يحظى اقتراب موسم الشتاء هذا العام في النصف الشمالي للكوكب – الأكثر سكانًا وازدحامًا – بقدرٍ استثنائي من الاهتمام والقلق في آن. ولا عجب في ذلك وقد حمل عام 2020 لقب عام الكورونا، حيث شهد تفشي جائحة فيروس كوفيد-19 العالمية، والتي فتكت بأرواح ما يقارب مليون إنسان، وأصابت أكثر من 32 مليونًا حتى لحظة كتابة تلك السطور، وتجتاح العالم المخاوف من موجةٍ ثانية كبرى للفيروس في الأسابيع والشهور القادمة.

من المعلوم بالضرورة، أن فصليْ الخريف والشتاء هما موسم انتشار العدوى بالفيروسات التنفسية – وفيروس كوفيد-19 بالأساس فيروس تنفسي – وأشهرها فيروسات الإنفلونزا التي تفتك بأرواح مئات الآلاف من البشر في كل موسم، ففي شتاء 2017/2018م تُوُفِّي حوالي 80 ألف أمريكي بسبب الإنفلوانزا.

 ولذا فالوقاية من الإنفلونزا وغيرها من الفيروسات التنفسية هو واجبٌ على الجميع وليس رفاهية، لا سيَّما في ظلِّ التصاعد الحالي لإصابات فيروس كورونا المستجد، والذي سيُكسِب الموسم الشتوي القادم خطورة مضاعفة عندما يصول ويجول في الملعب بجوار اللاعبين المعتادين.

في السطور التالية، سنبرز أهم 10 نصائح يمكن للجميع الالتزام بها من أجل تقليل فرص الإصابة بالفيروسات التنفسية في العموم، وتجنب حدوث المضاعفات الخطيرة التي تهدد الصحة.

1. مصل الإنفلونزا الموسمي

https://www.youtube.com/watch?v=QvyaE_eXDJU&ab_channel=CentersforDiseaseControlandPrevention%28CDC%29

قبل موسم الشتاء في كل عام يتوافر مصل الإنفلونزا والذي يُعدَّل سنويًّا ليضم الأنواع الجديدة التي تظهر من فيروسات الإنفلونزا، والتي تشتهر بقدراتها الكبيرة على التحور بشكلٍ دوري. ويحتوي المصل على مضادات لأنواع الإنفلونزا الأكثر انتشارًا في كل بلد.

لا يضمن المصل عدم وقوع العدوى بنسبة 100%، لكن ميزته الرئيسة هي تقليل حدة أعراض الإصابة إن وقعت، وكذلك مضاعفاتها، وتنشيط جهاز المناعة بوجهٍ عام حتى ضد أنواع فيروسات الإنفلونزا غير المتضمَّنة في المصل.

ولذا فلا غنى عن تعاطي هذا المصل، خاصة للشرائح الأكثر خطورة في انتقال العدوى وتطورها، كالأطقم الطبية، والمصابين بالأمراض المزمنة التي تضعف المناعة مثل السكر والقلب والسرطان … إلخ، وكذلك الأطفال الصغار وكبار السن.

اقرأ: لهذه الأسباب عليك الحصول على لقاح الإنفلوانزا الموسمية

2. تجنب التجمعات المزدحمة قدر الإمكان

التجمعات، لا سيَّما في الأماكن المغلقة وسيئة التهوية، بيئةٌ خصبة لانتشار الفيروسات التنفسية، وتكتسب أهمية استثنائية فيما يتعلق بفيروس كوفيد-19. لذا فتجنب التجمعات غير الضرورية فرض عين لا سيَّما في المناطق الأكثر تعرضًا للوباء.

ولأنه يتعذر بقاء الجميع لأشهر رهن حوائط منازلهم، فيمكن جعل التجمعات واللقاءات في الأماكن المفتوحة جيدة التهوية، كالساحات، والنوادي المفتوحة، والحدائق العامة … إلخ. مع تجنُّب المصابين بأية أعراض تنفسية الاختلاط بغيرهم لكبح انتشار العدوى. وبالنسبة لوسائل المواصلات العامة، فالأسلم ارتداء الكمامات العادية، وفتح النوافذ لتجديد الهواء. كما يجب التعود على تجنب المصافحة باليد والتقبيل عند مقابلة الآخرين قدر الاستطاعة.

3. الابتعاد عن المصابين بالأعراض بوجهٍ خاص

خلو المرء من الأعراض التنفسية، لا يعني أنه غيرُ مصاب، إذ قد يكون في فترة الحضانة التي يمكن فيها نقل العدوى قبل ظهور الأعراض. لكن في حالة ظهور الأعراض التنفسية على أحد (السعال والعطس بشكلٍ متكرر، احتقان الأنف، الحمى … إلخ)، فإنَّ فرصة نقل العدوى منه تكون مرتفعة للغاية؛ لذا فالحفاظ على مسافةٍ آمنة عند التعامل مع هؤلاء لا تقل عن متر ونصف هام للغاية، بالأخص إن لم يكن المصاب مرتديًا لكمامة تقلل انتثار الرذاذ المعدي من أنفاسه.

