بعد فوز أرسنال بكأس الدرع الخيرية لعام 2020، علق «جوناثان ويلسون» بجريدة الجارديان، مفتتحًا مقاله بما يلي: «إنها فقط الدرع الخيرية، لن نتذكرها بعد شهر من الآن، ما بالك بعد 5 أو 10 سنوات. وربما لن يهتم مؤرخو تلك الحقبة بمباراة بين فريقين غير جاهزين، افتتحوا موسمهم على أرضية ويمبلي الرطبة. لكنه كان نجاحًا جديدًا لميكيل أرتيتا، ودليلاً جديدًا أنه يبني شيئًا مثيرًا في أرسنال».

يمكننا أن نكرر نفس التعليق على كل مباراة لأرتيتا تقريبًا، فقط عليك استبدال «إنها فقط الدرع الخيرية» بالكأس أو بافتتاحية الدوري أو غيرها، وسيظل الانطباع المذكور في آخر التعليق حاضرًا؛ «أرتيتا يبني شيئًا مثيرًا في أرسنال».

ولأن الانطباع الأول يدوم، فإن أرتيتا حصل على أفضل انطباع قبل أن يفعل أي شيء، لأنه فقط كان مساعدًا لأحد أفضل مدربي كرة القدم عبر تاريخها، بيب جوارديولا. ناهيك عن اشتراكهما في الجنسية وطريقة التفاعل أثناء تلقين التعليمات وحتى الملابس.

دون الحاجة لاستباق النهايات وتوقع المستقبل، دعنا نستكشف معًا، هل حقًا أرتيتا يستحق منا ذلك الانطباع الأول؟ أم أنها مبالغة جديدة معتادة في عالم كرة القدم؟

واثق بدون سيرة ذاتية

لنبدأ بتعامله مع إدارة أرسنال، حيث كان الاحتكاك الأول بين الطرفين في عام 2018، حين كان أرتيتا منافسًا لأوناي إيمري على خلافة أرسين فينجر. ووفقًا لصحيفة «إندبندنت» البريطانية، أبهر مساعد جوارديولا إدارة الجانرز في عرض رؤيته وخططه للفريق.

سار كل شيء في صالحه، حتى مسألة المغامرة به كمدرب صغير لم تكن جديدة على «جوش كرونكي» مالك النادي، لأنه في ناديه الآخر «لوس أنجلوس رامز» في كرة القدم الأمريكية، قد عين من قبل أصغر مدرب في الدوري. لكن فجأة ذهب الاختيار لأوناي إيمري صاحب السيرة الذاتية الأكثر إقناعًا، والفائز بـثلاثة ألقاب متتالية لليوربا ليج مع إشبيلية.

لفت تقرير الـ«إندبندنت» النظر لنقطتين قد يكونا سببًا في إبعاد أرتيتا عن المنصب، الأولى كانت بعض الخلافات في تعيين فريق العمل، والذي قد يشمل الجهاز المعاون، ومسئولي التعاقدات والكشافة بالنادي. والثانية كانت اقتناع إيمري بحدود منصبه كما عرضه أرسنال.

كان هناك شعور بأن إيمري قد يناسب معايير الدور الذي حدده النادي بشكلٍ أفضل.

ما معنى ذلك؟ في بداية موسم 2020/2021، تم الإعلان عن تغيير منصب أرتيتا من مدرب «Head Coach» إلى مدير «Manager» وهو ما يعني صلاحيات تتجاوز تدريب الفريق الأول، وتمتد للمشاركة في حركة التعيينات وهيكلة النادي. بالطبع أنت الآن لست بحاجة لإخبارك أي منصب حصل عليه إيمري.

قائد للنادي وليس الفريق الأول

الشاهد من الأمر أن أرتيتا رغم عدم توليه مهمة الرجل الأول قبلاً، لكنه تمسك بشروطه وطريقته التي يود العمل بها. وعندما سنحت له الفرصة بعد إقالة إيمري، فرض قواعده تدريجيًا بلا صدام. ويمكننا استنباط ذكاء وتوازن أرتيتا من موقفه مع مسعود أوزيل.

قبل توقف كورونا، كان أرتيتا يعتمد على الألماني بشكل كبير، لكن بعدها، أصبح أوزيل مغضوبًا عليه من الإدارة بعد رفضه تخفيض راتبه. شكك مسعود كآخرين في جدوى تخفيض العقود، كونها تصب في مصلحة جيب المالك وليس الموظفين، وبالفعل أثبتت إدارة أرسنال صحة ظنونه بعد التخلي عن 55 موظفًا.

مع تغيير أرتيتا لطريقة اللاعب، والتحول من 4-2-3-1 إلى 3-4-3، لم يعد الفريق بحاجة للاعب رقم 10. فجمد اللاعب وكأنه متضامن مع الإدارة، دون أن يهاجم أوزيل بسبب موقفه حتى لا يتعرض لتلك الأزمة الأخلاقية، من قريب أو من بعيد.

كل تصرف يقوم به أرتيتا نابع من إيمانه بأن نموذج أرسنال الناجح كما عهده الجميع مع أرسين فينجر، كان يعتمد على مدير يقود النادي ككل وليس الفريق الأول فقط، لذا كان عليه الوقوف على مسافة متساوية ومتزنة مع جميع الأطراف بما يضمن مصلحة النادي، وتعزيز مكانته كقائد.

