على مر القرون، كانت الكوميديا الإلهية، ليست فقط واحدة من أبرز القصائد شهرة وملحمية في تاريخ الأدب الغربي، لكنها كانت أيضًا مصدرًا للإلهام في مجالات فنية مختلفة، لا سيما مجال الفنون التشكيلية. فقد قام عديد من الفنانين من فترات مختلفة مثل عصر النهضة والباروك والرومانسية، بإنشاء لوحات تستند إلى مشاهد أو موضوعات من الجحيم والمطهر والنعيم حسب فصول القصيدة التي ألفها الشاعر الإيطالي دانتي أليغييري [1265 – 1321].

لوحة دانتي والكوميديا الإلهية للرسّام الإيطالي دومينيكو دي ميشلينو
لوحة دانتي والكوميديا الإلهية للرسّام الإيطالي دومينيكو دي ميشلينو

هذا التأثير الواسع على الرسامين يعود لعدة أسباب. فقد ألهمت الأوصاف التفصيلية لدانتي خيال الرسامين عن الحياة الآخرة وقدمت تفاصيل محددة دمجوها في أعمالهم. نرى مثلًا في رسمة الفنان بول غوستاف دوريه (1832 — 1883)، أن دانتي يجد نفسه تائهًا في غابة قاتمة في مطلع القصيدة، التي تبدأ بزيارة الجحيم. وقد كتب دوريه تحت الرسمة اقتباسًا من القصيدة: «في منتصف حياتنا الفانية تلك، وجدتني في غابة قاتمة، ضال».

تلك إذن هي البداية يجد دانتي نفسه تائهًا في غابة مظلمة بعد أن نام يوم الخميس 7 أبريل 1300 ليلة الجمعة، وهو في سن الخامسة والثلاثين من العمر، تمامًا في منتصف حياته، أو«في منتصف حياتنا الفانية تلك» بحسب ما ذكر في مطلع قصيدته، ضالًا عن الطريق المستقيم. هذا التيه لم يستمر طويلًا، حيث ظهرت شخصية لتصحبه في جولة في الجحيم، تلك الشخصية قالت إنها ولدت في زمن يوليوس قيصر، وإنه هو الشاعر الروماني فيرجيل.

الجحيم والعدل الإلهي

يشعر دانتي بالرهبة والجزع وهو يتبع فيرجيل، إلا أن فيرجيل يوضح لدانتي أن بياتريس، رمز الحب الإلهي، هي من أرسلته. كانت بياتريس قد تحركت لمساعدة دانتي من قِبل مريم العذراء. وهكذا يبدأ الاثنان رحلتهما إلى العالم السفلي.

هذا المشهد صوره الرسّام الفرنسي جان هيبوليت فلاندرين (1809 – 1864)، في لوحته فيرجيل يقود دانتي في الجحيم، بأسلوب كلاسيكي يركز فيه على توزيع الظلال والنور ورسم الأجساد ببنية عضلية مفتولة وقوة شبابية واضحة.

فيرجيل يقود دانتي عبر العالم السفلي
فيرجيل يقود دانتي عبر العالم السفلي

هذا الجحيم الضخم يتكون وفقًا للقصيدة من تسع دوائر. تمثل كل دائرة زيادة تدريجية في الشر، مع ذروة الشر يأتي مركز تلك الدوائر، الذي هو نفسه مركز الأرض حيث يُحتجز الشيطان. وهذا في حد ذاته تجسيد شعري للعدالة. لأن كل مذنب يعيش في دائرة تتناسب مع خطاياه.

على سبيل المثال، يقابل دانتي وفيرجيل في تلك الرحلة العرافين الذين حاولوا رؤية المستقبل بالوسائل المحرمة وعليهم المضي قدمًا وهم ينظرون إلى الوراء دون القدرة على رؤية مستقبلهم ولا طريقهم في الجحيم. يعتبر هذا الشكل من العقاب ليس فقط انتقامًا إلهيًا، بل تحقيقًا للمصير الذي يختاره الفرد بحرية خلال حياته.

