذه وإعاقة قدرته على السيطرة.هذا المشهد العسكري المركب يحتم على الولايات المتحدة، وفقًا للوثيقة، تخصيص مساحة أوسع في التخطيط الإستراتيجي للحروب الهجينة (التي يتم فيها الجمع بين آليات الحروب التقليدية وحروب العصابات) وهو اتجاه حديث في الاتجاهات العسكرية الأمريكية.

ثالثًا: إستراتيجية عسكرية متكاملة

من أجل تنفيذ هذه الإتجاهات الحربية الحديثة، وفي إطار نماذج التخطيط عالية التعقيد التي تحدثنا عنها آنفًا، فإن هذه الوثيقة تخط الطريق للجيش الأمريكي من أجل حماية العناصر الآتية:

  • حماية المصالح القومية الأمريكية (أمن الولايات المتحدة ومواطنيها وحلفائها، وتأمين الاقتصاد الأمريكي بتأمين بيئة الاقتصاد الدولي، واحترام القيم الإنسانية على أراضي الولايات المتحدة وخارجها، وكذا حماية النظام العالمي التي تقوده الولايات المتحدة والدفع نحو السلام والأمن والتعاون لمواجهة التحديات).
  • حماية مصالح الأمن القومي الأمريكي (بقاء الدولة، ردع الهجمات الكارثية على أراضي الولايات المتحدة، أمن الحلفاء وثقتهم في أمريكا، حماية المواطنين الأمريكان خارج البلاد، حماية القيم الإنسانية).
  • الأهداف العسكرية الوطنية.

تتكون الأهداف العسكرية الوطنية من التالي:

ردع وهزيمة الدول المناوئة للولايات المتحدة:يعتبر تعرض الولايات المتحدة أو أحد من حلفائها لهجوم مباشر الأولوية رقم 1 للإستراتيجية العسكرية الوطنية. وهذا يستدعي من القوات استعداد، وتدريب وتجهيز عالي المستوى، إلى جانب بنية تحتية عريضة للوجستيات والنقل، وأجهزة معلومات واستخبارات متشابكة إلى جانب قدرات اتصالية عالية الكفاءة، وقدرة على الانتظام مع الحلفاء والشركاء في عمليات موحدة.دحر وتشتيت وهزيمة التنظيمات المتطرفة المسلحة:تقود الولايات المتحدة اليوم حلفًا دوليًا لهزيمة تلك التنظيمات في عدد من المناطق عن طريق ممارسة الضغوط على شبكات ومحاضن تلك التنظيمات. ويساهم جيش الولايات المتحدة بقوات قتالية محددة وتكنولوجيات خاصة وميكانيزمات تدريب محددة لدعم شركاء الولايات المتحدة المحليين استعادة وتأمين بلادهم. كما يتطلب دحر هذه التنظيمات، حسب الوثيقة، العمل على دراسة الوشائج بين تلك التنظيمات ومجموعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.تقوية الشبكة الدولية للحلفاء والشركاء:تعتبر الولايات المتحدة شبكة حلفائها القوية أهم نقاط القوة في الأمن والاستقرار الدولي، حيث تساهم تلك الشراكات في النمو والرفاهية حول العالم. كما ترى الوثيقة أن وجود القوات الأمريكية في مواقع رئيسية حول العالم أحد عوامل استقرار البيئة الدولية كما تعتبر مؤهلاً من مؤهلات الدول في الاستجابة للأزمات وقت حدوثها.تقرر الوثيقة أن الولايات المتحدة ستواصل خطتها لإعادة هندسة التوازن بمنطقة الباسيفيك، عن طريق تقوية تحالفاتها مع أستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين وتايلاند، وكذلك تعميق العلاقات الأمنية مع الهند ورفع مستوى الشراكة مع نيوزلاندا، وسنغافورة، وأندونيسيا، وماليزيا، وفيتنام وبنجلاديش. كما تقرر الوثيقة تجديد الولايات المتحدة إلتزامها مع حلف الناتو. وترى الوثيقة أن عملية “العزيمة الأطلسية” ضد الاعتداءات الروسية الحالية على شرق أوروبا، وكذلك مبادرة الطمأنة الموقعة مع الأوروبيين، وخطة استعدادات الناتو وغيرها من الممارسات تعتبر تدعيمًا لهذا التحالف والتضامن معه ومع وحدته وأمنه.أما في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة، حسب الوثيقة، تعبر عن التزامها الكامل حيال أمن إسرائيل وتفوقها العسكري النوعي، وكذلك مساعيها لمساعدة شركاء إقليميين لتقوية دفاعاتهم من بينهم الأردن والسعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر وباكستان. كما تقوم الولايات المتحدة على تقوية مؤسسات القارة الأفريقية، وتدعيم استقرارها، وبناء القدرات الأفريقية في مجال حفظ السلام، ومواجهة التطرف العابر للإقليم. كذلك، تقوم الولايات المتحدة بدعم جهود الهيئات والوكالات في أمريكا اللاتينية ودول الكاريبي للحفاظ على الإستقرار الإقليمي ومواجهة التنظيمات الإجرامية العابرة للحدود.هذا بالإضافة إلى رفع استعدادية الحلفاء والشركاء عن طريق التدريبات المشتركة في إطار تعزيز استجابة القوات الأمريكية وتقوية أنشطة التعاون الأمني مع تلك البلدان.الدفع نحو العمليات الموحدة:يتطلب إجراء العمليات الموحدة وجود قوة تحت قيادة موحدة قادرة على استعراضات القوة السريعة والحاسمة حول العالم. وحسبما تم النص عليه في إطار “مفاهيم كابستون للعمليات الموحدة 2020″، توجد العديد من المهام الأساسية لتلك القوات منها الاستحواذ ورفع اليقظة الدولية وتعزيز مستوى التضافر واستخدام الأسلحة والعتاد العسكري محدود البصمة. هذه العمليات تحتاج شبكة دولية من النقل والإمداد اللوجستي وما عدا ذلك من الاتصالات واعمال الاستخبارات والاستطلاع والمراقبة.وهذه القوات لديها أهداف محددة كالتالي:

