شكل الظهور العلني لداعش ( بفيديو عملية اعدام وذبح 21 قبطيا مصريا في سرت والتي ما نعدها هنا إعلانا رسميا لظهور داعش رغم وجود عمليات نوعية قبل هذه العملية ) أزمة كبيرة في الوسط الليبي ، حيث يرجح الكثيرون أن ما كان من أحداث وتوقعات قبل هذا الظهور العلني يختلف عما سيكون بعده ، فخارطة الصراع بين القوى المتفرقة في ليبيا لن تكون ذات الخارطة ، ونظرة المجتمع الدولي للحالة الليبية لن تكون ذات الحالة ، ولمعرفة هذه التداعيات و طبيعة المشكلة يجب علينا أن نعرف كيف تواجدت داعش في ليبيا .

ارتباط بعض الشباب الليبي بتنظيم الدولة قبل إعلان أنفصاله عن القاعدة

يمكن رصد أول ارتباط بين الشباب الليبي الجهادي وبين تنظيم الدولة من خلال استحضار معلومات سابقة تقول أن الكثير من الليبيين توجهوا للعراق في سنة 2003 للجهاد ضد غزو التحالف الدولي للعراق ، انضم العديد من هؤلاء الشباب إلي مجموعات قتالية مختلفة ، ومن هذه المجموعات فرع تنظيم القاعدة في العراق تحت قيادة ابومصعب الزرقاوي ، التي تحولت فيما بعد لما يعرف بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق ومن ثم أصبحت ما يعرف اليوم بداعش.

الارتباط الثاني بالتنظيم

يعود الارتباط الثاني للشباب الليبي بتنظيم داعش إلي التاريخ الذي إنتشرت فيه داعش في سوريا ، حيث توجه العديد من الليبيين إلي سوريا للقتال ضد نظام الأسد تحت ألوية كتائب وتنظيمات مختلفة أبرزها تنظيم الدولة الاسلامية ولواء الأمة وجبهة النصر وكتيبة عمر المختار ، حيث برزت العديد من القيادات العسكرية الليبية في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية ، وكان هناك ارتباط واضح من حيث التنسيق وجمع التبرعات مع تنظيمات جهادية في ليبيا مثل أنصار الشريعة في بنغازي و الشباب الاسلامي في درنة (كان هذا قبل أن ينفصل تنظيم الدولة عن القاعدة ويعلن الخلافة ) .

ارتباط التنظيمات الجهادية في ليبيا بداعش بعد إعلان ابوبكر البغدادي خليفة

لا شك أن مواقف التنظيمات الجهادية المختلفة حول العالم من إعلان تنظيم داعش رجوع دولة الخلافة ومبايعة البغدادي خليفة ، كان متباينا و مترقبا إلا أن الأمر لم يعد كذلك بعد أن أخذت العديد من القيادات الجهادية وخاصة في تنظيم القاعدة تعلن رفضها لإعلان داعش خلافة ابي بكر البغدادي ، وكان موقف الظواهري ثم المنظر البارز للفكر الجهادي أبي محمد المقدسي واضحا من تنظيم داعش بل إن المقدسي أعلن في حلقة بثت على التلفزيون الأردني – بعد حرق الكساسبة – أن تنظيم الدولة لا ينتمي للاسلام في شيء ، الا أن هذا لم يغير كثيرا في المعادلة حيث أعلنت تنظيمات مختلفة بيعة البغدادي مثل تنظيم بوكو حرام في نيجيريا ، و جماعات جهادية مختلفة في سوريا و العراق ، ولم تكن ليبيا خارج هذا الموضوع ايضا .

