أحس أسامة أن نقص هذه المعلومات أمر مخجل فضلًا عن أنه خطأ إداري مبدئي. من هنا قرر أسامة ترتيب سجلات للإخوة المجاهدين العرب. ووُسعت فكرة السجلات لتشمل التفاصيل الكاملة عن كل من وصل أفغانستان بترتيب من مجموعة الشيخ، وهنا اتفق أسامة مع معاونيه أن يسموها سجل القاعدة، على أساس أن القاعدة تتضمن كل التركيبة المؤلفة من بيت الأنصار ومعسكرات التدريب والجبهات “[1].

هكذا ظهر اسم تنظيم “القاعدة” على الساحة الدولية، والذي وضعته الولايات المتحدة على رأس التنظيمات الإرهابية طوال السنوات الماضية، والذي اتخذته الولايات المتحدة فيما بعد ذريعة للتدخل العسكري في أفغانستان واحتلال العراق. وبالنظر إلى تواجد تنظيم القاعدة نجد نظريتين[2] حول ماهية التنظيم التي آل إليها الآن: ترى النظرية الأولى أن “قاعدة الجهاد” هي تنظيم عالمي ينتشر في بقاع مختلفة في الكرة الأرضية، ويضم عشرات الخلايا التي تتلقى توجيهات مباشرة أحيانًا وغير مباشرة في أحيان أُخر، وتتمتع في الوقت ذاته بمبدأ اللامركزية في القيادة، مما يتيح لها التحرك دون العودة للقيادات العليا للتنظيم، وتتبنى الولايات المتحدة هذه النظرية، وتخوض حربًا معلنة ضد هذا التنظيم، تحت شعار “مكافحة الإرهاب”.

على الجانب الآخر نجد نظرية أخرى، تعتقد بأن “القاعدة” صارت مجرد فكرة تتبناها مجموعات وأفراد، وتنشط بمبادرات ذاتية، وقد تشكل أحيانًا ما يُسمى بـ”الخلايا النائمة”.

عرّف ابن لادن التنظيم الذي تزعمه منذ نشأته إلى أن مات بأنه “جبهة عالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين، وأنه يسعى إلى تطبيق حُكم الله في الأرض، وتخليص المستضعفين من الظلم”[3]، وذلك في البيان الأول الذي أعلنه في نوفمبر 1998، ووسَّع أبو مصعب الزرقاوي تعريف القاعدة بأنها “جبهة عالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين والمرتدين”، فأضاف البند الأخير كشرط أساسي لمبايعته أسامة ابن لادن أميرًا.

بن لادن في أفغانستان
بن لادن في أفغانستان

نستطيع أن نوصّف تطور تنظيم قاعدة الجهاد على مرحلتين: الأولى: في الفترة من عام 1984 حتى عام 1992، حيث انتقل أسامة ابن لادن وعبد الله عزام إلى أفغانستان للمشاركة في الجهاد ضد الروس، وترتبط المرحلة الثانية بتواجد خلايا فاعلة وأخرى نائمة في عدة بقاع حول العالم، وترتبط كذلك بموالاة جماعات وتنظيمات إسلامية لتنظيم القاعدة كحركة شباب المجاهدين في الصومال، وقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، والجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا.

نعرض في التقرير التالي تطور التنظيم في اليمن، وأبرز العمليات التي قام بها، وأبرز قادته، وطبيعة العلاقات بين التنظيم والأطراف الأخرى في الداخل اليمني، وأخيرًا موقفه من عاصفة الحزم.

مراحل تاريخ القاعدة في اليمن [4]

المرحلة الأولى: كانت خطة ابن لادن تسعى إلى إعلان الجهاد في جنوب اليمن وإقناع كل من الإخوان والسلفيين بمشاركته في مشروعه، إلا أن الوحدة بين شطري اليمن عام 1990 حالت دون تحقق ذلك على أرض الواقع، وفي ظل الصراع بين جنوب اليمن وشماله درّب ابن لادن مجموعات من الشباب اليمني ليشارك في الجهاد في اليمن، إلا أن علي عبد الله صالح استطاع استمالتهم إلى صفه كما فعل مع طارق الفضلي الذي انضم إلى حزب صالح فيما بعد.

