في الماضي القريب كان التليفزيون يعتبر وسطًا فنيًّا أقل بسنين ضوئية من السينما، ويعامل بازدراء من صناع الأفلام والنقاد كحلقة تجارية لتحقيق الربح، بدون أي مسئولية اجتماعية أو فنية، وتحت سيطرة أصحاب العلامات التجارية والإعلانات التي طالما تحكمت في شكل ومضمون المحتوى، مما انعكس بالسلب على جودة المسلسلات المعروضة وانخفاض قيمتها بالنسبة للمجتمع الفني، وبالتالي انخفاض الميزانية وتقليل النفقات قدر الإمكان مما أدى لتأخر التليفزيون عن السينما، بقدر رهيب أدى لتجنب الوسط بأكمله من نجوم هوليوود وغيرهم، وندرة ظهورهم في أي عمل تليفزيوني، حتى بدأ عصر جديد للتليفزيون الأمريكي مع نهاية التسعينيات، مثل تغيرًا جذريًّا في إغراء عدد من كبار مخرجي السينما في عرض رؤيتهم على الشاشة الصغيرة، ونقل تجربتهم للمشاهدين في المنازل مباشرة.

حاول بعض أساطير السينما من قبل مثل بيرجمان وكشلوفيسكي وهيتشكوك وديفيد لينش، الانتقال للتليفزيون ولكنها كانت استثناءات، وفي الأغلب عبارة عن أفلام سينمائية في هيئة حلقات تليفزيونية، وبالتالي لم تكن بالتأثير المرغوب فيه، ولم يكنَّ صانعوها الاهتمام للتليفزيون ولم يحاولوا العودة له من جديد، بعكس الحركة الجديدة المستمرة حتى الآن من هجرة نجوم السينما لعالم المسلسلات.

1. ستيفن سبيلبيرج

ستيفن سبيلبيرج هو شيخ مخرجي هوليوود، ونابغة جيل السبعينيات الذي غيَّر السينما للأبد، ومنذ ظهوره على الساحة مع فيلم Duel، مرورًا بتغيير سينما الرعب بفيلم Jaws، وتقديم رؤية مختلفة لعالم الخيال العلمي بـ Close Encounters of The Third Kind، ثم زلزلة فئة الفانتازيا بـ Jurassic Park، حتى ثورة الأفلام الحربية في Saving Private Ryan، ومنح السينما أحد أكثر أبطالها المحبوبين مع سلسلة Indiana Jones، مع الاحتفاظ بنصيبه من أعمال السيرة الذاتية من Schindler’s List حتى Lincoln ومؤخرًا سيرته الذاتية في The Fabelmans، وهو مستمر في حصد الجوائز والنجاحات، وقد منح هوليوود بعض أفضل تحفها الفنية على الإطلاق.

فكان من الطبيعي أن يمارس حقه في الإبداع على الشاشة الصغيرة، بعد أن اقترب من الكمال على شقيقتها الكبرى، والبداية مع محاولة غير موفقة بعنوان Amazing Stories في 1985، كل حلقة عبارة عن قصة خيال علمي مختلفة، اشترك في إخراج وإنتاج المسلسل وعاونه بعض أصدقائه ومنهم مارتن سكورسيزي، ولكن لم يكتب له النجاح وسرعان ما توقف.

ثم عاد من جديد بالمسلسل الكارتوني الشهير Pinky and the Brain ، عن جهود فأرين للسيطرة على العالم، والذي حقق نجاحًا كبيرًا حول العالم، وبالأخص في الوطن العربي.

ولكن إنجازه الأكبر كان في إنتاج Band of Brothers الذي يعد أهم مسلسل حربي في تاريخ التليفزيون، وتناول فيه رحلة فرقة حربية عبر مسرح الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وتبعه مسلسل The Pacific وفيه عرض الحرب على الجهة الأخرى من العالم، في اليابان والمحيط الهادي، على أن تكتمل ثلاثية الحرب العالمية بـ Masters of The Air، والذي يصدر خلال بداية 2024.

2. مارتن سكورسيزي

مارتن سكورسيزي غني عن التعريف، فهو بالنسبة لكثيرين أهم مخرج سينمائي على قيد الحياة، ويعد من أكبر المدافعين عن السينما في وجه الابتذال والتحول التجاري، وما زال قادرًا على إحداث رد فعل واسع المدى عند صدور أحد أفلامه، حتى مع تعنت استوديوهات هوليوود في توفير الميزانيات المناسبة لتصوير ملحمته The Irishman، أثبت نجاح الفيلم وشعبيته الكبيرة صحة آراء سكورسيزي في تقدير الجمهور للسينما الجيدة، وتعطشهم لجرعات فنية دسمة وسط سيل من أفلام خيال وفانتازيا ساذجة، لا ترتقي في رأيه لأن تصنف كسينما حقيقية.

