تقوم الإستراتيجية الجغرافية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى وقتنا هذا على أساس الدمج بين نظريتي ألفريد ماهان في السيطرة البحرية “القوة البحرية Sea Power”[1] وألكسندر سيفيريسكي في السيادة الجوية التي سطرها في كتابه المرجعي “النصر عبر القوة الجوية”[2] عقب حادثة بيرل هاربر الشهيرة 1941. وقد اهتم مخططو البحرية الأمريكية طوال العقود الماضية بهاتين النظريتين وتم إيلائهما مزيدًا من العناية والتطوير والدمج والربط بين عناصرهما. لكن عنصرين هامين في هاتين النظريتين شكلا لب العقيدة البحرية الأمريكية حتى وقتنا هذا (ولا يعتبر من باب التوسع إن قلنا أن هذين العنصرين كان لهما دور فاعل في هندسة وتسيير النظام العالمي الجديد حتى الآن). وهذين العنصرين هما:

  • السيطرة البحرية عن طريق بسط النفوذ على الممرات الاستراتيجية والقارية الهامة. (تتضمن الممرات المضايق والقنوات الملاحية)
  • تطوير قدرات السيادة الجوية عن طريق التوسع في إنتاج مقاتلات السيادة الجوية (خصوصًا طائرات الجيل الخامس) وتطوير القاذفات الاستراتيجية مع إيلاء مزيد من التركيز لطائرات الاستطلاع والقتال بدون طيار UAV.

فيما يتعلق بالعنصر الأول (الممرات) وهو موضوع هذه الدراسة، فقد شمل الباب الثالث من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بعض الأحكام والتعريفات العامة لها. ويمكن القول أن أحكام هذا الباب تنطبق على قرابة 250 موقع بحري حول العالم. لذا، كان من الضروري عسكريًا وإستراتيجيًا تصنيف هذه الممرات على فئات مختلفة حتى يمكن التعامل معها في إطار خطط الانتشار والاستجابة والتأمين البحري.

الممرات الاستراتيجية وحجم النفط الذي يمر بها يوميا (مقاسا بالمليون برميل)
الممرات الاستراتيجية وحجم النفط الذي يمر بها يوميا (مقاسا بالمليون برميل)

وعلى الرغم من عدم وجود وثيقة أمريكية صريحة في تصنيف الممرات سوى بعض التعريفات المبسطة التي تتضمنها تحديثات الأسطول التي تنشرها البحرية الأمريكية وتعلن عنها رسميًا من فترة لأخرى أو تلك التي تتيحها مواقع الاستخبارات بشكل منتظم مثل Stratfor وGlobal Security بالإضافة إلى بعض الإشارات لممرات بعينها في الخطاب الأمريكي السياسي، فإنه يمكن تصنيف هذه المضايق حسب التالي:

  • ممرات استراتيجية/ دولية Strategic Straits كباب المندب وملقا والبوسفور على سبيل المثال.
  • ممرات قارية Continental Straits (وهو الذي تشترك فيه أكثر من دولة أو أن يقع بين جزيرة كبيرة وساحل قاري ويفوق عرضه 12 ميلا بحريًا) كمضيق تايوان الذي يفصلها عن الصين ومضيق بالك بين الهند وسريلانكا ومضايق فلوريدا وياكوتان بالبحر الكاريبي ومضيق دوفر الفاصل بين القنال الإنجليزي وبحر الشمال.
  • ممرات إقليمية Territorial Straits (ويضم القنوات الملاحية والمضايق الطبيعية التي يقل عرضها عن 12 ميلا بحريًا). مثال على ذلك قناة السويس وقناة بنما ومضيق ميسينا الإيطالي ومضيق تيران الواقع بخليج العقبة بالبحر الأحمر ومضيق كوك في نيوزلاندا وكذلك مضيق جورجيا على الساحل الغربي الأمريكي.

الأمن والتجارة في الإستراتيجية البحرية الأمريكية

وعلى الرغم من أن الوازع الأمريكي الأساسي في التصنيف أعلاه يغلب أن يكون وازعًا أمنيًا عسكريًا إلا أن كثيرين يرون أن العقيدة الرأسمالية الأمريكية حاضرة بقوة. فالولايات المتحدة التي نصبت نفسها راعيًا للنظام العالمي الجديد بُعيد انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط حائط برلين مطلع تسعينيات القرن الماضي قد قامت منذ ذلك الوقت، مدعومة بقوتها البحرية التي لا تقارن، ببسط نفوذها العسكري حسب مقتضيات تأمين التجارة الدولية لا سيما في الممرات الإستراتيجية الكبرى.

