تعتبر الأفلام النفسية من أقل الأفلام التي يتم الحديث عنها، ومن الأقسام التي لا تُصنف الأفلام أو تُدرج تحتها بسهولة، وربما يكون ذلك لأن الأفلام النفسية لا تكون نفسية فقط، بل تحمل في طياتها أكثر من ذلك، بل قد تكون الأفلام عن شيء نراه أمامنا، لكن رمزيات الفيلم تُشير إلى مرضٍ نفسي أو حالة نفسية يمر بها الإنسان.

ومن هنا فإننا نجد كثيرًا من النقاد والمُحللين يتحدثون عن بعض الأفلام النفسية ويرشحونها، وفي الوقت ذاته يتم الإشار للأفلام نفسها في تصنيفات أخرى، ويعتبر هذا الأمر منطقيًا بشكلٍ كبير فالأحداث المرعبة قد تكون نفسية بالنسبة لنا، وهكذا الأحداث الدرامية أو حتى بعض مشاهد الأكشن، فبواطن الإنسان لا حد لها، وكلُ ما يتحدث عن الإنسان قد يتعقد حتى تصبح رؤية الأمر نفسه ضبابية، ومن هنا حاولنا أن نقوم بكتابة هذه القائمة، ومُراعاة التنوع بها من حيث الموضوع المُناقش والمخرج المُختار، فهناك بعض المخرجين يمكن أن نضع أفلامهم فقط في هذه القائمة ولا تكفينا. 

1. ONE FLEW OVER THE CUCKOO’S NEST

تم إصدار الفيلم عامل 1975، والفيلم من إخراج ميلوش فورمان، ومن بطولة جاك نيكلسون، ولويز فليتشر، وويل سامبسون، والفيلم من تأليف لورنس هوبن، بو غولدمان بالاستناد على رواية الكاتب الأمريكي كين كيسي التي تحمل نفس الاسم.

تدور أحداث الفيلم في أحد المصحات النفسية. نرى راندل باتريك ماكمفري في بداية الفيلم وهو يُجبر على العيش في المصحة لتحسين تصرفاته، وتهذيب أفعاله، لكننا سريعًا ما نبدأ بملاحظة أبعاد النظام الذي زُج براندل فيه، فالمصحة تعمل طبقًا لنظام صارم للغاية، وجداول لا يمكن أن يحيد عنها أحد، وقد سببت هذه القوانين بجعل جميع المرضى في حالة من الخنوع والاستسلام، بل والتصديق الدائم والمستمر أنهم أصحاب أمراض حقيقية لا يمكن معالجتها، في هذا النظام الثابت، والحياة محددة المعالم يأتي راندل ليقف في حلق النظام، ليثور على كل هذا، ليكون صوت الحرية الوحيد، يصرخ، ويتمرد، ويجلب السعادة والبهجة، ويحاول تغيير رأي المرضى في واقعهم ومرضهم، هذا التشكيك والحماس هو عدو النظام الأول، والنظام هنا يتمثل في الطبيبة راتشيد.

على الرغم من أن قصة الفيلم واضحة أمامنا فإنه وخلف هذه القصة توجد كثير من الرمزيات السياسية والاجتماعية، التي تجعل للفيلم أبعادًا أخرى تشير إلى مدى أهميته، وقد اختاره معهد الفيلم الأمريكي ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في التاريخ، كما يعتبر الفيلم من الأفلام النادرة التي فازت في سباق الأوسكار بخمس جوائز، وهم: أفضل فيلم، أفضل سيناريو، أفضل إخراج، أفضل ممثل، أفضل ممثلة.

 2. A Clockwork Orange

تم إصدار الفيلم عام 1971، والفيلم من إخراج وكتابة ستانلي كوبريك، والفيلم مبني على رواية لنفس الاسم للكاتب الإنجليزي أنتوني برجس، ومن بطولة مالكوم ماكدويل.

تبدأ أحداث الفيلم مع أليكس وأصدقائه، مجموعة من الشباب، يتصرفون كما يحلو لهم بغض النظر عن العواقب ومدى الأذى الذي يمكن أن يسببوه لغيرهم، أو للفساد الذي ينشرونه في المجتمع، يظهر كوبريك شخصية أليكس وأصدقائه بشكلٍ واضحٍ وصادم، فنرى الكثير من المشاجرات والقتال، والاغتصاب، أي شيء يمكن أن يحدث من أجل متعتهم الشخصية، ولكن تتفاقم الأحداث، حتى تفقد امرأة حياتها بسببهم، وهنا يتم القبض على أليكس وإلقائه في السجن، لكن وعلى الرغم من هذا ظل الشاب يحتفظ بقدرته على التخيل وصناعة العنف في رأسه حتى شاءت الأقدار أن يتم اختياره للخضوع إلى تجربة تهدف لجعل البشر أفضل، وذلك عن طريق نزع حق الاختيار منهم.