وبالطبع كان أول إسهاماته للتليفزيون في فئته المفضلة، عالم العصابات الذي برع فيه بداية من Mean Streets مرورًا بـ Goodfellas وCasino حتى الإيرلندي، فكان مسلسل Boardwalk Empire عن بدايات المافيا في أتلانتيك سيتي، وكواليس صعود الجريمة المنظمة خلال فترة منع الكحوليات أو ما عرف بـ The Probation، وظهور شخصيات إجرامية شهيرة أمثال آل كابوني وشارلي لوتشيانو وأرنولد برنستين وغيرهم.

تولى سكورسيزي إخراج الحلقة الأولى التي تكلفت 18 مليون دولار، وتنظيم الشكل العام للمسلسل واختيار الممثلين، وبالأخص النجم السينمائي “ستيف بوتشيمي” للبطولة، ثم استمر ضمن فريق الإنتاج طوال عرضه، ليصبح المسلسل خلال فترة قصيرة من روائع التليفزيون الأمريكي، وأهم أعماله المعاصرة.

ثم حاول تكرار نفس النجاح بمسلسل Vinyl مع HBO من جديد، وتولى كرسي المخرج في أولى حلقاته، واستعرض فيه حياة بعض أساطير الموسيقى خلال فترة السبعينيات، ومغامراتهم مع التحرر الجنسي والمخدرات، لكنه استمر لموسم واحد فقط قبل أن يتم إلغاؤه.

3. كوري فوكاناجا

في 2014 أهدت HBO التليفزيون True detective أحد أفضل أعماله على الإطلاق، وحقق الموسم الأول نجاحات باهرة وأصبح بسهولة الأكثر تداولًا وشهرة بوقت قصير، بفضل براعة المخرج السينمائي كوري فوكاناجا، والأداء الأسطوري من ماثيو ماكونهي وودي هاريلسون، بقصة وصناعة من نيك بيزولاتو و 8 حلقات دسمة.

دار المسلسل عن رحلة مرهقة داخل النفس البشرية، والسقوط في بئر مظلمة من المشاعر المختلطة والرعب من قسوة العالم، حيث يتولى محققان قضية قتل مروعة في عام 1995، وبعد 17 عامًا، يجب عليهما إعادة النظر في التحقيق، إلى جانب عدد من الجرائم الأخرى التي لم يتم حلها، خلال هذا الوقت يعاني كلاهما من تبعات القضية مع تحديات في حياتهم الشخصية، بجانب الصراع الداخلي الناتج من عجز عن تقبل الماضي، ومع تناول موضوعات التشاؤم والوجودية والدين بمنظور ساخر متهكم.

تولى فوكاناجا إخراج الموسم بالكامل بعد مغادرة المخرج الميكسيكي الكبير أليخاندروا جونزاليز إيناريتو بسبب انشغاله، وكان قد قدم للسينما Sin Nombre والفيلم المرشح للأوسكار Jane Eyre، ومؤخرًا آخر أفلام بوند No Time To Die.

4. ديفيد فينشر

صنع ديفيد فينشر اسمًا لنفسه بأفلام أيقونية، تميزت باستكشاف الجوانب السوداوية من البشر، والاتصال بالركن المظلم للمجتمع، حيث كل الموبقات متاحة، ويمكن لقاتل متسلسل أن ينفذ ما تمليه عليه شياطينه الداخلية، أو ينجح مجنون في صنع جيش خاص به من المحبطين، في جو مشحون بالإثارة والتشويق، كما شهدنا في The Game, Se7en, Fight Club, Zodiac.

واستمر على نفس المنوال عند اقتحامه لمجال المسلسلات، خاصة مع النجم كيفن سبايسي الذي سبق له لعب أحد قاتلي فينشر المفضلين، ولكن تلك المرة في دور مختل آخر في عالم السياسة، يطمح للوصول لرأس البيت الأبيض ويجلس على كرسي أهم شخصية سياسية في العالم، ولا يتوانى عن إراقة الدماء والكذب والتزوير وارتكاب أي جريمة ممكنة للوصول إلى هدفه بمساعدة زوجته.

وقد مثل House of Cards نقلة نوعية في المسلسلات التليفزيونية، وقدم شبكة نتفلكس للعالم كمنافس محتمل للسيطرة على عالم المسلسلات، وقام فينشر بإخراج أول حلقتين، بجانب كونه أحد أهم منتجي المسلسل، وله الفضل في أن يرى النور من الأساس بجانب آخرين، وبالطبع كان وجوده عاملًا مهمًّا في إقناع نجوم سينمائيين مثل سبايسي وروبين رايت بالموافقة على الدخول لأول مرة.

