في قيظ حر قاعة محكمة قاهرية في شهر مايو، استمع محمد مرسي بحزم للقاضي أثناء تلاوته لحكم الإعدام إثر اتهامات بالفساد والتعذيب طالت الرئيس المعزول، والتي جرت وفق المزاعم أثناء عامه الوحيد في الحكم، عام 2012. إلى جانب مرسي، وقف المئات من أقرانه الأعضاء بجماعة الإخوان المسلمين، وحكم أيضًا على الكثير من القادة الكبار في التنظيم بالإعدام، أو بالسجن لمدد طويلة.

كذلك حكمت محكمة اليوم بالسجن مدى الحياة على الرئيس المعزول في قضية اتُهم فيها بالتآمر مع قوى أجنبية – رغم أن مدى استمرار ذلك الحكم سيعتمد على مدى نجاح مرسي في إطالة عمره. وبعد إحالة القضية للمفتي الأكبر شوقي علام – وحكمه في القضية استشاري – لاستشارته بشأن حكم الإعدام، صدّقت نفس المحكمة اليوم على حكم الإعدام ضدَّ مرسي.

وفي ضوء هذا الحكم، هل سيرسل حكام مصر العسكريين أقدم منظمة إسلامية في العالم إلى مزبلة التاريخ؟

قد يعني مصير مرسي نهاية الإخوان المسلمين، لكن من المرجح بشكل أكبر أن التنظيم سيُدفع به إلى العزلة السياسية خلال المستقبل القريب. واجه التنظيم حملة أمنية خطيرة منذ يوليو 2013، عندما استولى الجنرال عبد الفتاح السيسي على السلطة عبر عزل أول رئيس مصري مدني منتخب بشكل ديمقراطي، في أعقاب ثورة شعبية ضدَّ حكم الإخوان المسلمين.

كانت الحملة القمعية التالية، على الإخوان وتنظيمات المعارضة اليسارية، واحدة من أكثر الحملات وحشية في التاريخ المصري. حيث لقي أكثر من 800 شخص من داعمي الإخوان المسلمين مصرعهم أثناء الاحتجاجات المناهضة لعزل مرسي، في ميدان رابعة العدوية. تخطى ذلك المستوى من وحشية الدولة عدد قتلى ميدان تيانانمين عام 1989، الذي بلغ 500 قتيل.

تفاقمت الأزمة إثر انقسامات حادة داخل الإخوان المسلمين، حيث أثيرت أسئلة داخل أوساط الإسلاميين بشأن الكيفية المناسبة للتعامل مع قمع الدولة وكيفية استعادة دعم الشعب المصري، الذي دعم الكثير منه ذراع السيسي الثقيل الذي استُخدمه عقب الإطاحة بمرسي.

انتخب السيسي، في مايو 2014، بنسبة 97 بالمئة في الانتخابات، لتعكس تلك النسبة تطلع الكثير من المصريين للعودة إلى الاستقرار بعد أربع سنوات من الفوضى. كشفت إحصائية أجراها مركز “بيو”، في عام 2014، عن أن حوالي 43 بالمئة من المصريين يظنون أن الزعيم الذي يتبنّى القوة هو أفضل أداة للتعامل مع التحديات المصرية الضخمة. يبدو أن سياسات الرجل القوي قد عادت لتبقى.

في غضون ذلك، يبدو أن الإخوان المسلمين يواجهون فوضى داخلية. فالقادة الأصغر الذين احتلوا سابقًا مناصب متوسطة في هيكل الجماعة وكانوا ذوي تأثير ضئيل في مكتب إرشاد الإخوان – وهو قمّة القيادة العليا السابقة داخل التنظيم – قد تم تسريع تقدمهم في الأدوار القيادية. كحركة اجتماعية تتشكل من حزب سياسي ومؤسسة خيرية وطنية، كان الإخوان المسلمين دائمًا تنظيمًا صعب التوصيف.

وكانوا مضطرين دائمًا للتعامل مع المنشقين داخليًا – سواء أكان التنظيم الجهادي الذي شكله سيد قطب، في عام 1965، أو تنظيم الجهاد الخاص بأيمن الظواهري، الذي ساهم في تنظيم الاغتيال المذاع تلفزيونيًا للرئيس أنور السادات، في عام 1981، أو التمرد الإسلامي في التسعينيات. كان الإخوان دائمًا في قلب العقدة المستعصية المصرية، حيث يظل دور الإسلام وسلطة الدولة غير محسوم.

تحت إكراه اللجوء للامركزية وبفعل الاعتقالات الواسعة والقادة المنفيين، يتخذ الإخوان حاليًا القرارت دون سلطة من مكتب الإرشاد، متخذين لجانا شبابية انتخبت حديثًا لإدارة التنظيم المحظور. تشير التقارير الأخيرة إلى أن الجيل الأقدم، الذي يقيم الكثير من أفراده حاليًا في إسطنبول (بقيادة الأمين العام للتنظيم محمود حسين)، قلق من الخطاب العنيف للجناح الشبابي ضدَّ نظام السيسي. بينما يحرص حسين والقادة الأقدم المتشددون، مثل محمود عزت، على الحفاظ على النهج الإصلاحي تجاه النظام، الذي تبنّته الجماعة خلال حقبة مبارك.