وعلى الرغم من أن هناك من يرى في نظرية الاقتصادي الأمريكي الشهير ميلتون فريدمان “سياسات التوازن Stabilization Policy” الباعث الأصلي وراء استراتيجيات إعادة الانتشار العسكري الأمريكي خلال النصف القرن الماضي، إلا أن أساتذة من أمثال نعوم تشومسكي وميشيل فوكو يرون بأن الفلسفة الأمريكية وراء خطط إعادة الانتشار تحركها بالأساس مآرب عولمية تهدف إلى تعزيز السيادة الأمريكية على العالم حتى وإن كبدها ذلك خسائر اقتصادية، حيث تعتبر الدولة الأمريكية، في منظور تشومسكي، أكثر نماذج الدولة الويستفالية توحشًا.

نعوم تشومسكي
نعوم تشومسكي

ومع وجاهة التحليلات الأخيرة لبنية الدولة الأمريكية وتأثيراتها التفاعلية التسلسلية chain-reactions(***) في بنية النظام الأمني الدولي، إلا أن تحليلات الاقتصاد السياسي لبنية الاستراتيجية العسكرية الأمريكية تبدو النموذج الأقرب والأكثر واقعية في فهم مفرداتها لا سيما فيما يتعلق بتأثير ونفوذ المجمع الصناعي الحربي في الولايات المتحدة وكذلك سوق السلاح الدولي على خطط الانتشار والاستجابة حول العالم.

فالعالم يشهد الآن دولة رأسمالية عولمية مفتوحة تصب كل عملياتها في خدمة رأس المال، حتى وإن كانت هذه العمليات هي في الأساس لحفظ الأمن والاستقرار الدولي والإقليمي. لذا فمسائل الأمن الدولي لم تعد فقط حكرًا على العسكريين وحدهم؛ حيث يمكننا اليوم أن نرى شركات النقل البحري العملاقة مثل Maersk Line الأمريكية وCMA الفرنسية وNYK اليابانية تمتلك هيئات عمليات متخصصة في التقييمات الأمنية يعمل بها عسكريون سابقون بجيوش كبرى لوضع استراتيجيات تأمين الخطوط التجارية والاتصال مع مجموعات القتال والتأمين البحري (الأمريكية بالأساس) المنتشرة عبر العالم.

الممرات الإستراتيجية الدولية في العقيدة العسكرية الأمريكية

وفقًا للتداخلات السابقة حول قضايا الأمن والتجارة، فإن الممرات الاستراتيجية يتم إيلاؤها اهتمامًا كبيرًا في التأمين نظرًا لاعتبارها في عرف الأمن الدولي ومخططي الاستراتيجيات الجغرافية مخانق/ نقاط اختناق (Chokepoints)[3] يسهل السيطرة الإستراتيجية عليها من كيانات معادية ومن ثم التأثير على خرائط التوزيع والانتشار الدولي في وقت قصير، وأزمة السويس 1956 والأزمة الكوبية 1962 كانتا في هذا الإطار].

ولأهمية الممرات الاستراتيجية فقد تم إيلاؤها أولوية استراتيجية قصوى منذ المعارك الإمبراطورية الإنجليزية والفرنسية، حسبما هو واضح من الكتابات والممارسات الإستراتيجية للأدميرال الإنجليزي هوارتيو نيلسون (1758-1805) وليون ديوراند (1761-1848) قائد بحرية نابليون. وبناءً على نظرية (المخانق) تلك، تعتبر الممرات التالية هي الممرات ذات الأولوية القصوى في الإستراتيجية الجغرافية والبحرية الأمريكية وتعتبر أيضًا ذات أولوية قصوى للتجمعات الإستراتيجية حول العالم:

