كل عدة أعوام يحاول عمل فني ما «إصلاح» أو «تطهير» النجم محمد رمضان، عن طريق زرعه في عمل أكثر جدية مما يقدمه، أو جعله أكثر فنية أو إظهار قدراته التمثيلية، أو إدراجه في الميلودراما الاجتماعية، لا تنجح المحاولات دائمًا لأسباب متعددة، منها تغريب الجمهور الأصلي للنجم الذي ينتظر منه مشاهد حركة وأغنيات أو بسبب ضعف الأعمال نفسها بشكل موضوعي، في عام 2022 قام رمضان ببطولة مسلسل المشوار للمخرج محمد ياسين المشهور بأعماله الفنية الجدية، التي تدمج النقد المجتمعي مع منتج فني وأدائي يتسم بجودة حقيقية، لم ينجح العمل نظرًا لخلافات في موقع التصوير وتأخر عن الجداول الرمضانية المزدحمة مما أسفر عن كتلة مفككة من الأحداث دون وجهة موضوعية، وفي هذا العام لكن في السينما يتوسط اسم رمضان فيلم «ع الزيرو» للمخرج محمد العدل، يعمل التطهير كتخليص للممثل من كونه نجم حركة أو نجم شعبي وكأن تلك السمات عيوب يجب إصلاحها لكي يكون ممثلًا «حقيقيًا»، تتعامل تلك الأعمال مع رمضان كعنصر إكزوتيكي يجب ترويضه وإظهار إمكانياته الحقيقية المختبئة خلف شعبيته الجارفة وعلاقته مع جمهوره كبيرسونا مكتملة، وفي حالة امتزاج العدل ورمضان فإن العمل الأخير الذي أنتجته وأخرجته وكتبته العائلة يخرج رمضان من حيز الشعبوي الى حيز الميلودرامي، بثقل سردي وموضوعي وهمي يحجم من طاقته التي تجذب جماهيره وتدر عليه الأموال.

يعرض «ع الزيرو» وسط ما يمكن تسميته موسم الصيف وهو في موسم أصبح نادر الحدوث، مؤخرا، في السينما المصرية، تعرض عدة أفلام بالتوازي ، يسيطر عليها ماديًا فيلم «مرعي البريمو» وتعرض بجانبه بعض الافلام لنجوم كبار ذوي شعبية أو أفلام متعددة النجوم، بجانب بقايا أفلام عيد الأضحى التي لا تزال تعرض في بعض دور العرض، في وسط ذلك الزخم النادر يعرض فيلم جديد للنجم الشعبي محمد رمضان، في هدوء دون ضجة عكس التي صاحبت فيلمه «هارلي» في موسم عيد الأضحى أو مسلسله «جعفر العمدة» في رمضان، يعرض الفيلم وكأنه فيلم صغير لنجم ونجمة (نيلي كريم) ذوي شعبية متداعية بينما في واقع الأمر اختبر رمضان ذروة جديدة في شعبيته مما يقارب ثلاثة أشهر مضت، فيلم «ع الزيرو» من إنتاج «العدل جروب» وإخراج محمد العدل وتأليف مدحت العدل هو تركيبة محفوظة لأعمال العائلة، مؤخرا، أضيف عليها فقط ممثل ليس من المعتادين في أعمالها، ولسبب ما يعرض الفيلم في ظل تكتم وخجل من الدعاية له، وعلى الرغم من تكدسه بالأغنيات فإن واحدة منها لم تصبح وسيلة للدعاية أو الجذب، عند مشاهدة الفيلم يصبح من الواضح التوازن والمساومات التي قام بها كل من عائلة العدل إنتاجيًا وفنيًا ومحمد رمضان كنجم شعبي له شروطه.

النقد المجتمعي

يسرد «ع الزيرو» قصة حمزة الملقب بـ«دراجون»، أب أرمل لولد صغير يدعى يوسف (منذر مهران)، يعيش اليوم بيومه في محاولات لتكفية احتياجات ابنه، يعمل دي جي (منسق أغان) بجانب زميله (إسلام إبراهيم) ويحاول تقديم موسيقى تصف حاله وطبقته في مجتمعات من الأثرياء التي لا تفهم أسلوبه، لكن مسيرته كموسيقي تذكر مرات قليلة في الفيلم دون تأثير حقيقي على الأحداث حتى يعمل اختياره الوظيفي كمنقذ إلهي في النهاية، يكتشف حمزة أن يوسف ابنه مصاب باللوكيميا ويخوض مصاعب ومغامرات في أروقة المستشفيات الحكومية والخاصة وعوالم تجار المخدرات وتجار الأعضاء لكي يكفي ثمن العملية، في طريقه يقابل مريم (نيللي كريم) الممرضة الثائرة على فساد الأنظمة الداخلية، تتورط مريم عاطفيًا معه ومع ابنه المهدد بالموت ومعًا يستكشفا فساد النظام الطبي المصري.

المثير للاهتمام في اختيار سرطان الأطفال كمدخل للنقد المجتمعي هو عدم مرور الفيلم على أشهر منظمات علاجه في مصر، وكأنه اختيار عشوائي لتطبيق نقد سياسي ومجتمعي مدجن يدين الأفراد الجشعين المنتفعين من الفساد ولا يمس المنظومة نفسها، ويتجاهل فساد طبي في نطاقات ربما تكون أكثر تعقيدًا فقط لخلق قصة مؤثرة مدرة للدموع لأنها تتعلق بحياة طفل بريء وجميل، يرسي الفيلم مقارنة رئيسية بين ما هو حكومي وما هو خاص، الحكومي فاسد من سنوات الإهمال الشخصي والفوضى المؤسسية، يرفض به الأطباء الاهتمام أو التعاطف الإنساني مع حياة أطفال على المحك، بينما تدار المستشفيات الخاصة عن طريق شخصيات كاريكاتيرية جشعة تلتهم الأموال ولا تعني لهم الحياة شيئًا كذلك.