المرحلة الثانية: تمتد هذه الفترة بعد انتهاء الحرب بين الشمال والجنوب عام 1994 حتى عام 2006، نشط خلالها مشروع القاعدة في اليمن مع عودة من عرفوا بـ “الأفغان العرب”، وكان التركيز على توجيه ضربات للولايات المتحدة الأمريكية بالأساس وليس النظام اليمني.

وجه ابن لادن رسالة بعنوان “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب” في عام 1995، وصف فيها الولايات المتحدة الأمريكية بأنها العدو الأساسي للتنظيم، وصرح أن المملكة العربية السعودية أصبحت محتلة من القوات الأجنبية بعد حرب الخليج.

ظهر في عام 1997 جيش “عدن أبين” والذي أسسه أبو الحسن المحضار، فقام بتجنيد الشباب وتدريبهم على مختلف أنواع السلاح في منطقة المراقشة بمحافظتي شبوة وأبين، وقاموا باختطاف 16 سائحًا غربيًا مطالبين الحكومة بإطلاق سراح بعض الجهاديين، إلا أن الحكومة اليمنية رفضت، وأصرت على تخليص الرهائن بالقوة، مما أدى إلى مقتل أربعة منهم قبل إطلاق سراح الباقي، وقٌبض على أبي الحسن المحضار ونُفذ عليه حكم بالإعدام.

في الثاني عشر من أكتوبر عام 2000 اصطدم قارب صغير بالمدمرة الأمريكية Uss cole في ميناء عدن، فانفجرت المدمرة وقُتل في هذه العملية – التي تبناها تنظيم القاعدة – 17 بحارًا أمريكيًا وأصيب 19 بجروح.

تصميم يوضح المدمرة كول وكيف تم تدميرها
تصميم يوضح المدمرة كول وكيف تم تدميرها

الجدير بالذكر أن اليمن أصبحت ملاذًا آمنًا لتنظيم القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث هاجر إليها مقاتلي التنظيم في أفغانستان وكذلك من السعودية، بعد الضربات الأمنية التي وجهها النظام السعودي لهم.

المرحلة الثالثة: وتبدأ مع هروب 23 من أعضاء تنظيم القاعدة من سجن الأمن السياسي في صنعاء عام 2006، بعد أن قضوا قرابة الشهرين في حفر نفق صغير قادهم لخارج السجن بالعاصمة اليمنية.

بويع ناصر الوحيشي[5] أميرًا للتنظيم الجديد في اليمن والذي عمل على إنشاء معسكرات للتدريب، وبدأ في التواصل مع فروع القاعدة حول العالم. وفي نوفمبر 2008 ألقى الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وقتها كلمة زكّى فيها فرع القاعدة الجديد في اليمن، وعلى إثر ذلك قامت العناصر المتواجدة في اليمن والموالية للقيادة المركزية في أفغانستان بمبايعة الوحيشي.

أُعلن في يناير 2009 عن انضمام تنظيمي القاعدة في اليمن والمملكة العربية السعودية تحت اسم “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”، وأعلن التنظيم عن ثلاثة أهداف لحربه الجديدة وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، والعائلة السعودية الحاكمة، ونظام علي عبد الله صالح المتعاون معهما.

اهتمت الإمارة الجديدة بالانتشار الأفقي في أوساط المجتمع اليمني، ونفذت عمليات قليلة في ثلاث سنوات (أربع عمليات) أبرزها اقتحام السفارة الأمريكية في صنعاء سبتمبر 2008، واغتيال قيادات أمنية هامة في مكافحة الإرهاب، كما حدث مع الضابطين حمود قصيلة ومحمد ربيش. وقد استكمل التنظيم بناء هيكلته بإنشاء اللجنة الشرعية، وفريق التصنيع، وفريق التنظيم والتدريب[6]، بالإضافة إلى إنشاء مؤسسة إعلامية باسم “الملاحم” عُنيت بالجانب الدعائي للتنظيم فأصدرت مجلة دورية بعنوان “صدى الملاحم”.