المضايق

  • مضيق ملقا (في الأرخبيل الأندونيسي وعرضه أمام الساحل السنغافوري لا يتعدى ميلا بحريا ونصف).
  • مضيق هرمز (الواصل بين الخليج العربي وخليج عمان وعرضه حوالي 30 ميلا بحريا).
  • مضيق باب المندب (الذي يصل بحر العرب والمحيط الهندي بالبحر الأحمر وعرضه قرابة 17 ميلا بحريا).
  • مضيق جبل طارق (الواصل بين البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي بعرض يقل عن 8 أميال بحرية).
  • مضيق البوسفور (الواصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة بعرض يقارب 0.4 ميلا بحريا).
  • مضيق الدردنيل (الواصل بين بحر مرمرة والبحر المتوسط بعرض لا يتجاوز 0.7 ميلا بحريا).
  • مضيق أوريسند (الواصل بين بحر الشمال وبحر البلطيق بعرض 2.4 ميلا بحريا ويعتبر المضيق الاستراتيجي الوحيد من بين المضايق الدانماركية الأربع).
  • مضيق ماجلان (أدنى قارة أمريكا اللاتينية ويصل بين المحيطين الأطلنطي والهادي بعرض ميل بحري واحد في أضيق نقاطه).

القنوات الملاحية

  • قناة السويس (وتصل خليج السويس بالبحر الأحمر بالبحر المتوسط بعرض يقل عن 0.2 ميلا بحريا).
  • قناة بنما (وتصل بحر الكاريبي بالمحيط الأطلنطي بالباسيفيك بعرض لا يتجاوز 0.09 ميلا بحريا في أضيق النقاط).

التأمين النيو-كلاسيكي للممرات الإستراتيجية

تقوم الإستراتيجية العسكرية الأمريكية الكلاسيكية في السيطرة والتحكم على ما يعرف في الفكر العسكري برؤوس الجسور (Beachheads). وهذا يعني أن السيطرة، في نظر الإستراتيجيين الأمريكيين، لم تكن لتحقق بدون وجود قواعد أرضية تكون منطلقًا لعملياتها. وعليه فقد كرست قدرًا كبيرًا من سياساتها للتوسعة الرأسية والأفقية في القواعد البحرية والجوية طوال قرن من الزمان (طوعًا أو كرهًا).

وقد بدأت الولايات المتحدة سياسة التوسع في القواعد في أمريكا الوسطى واللاتينية بعد الحرب العالمية الأولى. وقد كانت الحرب العالمية الثانية فرصة ذهبية للولايات المتحدة لمد قواعدها لأوروبا والمياه العميقة في الباسيفيك بعد أن دمرت القوى البحرية اليابانية في معارك الباسيفيك وساعدتها الأقدار بخروج بريطانيا العظمى من حربها منهكة جدًا.

أما فرنسا وباقي دول أوروبا فقد كانت في أشد الحاجة للمال الأمريكي القادم عبر مشروع مارشال لإعادة الإعمار، وهو وضع لا يعقل معه بالتأكيد مجابهة الولايات المتحدة إن كان هناك فضل قوة للقيام بذلك. وقد زادت حاجة أوروبا للولايات المتحدة عندما كشر السوفييت عن مطامعهم في تحويل أوروبا للشيوعية وبدأت ثورات مسلحة طالت اليونان وكثير من بلدان أوروبا الشرقية. في ذلك الوقت، لم يكن لدى الأوروبيين رفاهية لرفض الطلبات الأمريكية لبناء القواعد هناك.

استعر لهيب النزاع في الشرق الأوسط واستطاعت الولايات المتحدة عبر ثلث قرن من النزاع أن تكون ملجأ دوله الغنية بالنفظ والأثيرة لدى زعماء واشنطون لجغرافيتها السياسية الهامة.

مع أخذ كل هذه العوامل في الاعتبار، لم تخرج الولايات المتحدة من أي نزاع إلا وحدّها الأدنى من المكاسب هو إنشاء قواعد عسكرية في تلك البلدان، وهي قوة في منظور مراقبين استراتيجيين لم تتح لأي أمة عبر التاريخ. والآن تمتلك الولايات المتحدة قرابة 757 قاعدة جوية وبحرية خارج أراضيها[4]، ناهيك عن القواعد السرية غير المعروفة تمامًا.