إعلان مبايعة البغدادي من قبل بعض التنظيمات في درنة

كان واضحا أن موضة داعش قد دخلت ليبيا منذ بداية إعلان الخلافة ، حيث أعلن الكثير من الشباب تأييدهم لما قام به البغدادي ، لكن لم يكن هناك موقف رسمي الا حينما اعلنت مجموعة من الشباب الجهادي تنظيم حدث كبير في درنة ليعلنوا فيه مبايعتهم لتنظيم الدولة ، وتؤكد معلومات موثوقة من داخل مدينة درنة وجود تنظيم الدولة داخلها حيث نظم التنظيم عرضا عسكريا من شهور عديدة ، كما أن هذه المعلومات تقول أن المدينة مقسومة بين كل من داعش والقاعدة و بعض كتائب الثوار دون أن يكون هناك أي مظهر للشرطة والجيش في مدينة درنة منذ ثورة فبراير 2011.

تباين المواقف داخل تنظيم أنصار الشريعة بمدينة بنغازي من تنظيم الدولة

الأكيد أن تنظيم أنصار الشريعة في مدينة بنغازي لم يبايع البغدادي خليفة، أي أنه لم يصبح تابعا لتنظيم الدولة رسميا ، لكن من المؤكد ومن أشخاص نحن على صلة بهم من تنظيم أنصار الشريعة، أن هناك الكثير من الشباب داخل التنظيم يؤيدون داعش ويؤمنون بها ، و تقول بعض المعلومات أن هؤلاء هم الاكثر تشددا داخل أنصار الشريعة في بنغازي، و تسبب عدم مبايعة أنصار الشريعة لداعش في إنسحاب عدد من هؤلاء المؤيدين لهم من ساحات القتال التي كان يتمترس فيها أنصار الشريعة في بنغازي ، وهو ما يعيد للأذهان ذات الصورة التي حدثت في سوريا حينما إنسحب العديد من المقاتلين من جبهة النصرة منضمين إلي داعش مما أدى إلي معاناة جبهة النصرة في قتالها مع نظام الاسد .

أنصار الشريعة في مدينة “سرت ” : التحول دون الحاجة للإعلان

عادة ما تعرف المناطق في شرق ليبيا خاصة درنة وبنغازي بأنها عاصمة الجهاديين في ليبيا ، ذلك لارتباط هذه المناطق بالعمليات العسكرية التي نفذها نظام القذافي في تسعينيات القرن الماضي على مواقع لهم في جبال درنة ، ولم يعتاد الليبيون على وجود مثل هذه الجماعات في مناطق الغرب الليبي ، إلا أن هذا الروتين قد كسر على غير عادة حينما أعلنت مجموعة تنظيم جماعة تحت مسمى أنصار الشريعة في مدينة سرت الليبية سنة 2012 م ، بعد فراغ كبير شهدته المدينة بعد تحريرها ومقتل القذافي في تخومها ، وهروب العديد من أهلها إلي خارج ليبيا حيث كانت الحصن الاخير للقذافي حيث يتواجد أكبر ثقل لعائلة القذاذفة هناك ، لم يقترب احد من أنصار الشريعة في سرت وعادة ما كانت تعمل في الخفاء ، إلا أن عمليات نهب وسرقة لبعض المصارف داخل سرت كانت تنسب لهذا التنظيم دون إعلان رسمي من قبل قيادة التنظيم .

تصاعد وتيرة العنف وعمليات الاغتيال في المناطق الغربية خاصة القريبة من سرت

ازدادت في الاونة الاخيرة العمليات النوعية في المناطق الغربية القريبة من مدينة سرت ، فمنذ بداية عام 2014 شهدت بوابات القوات العسكرية في مدينة “ترهونة” هجوما قتل فيه قرابة 12 جنديا لم يعرف منفذوه، و لكن وبعد تصاعد العمليات أكثر فأكثر بنهاية العام 2014 وبداية العام الحالي شنت قوات مجهولة هجوما اخر على بوابة عسكرية في مدينة “سوكنة” الواقعة إلي جنوب سرت قتل فيها 11 جنديا اخر ذبحا ، كما شن انتحاريان (أحدهما سوداني الجنسية والاخر تونسي ) هجوما على فندق “كورنتيا” الواقع في وسط طرابلس استهدف فيه “الحاسي” رئيس وزراء ما يعرف بحكومة الانقاذ الوطني ( الموازية لما يعرف بالحكومة الليبية الانتقالية المنبثقة عن البرلمان الليبي المنعقد في طبرق ) ويظهر من طريقة العملية أن العمل ليس من عادات الأزلام ولا طرق عملهم كما قال بعض المسؤولين في طرف فجر ليبيا أو مؤيدوهم ، لأن طبيعة العمل الانتحاري هي من خواص التنظيمات الجهادية في العالم.

