محتوى مترجم
المصدر
carnegie middle east center
التاريخ
2015/08/07
الكاتب
أرون لوند

تخرج «جبهة النصرة» من أزمة داخلية استمرت عامين، وهي تظل محاصرة في معركةٍ مميتة ذات أربع جبهات ضد قوات الرئيس «بشار الأسد»، و«التنظيم المتشدد المنشق عن القاعدة» المعروف باسم الدولة الإسلامية، وفصائل سورية متمردة منافسة، والولايات المتحدة وتحالفها المعادي للإرهاب، والذي بدأ شن ضرباتٍ جوية ضد جبهة النصرة في سبتمبر/ أيلول عام 2014.

بينما تكافح الجبهة لتحديد هويتها، فقد يواجه قادة كبار آخرين بها نفس مصير «صالح الحموي».


جبهة النصرة: تاريخٌ مختصر

أُسست «جبهة النصرة» قبل أربعة أعوام من قِبَل التنظيم العراقي الجهادي المعروف باسم «دولة العراق الإسلامية» (والذي يُدعى حاليا الدولة الإسلامية)، والقيادة العالمية للقاعدة، والتي كانت ما تزال تعتبر المنظمة الأم للدولة الإسلامية في ذلك الوقت.

في صيف عام 2011، تم إرسال مجموعة صغيرة من سبع أفراد إلى سوريا من العراق، يقودهم سوري يُعرف بـ«أبي محمد الجولاني»، حيث كان لديهم أوامر بالتواصل مع الجهاديين السوريين والخلايا النائمة، وتنظيمهم في شبكة ستعلن فيما بعد، في يناير/ كانون الثاني عام 2012، وجودها كجبهة النصرة.

بعد عام، تصاعد التوتر بين قيادة الدولة الإسلامية المتمركزة في العراق، وجبهة النصرة التي تتزايد قوتها في سوريا، مما قاد إلى انفصال التنظيمين. انتهى الأمر بأن تصبح جبهة النصرة هي وكيل القاعدة السوري الرسمي بينما قطع تنظيم الدولة الإسلامية علاقته بالقاعدة بالكامل.

قرر الكثير من أعضاء جبهة النصرة في سوريا –خاصةً المقاتلين الأجانب، لكن أيضًا العديد من السوريين– اتباع القيادة العراقية بدلًا من «الجولاني» والقاعدة. ظلت العلاقات متوترة ومعقدة حتى الانفجار الأخير في أوائل عام 2014، عندما قررت جماعات سورية متمردة محاولة القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، ودفعه مجددًا إلى العراق.

دخلت جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية الحرب ضد بعضهما البعض. بعد شهورٍ قليلة،استولى تنظيم الدولة على الموصل في العراق، واندفع إلى شرق سوريا وأعلن نفسه «خلافة ». دفع هذا الجبهة، مُضعفة المعنويات بالفعل بسبب ما اعتبره العديد من الأعضاء قتالًا بين الأخوة، وحربًا أهلية غير مشروعة، إلى انقسامٍ داخلي.

ورغم أن الجماعة حاولت كتم المعلومات بشأن تلك الأمور، إلا أن الشائعات بدأت بالانتشار حول نزاعات القيادة و التحزب المناطقي. اتخذ قادة جبهة النصرة في المناطق المختلفة من سوريا مواقف متباينة حول شرعية حرب القاعدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وانشق البعض.

بحلول سبتمبر/ أيلول عام 2014، كان الوضع شديد السوء حتى أن هناك تقارير تورد أن قائدًا بارزًا قال إن الجبهة على شفا الانهيار إلى فصائل مناطقية متنازعة. رغم ذلك، استمرت الجبهة في قتالها ضد قوات «الأسد» في جميع أنحاء سوريا.

وفي الشمال، حيث يتمركز «الجولاني»، تصرفت جبهة النصرة بعدوانية لتدمير فصائل منافسة للمتمردين، مدعومة خليجيًا وغربيًا، وضم أراضٍ على الحدود التركية.


الآباء المؤسسين لجبهة النصرة

الآليات الداخلية لجبهة النصرة شديدة الغموض، لكن مع الوقت، تسربت معلومات حول بعض قادتها الرئيسيين، من ضمنهم مجموعة صغيرة من الآباء المؤسسين.