يكدس مدحت العدل كل ما يقع تحت يديه من قضايا اجتماعية، حمل الفتيات دون زواج، فساد المستشفيات، جشع الأطباء، تجارة الأعضاء، تجارة المخدرات وصعوبة التحصل على عمل، لكن الأسلوب الميلودرامي المكدس بالمصادفات يجعل السردية كلها غير قابلة للتصديق، كما أن تعقيد الأمور إلى آخر مداها ثم إدخال حل سحري ضخم يخرج المنكسرين من مآسيهم يجعل النقد المجتمعي غير ذي معنى لأن حلوله كلها فردية حتى وإن كانت غير قانونية، في فيلم «ع الزيرو» يستخدم رمضان في ماكينة العدل كبطل يشبهه لكن دون طريق انتقامي تقليدي، أشرار الفيلم ليسوا شخصيات كاريزماتية أو أشرار فرديين بل مؤسسات حكومية يحاربها دراجون أو حمزة كممثل للفرد المصري المتعرض للظلم من عدة اتجاهات.

الميلودراما

يقع الفيلم تحت نوع الدراما الاجتماعية والنقد المجتمعي الأليف الذي ينتهجه مدحت العدل ويضفي عليه محمد العدل مسحة ميلودرامية إعلانية، يحاول الفيلم مثل المشوار قبله إصلاح وتطهير محمد رمضان وجعله ممثلًا جديًا، يحتفظ رمضان من ذاته الحقيقية باستخدام اسم شهرة وصنع بيرسونا لنفسه متمثلة في شعر ملموم في جدائل ومجموعة من الوشوم، تصبح البيرسونا عنصرًا ثانويًا في حكاية النقد المجتمعي الميلودرامي التي يصيغها آل العدل، يموضع العدل محمد رمضان بشخصيته وأغنياته وأسلوبيته داخل أسلوبية موازية ميلودرامية مغالية في مشاعرها مفرطة في تعبيرها الموسيقي والشعوري، تصبح معه لمسات رمضان الشخصية من الأغنيات الشعبية والمظهر البطولي في مكان غير المكان، كما أن استخدام الأغنيات يصبح حرفي أكثر من أفلامه السابقة حيث لا تعمل كمقاطع فيديو منفصلة بل تعمل داخل الفيلم، تصف الأحداث كما تحدث كموازنة بين أساليب المخرج وأساليب النجم.

تصبح عملية تطهير وإصلاح محمد رمضان هي وضعه داخل مكان ليس مكانه، لكن في الوقت نفسه يصبح المكان ملائمًا لأن التصوير في الشوارع وإظهار الفقر هو ما جعل رمضان نجمًا في البداية قبل أن يصبح بيرسونا، ففي اللحظات القليلة التي يتوقف بها عن كونه مطربًا ومغنيًا وشخصية مستقلة عن بيئتها يندمج في البيئة الطبيعية التي يرسمها لها الفيلم ويصبح وجوده على الشاشة بجانب يوسف ابنه تمثيل جيد للأجساد غير الممثلة على الشاشة المصرية وإعادة تعريف لما هو جميل أو محبب في مظهر النجوم ومظهر الأطفال، يكتمل ذلك بكيمياء طبيعية بين محمد رمضان والطفل منذر مهران ذي الأداء السلس وشكله المقارب لرمضان، يحمل الثنائي الفيلم ويصبحان قلبه النابض في ظل عشوائية موضوعية وجمالية.

التشيئ

في إطار خطة تغيير النظرة العامة لمحمد رمضان يأتي الفيلم معمقًا من التشييء النسائي والنكات الجنسية التي تتخم أفلام ومسلسلات رمضان أو الأفلام الشعبوية بشكل عام، يساعد في ذلك مكانة وحجم نيللي كريم كنجمة وممثلة جدية يصعب تشييئها أو الضغط عليها لتكون عرضًا جانبيًا لوجود النساء في الأفلام، وكأن تعريض الممثلات لذلك النوع من التشييء والتقليل الممنهج هو شيء ذو تراتبية فنية واجتماعية، وعلى الرغم من سطحية دورها وشخصيتها فإنها تصبح مساوية لرمضان في القوة كلاهما يعمل في اتجاه هدف واحد وتتطور قصة الحب دون حاجة للحسية المفرطة أو التعدي، كما يظهر رمضان كمحب أحادي للمرة الأولى من زمن فلا يرى مع عدة نساء في آن واحد، بل إن أخلاقياته واضحة ومستقيمة من بداية الفيلم حتى نهايته، لا يحتل الفيلم مساحة رمادية أو يفخم من اللاأخلاقي بدوافع أخلاقية، فالفيلم عن شخصيات «جيدة» في عالم سيئ، خال تمامًا من الإثارية والدفعات الأدرينالينية التي تجعل لرمضان جمهورًا من الأساس، لا يوجد مشاهد قتال بدنية بل إن القوة البدنية لا محل لها إلا في أضيق الحدود، يجعل ذلك الفيلم ذا طابع تلفزيوني، ويدجن مجهودات رمضان كنجم حركة، لكنه على الأقل يجعله متسقًا مع ما كتب له.

يعمل «ع الزيرو» كقطعة من النقد المجتمعي الخجول، فلا يصل إلى النجاح الشعبي المنتظر ولا إيرادات شباك التذاكر المتوقعة ولا التأثير المرجو على الرأي العام لأنه لا يأخذ نقده بجدية كافية بل يكتفي باستخدام الفساد المؤسسي كوسيلة للتغلب الشخصي على الصعاب.