وبعد هذا الهجوم بأقل من يومين شنت قوات اخرى هجوما على حقل المبروك النفطي الواقع في وسط ليبيا قتل فيه 11 جنديا من حرس المنشآت النفطية ، واعتقل موظفوه قبل أن يتم اطلاق سراحهم ، وقال لنا شاهد عيان نجى من هذا الحادث أن أغلب المهاجمين كانوا من أصحاب لكنات مغاربية (تونسية ومغربية وجزائرية ) وأن المهاجمين صرحوا لهم أنهم من تنظيم الدولة، ثم أعلنت داعش مسؤوليتها عن هذا الهجوم فيما بعد من خلال مجلتها الصادرة باللغة الانجليزية “دابق” في العدد السابع تحديدا .

21 قبطيا مصريا وداعش تعلن عن نفسها

ذكرت ليبيا أول مرة في مجلة دابق المتحدثة باسم داعش ، في خبر مستقل يتناول الحديث عن جنود الخلافة في ولايات الدولة في العدد الخامس ( من قبل كانت تذكر ليبيا على أنها مصدر للجنود المهاجرين في الشام ، كما أنها ذكرت كمكان مهم يجب أن تتواجد به داعش في العدد الثالت حينما تكلمت المجلة عن اهمية ليبيا النفطية )، وذكر في العدد الخامس أن الدولة الاسلامية تعلن رسميا تمددها إلي ليبيا ونشرت في العدد الخامس والسادس صورا لبوابات لما قيل أنهم جنود الخلافة في ولاية برقة ، يبدو أنها في مدينة درنة، كما نشرت صورا لأعضاءها إلي جانب ما قالت عنه أنه دبابة للمرتدين تم تدميرها ، كما صرحت المجلة أن هناك العديد من المهاجرين أتوا إلي ليبيا حسب قولهم وأن قواتهم أصبحت بالالاف في ليبيا ، لكن التحول الكبير وأكبر عمليات داعش والخبر الذي نشرته وبقوة وفي أول مقطع فيديو من نوعه ، كان هو مقطع صور فيه عملية ذبح ل 21 قبطيا مصريا قيل أنه قد تم إختطافهم وإعدامهم في ولاية طرابلس حسب تعبيرهم ، ليحدث هذا الأمر هزة كبيرة في جميع أوساط الشارع الليبي حيث تعددت الاراء حول الأمر من تكذيب إلي تصديق إلي غير ذلك .

ما دلالات نشر مقطع الفيديو ؟

بعد ظهور فيديو عملية إعدام ال21 قبطيا والتي قيل أنها نفذت في ليبيا ، تباينت الاقاويل عن حقيقة الفيديو في حد ذاته حيث كان تصوير الفيديو و الكثير من عناصر تسجيله تبدو وكأنها مفبركة ، لكن ليس هذا هو المهم ، فأن تبدأ داعش عملياتها العلنية بهذا الفيديو وأن تعلن على أنها فعلا موجودة – بعد أن كذب بعض الناس وجودهم رغم قيامهم بعمليتي حقل المبروك وفندق كورنتيا والتي يتضح من خلال طريقة القيام بها وكذلك من شهادة بعض الناجين من عملية حقل المبروك أن داعش هي المنفذة لها – فإن دلالات نشر الفيديو في حد ذاتها تعتبر أمرا خطيرا وقد ظهرت تداعياته سريعا جدا ، مما أعاد للاذهان نظرية المؤامرة من خلال استدعاء شواهد من بلدان اخرى في الوطن العربي.