كان «أبو محمد الجولاني» قائد جبهة النصرة من البداية، لكن هذا اسمٌ حركيٌ فقط. في مقاطعه الصوتية المبكرة، كان يتم تشويش صوته، وفي مقابلاته التليفزيونية، يتم إخفاء وجهه. هو سوري، لكن عدا ذلك فإن هويته الحقيقية تظل مجهولة، رغم النظريات العديدة عمن يمكن أن يكون الرجل وراء القناع.

أحد مؤسسي الجبهة الآخرين هو «أبو مارية القحطاني»، وهو عراقي اسمه الحقيقي «ميسر علي الجبوري». بعد أن حارب الأمريكيون في العراق كجزءٍ من دولة العراق الإسلامية. أُصيب «أبو مارية» واستقر في شرق سوريا للعناية الطبية حوالي العام 2010.

يقال أنه اختلف مع قيادة التنظيم المتمركزة في العراق، لكن بعد عام تم اختياره للمساعدة في تكوين جبهة النصرة. أصبح «أبو مارية»المسؤول الديني الأعلى للجبهة (الشرعي العام)، وكان يعمل من شرق سوريا.

يقال أيضًا إن «صالح الحموي» – المعروف أيضًا باسم «صالح حماة» أو «أبو محمد»– كان جزءًا من تلك المجموعة الصغيرة من القادة الأصليين. تورد تقارير أن «الحموي»، وهو سوري من بلدة حلفايا شمال غربي مدينة حماة، قد عمل في مناطق الصحراء الشرقية لسوريا.


تهميش أبو مارية القحطاني

بعد أن استولى تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في يونيو/ حزيران عام 2014، قام التنظيم بمهاجمة المناطق الغنية بالنفط شرقي سوريا. أجبر ذلك «أبو مارية» وبطانته على الفرار إلى منطقة حوران في جنوب سوريا.

تم عزله من منصبه كشرعي الجبهة واستبداله بأردني، وهو «سامي العريدي»، المعروف باسم «أبو محمود الشامي». كانت قاعدة العريدي أيضًا في الجنوب. ورغم أن «أبو مارية» اشترك في القتال، بل وتورد تقاريرأنه أُصيب أيضًا، فإنه قد قضى معظم وقته على موقع تويتر، حيث اشتبك في حربٍ كلامية لا تعرف الكلل ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

منذ عام 2014، كان يبدو أن «أبو مارية» يعتبر ذلك التنظيم التهديد الرئيسي للمشروع الجهادي في سوريا والعالم، كما عبر أيضًا عن انتقاداتٍ تزايدت صراحتها لقادة القاعدة، والدعاة الجهاديين الذين، في تصوره، خيبوا آمال تابعيهم عبر السماح للدولة الإسلامية بالنمو في فترة ما قبل 2014.

حسب مقالٍ يستند إلى «مصادر خاصة مقربة من «صالح الحموي، وأبو مارية القحطاني» في الدرر الشامية – وهي دورية إلكترونية مقربة من أحرار الشام، وهي بدورها جماعةٌ إسلامية متشددة أخرى في سوريا –فقد تم تهميش «أبو مارية» تمامًا الآن من قِبَل قيادة «الجولاني». يدعي المقال أنه قد تم، منذ فترة، تخفيض رتبة «أبو مارية» إلى «فردٍ عادي داخل الجبهة».


فصل صالح الحموي

اتبع فصل «صالح الحموي» نمطًا مماثلًا. «الحموي» أيضًا يبدو أنه تفاعل مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية عبر الانفتاح على الجماعات الإسلامية الأقل خشونة، والمجادلة من أجل حربٍ شاملة ضد التنظيم. ومثل «أبو مارية» أيضًا فإن «الحموي» مستخدمٌ نشط لموقع تويتر، حيث صك علامته التجارية الخاصة من التعليقات المشاكسة حول كل ما يتعلق بالجهاد.

حسب بيان جبهة النصرة الصادر في الـ15 من يوليو/ تموز، فإن أمر الفصل قد صدر ضد «صالح الحموي» في يناير/ كانون الثاني، أو فبراير/ شباط، لكن تم إبقائه سرًا. حيث «آثرت القيادة الصبر والتريث لعل الأخ يعود للسمح والطاعة ويلتزم بضوابط العمل الجماعي، لكن دون جدوى».

