تعتبر القيادة الجوية بالجيش التركي واحدة من أقوى القوات العسكرية، والأكثر سرية، في منطقة المتوسط. حصلت مجلة “كومبات إيركرافت” على نظرة داخلية نادرة على بعض أصولها العاملة.

في ظل الصراعات الكبيرة الجارية على حدودها، تتعامل تركيا مع جيشها بجدية شديدة. حافظ الجيش التركي بشكل خاص على ظهور خافت، بحيث يخفي مستويات النشاط التي يحافظ عليها. عصفت الكثير من التغييرات بالجيش التركي في العقد الماضي، مع ابتعاد تركيزه عن المخاوف الأمنية التقليدية واقترابه من بيئات القتال المستقبلية، مع التركيز على التعبئة الأوسع وزيادة القوة العسكرية، وإنشاء بنية جديدة للقوات.

أسست القيادة الجوية بالجيش التركي في 15 أغسطس 2003 كجزء من قيادة القوات البرية. “ترتكز مهمتنا الرئيسية على تقديم الدعم الجوي لقواتنا البرية في مواقع وأوقات محددة”، حسبما يقول العقيد بايسان في وصفه لأدوار الفوج الثالث، ومقره بإزمير – جازيمير تحت هيكل إدارة القيادة الجوية بالجيش. تركز الوحدة على العمليات في الغرب والجنوب الغربي بتركيا. العقيد بايسان طيار حربي متمرس تخرج عام 1998 ويعمل حاليا مدربا على قيادة المروحية “إيه إس 532 كوجار” في جازيمير.

AS532 Cougar
AS532 Cougar

يتشكل الفوج الثالث في جازيمير حاليا من فرقتين (مروحيات تابورو). وتلحق المروحيات من طراز “إيه إس 532 كوجار” بفرقة المروحيات المتوسطة، بينما تتشكل فرقة المروحيات الخفيفة من المروحيتين “يو إتش-1 إس” و”إيه بي 205 إس”، اللتان تختصان بشكل رئيسي بمهام التدريب والاتصال. مما يعتبر حديثا نسبيا في الوحدة هو الفرقة المهاجمة المشكلة من مروحيتي “إيه إتش-1 بي كوبرا”. تتيح إضافة المروحيات “كوبرا” إلى طياري المروحيات الهجومية التدريب في بيئة مختلفة تماما عن المتوافرة في قاعدتهم الرئيسية في جوفيرجينليك، التي تبعد 40 كيلومتر شمالي العاصمة أنقرة.

UH-1
UH-1

ليدعم سربه من الطائرات “إيه إتش وان”، حصل الجيش التركي على عدد من طائرات كوبرا من فائض مستودعات الجيش الأمريكي. وبشكل إجمالي، حصل الجيش التركي على 36 مروحية “كوبرا” كانت تابعة سابقا للجيش الأمريكي على خمس دفعات: 20 من طراز “إيه إتش-وان بي” عام 1993، 12 من طراز “إيه إتش-وان إس” في 5 مارس 1995، وأربعة من طراز “تي إيه إتش-وان بي” في 29 مارس 1995. كانت المروحيات من طراز “تي إيه إتش- وان بي” ضرورية بسبب عدم وجود محاكيات لها للتدريب. بينما تعتبر قدرات المروحية “إيه إتش-وان” محدودة في الأساس، لذلك بدأ برنامج تحديث لها خلال يوليو 1995.

TAH-1P COBRA
TAH-1P COBRA

والآن، تم تحديث جميع مروحيات “كوبرا إيه إتش-وان بي/إس”، حيث طورت بالإشتراك مع شركة الصناعات الفضائية الإسرائيلية. شملت التحسينات إضافة مدفع بحجم 20 ملم، نظام ملاحة تكتيكي، وجهاز إزالة التشويش بالأشعة تحت الحمراء “إيه إن\إيه إل كيو-144″، وتوصيلات داخلية محسنة، وأجهزة اتصال لاسلكي مؤمنة من نوع “إيه إن\إيه آر سي-182″، ومستقبلات رادار تحذير من نوع “إيه إن\إيه بي آر-39(في)3”.