وبالفعل نرى التحول الحادث في شخصية أليكس، لكن هذا البعد عن الجرائم، وهذا الهدوء لا يريحنا، بل يجعلنا كوبريك نصل إلا مرحلة نتمنى فيها أن يقوم البطل بارتكاب جريمة لنشعر أنه إنسان طبيعي.

الفيلم مليء بالرمزيات والأفكار المعقدة، بل وبالأشياء المختلطة والمتضاربة التي يرى كوبريك أنها أفضل طريقة لإيصال ما لديه، فالأشرار يشربون الحليب، والأخيار يشربون الخمر، والموسيقى التي يتم وضعها على المشاهد هي موسيقى غير مناسبة بل ومختلفة بشكل كبير عما يقوله المشهد. كل هذه العناصر والمشاهد والشخصيات صنعوا لنا في النهاية فيلم يعتبر من أهم الأفلام على الإطلاق، كما يترك لنا الفيلم مساحة واسعة لنفكر أكثر حول الإنسان، وأفكاره، والاختيارات التي يتخذها والخير والشر.

3. Autumn Sonata

تم إصدار الفيلم عام 1978، والفيلم من إخراج وكتابة إنجمار بيرجمان، ومن بطول إنجريد بيرجمان، وليف أولمان.

تدور أحداث الفيلم حول أم تعزف البيانو وتحقق نجاحًا كبيرًا في عملها وفنها، وابنتها التي تعيش منعزلة في منزلها مع زوجها القس الذي يحبها حبًا جمًا، تعمل الأم إيفا دائمًا مما يجعلها بعيدة عن عائلتها وابنتها، لكن الابنة التي كانت تهتم بغياب أمها وهي صغيرة أصبحت زوجة الآن وأصبحت تتحمل غياب أمها حتى لمدة وصلت إلى سبع سنوات، لكن ينكسر حائط الفراق هذا حينما تصعد روح صديق العائلة والأم بول. حينها ترسل الابنة شارلوت بجوابٍ إلى أمها لتعيش معها في منزلها.

وعلى الرغم من أن الجواب أُرسل بلا أمل، فإن المفاجأة حدثت حينما أتت الأم لتعيش بالفعل مع ابنتها، لكن وخلال هذا نرى العلاقة بين الأم والابنة، علاقة طبيعية تحمل كثيرًا من الحب والمودة، لكن سرعان ما تتغير هذه الأمور حينما تتحدث الاثنتان عن الماضي، عن الأوقات التي هجرت فيها الأم زوجها وابنتها من أجل العمل.

تعتبر علاقة الأم وابنتها من العلاقات المعقدة في عالمنا، خصوصًا وأن هذه العلاقات والروابط الأولى تؤثر فينا مدى الحياة، وهذا ما نراه جليًا في شارلوت، التي تبدو بخيرٍ من الخارج، لكن بداخلها كثيرًا من المشاكل والهموم والذكريات المؤلمة، تمثل شارلوت كثيرًا منا في هذا الفيلم، غير أن بيرجمان أراد أن يقول ما لا يقوله كثيرون، أراد أن يصل للمرحلة التي يتجنب الناس الوصول إليها، أراد أن تجلس الأم وكأنها كل أم، وتجلس الابنة، وكأنها كل ابنة، وأن تتحدثا بشفافية وصراحة ووضوح، للحد الذي يوصل للحظات الانهيار والبكاء، أحيانًا من الأبطال وأحيانًا من المشاهد.

وعلى الرغم من أن الطب النفسي يعتبر هذه العلاقات الأسرية من الأشياء المعقدة التي تحتاج لكثير من التحليل والفهم فإن بيرجمان أراد أن يخوض هذه المغامرة، ويكشف الستار عن هذه المخاوف والأحداث التي قد تفجر كثيرًا من الحزن، لكنها تتركنا في النهاية بحمولةٍ أقل على كاهلنا، وأقدام تتحرك بخفةٍ أكثر مع الرياح.