إلا أنه خلال الأسبوع الماضي، صرّح محمد منتصر، المتحدث الإعلامي باسم التنظيم والمقيم في القاهرة، عبر صفحة الإخوان على موقع فيس بوك بأن التنظيم سيسعى “لاستعادة الشرعية، والقصاص للشهداء، وإعادة بناء المجتمع المصري على أسس سليمة ومتحضرة”. يشعر الكثير من القادة الأصغر بأن إستراتيجيات حقبة مبارك عديمة الجدوى في مناخ ما بعد 2013. فدون قيادة مركزية قوية، ستعزز الرسائل المتباينة فكرة أن الإخوان سيظلون غير مؤثرين سياسيًا، ومقوضين بفعل نقص التمويل والقيادة غير المتمرّسة.

مع ذلك، لا يجب نسيان التنظيم الإسلامي. فقد أظهر التنظيم مرونة أمام عنف الدولة تحت حكم القادة العسكريين المتعاقبين، من ناصر وحتى مبارك. بالنسبة إلى البعض داخل التنظيم، وتحديدًا الشباب، تكمن الإجابة على الصعوبات الحالية أمام الإخوان في الانحراف عن الماضي. حيث يريد بعض الأعضاء أن يعيدوا مواءمة أنفسهم مع حركة شباب 6 أبريل، التنظيم الشبابي الثوري الذي كان إحدى أدوات ثورة 2011، وذلك معقول جزئيًا، في ضوء الصلات، غير الرسمية في أغلبها، التي أقامها الإخوان في السابق مع التحالف المناهض للحرب عام 2005، واحتجاجات حركة كفاية عام 2007، والتظاهرات اليسارية والعلمانية عام 2011.

إن تمكن شباب الإخوان من الانفصال عن ضيق الأفق وتأسيس تحالف مستدام مع 6 أبريل وتنظيمات أخرى بشكل حقيقي، قد يمثل مصدر إزعاج دائم لنظام السيسي العسكري. تتمتع تلك التنظيمات بأهداف مشتركة، كالقضاء المستقل، والانتخابات الحرة والعادلة، وإنهاء قوانين الطواريء، وصحافة مفتوحة دون ترهيب من الدولة. تربط تلك القضايا جميع التنظيمات المعارضة، سواء أكانت إسلامية أو علمانية.

إلا أن غياب الثقة في الإخوان المسلمين بعد عامهم في السلطة راسخ بشدّة. فخلال عام مرسي في السلطة، أشرفت الحكومة على اعتقال النشطاء، وشنّت حملة على أصوات إعلامية رفيعة المستوى (حيث اعتقل جون ستيوارت المصري، باسم يوسف، بشكل معلن بعد أداء فقرات تلفزيونية ساخرة من مرسي) ورفضت الحكومة إتاحة صوت للأحزاب الشبابية الثورية في حكومة ما بعد مبارك. مع ذلك، قد تبدأ الجماهير المصرية في النظر إلى الإخوان المسلمين بعين أكثر تعاطفًا، في ضوء حملة السيسي الأمنية على المعارضة وتأجيل الانتخابات البرلمانية إلى أجل غير مسمى.

مع ذلك، من المرجح أن يتفاقم العنف قصير المدى. فقد فقدت سيناء لصالح تنظيم مصري تابع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وشهدت المنطقة تصاعدًا واضحًا في العنف ضدَّ الشرطة. في غضون ذلك، تبدو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي غير مستعدين لمساءلة استبداد السيسي، بل وتبادله بالإذعان للتحالف مع السيسي باسم محاربة التطرف. كذلك يتصاعد العنف في شبه الجزيرة العربية، ما سيشجع الجهاديين في مصر على الأرجح.

إن كان الغرب قد تعلم أمرًا واحدًا من العقد الماضي في الشرق الأوسط، فيجب أن يكون أنه عندما يستمر استبداد الدولة، يتعزز التجنيد لدى التنظيمات الإسلامية المتطرفة. وبينما تتم تنحية مرسي والإخوان جانبًا، سيتمسك هؤلاء برداء القضية الإسلامية، سائرين بها نحو أعماق أكثر ظلامًا بعيدًا عن مصر. في وجه المواجهة الحادة بين الدولة والأطراف الأخرى والانقسام الداخلي المتصاعد داخل الجماعة، ستواجه مصر على الأرجح دائرةً دائمة التصاعد من العنف.

د. جيليان كينيدي، زميلة أبحاث زائرة بمعهد دراسات الشرق الأوسط بكلية الملك بلندن.

المصدر