لم يعد الجيش التركي يمركز طائرات “سيكورسكي إس-70” في الفوج الثالث. “اتخذ قرار عام 2008 بتغيير موقع سرب “إس-70” إلى الجزء الجنوبي من تركيا لتنفيذ مهام في الجبال، حيث يؤدي السرب بأفضل مستوياته هناك”، وفق العقيد بايسان، ولإكمال الصورة في جازيمير، يوجد أيضا سرب صغير من الطائرات “كيسنا 182 تي”، التي تستخدم في تدريبات الطيران الأساسية.

Sikorsky S-70
Sikorsky S-70

طائرة “كوجار” أكثر ذكاء

طلبت تركيا دفعتها الأولية المكونة من 20 طائرة “إيه إس 532 كوجار” عام 1992. واكتملت التسليمات بحلول عام 1997 كجزء من مشروع “فينكس وان”. خلال ذلك العام، وقعت الحكومة التركية عقدا جديدا للحصول على 30 طائرة إضافية من طراز “إيه إس 532 يو إل”، تضمن العقد اتفاقا على بناء تلك الدفعة في تركيا، ولذلك الغرض تم إنشاء مشروع مشترك بين شركة “يوروكوبتر” وشركة الصناعات الجوية التركية، الذي عرف باسم “يوروتاي”. غطى عقد “فينكس 2” تقديم 10 طائرات “إيه إس 532 يو إل” للجيش التركي و20 طائرة “إيه إس 532” للقوات الجوية التركية، والتي تم تسليمها جميعا بحلول عام 2003.

“حاليا تم تزويد سرب طائرات “كوجار” التابع للجيش بالكامل بزجاج لقمرة القيادة، حيث تم تعديلها وتركيبها محليا بواسطة شركة الصناعات الجوية التركية (مشروع ياراسا)، حسبما أوضح العقيد بايسان. ويتابع: “أثناء جردنا للفوج، وجدنا أربع طائرات “كوجار” للبحث والإنقاذ للاستجابة الفورية في حال وقوع حادث أو كارثة طبيعية. بالإضافة إلى طاقم الرحلة يشارك أفراد إضافيون في الرحلة وهم: فني بحث وإنقاذ، وطبيب أو مسعف، واثنين من خبراء البحث والإنقاذ، ليتشكل كامل الطاقم من سبعة أفراد. المروحية وطاقمها بالكامل جاهزون طوال اليوم لأي مهمة محتملة”.

“ذلك النوع من المهام فريد للغاية في الجيش التركي – حيث ترجع مشاركتنا في البحث والإنقاذ إلى قربنا من بحر إيجة. ونتعاون أيضا مع خفر السواحل إن تطلب الأمر. عدلت طائرات “كوجار” للبحث والإنقاذ محليا بواسطة شركة الصناعات الجوية التركية بموافقة شركة “إيرباص”. وفرت لنا أيضا وظائف إضافية بالمقارنة بالمروحية “إيه إس 532 يو إل” القياسية وهي: الضوء الكاشف، والرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء، ومكبرات الصوت، وقدرة التحليق التلقائي”. تتمركز طائرتي “كوجار” من نوع “يو إس إيه آر” في جازيمير. “لدينا أيضا كتيبة في الجزء التركي من قبرص. يشترط حتى يكون أعضاء الفريق معتمدين لأداء مهام البحث والإنقاذ أن يحصلوا على 20 ساعة إضافية من التدريب”.

إرث “هويي”

AS532UL
AS532UL

كانت المروحية “يو إتش –وان إتش إركويس” (هويي) مروحية الخدمات التقليدية في الجيش التركي منذ العام 1970 وحتى التسليمات الأولى من المروحية “إس-70” عام 1993. بين عامي 1970 و1974، زود الجيش الأمريكي تركيا بـ58 طائرة من نوع “يو إتش- وان إتش”، والتي تم تخصيص 42 منها للجيش التركي. بعد امتلاك طائرتين من نوع “إيه بي 205 إيه – وان” عام 1968، منح طلب تصنيع 44 طائرة “إيه بي 205” لشركة “أجوستا”، على أن يتم تسليمها بدء بعام 1974 وبعده. خصصت عشرين منها للشرطة العسكرية (جاندارما). وفي عام 1983، طلب تصنيع 46 طائرة من ذات النوع لتسلم بين عامي 1983 و1985، بينها أربعة للشرطة العسكرية التركية.