التواجد العسكري الامريكي حول العالم
التواجد العسكري الامريكي حول العالم

لكن مع اتساع قاعدة حاملات الطائرات النووية (CVN) والمدمرات عالية العتاد (LHD) الأمريكية وتنامي الأدوارغير القتالية لحاملات الطائرت والقطع البحرية مع انتهاء مواجهات الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفييتي، فقد تنامت الحاجة لإدماج قطع الأسطول في أعمال التأمين البحري الدورية للمواقع الإستراتيجية بالإضافة لأعمالها الأخرى في الإسناد والاستطلاع والمناورة البحرية وهو ما يعرف بالاتجاه النيو-كلاسيكي. وعلى هذا، فقد تم توسعة مجموعات القتال البحري لتشمل كل مجموعة: حاملة طائرات وسبع مدمرات وسفن إسناد أخرى حسب الحاجة مع متوسط سبعين طائرة تغطي مختلف المهام القتالية والاستطلاعية والاعتراضية واللوجستية.

ومع الأخذ في الاعتبار الاهتمام الأمريكي المذكور آنفًا بأمن الممرات الإستراتيجية، فقد قامت الولايات المتحدة بالتحكم في الحركة الدولية عبر هذه الممرات وذلك عن طريق جملة من القواعد:

  1. بسط أعلى درجات السيادة البحرية على المحيط الهندي (لب نظرية ماهان للسيادة البحرية) لا سيما مع تزايد حركة التجارة الدولية عبر مضيق ملقا ومع تزايد التعاقدات الآسيوية على نفط الخليج. وهذا استلزم بناء قاعدة دييجو جارسيا في قلب المحيط الهندي التي تعتبر أكبر قاعدة دعم عسكري وبحري في العالم، ثم قاعدة جوام وقاعدة سوقطرة.
  2. اعتماد إستراتيجية التطويق والتأمين الديناميكي متعدد المراحل في تأمين الممرات وذلك عن طريق تأمين الممرات الإستراتيجية من محيط 300 ميل بحري كمستوى أول ثم التأمين من مستويات أقرب وصولًا إلى النقطة صفر (عن طريق القواعد المطلة على الممرات كقاعدة كامب ليمونيير في جيبوتي المطلة رأسًا على باب المندب وقاعدة الظفرة الجوية المطلة رأسًا على مضيق هرمز) ثم الاستعانة بالقطع البحرية في الربط العملياتي الديناميكي بين القواعد المنتشرة على مسافات مختلفة من كل ممر.
  3. تعتمد إستراتيجية إدارة الردع الأمريكية حيال تأمين الممرات على الترتيب التالي:
  • وجود بطاريات صواريخ استراتيجية / بالستية أو أسراب قاذفات إستراتيجية في القاعدة الأبعد عن الممر والتي تشكل حائط النار Firewall الخاص به. وهذا مطبق في كافة الممرات (ما عدا مضيق ماجلان).
  • وجود كتائب قوات خاصة (خصوصا من فرق Seal وبعض تشكيلات Delta Force) على القواعد الموجودة في النقطة صفر (إذا كانت هناك قواعد بالفعل على شواطىء الممر).
  • وجود طائرات استطلاع/ اعتراض بحري غير مأهولة (UAV) أو عمودية/ إقلاع قصير (V/STOL) على متن القطع البحرية الواقعة في حيز عمليات التأمين.
  • وجود طائرات مقاتلة ات قدرات عالية على المناورة والاشتباك على متن القطع البحرية (يزيد عددها عن ثلاثة أسراب).

بناءً على هذا، فقد تم تأمين الممرات على النحو التالي:

مضيق هرمز: يتم تأمينه استراتيجيًا من محطة الأسطول الخامس في البحرين، وتكتيكيًا عن طريق القواعد البحرية والجوية الستة عشر المنتشرة على طول الخليج. وتقوم المجموعة القتالية الدائمة (حاملة الطائرات دوايت أيزنهاور أو كارل فينسون حسب خطة الاستجابة الفصلية (**) مع ثلاث مدمرات حاملة للمروحيات والطائرات العمودية وسبع قطع إسناد بحري وقرابة سبعين طائرة قتالية واستطلاعية معظمها طائرات من طراز B-8 Pseidon الخاصة بأعمال الاستطلاع البحري والمضادة للغواصات وطراز Harrier II القتالية العمودية بالإضافة إلى سربين من طائرات F-18 Super Hornet) بعمل الربط العملياتي بين دوائر تأمين المضيق بالإضافة إلى أعمال التأمين والمواجهة البحرية مع زوارق الحرس الثوري الإيراني والتهديدات الإيرانية بشكل عام.

دائرة التأمين الإستراتيجي الأوسع عن طريق قاذفات B-1 Lancer الإستراتيجية في سوقطرة أو قاذفات B-52 في قاعدة أنجرليك الجوية جنوب تركيا.