ثمة حادثة مهمة قام بها التنظيم في اليمن، وينبغي الوقوف عندها وهي محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف – تولى مؤخرًا ولاية العهد في السعودية – في عام 2008 وقتما كان يشغل منصب مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، والذي وكل له والده – وزير الداخلية وقتها – ملف القاعدة في المملكة، حيث تلقى الأمير مكالمة هاتفية من عبد الله العسيري، الذي طالب فيها بلقائه وأنه يريد تسليم نفسه، ورغم التفتيش الدقيق الذي تعرض له العسيري قبل أن يتمكن من مقابلة الأمير، إلا أنه نجح في الدخول عليه وهو يحمل هاتفًا محمولا بشريحتين انفجرتا محدثتان إصابات طفيفة بجسد الأمير السعودي، فيما بين قدرة القاعدة على اختراق الأجهزة الأمنية والنيل من الأسرة الحاكمة في المملكة.

المرحلة الرابعة[7]: وهي المرحلة الحالية؛ وهي مرحلة الاستعصاء، وتخوض فيها القاعدة حربًا كُبرى مع القوى العالمية تقول القاعدة: إنها معركة استنزاف لأميركا في اليمن إلى جانب العراق وأفغانستان والصومال وسوريا، وقد ظهر تنظيم أنصار الشريعة بزعامة جلال بلعيدي كفرع محلي للقاعدة في اليمن بعد اندلاع الثورة اليمنية في فبراير 2011.

أبرز القيادات السابقة والحالية

أبو علي الحارثي: اسمه قائد بن سالم بن سنيان الحارثي، من قبيلة بلحارث إحدى قبائل محافظة شبوة، شرق اليمن، وهي قبيلة مشهورة معروفة، ولد عام 1955 في أسرة محبة للدين، سافر إلى أفغانستان أثناء الاحتلال السوفيتي، والتحق بمعسكرات المجاهدين، وهناك قابل ابن لادن للمرة الأولى، وتعمقت العلاقة بينهما، بعد سفر بن لادن للسودان واستقراره بها، عاد الحارثي إلى اليمن، وقام بإنشاء معسكرات تدريب في صعدة ومأرب.

أثناء تواجده في السودان لزيارة ابن لادن أصيب بطلقات في فخذه منع فيها محاولة لاغتيال ابن لادن. عاد إلى اليمن وشارك في الحرب التي اندلعت عام 1994 ضد المعسكر الجنوبي، سافر إلى دولة الإمارات بغرض التجارة وقُبض عليه في 1997، وسُجن لمدة ثلاثة أشهر، عاد بعدها إلى اليمن ثمّ سافر إلى أفغانستان حيث التقى بابن لادن، وعاد إلى اليمن حتى قُتل ومعه أربعة من مساعديه في نوفمبر 2002 إثر غارة قامت بها طائرة أمريكية بدون طيار، كان الحارثي الرجل الأول للقاعدة في اليمن حتى وفاته، وهو المسؤول عن تنظيم عدة عمليات أبرزها عملية المدمرة كول.

أنور العولقي: اسمه أنور ناصر العولقي، ولد في ولاية نيو ميكسيكو عام 1971، لأبويين يمنيين، حصل والده على درجة الماجستير والدكتوراة في الاقتصاد الزراعي من الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تعود الأسرة إلى اليمن ويتولى الأب منصب وزير الزراعة في اليمن.

أنور العولقي أحد قيادات القاعدة في اليمن
أنور العولقي أحد قيادات القاعدة في اليمن

عاد أنور إلى الولايات المتحدة عام 1991، بعد حصوله على منحة لدراسة الهندسة المدنية، وحصل على ماجستير القيادة التربوية. انتقل إلى سان دييجو عام 1996، حيث عمل إمامًا في أحد المساجد، بعد الحادي عشر من سبتمبر 2011 غادر العولقي الولايات المتحدة – بعد تعرضه لمضايقات أمنية – متوجهًا إلى بريطانيا، ثم استقر به الحال في اليمن.

ثمة رأيان للإجابة على سؤال متى بدأ الارتباط بين العولقي وتأييد الأعمال العسكرية ضد الولايات المتحدة، الإجابة الأولى: إجابة العولقي نفسه، وهي أنه بدأ تأييد الضربات الموجهة لأمريكا بعد هجومها على العراق وأفغانستان، واستهدافها للمسلمين في تلك الأراضي، في حين توجد إجابة أخرى تقول أن العولقي كان مؤيدًا لأفكار القاعدة من قبل الحادي عشر من سبتمبر، إلا أنه لم يكن يفصح عن آرائه، حيث التقى باثنين من المشاركين في تفجير مبنى التجارة العالمي وهما نواف الحازمي وخالد المحضار.