UH-1H Iroquois
UH-1H Iroquois

وقع اتفاق مع شركة “بيل” في سبتمبر 1982 لتجميع وتصنيع أجزاء من 70 طائرة “يو إتش- وان إتش”، تم تسليم 25 منها منذ مايو 1984 حتى فبراير 1986 (خصصت 10 منها للقوات الجوية التركية). تم تجميع بقية الطائرات بواسطة المصنع الرئيسي لصناعة الطائرات بين عامي 1984 و1992.

منذ عام 2003، نفذ برنامج للتحديث واستبدال المحرك على 52 طائرة “يو إتش-وان إتش”، و23 طائرة “إيه بي 205″، لتصل إلى مستوى الطائرتين “إيه إتش- وان إتش تي” و”إيه بي 205 تي” على التوالي.

تعتبر كلية الطيران الحربي الموجودة في جوفيرجينليك أساسية لتوسيع الكفاءة والحفاظ عليها في قطاع الطيارين. بالإضافة لطياري الجيش التركي، لا يزال الطاقم الجوي للبحرية، وقوات الدرك، وخفر السواحل، وطيران الشرطة يتدربون هناك. وتنقسم المناهج إلى مراحل أساسية ومتقدمة.

يجرى تدريب الجناح الدوار الأساسي للطيار بواسطة الطائرتين “إيه بي 206″ و”يو إتش-وان إتش\إيه بي 205”. قدم التدريب المتقدم لمدة 14 أسبوع إضافي بواسطة طائرة “إس-70” أو “إيه إس 532” خلال 35 ساعة من الطيران. تتم المرحلة الأخيرة عبر طلعة مراجعة قبل أن يتمكن الطيارون الجدد من أداء الواجبات العملياتية.

يضيف العقيد بايسان: “في نظامنا، ترتب العمليات التدريبية وفق مهامنا القتالية. وفي ذلك السياق، يتم التخطيط والتنفيذ لعمليات القتال الجوي، ونقل الأفراد، وعمليات البحث والإنقاذ أثناء القتال، والإخلاء الطبي خلال الليل والنهار. ونحن فخورون بشكل خاص بقدراتنا العملياتية أثناء الليل. بالإضافة إلى التدريب، تمثل عمليات البحث والإنقاذ والإخلاء الطبي التي ننفذها أثناء حدوث الكوارث الطبيعية جزء كبيرا من واجباتنا”.

يتابع بايسان: “بعد تلقي التدريبات الأساسية والتخرج من كلية الطيران الحربي بأنقرة، يوزع الطيار إلى وحدة ويحصل على تدريب إعدادات القتال وفق المهام التي سيؤديها. من ينجح في إنهاء برنامج تدريب إعدادات القتال يصبح طيارا عاملا”.

“عملية التدريب التي نتبعها مستمرة. حيث تنفذ العمليات التدريبية بواسطة الطيارين المدربين في نظامنا. وفي نهاية فترة التدريب، يقيم الطيارون المدربون جميع الطيارين. ووفق تقييم المدربين، يخضع الطيارون غير الأكفاء لتدريب طيران إضافي حتى يصبحوا طيارين عاملين بوحدتنا”.

يوجد في جميع أنظمة الطيران الحربي وحدات معايرة وتحكم تشمل طيارين متمرسين. تفحص تلك الوحدات خبرة ومستويات جميع الطيارين العاملين بشكل منتظم وتحدد مدى حاجة الطيارين غير الأكفاء من حيث الخبرة والمهارة لتدريب إضافي. يخضع كل طيار لتقييم آلي للطيران، واختبار تحديد للمستوى واختبارات جوية مرة سنويا. كذلك تخضع أطقم الطيران الأخرى لاختبارات شفهية وتحريرية سنويا للحفاظ على خبرة أفرادها فيما يتعلق بالصيانة والطيران. ويخضع طاقم الطيران غير الكفؤ لتدريبات إضافية”.