مضيق باب المندب: يتم تأمينه استراتيجيًا عن طريق قاعدة سوقطرة البحرية (جزيرة يمنية تم تأجير شطر منها للولايات المتحدة في 2010) التي يتم تطوير قدراتها بشكل متسارع حتى تكون ظهيرًا متقدمًا لدييجو جارسيا في المستقبل القريب في ظل تطور نزاعات الشرق الأوسط. وتتضم قاعدة سوقطرة الجوية سربين من القاذفات الإستراتيجية الحديثة من طراز B-1 Lancer وسربًا من طائرات النقل البحري Sea Stallion عالية الكفاءة.

بالإضافة إلى عدد غير معلوم من الطائرات القتالية غير المأهولة من طراز Predator والتي قام بعضها بعمليات ضد تنظيم القاعدة في اليمن في العامين الماضيين. ويرى محللون غربيون أن هيئة عمليات مكافحة القرصنة في القرن الأفريقي التابعة للناتو ستتخذ من سوقطرة مقرًا لها بدلًا من جيبوتي. كما تقوم قوة الناتو نفسها بالمشاركة في عمليات التأمين الإستراتيجية المتقدمة للمضيق بالإضافة لقطع البحرية الأمريكية (كيرسارج وباتان غالبا) والفرنسية (حاملة الطائرات شارل ديجول في بعض الأحيان). كما تشارك قطع الأسطول الخامس بالخليج العربي في بعض أعمال تأمين باب المندب كما هو حاصل في الحرب اليمنية الآن.

مضيقا هرمز وباب المندب
مضيقا هرمز وباب المندب
مضيق ملقا: يتم تأمينه استراتيجيًا عن طريق قاعدة جوام البحرية التي تعتبر إحدى قلاع القوة الأمريكية غرب الباسيفيك، بالإضافة إلى قاعدة جونستون أتول وداروين شمال القارة الأسترالية بالإضافة لقاعدة كوكوس أيلاند مقر العمليات الاستخباراتية والاستطلاعية في المحيط الهادئ. ويوجد بقاعدة جوام سرب طائرات B-2 Spirit الإستراتيجية.

أما التأمين التكتيكي للمقر فيكون عن طريق القاعدة الأمريكية في بوكيت أيلاند بتايلاند وكذلك عن طريق قاعدة الدعم البحري بسنغافورة على أضيق نقاط المضيق. هذا بالإضافة للربط العملياتي الديناميكي بين كل هذه القواعد عن طريق ثلاث مجموعات قتالية (ثلاثة حاملات طائرات وخمسة مدمرات وعشر سفن إسناد وقرابة 200 طائرة من بينها سرب من مقاتلات السيادة الجوية F-35 وطائرات بدون طيار من طراز Triton وأخرى من طراز P-3 Orion القتالية العمودية وبعض منها من طراز V-22 Osprey).