يمكن اعتبار اليمني أنور العولقي أبرز رموز النظرية القائلة بأن تنظيم القاعدة أصبح مجرد فكرة، يتبناها مجموعات وأفراد في مناطق مختلفة، فلم يكن العولقي عضوًا في التنظيم، ولا مؤسسًا، بقدر ما كان يحرض على قتال أمريكا وحلفائها.

قُتل العولقي في أواخر 2011 من قبل طائرة أمريكية بدون طائرة أصابت سيارته بثلاث صواريخ أودت بحياته بعد محاولتين فاشلتين، وكان العولقي قد أكد على علاقته بالضابط الأمريكي نضال مالك حسن الذي قتل 13 مجندًا من زملائه بقاعدة عسكرية بولاية تكساس الأمريكية، وكذلك علاقته بالشاب عمر فاروق الذي حاول تفجير طائرة ركاب مدنية فوق ولاية ديترويت في سبتمبر 2009، وأخيرًا فيصل شاه زاده الباكستاني الذي حاول تفجير شاحنة مفخخة بميدان التاميز في ولاية نيويورك في مايو 2010.

مثّلَ مقتل العولقي -والذي كان اسمه في قائمة المدعوين إلى البيت الأبيض عقب أحداث سبتمبر كأحد قادة الجالية المسلمة في محاولة من الأميركيين للتخاطب مع رموز الجالية المسلمة أيام الرئيس بوش الابن – خسارة كبيرة لتنظيم القاعدة في اليمن حيث كان واجهتها في الغرب نظرًا لإتقانه اللغة الإنجليزية.

سعيد الشهري[8]: ولد سعيد علي جابر الشهري يوم 12 سبتمبر 1973 بالسعودية، وكنيته أبو سفيان الأزدي الشهري، كان يعمل ضابطًا بالأمن الداخلي السعودي قبل أن يسافر إلى أفغانستان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، اعتقلته القوات الأمريكية في باكستان في ديسمبر من العام ذاته، وتم نقله إلى معتقل جوانتاناموا حيث قضى فيه خمس سنوات، تم تسليمه بعدها للسعودية، حيث التحق ببرنامج “المناصحة” الذي تنظمه وزارة الداخلية السعودية، من أجل مراجعة الأفكار والتخلي عن العمل المسلح.

سعيد الشهري أحد قيادات تنظيم القاعدة في اليمن
سعيد الشهري أحد قيادات تنظيم القاعدة في اليمن

بعد الانتهاء من برنامج المناصحة غادر الشهري السعودية متجهًا إلى اليمن، حيث أصبح الرجل الثاني في التنظيم بعد ناصر الوحيشي، كان يحث الشعب السعودي على الثورة ضد العائلة الحاكمة، واعتبر أن تغيير النظام السعوي ضروري للتخلص من الهيمنة الأميركية على العالم الإسلامي، واتهم بالعديد من العمليات، من أبرزها اختطاف نائب القنصل السعوي في عدن عبد الله الخالدي سنة 2012.

تعرض الشهري لثلاث محاولات لاغتياله قبل أن يعلن أحد قيادات التنظيم في 17 يوليو 2013 عن مقتله في غارة أمريكية بدون طيار.

جلال بلعيدي[9]: جلال محسن بلعيدي المرقشي، من قبائل المراقشة في محافظة أبين جنوبي اليمن، بدأ الاهتمام بحفظ القرآن الكريم عندما بلغ عمره 13 عاما، لعب كرة القدم بأحد الأندية اليمنية في مرحلة الناشئين قبل تصعيده للفريق الأول، درس الكيمياء بإحدى جامعات حضرموت، انضم إلى تنظيم القاعدة إلى أن أصبح أميرًا لتنظيم “أنصار الشريعة” وهو من فروع القاعدة في اليمن، والذي تبنى عدة عمليات ضد الجيش اليمني.