وفق بايسان، “أصعب شيء على الطيارين حديثي التخرج من كلية الطيران الحربي هو التكيف مع الطائرة “إيه إس 532”. حيث يكون استخدام دواسات (مكافحة عزم الطيران) معكوسة بالمقارنة بالطائرتين “يو إتش-وان” و”إيه بي 205″. في تلك المروحيات، يجب أن تزيد استخدام الدواسة اليسرى مع دوران الدوار الرئيسي عكس عقارب الساعة. بينما تتمتع الطائرة “إيه إس 532” بدوار يدور مع عقارب الساعة، لذلك فإن استخدام دواسة القدم اليمنى ضروري. علاوة على ذلك، يرتفع موقع الطيارين في قمرة قيادة المروحية “إيه إس 532” كثيرا عن نظيره في “يو إتش-1″، ما يوفر مجالا أوسع للرؤية.

يستمر تدريب الطيار الأساسي في كلية الطيران الحربي حوالي 51 أسبوع، يبدأ خلالها الطيران لحوالي 100 ساعة بواسطة مروحية “إيه بي 206”. تتضمن المرحلة التالية الانتقال إلى قيادة الطائرة “يو إتش-وان” أو “إيه بي 205″، خلال 80 ساعة إضافية من الطيران. بناء على احتياجات الجيش التركي، يتابع الطيارون الحربيون المتخرجون تدريبهم المتقدم على الطائرة “إس-70” أو “إيه إس 532 يو إل”. يتطلب ذلك حوالي 35 ساعة طيران ويجرى داخل الأفواج العديدة. لا ينتقل جميع الطيارين إلى التدريب المتقدم، بسبب حاجة الأفواج لوجود طيارين يقودون المروحيتين “يو إتش-وان” و”إيه بي 205″.

AB205
AB205

يوضح بايسان: “عندما يضاف طيار جديد إلى الوحدة، يخضع لبرنامج تعريفي مدته 25 ساعة، مع طلعة اختبار رسمية قبل أن يضاف الطيار إلى العمليات النشطة على المروحية “إيه إس 532”. يعمل حاليا حوالي 38 طيار مع الفوج الثالث. “في المتوسط، نحتاج ما بين ثمانية إلى 15 طيار جديد سنويا”، حسبما أضاف. خلال العامين الماضيين، ضم الفوج طيارة واحدة عاملة تقود المروحية “يو إتش-وان”. وإجمالا، تعمل 21 طيارة في القوات الجوية التركية، حيث تشغلن أنواع عديدة من المروحيات والطائرات ثابتة الأجنحة، باستثناء الطائرتين “إس-70″ و”إيه إتش- وان”.

خلال الأشهر الست الماضية، تم توفير محاكي ليتدرب عليه الطلاب في جازيمير. بني المحاكي بدعم “هافيلسان”، وهي شركة أسست في أنقرة عام 1982 بدعم القوات الجوية التركية.

“بشكل أساسي، تنفذ الصيانة عند الطيران لـ1000 ساعة في جازيمير”، حسبما صرح رئيس الفنيين بالفوج الثالث للمجلة. “بعد 3000 ساعة أو 15 عاما، يتم تحديث هياكل الطائرات في أنقرة بواسطة قيادة مركز الصيانة الرئيسي الخامس. يسمح لنا بتنفيذ الصيانة بأسرع وقت ممكن حتى نكون جاهزين لأي نوع من المهام. إلا أن قيادة مركز الصيانة الرئيسي الخامس تجري بعض أنواع الصيانة الأكثر تعقيدا، حيث تجري فحوصات وإصلاحات تتجاوز المسوح لنا بإجراءه”.

شارك الفوج الثالث في عمليات نشر مستمرة في قبرص، استخدم فيها عدد من طائرات “إيه بي 205″ و”إيه إس 532”. كما يرسل الطيارون والأطقم بشكل منتظم إلى شرقي تركيا لدعم الحرب ضد الإرهاب. تشارك جميع الأفواج (في جازيمير، وملاطية، وأنقرة، واسطنبول) في جدول نوبات يوفر الأمن على مدار الساعة على الحدود التركية.

المصدر: مجلة “كومبات إيركرافت” | أغسطس 2015