4. ارتداء الكمامات ما أمكن

هذه النصيحة تكتسي أهمية خاصة فيما يتعلق بفيروس كوفيد-19، حيث تتجاوز قدرته على العدوى فيروسات الإنفلونزا. ففي حالة الاختلاط بالغير هذا الموسم، يجب ارتداء الكمامات. وكلما زاد عدد مرتدي الكمامات في المجتمعين، قلت فرص العدوى للجميع، ويزداد هذا الأمر وجوبًا لمن يعاني من أعراضٍ تنفسية ولو بسيطة، ومضطر للنزول إلى العمل أو غيره، فالكمامة ستقلل كثيرًا فرص انتقال العدوى منه إلى غيره.

لكن في المقابل علينا الحذر من أن تتحول الكمامات لمشكلة، بإعطائنا إحساسًا كاذبًا بالأمان، فنخالط الآخرين، خاصة من المصابين ببعض الأعراض التنفسية، بغير تحفظ، ولا مسافة آمنة، ولمدد طويلة، فهذا يقل فاعليتها كثيرًا، ويضاعف فرص الإصابة بالعدوى التنفسية أيًّا كان مصدرها.

5. غسل اليدين جيدًا أولًا بأول

ليس من المبالغة في شيء أن نعتبر أن غسل اليدين بشكلٍ مستمر بالماء والصابون هو وسيلة الوقاية الصحية الأكثر فاعلية مقابل ثمنٍ زهيد من المال والجهد. بدلًا من إرهاق النفس في ارتداء القفازات، والهوس بتعقيم الأسطح المختلفة في المنزل وخارج المنزل خوفًا من الرذاذ الحامل للعدوى، فيمكن ببساطة غسل اليدين جيدًا كلما لمسنا سطحًا غريبًا، وقبل ملامسة الوجه، أو تناول الطعام.

باختصار سيغنينا التعود على غسل اليدين عن الكثير من “الوسوسة” والجهد في الوقاية من العدوى.

6. بيئة عمل ودراسة صحية

من أكثر الأماكن التي يمكن أن تنتقل العدوى بسهولة عبرها، فصول الدراسة، ومكاتب العمل. فهي أماكن مغلقة ومزدحمة في أحيانٍ كثيرة، كما يتخالَط الناس فيها لساعات طويلة بشكل متواصل، مما يصعب عملية الوقاية من العدوى.

لذا، فجعل تلك البيئات أكثر صحية ضروري للغاية، وذلك بالاعتماد ما أمكن على العمل والدراسة عن بعد، لتقليل وقت التجمع وحدته. ويجب مباعدة المكاتب والمقاعد قدر ما تسمح سعة المكان، والحرص على فتح النوافذ للتهوية، وارتداء الكمامات في الاجتماعات القريبة، وتجنب الحضور في حالة وجود الأعراض ما أتاحت ظروف العمل ذلك، فإن اضطر المصاب للنزول، فيجب عليه الابتعاد عن الآخرين بمسافة كافية، وتغطية الوجه أثناء العطس والسعال بمنديل، أو بالعضد والساعد، والالتزام دائمًا بارتداء الكمامة.

كذلك يجب تنظيف وتطهير الأسطح كثيرة اللمس بشكلِ دوري مثل المقابض وأسطح المكاتب، وأجهزة الكمبيوتر … إلخ.

7. الطعام مفتاح المناعة

الغذاء الصحي المتوازن هو الوقود الأهم لجهاز المناعة القادر على منع العدوى أو على الأقل الحد من تفاقمها. والعمود الفقري للغذاء المقوى للمناعة هو الخضروات والفواكه لثرائها بالمغذيات المفيدة، وبالفيتامينات، وكذلك بمضادات الأكسدة التي تحافظ على أنسجة الجسم من التلف. وكذلك الاعتماد على البروتينات المغذية المفيدة كالبقوليات والشوفان والأسماك والبيض، وأيضًا الأطعمة الغنية بفيتامين د.

أما الأطعمة التي يفضل تجنبها أو تقليلها لانعكاساتها السلبية غير المباشرة على المناعة والصحة، فهي الوجبات السريعة الجاهزة كثيفة الدهون والنشويات، وكذلك السكريات.