لذا، اهتم القائد أرتيتا بتوسعة مداركه وتنويع طريقة تفكيره عبر حضور عدة نقاشات عبر الإنترنت -أثناء توقف كورونا- مع نخبة من مدربي الرياضات الأخرى كـ إيدي جونز مدرب منتخب إنجلترا للرجبي، وشون ماكفاي مدرب لوس أنجلوس رامز، وحتى مع قائد سابق بالجيش الأمريكي سبق له الخدمة في أفغانستان.

وظهر نتاج ذلك في طريقة تقديم نفسه بشكل إيجابي للموظفين، الأجهزة الطبية، الطباخين، وحرصه على إيضاح رسالته بنفسه، ثم في الروتين الذي أرساه مع الجهاز الفني؛ بالوصول قبل التدريب بساعتين وتجهيز مقاطع الفيديو وتنسيق الاجتماعات، والتركيز على النقاط التكتيكية المطلوبة، ثم الاجتماع مرةً أخرى بعد رحيل اللاعبين للإعداد لليوم التالي.

على الجانب الآخر، فتح قناة اتصال دائمة مع المالك «جوش كرونكي»، الذي أقنعه المدرب الواعد بعدد من الأمور، كان أبرزها تغيير ثقافة النادي، بخلق روح جديدة تبدأ بضبط سلوكيات اللاعبين، فترتب على ذلك إظهاره «العين الحمراء» لهم، وتوقيع العقوبات بطريقة مبتكرة عبر عجلة الحظ، التي يديرها اللاعب بنفسه إن ارتكب مخالفة ليحدد عقوبته، إما بتنظيف غرفة خلع الملابس أو غسل سيارة الكابتن أو غير ذلك.

خليفة بيب؟

ما زال ميكيل أرتيتا صغيرًا كي يتقن كل المهارات الإدارية، لكنه يسير على الطريق الصحيح لجمع أكبر كم من الخبرات في هذا الصدد، والذي سيساعده في الأخير على تحويل أفكاره الفنية بشكل أفضل.

لديه موهبة نادرة ونادرة جدًا في تحليل المباريات وتوقع تحركات لاعبي الخصم وإيجاد الحلول. لقد ساعدني كثيرًا في عامي الأول في إنجلترا. عندما كنت أعجز في المباريات أمام فرق منتصف الجدول كنت أجد لديه الحل المبتكر دائمًا لأننا نملك رؤية متشابهة للغاية لكرة القدم.

جوارديولا عن مساعده أرتيتا

ولعل أكثر ما يميز أداء أرسنال بقيادة أرتيتا هو عدم اقترانه بمصطلح «خليفة جوارديولا»، بل على العكس، أبدى ميكيل مرونة أكبر من تلك التي أظهرها جوارديولا طوال مسيرته، لأن فرق بيب غالبية الوقت كانت صاحبة القدرات الأعلى فنيًا وماديًا، وهو ما لم يجده أرتيتا مع الجانرز.

فور توليه المسئولية لعب بطريقة 4-2-3-1، ونجح بإخراج أفضل ما في جعبة الثلاثي توريرا، وتشاكا، وأوزيل، لكن مع مشاكل قلب الدفاع، تحول إلى 3-4-3. إجمالاً أهم ميزة في تعديلات أرتيتا -وهي ما أحيت مشاعر الشغف لدى جماهير أرسنال مرة أخرى- جعلها الـ 11 لاعبًا في الملعب في أفضل مكان وأفضل وظيفة، ليظهر الفريق متماسكًا، حتى يأتي دعم الميركاتو إن أتى.

يعتمد مساعد جوارديولا السابق على 3 قلوب دفاع، بينهم ظهير ( كيران تيرني )، وهو ما يمنح الفريق مرونة عند التحضير، كما في الصورتين التاليتين. يتحول تيرني إلى الخط كظهير أيسر، ويهبط بيليرين، ليصبح رباعي في الخلف، مع نزول تشاكا ومحمد النني لزيادة خيارات التمرير، ويصبح لدينا مثلثان في كل جانب.

إن أراد الخصم المخاطرة ومعادلة الزيادة العددية في أحد المثلثين، فإن المثلث الآخر سيصبح شاغرًا، وبتمريرة ثم الأخرى، سيخرج أرسنال بالهجمة من هناك. أما إذا حاول الخصم الضغط بمهاجميْن وجناحين -كما فعل فولهام في الشوط الأول لافتتاحية الدوري 2020/21- فسيعود الفريق للتحضير بثلاثة لاعبين لإضافة خط تمرير إضافي على الأقل.

بالطبع لم ينسَ أرتيتا الاستفادة من أكثر أفكار بيب ظهورًا في إنجلترا، الظهير العكسي. حيث يؤدي ميتلاند نايلز هذا الدور بامتياز، ليمنح أرسنال أفضلية في وسط الملعب، بجانب تفريغ الخط لأوباميانج، إن أراد النزول لأسفل والاستلام في الثلث الثاني، وعلى الأغلب لن يفضل ظهير الخصم النزول معه وترك خط دفاعه.

هذه الأفكار وغيرها، ينفذها أرسنال بشكل تدريجي غير خارق، كي يجعل تحسنه تحت قيادة أرتيتا أكثر واقعيةً وقبولاً. يتبقى فقط رؤية الفريق يعود إلى دوري أبطال أوروبا، وسوف يتحول الانطباع الأول عن أرتيتا إلى انطباع دائم، في قلوب جماهير أرسنال على الأقل.