ثم عاد لواجهته المفضلة بمسلسل Mindhunter في 2017، عن محققين من المباحث الفيدرالية يعكفان على ملاحقة ودراسة سلوك القتلة المتسلسلين، بالتعاون مع طبيبة نفسية مهتمة بالعمل الجنائي، وقد استُقبل المسلسل باحتفاء جماهيري ونقدي واسع، خاصة مع تولي فيشنر إخراج معظم الحلقات والتحكم في كل جوانب المسلسل، لكن ذلك لم يكن كافيًا ليرى موسمه الثالث، حيث قررت نتفلكس وقف العمل عليه بسبب التكاليف الباهظة، وتفضيلهم أعمالًا أخرى ذات نسبة مشاهدات أعلى.

لكن الإلغاء لم ينل من هزيمته، وعاد مع مسلسل الأنيميشن Love, Death and Robots كمنتج، وأخرج الحلقة الثانية من الموسم الثالث، بالتعاون مع أندرو كيفن والكر كاتب سيناريو Seven و The Killer.

5. بريان سينجر

أعلن بريان سينجر عن نفسه في 1995 بخير بداية، مع فيلم The Usual Suspects كأول تجاربه الإخراجية، وثبَّت قدمه كأحد أهم صانعي الأفلام في جيله، حين تولى تطوير سلسلة X-men وأخرج 4 أفلام من ضمنها أول فيلمين، وحقق بهما نجاحًا ساحقًا، وما زالت السلسلة مستمرة في تحقيق الأرباح، وخرج منها سلسلة أخرى Deadpool بمصير مشابه، ثم قدم عددًا من الأفلام المميزة منها Valkyrie و Bohemian Rhapsody.

لكن أيضًا له إسهام كبير في عالم المسلسلات، فقد كان القوة الدافعة وراء House MD، كمنتج أساسي وله الفضل في اختيار ممثل مغمور يدعى هيو لوري للبطولة، بناءً على تجربة أداء من أحد الفنادق وسط أفريقيا دون أن يعلم أنه ممثل بريطاني، وقد ثبت صحة قراره ووصل لوري لقلوب المتابعين حول العالم، وكان المسلسل الأكثر مشاهدة حول العالم وقت عرضه.

ولم تتوقف علاقته مع الأبطال الخارقين عند أفلام X-men، فقد عبر معها للتليفزيون مرة أخرى بـ Legion في 2017 كأحد المنتجين، في عالم موازٍ للأفلام عن متحول يعاني من الشيزوفرينيا، ويصارع للتحكم في قوته، بينما تطارده وكالة حكومية سرية، واستمر لـ 3 مواسم حتى 2019.

6. باولو سورينتينو

يعد باولو سورينتينو أهم مخرج إيطالي على الساحة في الفترة الحالية، واسمه مرتبط دائمًا بالأعمال الرائعة التي تعبر للقلب مباشرة، وترسم صورة مختلفة عن الحياة وتحدياتها، وقدم أفلامًا ذاع صيتها حول العالم مثل The Great Beauty وYouth، ومؤخرًا The Hand of God، لكنه أيضًا أعار عدسته للتليفزيون مرتين.

خرج مسلسل The Young Pope للنور في 2016، بإنتاج أمريكي-أوروبي مشترك بين HBO وSky Atlantic، عن كاردينال شاب غامض يصل لكرسي بابا الفاتيكان، كأول بابا أمريكي في التاريخ، وسريعًا يسبب زلزالًا في العالم الكاثوليكي بتحديه تقاليد الكنيسة، والدخول في صراع مباشر مع مسؤولي الفاتيكان، وتولي دفة القيادة بنفسه والدخول في عالم السياسة.

في الأساس مسلسل قصير من 10 حلقات أصبح أغلى مسلسل في تاريخ إيطاليا، وأول مسلسل إيطالي يترشح لجوائز الإيمي، والأكثر مشاهدة في أوروبا متخطيًا أعمالًا مثل Game of Thrones، مما دعا سورينتينو لعمل جزء آخر بعنوان The New Pope، بانضمام النجم الكبير جون مالكوفيتش بجانب البطل الرئيسي جود لو وعدد من النجوم، لكنه لم يلاقِ نفس النجاح والاستقبال الحافل.

7. رون هاورد

فاز رون هاورد بالأوسكار مرتين عن رائعته A Beautiful Mind كأفضل مخرج وأفضل فيلم، ترشح من جديد عن الفيلم السياسي Frost/Nixon، بجانب مسيرة مميزة في السينما ضمت Rush, Angels and Demons وCinderella Man وApollo 13، حتى انتقل لساحة التليفزيون بكامل قوته.