جلال بلعيدي أحد قيادات القاعدة في اليمن
جلال بلعيدي أحد قيادات القاعدة في اليمن

ناصر الوحيشي: كنيته أبو بصير، تسلم قيادة التنظيم بعد مقتل أبي علي الحارثي، وهو أحد الفارين من سجن الأمن السياسي بصنعاء في 2006، كان يشغل منصب السكرتير الخاص لابن لادن قبل أن يرحل عن أفغانستان في 2001، أصبح الرجل الأول للقاعدة في اليمن، ثم أصبح زعيما للقاعدة في جزيرة العرب في 2009، وقد أعلن ولاءه للظواهري بعد مقتل ابن لادن، ويعد هو الرجل الثاني حاليًا في التنظيم العالمي بعد الظواهري.

لماذا اُختيرت اليمن مركزًا لقاعدة الجهاد في جزيرة العرب[10]؟

أصبحت اليمن مركزًا لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وكان من المقرر أن تهيأ لاستقبال زعيم التنظيم أسامة بن لادن، وتمتلك اليمن عدة عوامل جعلت القاعدة تختارها كمركز للتنظيم، ومن هذا العوامل ما يلي:

1- تساعد كل من الطبعيتين الجعرافية والسكانية على تواجد بيئات تمرد في الداخل اليمني، فلا يقتصر الأمر على تنظيم القاعدة، فهناك الحراك الجنوبي، وهناك التمرد الحوثي الذي دخل معه نظام علي عبد الله صالح ستة حروب في صعدة من 2004 حتى 2010، وقد ساعدت الأوضاع الجديدة في اليمن منذ اندلاع الثورة في فبراير 2011 إلى الآن على امتداد نفوذ التنظيم مستغلًا حالة الفوضى الأمنية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.

2- النزاع الحاصل بين الحراك الجنوبي والسلطة إبان حكم علي عبد الله صالح وفّر بيئة ملائمة لتوسع القاعدة في المحافظات الجنوبية.

3- وجود درجة من القبول الاجتماعي للقاعدة في عدة مناطق، كما هو الحال في محافظة “أبين” بالنسبة إلى تنظيم أنصار الشريعة – أحد أذرع القاعدة في اليمن – بعد إمارة جلال بلعيدي لها، وكذلك ما تقيمه القاعدة الآن من تحالفات مع قبائل ضد الحوثيين.

4- موقع اليمن الجغرافي والذي يتيح للقاعدة توجيه ضربات للأعداء الثلاثة، النظامين اليمني والسعودي، بالإضافة إلى الولايات المتحدة ومصالحها الاقتصادية في المنطقة.

5- سهل العامل القَبلي إمداد تنظيم القاعدة بالمزيد من الأنصار، وكذلك إمكانات التسلح، فأغلب أنصار القاعدة في اليمن من اليمنيين والسعوديين، مما قد يؤدي إلى تغلغل القاعدة من جديد في الداخل السعودي.

أهمية اليمن بالنسبة إلى تنظيم القاعدة

وضعت القاعدة رؤية لأهمية تواجد قوي ومكثف للتنظيم في اليمن، لا سيما بعد الضربات التي وجهتها السلطات الأمنية في السعودية، والتي دفعت أعضاء القاعدة في المملكة للتحرك نحو اليمن، نبينها في النقاط التالية:

  • يستند التنظيم إلى حديث نبوي نصه “يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم”، ومن ثمّ فهم يرون أهمية وجود التنظيم في تلك البقعة من الأرض.

  • الاندماج بين فرعي التنظيم في كل من المملكة العربية السعودية، واليمن هو طريق نحو القضاء على الفرقة، وتحقيق الوحدة بين أقطار البلاد الإسلامية.

  • إفشال المصالح الدينية والسياسية والاقتصادية، فدينيًا ترى القاعدة أن الحكومات المسيطرة في كل من اليمن والسعودية تعمل على طمس الهوية الإسلامية، واقتصاديًا تسعى تلك الحكومات ومن ورائهم الولايات المتحدة على الاستيلاء على موارد المنطقة صاحبة الاحتياطي الأكبر للنفط على مستوى العلم، وسياسيًا يعادي التنظيم الحكومات العربية كونها مجرد “سماسرة” يعملون على تنفيذ سياسات الولايات المتحدة في المنطقة.