  • تأمين قوة الردع النووي.
  • صيانة الدفاعات العسكرية للتراب الوطني.
  • ردع العدو.
  • تعزيز وجود دولي مستقر.
  • محاربة الإرهاب.
  • مكافحة أسلحة الدمار الشامل.
  • إعاقة الخصم عن الوصول لأهدافه.
  • الاستجابة للأزمات.
  • القيام بما يلزم من الإدارة العسكرية والتعاون الأمني.
  • القيام بعمليات تحقيق الاستقرار ومكافحة التمرد.
  • توفير الدعم للمؤسسات المدنية.
  • تقديم المساعدة الإنسانية والاستجابة للكوارث.

توفير الموارد اللازمة لتنفيذ بنود تلك الإستراتيجية

ترى الوثيقة أن هذه التحالفات مهمة لاستتباب السلام الإقليمي وبناء قدرات الدفاع الصاروخي والأمن السايبري ومنظومة الأمن البحري ومواجهة الكوارث.

حددت الوثيقة بعض المستهدفات العملياتية، والتشغيلية الخاصة بالقوات والعمليات والبرامج. فبالنسبة للقوات، فقد حددت الوثيقة أهمية العمل على تعزيز الابتكار والإبداع في إطار أعمال الجيش، بالإضافة إلى إدخال تعديلات على الثقافة التنظيمية وتعزيز القيادة الأخلاقية.أما فيما يتعلق بالعمليات، فقد حددت الوثيقة أن تقوم مؤسسة الدفاع بتطبيق التخطيط حسب الموارد، وكذلك تحسين اليقظة الدولية، والوصول لأعلى معدلات الفعالية والكفاءة. بالنسبة للبرامج، فإن الوثيقة ألزمت قيادة الولايات المتحدة العسكرية بتحسين القدرات التشغيلية الموحدة، وتعزيز الميزات الضخمة للقوات.أوصت الوثيقة في الختام بأهمية التواصل مع الشركات الأمريكية العابرة للقارات من أجل تحسين اليقظة المؤسسية والتعلم من ممارساتها المثلى.قد يجادل البعض في أن هذه الوثيقة في حاجة لإدماج بعض التوصيات الخاصة بأمور التشغيل والعمل في إطار القيادات الموحدة، لكن ما يهم غالبًا في الإستراتيجيات العسكرية؛ هو تحديد التهديدات والتحديات الوجودية وما يلزم ذلك من تشكيل العقائد العسكرية والوجدان القومي ثم توفير الموارد لمجابة تلك التهديدات. ما دون ذلك على أهميته تعد أمور تكميلية لا تنتقص من الوثيقة شيئًا.وعلى اعتبار حساسية هذه الوثيقة، فإنها صريحة في كثير من بنودها لا تستخدم اللغة الدبلوماسية فيما يتعلق بالكشف عن مناطق العداء مع التزامها بالواقعية إلى حد كبير. ويمكن القول بأنه لدى مقارنة هذه الاستراتيجية بالوثيقة السابقة في 2011، فإن هذه الوثيقة تعد أكثر توازنًا لاسيما فيما يتعلق بكثافة حضور الصراعات التقليدية مع الدول وغير التقليدية مع تنظيمات العنف وما بينهما من الصراعات الهجينة.