حيث شارك في إنتاج وتطوير مسلسل نتفلكس الكوميدي الشهير Arrested Development كما قام بالأداء الصوتي لراوي الأحداث خلال الحلقات، وقدم مسلسل الدراما Parenthood الذي استمر لـ 6 مواسم بين 2010-2015، ثم مسلسل السيرة الذاتية Genius بالتعاون مع National Geographic، من 3 مواسم ناقشت حياة ألبرت أينشتاين وبابلو بيكاسو وأريتا فرانكلين، مع موسم رابع عن مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس في 2024، بمشاركة نجوم كبار أمثال جيوفري راش وإميلي واطسون وأنتونيو بانديراس.

8. ستيفن سودربيرج

بدأ ستيفن سوديربيج مسيرته بجانب جيل جديد من المخرجين الشباب في التسعينيات، لكن لمع نجمه سريعًا بفضل أسلوبه المختلف، وشجاعة طرحه لأفكاره على الشاشة، بداية من Sex, Lies, and Videotape حتى صدور  Erin Brockovich و Traffic  وحصوله على الأوسكار لأول مرة كأفضل مخرج، ثم استمر في تحقيق النجاح مع سلسلة Ocean’s، وبشكل عام ترشحت أفلامه لـ 14 جائزة أوسكار وفازت بـ 5 منها.

ودخل عالم التليفزيون من أوسع أبوابه كمخرج لمسلسل The Knick الذي استمر لموسمين من بطولة النجم كليف أوين، عن طاقم طبي في أحد مستشفيات نيويورك في بداية القرن العشرين، ومحاولتهم فهم الحالات الطبية وتطوير المهنة بشكل عام، وحصل على جائزتي جولدن جلوب وتقدير واسع، ثم زار الوسط مرة أخرى بإنتاج المسلسل المثير للجدل The Girlfriend Experience، والقائم على فيلمه الذي يحمل نفس الاسم، عن كواليس حياة شبكة فتيات ليل محترفة تتعامل بشكل خاص مع الأغنياء وصفوة المجتمع، وتحديات الحياة الخاصة بهم.

9. ريدلي سكوت

يعد السير ريدلي سكوت من أهم وأفضل المخرجين في العالم، وله باع طويل مع السينما وأيقونة في عالم الإخراج السينمائي، وترك بصمته في أغلب فئات الأفلام بين الدراما والجريمة والتاريخ والخيال العلمي، حتى الكوميديا والفانتازيا والوثائقي لم تنجُ من بصمته، من Alien لـ Blade Runner مرورًا بـ Gladiator وKingdom of Heaven، وعدد لا يحصى من التحف المميزة.

لذلك كان من الطبيعي أن يملك رصيدًا مميزًا من الأعمال التليفزيونية كمنتج، وعلى رأسها مسلسل الدراما القانوني The Good wife، والذي اعتبره الكثيرون أحد آخر أعمال الدراما العظيمة وحصد عددًا من الجوائز طوال فترة عرضه لـ 7 مواسم، وPillars of The Earth عن رواية تاريخية شهيرة تحمل نفس الاسم، ثم Taboo من بطولة توم هاردي، والفانتازيا التاريخي The Man in the High Castle، بالإضافة إلى The Terror وBrainDead  وNumbers، ومؤخرًا عاد للخيال العلمي بالمشاركة في إخراج وإنتاج Raised By Wolves.

10. جين-مارك فالي

جين-مارك فالي مخرج كندي مبدع، تميز بأسلوبه التلقائي في تصوير الأفلام وترك الحرية للممثلين، من أجل الخروج بالشخصيات بأفضل شكل ممكن، مع أناقة الصورة والاعتماد على الإضاءة الطبيعية، بالإضافة إلى اختيار أعماله بعناية فائقة، وأهمها The Young Victoria و Dallas Buyers Club، Demolition, Wild.

وقدَّم للتليفزيون Big Little Lies حيث الموسم الأول من إخراجه وإنتاجه مع HBO، بكاست خيالي ضم نيكول كيدمان وريس ويزرسبون وشايلن وودلي وأليكساندر سكارسجارد ولورا ديرن وزوي كرافيتز، وترشح الموسم لـ 16 جائزة إيمي حصد منها 7، و6 جوائز جولدن جلوب فاز بـ 3 منها، وسط نجاح جماهيري ومدح نقدي واسع.

ثم عاد مرة أخرى بمسلسل قصير آخر بعنوان Sharp Objects، من بطولة النجمة إيمي أدمز في دور صحفية تعاني من اضطرابات نفسية، تعود إلى مسقط رأسها لتغطية مقتل فتاتين صغيرتين، وتصطدم بماضيها وعائلتها الغريبة، ونال نصيبه من ترشيحات الجوائز وإشادة النقاد والمشاهدين.