موقف القاعدة في اليمن من تنظيم الدولة الإسلامية[11]

في نوفمبر من العام الماضي أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب رفضه لإعلان أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، حيث أعلن القيادي بالقاعدة حارث النظاري أن تنظيم الدولة إحدى الجماعات المجاهدة، وأن إعلان الخلافة لم يستوف الشروط اللازمة، ومن ثمّ فإن هذا الإعلان لا يبطل شرعية الجماعات الإسلامية الأخرى التي تعمل في الساحة.

حاول التنظيم تأخير إعلان موقفه من الخلاف الذي حدث بين أيمن الظواهري الرجل الأول في تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن الخلافة، إلا أنه أعلن مؤخرًا عن موقفه بتجديد البيعة للظواهري ورفض خلافة البغدادي، وبدا أن خطاب القاعدة موجهًا بشكل أساسي لأنصاره في اليمن قبل أن يكون ردًا على إعلان البغدادي، إلا أن هناك من بايع تنظيم الدولة من أنصار القاعدة في اليمن، مما قد يؤدي إلى حدوث انشقاقات بشكل أكبر في الفترة المقبلة.

لعل ما حدث في مارس الماضي دليل على اشتداد وتيرة الخلافات بين التنظيمين في اليمن، قد أعلن ما يعرف بولاية صنعاء – التابعة لتنظيم الدولة -مسؤوليتها عن تفجيرات صنعاء الأخيرة، حيث فجر أربعة انتحاريين أنفسهم في مسجدين تابعين للحوثيين، مما أسفر عن مقتل 142 شخصًا، في حين تبرأت القاعدة من العملية، واتهمت تنظيم الدولة بالتساهل في سفك الدماء.

علاقة القاعدة بالفاعلين في اليمن ( صالح – منصور هادي – الإخوان المسلمين – الحوثيين )

ابو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش
ابو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش

يمكننا أن نفهم طبيعة العلاقة بين تنظيم القاعدة وكل هذه الأطراف إذا نظرنا إلى الحرب التي تشنها القاعدة على الولايات المتحدة باعتبارها العدو الأول لها، ومن ثمّ فالعلاقة بين القاعدة وأي طرف ينبني على شكل تعامل الأخير مع الولايات المتحدة، فمن حيّد نفسه عن المعركة فينبغي تحييده، وأما من تحالف مع أمريكا فلابد من قتاله كائنًا من كان[12].

كان صالح دائما يتذرع بوجود القاعدة في البلاد ليحصل على الدعم الأمريكي خلال سنوات حكمه، فقد أمدته الولايات المتحدة بأحدث التقنيات التّدريبية الخاصّة بمكافحة الإرهاب؛ وفي المقابل منح صالح الفرصة لقوات أمريكية للتواجد في اليمن وتوجيه ضربات عسكرية إلى القاعدة.

علي عبدالله صالح
علي عبدالله صالح

لم تكن القاعدة ترى صالحًا إلا رجل الولايات المتحدة في اليمن والذي يعمل على تنفيذ مصالحها السياسية والاقتصادية مقابل أن تقبل بوجوده على رأس السلطة في اليمن، وقد استغل التنظيم فشل صالح السياسي وانشغاله بحروبه مع الحوثيين للتمدد في جنوب اليمن، وقامت بعدة اغتيالات لقيادات أمنية داخل اليمن.

ولم تتوقف ضربات القاعدة بعد رحيل صالح وتولي عبد ربه منصور هادي رئاسة البلاد، بل قامت بالسيطرة على بعض مديريات محافظتي “أبين” و”شبوة” الجنوبيتين، كما وجهت عدة للضربات تجاه الجيش اليمني، كان أبرزها استهداف عرض عسكري في احتفال بالذكرى الثانية والعشرين للوحدة اليمنية في مايو 2012، مما أسفر عن مقتل أكثر من تسعين شخصًا.