مضيق ملقا
مضيق ملقا
مضيقي البوسفور والدردنيل: ويتم تأمينهما استراتيجيًا عن طريق قاعدة أنجرليك الجوية الأمريكية وتكتيكيًا عن طريق قاعدتي أزمير وأنقرة القريبتين من بحر مرمرة. ولا يعتمد كثيرًا على قطع الأسطول السادس الأمريكي المرابض بالبحر المتوسط في تأمين الممرين غالبًا، لكن طائرات استطلاع الإنذار المبكر (الأواكس طراز E-3 Sentry) التابعة للأسطول السادس غالبًا ما تغطي بحر مرمرة ومضيقي البوسفور والدردنيل.
مضيقا البسفور والدردنيل
مضيقا البسفور والدردنيل
مضيق جبل طارق: ويتم تأمينه استراتيجيًا من قاعدة سيجونيلا الأمريكية في إيطاليا وقاعدة لاييس فيلد بجزر الأزور Azores التابعة للبرتغال قبالة المضيق من ناحية المحيط الأطلنطي. أما عن دعم الأسطول فإن انتشار الأسطول السادس الأمريكي يكون غالبا في شرق المتوسط اعتمادًا على كفاءة التغطية الإستراتيجية للقاعدة الأزورية تحديدًا ويوجد بها سرب النقالات العسكرية C-17 Globemaster III كما يتردد وجود قاذفات B-52 بها.
مضيق جبل طارق
مضيق جبل طارق
مضيق أوريسند: يتم تأمينه إستراتيجيًا بقاعدة فولكيل الجوية في هولندا (القريبة من المضيق) والمنشآت العسكرية الأمريكية في فايسبادين ورامشتاين اللتين يوجد بهما قاذفات B-52 وسرب قاذفات Lancer. وهذا المضيق لا تعتريه مخاطر وتحديات كما هو الشائع في مضايق الجنوب منذ تم ضم إستونيا ولاتفيا وليتوانيا لحلف الناتو والإتحاد الأوروبي. ولم يسجل في أي من التحديثات البحرية الأخيرة أي نشاط ملحوظ لقطع الأسطول الأمريكي على الرغم من انتشار روسي حديث ببحر الشمال.
مضيق أوريسند
مضيق أوريسند
مضيق ماجلان: مع افتتاح قناة بنما لم يعد لمضيق ماجلان وممر كيب هورن الواصل بالمحيط الهادي نفس مكانهما السابق في الاتصال الدولي. لذا، فإن التواجد العسكري الأمريكي الضعيف نسبيًا في تشيلي والأرجنتين قد يفسره تراجع أهمية تلك الممرات. لكن هذا المضيق يظل محوريًا في الاتصال الدولي على الرغم من تراجع أهميته الحالية.
مضيق ماجلان
مضيق ماجلان
قناة السويس: يتم تأمينها إستراتيجيًا عن طريق قاعدتي أزمير وأنجرليك جنوبي تركيا ومحطتي الاستطلاع في صحراء النقب وليماسول بقبرص بالإضافة لقاعدة جدة الجوية. وتتولى قطع الأسطول السادس (حاملة طائرات وأربع مدمرات من فئة WASP بالإضافة إلى قرابة 100 طائرة نصفها عمودي خاصة بعمليات الاستطلاع والدعم البحري) المرابضة شرقي البحر المتوسط قبالة مدخل القناة عند بورسعيد عملية الربط العملياتي والاستجابة الديناميكية في تأمين القناة.

قناة بنما: يتم تأمينها إستراتيجيًا عن طريق القواعد الأمريكية في هايتي والدومينيكان وبورتوريكو قبالة القناة في بحر الكاريبي ومن قاعدة مانتا على الساحل الباسيفيكي للإكوادور.

خطط الاستجابة المحسنة للأسطول وتحديات الحاضر

قناة بنما
قناة بنما

ومع تزايد معدلات الأزمات المتفجرة، قامت وزارة الدفاع المريكية عام 2003، تزامنًا مع اندلاع حرب العراق الثانية، بتدشين ما يسمى بخطة استجابة الأسطول “Fleet Response Plan” حيث أدخلت من خلالها تحسينات على إستراتيجيات إعادة نشر الأسطول بغية “الاستجابة” السريعة للنزاعات وقت حدوثها. وقد نتج عن الإطار العام لهذه الخطة تشكيل القيادة الأفريقية للجيش الأمريكي AFRICOM إلى جانب غيرها من التعديلات التي طرأت على قواعد نشر القوات مما أشار إلى عمق التحول في ترتيب إستراتيجيات الدفاع والهجوم الأمريكية. وقد أخذت هذه الخطة بعض الأمور في الاعتبار منها:

  1. محدودية القدرات الملاحية للقطع البحرية مقارنة باتساع مواقع التأمين والسيطرة عبر المحيطات.
  2. عدم إمكانية بناء خطط إعادة نشر حاملات الطائرات النووية (CVN) والمدمرات عالية العتاد (LHD) إلا بعد خضوعها لعمليات الصيانة الدورية في مرافئ الولايات المتحدة (نورفولك فيرجينيا – سان دييجو كايفورنيا).
  3. قوانين البحرية الأمريكية التي تحتم على قيادة القوات عدم مكوث العسكريين خارج البلاد فترة تزيد على تسعة أشهر.

وتلبية لذلك، فقد تم اعتماد “خطة استجابة الأسطول FRP”. وحسب هذه الخطة، يتم إعادة نشر ستة من حاملات الطائرات الاثنى عشر خلال شهر واحد وإعادة نشر حاملتين أخرتين خلال تسعين يومًا من تاريخ إعادة الانتشار. وبهذه الطريقة يتم تخفيض عدد الحاملات التي يجري لها صيانة في موانئ الولايات المتحدة إلى اثنتين، مع الأخذ في الاعتبار الحاملة التي ترسو بشكل دائم على شواطئ اليابان والأخرى دائمة الرسو بالشرق الأوسط.