المطهر والأمل في العفو

يعيش الأشخاص الذين اعترفوا بخطاياهم وطلبوا المغفرة قبل الموت في منطقة تعرف بالمطهر. وهي حالة وسط بين الجنة والنار وفقًا لمعتقدات بعض الطوائف المسيحية والإسلام (جبل الأعراف). وبذلك فإن المطهر في عالم الكوميديا الإلهية، رمزٌ لتنقية الروح وتطهيرها من الذنوب والشهوات المضلّة. ويرمز إلى القوة الربانية التي تنقذ البشرية من الظلام وتشرح صدور الناس نحو النور والحق.

لقد طردتهم السماء كي لا ينقص جمالها, ولا تقبلهم الجحيمُ العميقة حتى لا يُحرِزَ الآثمون عليهم بعض الفخر!
الكوميديا الإلهية

قدم رسام مجهول لوحة لدانتي وهو يجلس على صخرة ويتطلع نحو جبل المطهر ويحمل في يده كتاب، النص المكتوب هو نص الكوميديا الإلهية، مفتوح على القسم الثالث والأخير وهو النعيم. ونرى في اللوحة التي تعود للقرن السادس عشر مبادئ عصر النهضة المشهورة في الرسم والمتمثلة في التركيز على بهاء الألوان ودقة التفاصيل وملحمية المشهد.

النعيم والنور الإلهي

الجنة أو النعيم، كما تم تصويرها في القصيدة، هي عالم من النعيم المطلق والوئام الإلهي. يختبر دانتي في هذا العالم الأثيري أعلى شكل من أشكال التنوير الروحي ويقابل أرواح الصالحين بينما يصعد عبر الأجرام السماوية.

ويصور دانتي سكان الجنة على أنهم متوهجون من الفرح الخالص. وتعكس وجوههم الحب الإلهي الذي يملأهم. كذلك يصف دانتي الموسيقى السماوية التي تتغلغل في الهواء بتناغم الأصوات الملائكية التي تمجد الله.

وبذلك، تأتي الجنة في القصيدة في نهاية الرحلة وهي ذات طبيعة لاهوتية أكثر من الجحيم والمطهر. وعلى الرغم من السالف ذكره، يؤكد دانتي في قصيدته بأن ما رآه من النعيم كان جزءًا بسيطًا مما سمحت له عيناه البشرية برؤيته وبالتالي فإن رؤية النعيم هي رؤيته الشخصية على حد تعبيره.

تضاء النفوس وتتلألأ الأرواح
حيث تلتقي الأفكار بالخيال
في عالمٍ خالٍ من هموم الدهر والوعثاء

ولعل أبرز من تفانى في رسم النعيم، كما بقية أجزاء القصيدة، والتي كانت تعتبر مصدرًا واسعًا للإلهام بالنسبة له، هو الرسام الإسباني سلفادور دالي. الذي قدم النعيم بأسلوبه الفريد وبأشكال غامضة تصور السماء المرصعة بالنجوم والملايين من الأشكال الهندسية المتعددة والألوان المشرقة على أنها الجنة. ويُعتقد أن دالي كان يحاول إيصال الرؤية الساحرة للمدينة الإلهية التي وصفها دانتي بحيث يشعر المشاهد وكأنه يعيش في عالم سحري ومدهش.

لوحة السماء السادسة المشتري / كانتو 20 - سلفادور دالي
لوحة السماء السادسة المشتري / كانتو 20 – سلفادور دالي

نرى مثلًا في رسمة دالي (السماء السادسة المشتري / كانتو 20)، مرسومة حوالي عام 1960، مشهد أثيري لا أثر لشيء مادي فيه. يأخذ دالي فقط المشاهدين في رحلة سماوية ويعرض مزيج من السريالية (مذهبه في الرسم) وفسحة من الخيال الكوني فيتخطى حدود العالم الأرضي. ويكأنه يدعونا لاستكشاف مناظر أثيرية وعالم آخر مليء بالرمزية والجمال المبهم.

بشكل عام، الكوميديا ​​الإلهية مليئة بالصور الخيالية والعبارات المجازية والعمق العاطفي والمشاعر المرئية. وقدم فيها دانتي لغة بصرية ثرية مكنت للرسامين من تفسيرها وإضفاء الحيوية عليها.