اقرأ: طعامك .. الداء والدواء

واقرأ: 8 نصائح لتقوية مناعة طفلك

8. توازن النوم والنشاط

النوم الجيد لحوالي 6-9 ساعات من الليل يوميًّا من أهم ما يحافظ على جودة عمل جهاز المناعة، ويساهم في سرعة الشفاء من مختلف أنواع الإصابات التنفسية. 

أما بالنهار، فالرياضة المعتدلة بشكلٍ يومي أو شبه يومي، لها أثرٌ فعال في تقوية المناعة، ومقاومة العدوى، ولو بالحد الأدنى المتمثل في المشي بسرعة جيدة لـ 20-30 دقيقة يوميًّا. وكلما حافظ المرء على الوزن المثالي بالطعام المتوازن، واعتياد المجهود الرياضي، كانت مناعته ضد العدوى أقوى.

9. كبح جماح الضغوط النفسية والعصبية

من نافلة القول التأكيد مرارًا وتكرارًا على خطورة الضغوط النفسية والعصبية على الصحة عمومًا، وعلى كفاءة المناعة على وجهٍ خاص. فالتوتر والضغط يزيد من إفراز هرمونات التوتر، وعلى رأسها الكورتيزون، الذي يثبط عمل جهاز المناعة. كلما نجحْتَ في لجم انفغالاتك، وتحجيم الضغوط العصبية والنفسية في حياتك ولو نسبيًا، امتلكت مناعةً أقوى ضد العدوى التنفسية وسواها.

10. نعم للحذر لا للوسواس

غالبًا ما تؤدي المبالغة إلى نتائج عكسية غير مرجُوَّة، وهذا ما شهدناه خلال الشهور الماضية أثناء التعامل مع كوفيد-19. فالكثيرون ممن بالغوا في الأسابيع الأولى في إجراءات الوقاية، فامتنعوا تمامًا عن النزول، وعطَّلوا أعمالهم بالكلية، وأطلقوا للوسواس القهري العنان في تطهير وتعقيم كل ما نالته أيديهم من أرضٍ أو سماء … إلخ قد ملُّوا بعد قليل، وتركوا الحبل على الغارب، وتوقف بعضهم بالكلية عن أية إجراءات وقائية.

المطلوب هو التوازن، وتوزيع الجهد والطاقة وفقًا للأولوية، مما يمكن المرء من الحصول على 90% على الأقل مما يزيد، بأقل من ربع المجهود الذي يبذله المبالِغون.

وبالنسبة للوقاية من العدوى التنفسية، فتجنب التجمعات المزدحمة، وارتداء الكمامة أثناء مخالطة الآخرين، مع غسل اليديْن جيدًا كما أوضحنا، كفيلة بتجنيبنا معظم الإصابات التنفسية، بالرغم من كونِها إجراءات وقائية لا تحتاج لكبير جهد. إذًا فالجهد الذكي ولو كان قليلًا، أرشدُ من جهدٍ كبير غير متزن.

خاتمة

نكرر التأكيد على أن خير العمل أدومُهُ وإن قلَّ. وبالتالي فلا داعي لتعقيد الأمور، والانسياق وراء هلع الآخرين ومبالغاتهم. فلْنحافظ على القدر من جهد الوقاية الذي يمكن أن يصبح عادة مستديمة لنا غير مرتبطة بأشهر وسنين الوباء، فلا أحد يعلم ما يحمله لنا قادم العمر من مخاطر وتحديات.

وبالنسبة لما يندفع إليه البعض من تعاطي أقراص الفيتامينات كوقاية، فليس هناك أدلة علمية قوية توجب هذا، ومن المعلوم قطعًا أن ما أشرنا إليه بالأعلى من التغذية المتوازنة مع نمط الحياة الصحي، كفيل بتقوية المناعة ضد العدوى التنفسية وغيرها دون الحاجة لتعاطي تلك الأدوية المجهزة بالأساس للمرضى الذين يعانون من نقص مرضي في تلك الفيتامينات.

ويجب التأكيد مرارًا وتكرارًا على أن النصائح السابقة أكثر وجوبًا للشرائح الأكثر عرضة للإصابات التنفسية مثل أصحاب الأمراض المزمنة كالقلب والسكر والفشل الكلوي والكبدي والسرطانات … إلخ، والعلاج الجيد لتلك الأمراض، والسيطرة على تفاقمها يرفع مناعة هؤلاء المرضى، ومقاومتهم ضد الأمراض التنفسية وسواها.

وفي الختام يجب دائمًا أن نتذكر – ونُذكِّر غيرنا – بالقاعدة الذهبية التي تقول: (ما لا يُدرَك كُلُّه، لا يُترك جُلُّه) أي ما لا تستطيع القيام به بشكلٍ تام، قُم بمعظمه. ونزيد نحن عليها، أو حتى ببعضه، فكل ما فوق درجة الصفر، أفضل من الصفر.