أما عن تعامل القاعدة مع الإسلاميين الذين يقبلون العملية الديموقراطية، وينخرطون في التحالفات مع العلمانيين، ومنهم الإخوان المسلمين داخل اليمن، المتمثلين في حزب التجمع اليمني من أجل الإصلاح، فيصعب على القاعدة التحالف مع هذا النوع أو التحرك في إطاره، ولعل مواقف حزب الإصلاح جعلته مرمى للاتهامات من طرفين متناقضين، فتارة تتهمه القاعدة إذا حاول الدخول في مفاوضات مع الحوثي، وتارة يتهمه الحوثي بأنه حليف للقاعدة.

بالنسبة للحوثيين فقد رأت القاعدة منذ سنوات أن الحوثيين قد تحولوا عن الفكرة الزيدية وصاروا أقرب للشيعة الاثنى عشرية لديهم أطماع توسعية في اليمن، في حين يصف الحوثيون أنصار القاعدة أنهم تكفيريون ووهابيون، ويقدمون أنفسهم منذ أن بدؤوا تمددهم المسلح مؤخرًا أنهم شركاء الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب.

شهدت مناطق “صعدة” و”عمران” و”البيضاء” عمليات لتنظيم القاعدة ضد الحوثيين، كما قام التنظيم بتفجير انتحاري في التاسع من أكتوبر 2014، في ميدان التحرير في صنعاء، مما أسفر عن مقتل خمسين من الحوثيين، كما تحالفت القاعدة مع بعض القبائل لمواجهة التمدد الحوثي، واستفادت تلك القبائل من الخبرات القتالية العالية للتنظيم.

موقف القاعدة[13] من عاصفة الحزم

نستطيع القول بأن تنظيم القاعدة استفاد بشكل كبير حتى الآن من عاصفة الحزم، والذي قادته المملكة العربية السعودية، فالحوثيون أصبحوا العدو الأكبر للتنظيم داخل البلاد، ومن ثمّ يشكل إضعافه مكسبًا مهمًا، كما أنها ستتيح الفرصة لتمدد القاعدة من خلال تجنيد عناصر جديدة، والاستيلاء على بعض أسلحة الجيش اليمني مستغلًا حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، علاوة على التحالف مع قبائل في مناطق مختلفة مما يساعد على إخراج التنظيم من عزلته.

الهوامش

[1] دراسات في السلفية الجهادية، أكرم حجازي، مدارات للأبحاث والنشر، صـ 56، نقلاً عن مقالة بعنوان “سيرة الشيخ أسامة ابن لادن”.

[2] دراسات في السلفية الجهادية، مصدر سابق .

[3] تنظيم القاعدة في اليمن، من المحلي إلى الإقليمي والدولي، عبد الإله حيدر شايع، مركز الجزيرة للدراسات.

[4] تاريخ القاعدة في اليمن، نبيل البكيري، للمزيد انظر http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=37632

[5] مسيرة تنظيم القاعدة في اليمن، عبد الإله حيدر شايع.

[6] مسيرة تنظيم القاعدة في اليمن، عبد الإله حيدر شايع.

[7] تنظيم القاعدة في اليمن: من المحلي إلى الإقليمي والدولي، عبد الإله حيدر شائع.

[8] سعيد الشهري، موسوعة الجزيرة، انظر http://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2014/10/8/%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A

[9] جلال بلعيدي .. حارس المرمى الذي تحوّل لرأس حربة “القاعدة” في اليمن، نون بوست، انظر http://www.noonpost.net/content/3429

[10] اليمن والقاعدة، تقدير موقف، وحدة السياسات بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

[11] خلاف “داعش” و “القاعدة” يتمدد إلى اليمن، يمن برس، انظر الرابط http://www.yemen-press.com/news38306.html

[12] تنظيم القاعدة في اليمن من المحلي إلى الإقليمي والدولي، عبد الإله حيدر شايع، مركز الجزيرة للدراسات.

[13] تيارات الإسلام السياسي في اليمن و”عاصفة الحزم” المواقف والتداعيات، علي بكر، السياسة الدولية.

إقرأ المزيد

اليمن داخل عاصفة الحزم (ملف) كيف نفهم حرب اليمن ؟ (2): تطورات الثورة اليمنية : كيف وصلنا للمشهد الحالي ؟

كيف نفهم حرب اليمن؟ (5): كيف تمدد الحوثيون من “صعدة” إلى “عدن”؟ (1/ 3)

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (7): السيناريوهات المستقبلية للوضع اليمني