ردود الفعل المحلية

حفتر وأنصاره

بالنسبة لطرف عملية الكرامة فإن وجود الارهاب في ليبيا أمر محسوم من وجوده منذ أول يوم ، بل إن حفتر ذاته ادعى أن عمليته تقوم من أجل محاربة الارهاب (جمع حفتر وقتها كل خصومه تحت هذه الصفة ) ، ولا يجد حفتر اليوم غضاضة في الربط بين خصومه وبين داعش ، وهو الأساس الذي تلقى على أساسه الدعم من مصر منذ أول يوم (صرح اللواء صقر الجروشي رئيس أركان القوات الجوية في مقطع فيديو يوم 17 فبراير 2015 أن مصر مدت قوات الكرامة ب 400 حاوية ذخيرة ) ، كما أن التنسيق الذي حدث بين قوات الكرامة والجيش المصري في الضربات الجوية التي قيل أنها وجهت إلي معاقل داعش في درنة ( كانت الضربة الجوية في اليوم اللاحق لإعلان داعش اعدامها للأقباط المصريين ) ، يعطي صورة واضحة حول هذا الأمر.

طرف فجر ليبيا ، إنكار ثم إقرار فقرار

رغم الأدلة الواضحة إلا أن طرف فجر ليبيا – وكما هي العادة – رفض التصريح الصريح بوجود الارهاب في ليبيا بشكل عام وبوجود داعش بشكل خاص . وذلك بالرغم من عملية فندق كورنتيا التي أعلنت داعش مسؤوليتها عنه ، وكذلك عملية حقل المبروك النفطي والتي تجاهل طرف فجر ليبيا التقرير الرسمي الذي أعده مدير الحقل حول العملية. لكن وبعد الفيديو الذي نشرته داعش والذي ذبحت فيه 21 قبطيا مصريا ، لم يكن للحاسي و لطرف فجر ليبيا بد من التنديد والتصريح بوجود الارهاب في سرت ، بل وصلت لنا معلومات من مصادر مقربة بأن مجموعة من الكتائب انطلقت من مدينة مصراتة إلي سرت لإعادة السيطرة عليها وفكها من عملية احتلال داعش للمصالح الرسمية التي بها .

ما هي قوة داعش وما الذي يمكن أن تفعله ؟

تبدو الكثير من المعلومات حول قوات داعش في ليبيا مجهولة بسبب غياب المعلومات الحقيقية عن قوتهم الموجودة في درنة وسرت رغم أن مجلة دابق التابعة لداعش نشرت صورا لاستعراض عسكري قامت به في درنة وكذلك نشرت داعش بعد الضربات المصرية لمواقع في ليبيا صورا لعرض عسكري قالت أنه في مدينة سرت ، لكن على الأقل ما يبدو واضحا حتى الان ، أن داعش تعتمد على العمليات النوعية في ليبيا ولا يبدو أن لها قوة كبيرة تمكنها من القيام بحروب أو عمليات مباشرة كالتي تحدث في كوباني أو في بعض مناطق سوريا، الأمر الذي يحتم على قوات فجر ليبيا حسم المعركة سريعا معها في سرت قبل أن يزداد حجمها ، كما أن هذا الأمر سيقف عثرة امام الادعاءات التي يلقيها طرف الكرامة تجاه طرف فجر ليبيا حول أنهم يدعمون الارهاب ، كما سيزيد الضغط من اجل تسريع الحوار لغرض محاربة العدو المشترك المتمثل في داعش .

إقرأ المزيد :

كيف نفهم ما يحدث في ليبيا (1) : أطراف الصراع ومناطق النفوذ

كيف نفهم ما يحدث في ليبيا (2) : قصة التنظيمات المسلحة في ليبيا