فيما يتعلق بالمدمرات عالية العتاد، فقد تم إخضاعها تقريبا لنفس القاعدة مع بعض التعديلات البسيطة المتعلقة بقصر فترة الصيانة وسرعة الانتشار مقارنة بحاملات الطائرات.

ويرى مراقبون عسكريون أن خطط استجابة الأساطيل تؤثر على ثبات إستراتيجيات تأمين الممرات الإستراتيجية نظرًا لبناء فلسفة إعادة نشر الأسطول والقوات حسب المخاطرالحاضرة حيث سيؤدي هذا إلى انكشاف إستراتيجي، لكن ما يتردد في أوساط البنتاجون عن تقديم الدفاع خطة بزيادة عدد قطع الأسطول من 265 قطعة تقريبا إلى 300 قطعة قد لا يغير من معادلة التأمين العسكري للممرات إذا وافق الكونجرس على الميزانية الخاصة بهذه القطع.

وهنا يجدر الإشارة إلى أن الوقت الحالي لا يتيح رفاهية للعودة للخطة القديمة لتأمين الممرات عن طريق القواعد العسكرية وكفى، نظرًا لأن المخاطر المحدقة بنظام الأمن والاستقرار الدولي أصبحت شديدة اللولبية والديناميكية وتتطلب ردودًا أكثر ديناميكية حيالها، وهو أمر لا يتوفر غالبا في القواعد العسكرية نظرًا لمحدودية قدراتها أو عدم تنوع مواردها من جانب ومن جانب آخر عدم كفاءة المواجهات البرية للأخطار البحرية والتي غالبًا ما تنتهي بفوز القوة البحرية مهما كانت قدرات القوة المرابطة على الشاطئ.

لكن على الجانب الآخر، يترسخ مع مرور الأيام اقتناع لدى كثير من العسكريين (من بينهم منظري البنتاجون) بأن حاملات الطائرات عبارة عن “خنزير بدين في بادية” يسهل استهدافها مهما كانت درجة تسلحها والحماية البحرية والجوية والاستطلاعية التي تتمتع بها. ولم يعد خفيًا الخطط الإيرانية والصينية لإغراق حاملات الطائرات، بداية من إرهاقها بالزوارق السريعة وحتى قصفها بالصواريخ البالستية قصيرة المدى (SRBM).

عليه، فإن إستراتيجيات الانتشار البحري وتحريك قوات تأمين الممرات قد يرى البعض أنها لم تعد مترجمة للاستراتيجية الأمريكية في تأمين الممرات. إن لم يتحل المخططون العسكريون الأمريكان بقدر أكبر من المرونة في التخطيط العسكري والتكنولوجي وإيجاد حلول للتسارع الذي يشهده النظام الدولي منذ عشرة أعوام، فإن نظام أحادية القطب غالبًا ما سينهار ولا يرجح أن يكون الانتقال لنظام آخر سهلاً أو يسيرًا.

الهوامش

(**) خطة الاستجابة الفصلية: خطة فرعية داخل إطار خطة استجابة الأسطول FRP خاصة بالمتابعة الموسمية لانتشارات الأسطول حول العالم.

(***) التفاعلية التسلسلية: مصطلح استراتيجي ينبثق من إطار نظري بنيوي يشير إلى التطورات الممكن قياسها لأي فعل أو ممارسة استراتيجية. ويضاهي هذا المصطلح في العلوم الاجتماعية مصطلح “الحساسية للأحوال الأساسية” الندرج في إطار “نظرية الفوضى”. ويستخدم الاستراتيجيون مصطلح التفاعل التسلسلي نظرًا لعدم إيمانهم المطلق بنظرية الفوضى وتنزيلاتها في الاقتصاد والعلاقات الدولية.

[1] http://web.mit.edu/ssp/publications/working_papers/wp_00-4.pdf

[2] http://www.amazon.com/Victory-through-Alexander-Procofieff-Seversky/dp/B0007DP2B2

[3] http://en.wikipedia.org/wiki/Choke_point

[4] http://www.acq.osd.mil/ie/download/bsr/BSR2012Baseline.pdf