بمجرد إعلانه في الـ15 من يوليو/ تموز، قوبل قرار الفصل باعتراضٍ من «أبو مارية القحطاني»، حيث تساءل كيف لجماعة تفصل من أسسها بحجة مخالفته لها؟. انتقد أيضًا قادة كبار حاليين وسابقين آخرين لجبهة النصرة، بعضهم مرتبط بـ«أبي مارية» وأتباعه الشرقيين، القرار.

رد «صالح الحموي»ببيانٍ خاصٍ به. يردد البيان النقد الذي سُمِع عام 2014، زاعمًا أن جبهة النصرة في انقسامٍ داخلي وأن «الجولاني» وحلفائه قد اغتصبوا هيكلها المؤسسي. حسب «صالح الحموي»، فإن مجلس شورى جبهة النصرة هو الآن مجرد مجلس «صوري» ليس له عضوية ثابتة.

يشكو «الحموي» أيضًا من أن «مشايخ بعينهم» قد أسموه وحلفاءه «قطريين»، على ما يبدو لإعطائهم الأولوية لسوريا على الجهاد العالمي. في السياق السوري، فإن المصطلح مشحون بشكلٍ خاص –كان القطريون هم فصيل حزب البعث الذي اعتمد عليه الرئيس السابق «حافظ الأسد» عندما استولى على السلطة في سوريا خلال الستينات.


معتدلين، أم شرقيين، أم ببساطة ساخطين؟

يشير مقال الدرر الشامية إلى رابطٍ واضح بين فصل «صالح الحموي» وتهميش «أبو مارية». السردية التي يتبناها هذا المقال، ومصادر أخرى تناقش الأمر، هي عن أعضاء بجبهة النصرة سوريين في أغلبهم غير سعداء بالصفائية المتشددة التي يتبناها الجولاني مدفوعا بإلحاح مقاتلين أجانب متشددين.

يقال أن «أبو مارية القحطاني، وصالح الحموي، ومظهر الويس» (وهو أحد شرعيي الجبهة ويعرف أيضًا باسم «عبد الرحمن السوري»)، هم جميعًا أعضاء في تلك المجموعة. من الجدير بالذكر أنهم جميعها تربطهم علاقات بالجناح الشرقي لجبهة النصرة، والذي تم سحقه ونفيه إلى الجنوب من قِبَل تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014.

وكأن هذا لم يكن كافيًا، فالجناح الجنوبي لجبهة النصرة يبدو أنه الآن في محنة، حيث فقد مقاتلين ونفوذًا في الشهور الماضية. في مثل ذلك الوضع، فإن فصل «صالح الحموي» –وربما آخرين أيضًا في الشهور المقبلة– سوف يضيف بالتأكيد القليل من السم للنقاشات الأيدولوجية والتكتيكية، التي تحتدم داخل جبهة النصرة وشبكة تنظيم القاعدة الأوسع.


كلمة تحذير

يجب أن يكون المرء حذرًا بشأن أخذ أيٍّ من المعلومات التي تتسرب حاليًا من جبهة النصرة بقيمتها الظاهرية، أيا كان مدى القوة التي قد تبدو بها علاقات المصادر. في عالم الظلال السياسي الذي تسكنه الفصائل الجهادية السورية، فإن المعلومات مجزأة بشدة، والإشاعات غزيرة، والخداع هو خط الدفاع الأول.

بينما من الواضح أن هناك نوعًا من الصراع الأيدولوجي والمناطقي يحتدم في الجبهة، فإنه يظل من الصعب فصل الحقيقة عن الخيال. السردية الناشئة عن فصيلة «الجهاديين المعتدلين» من السوريين الأصليين ضد المقاتلين الأجانب المتشددين هي أفضل قليلًا من أن يتم تصديقها بسهولة، وبالحكم من انقسامات المتمردين السوريين السابقة، فإن صراعات سلطة شخصية وإقليمية سوف تتفوق غالبًا على السياسة الخالصة.

لاشك في أن تفاصيل أكثر حول النزاعات الداخلية الجارية سوف تستمر في التسرب من شقوق الفرع السوري للقاعدة، كما سوف تستمر المعلومات المضللة أيضا. لنترقب كليهما.