4. Black Swan

تم إصدار الفيلم عام 2010، والفيلم من إخراج دارين أرنوفسكي، وبطولة ناتالي بورتمان، وميلا كينيس، وفينسنت كاسل. تدور أحداث الفيلم حول نينا، راقصة الباليه التي تستعد لتقديم عرض سيمفونية 

«بحيرة البجعة»، وهنا تجد نينا نفسها أمام معضلة كبيرة، فالعرض يحتاج إلى تقديم البجعة البيضاء والبجعة السوداء التي تمثل النقيض تمامًا، المشكلة أن البجعة البيضاء تتماهى مع شخصية نينا، فهي فتاة محافظة وهادئة، ولا تُقبل على شيء، وذلك بسبب التربية الصارمة والمتشددة من والدتها بل وتحكمها في كل حياتها، هذه الفتاة العفوية والخجولة، تقدم دور البجعة البيضاء بشكلٍ مثالي، فالخير الذي يجب أن يظهر في العرض، موجود من الأساس في العارضة، لكن الشر والحدة التي يجب أن تظهر مع البجعة السوداء لا يوجد في نينا. وهنا تظهر شخصية توماس، المسؤول عن العرض ومدير الشركة التي تعمل بها نينا، يهتم توماس بأن يخرج العرض بالشكل الفني الذي يرضيه لذلك يحاول أن يغير نينا ولو بشكلٍ غير متعمد، وذلك عن طريق إيجاد طريقة لإخراج الجانب السوداوي منها، مما يجعلها تقدم العرض بشكلٍ مثالي.

خلال هذه الأحداث نرى علاقة نينا بليلي الفتاة التي تُظهر الجانب الأسود من شخصيتها بسهولة. كما نرى كثيرًا من التعقيدات مع شخصيات أخرى يعملون مع نينا. ومع تسلط توماس لا يمكننا أن نحمله كل شيء، فنينا نفسها لا ترضى سوى بالكمال، ومن هنا نرى قصة أخرى للفيلم، وهي قصة الفنان الذي يمكن أن يضحي بكل شيء حتى روحه مقابل أن يقدم فنًا كاملًا يرضى عنه، من هذا نرى أن الفنان قد يغير من شخصيته ومن حياته من أجل فنه، هذه الصورة الحالمة والمثالية عن الفن، وهذا التعقيد في محاولة فهم النفس البشرية بين الأبيض الساطع، والأسود القاتم هو ما يميز هذا الفيلم، فالصراع الذي تعيشه نينا لتفهم نفسها وحقيقتها، هو صراع البشر جميعًا.

5. Cast Away

تم إصدار الفيلم عام 2000، والفيلم من إخراج روبرت زيمكيز، ومن بطولة توم هانكس، تدور أحداث الفيلم حول تشاك نولاند، وهو موظف في شركة فيديكس، في إحدى رحلات عمله تحدث مشكلة وتقع الطائرة بتشاك في جزيرة معزولة، غير أن يد القدر كانت رحيمة ولم تشأ أن يلقى تشاك حتفه، فجأةً وجد الموظف نفسه ناجيًا من الموت، ويعيش في جزيرة معزولة عن العالم، هو فقط ولا أحد آخر، يحاول أن يطلب المساعدة بشتى الطرق ولكن لا فائدة، في النهاية يبدأ تشاك بالاستسلام للوضع، أو بشكل أكثر دقة يدفعه قعر الهاوية إلى شيء جديد، إلى مرحلة يتقبل فيها ما يحدث ويحاول أن يتسامح معه ويتأقلم عليه.

حاول مخرج الفيلم أن يعيش حياة مقاربة من حياة الأشخاص الذين يتوهون في منتصف البحار والمحيطات ويجدون أنفسهم على جزيرة، ويتحدث المخرج أنه خلال تجربته هذا كان سريع التأقلم وحاول أن يبحث عن الأشياء الأساسية التي تبقيه على قيد الحياة، وعلى الرغم من هذه المغامرة فإن الأمر في داخله كان أعمق من ذلك، فالأمر على حقيقته ليس عن الجزيرة المعزولة عن العالم، بل عن الإنسان الذي يصل إلى القاع، عن الإنسان الذي يخسر كل شيء، الذي ينظر بجانبه فلا يجد إلى الفراغ، وينظر إلى يده فيجد كفوفه فارغة، هذه الدرجة من اليأس والوحدة هي ما تجعلنا نحن البشر على جزيرة منعزلة حتى في مُدنِنا المُكتظة بالسكان، لكن حتى هذه المشاعر وهذا الحزن يمكن تخطيه ويمكننا دائمًا أن نجد طريقًا يخرجنا من هذه الجزيرة لنعاود الحياة . 

تم تصوير الفيلم على عامين في جزيرة معزولة مما ساعد توم هانكس على إتقان الدور بشكلٍ كبير هذا إضافة إلى اهتمامه بتفاصيل الأشخاص الذين تاهوا في ظروفٍ مشابهةٍ من قبل، وقد ترشح هانكس على دوره في هذا الفيلم لجائزة الأوسكار، إضافة إلى ترشح الفيلم لجائزة أفضل صوت.

6. Antichrist

يقول امرؤ القيس في معلقته «قفا نبكِ»: 

مِثْـلِكِ حُبْـلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ
فَأَلْـهَيْـتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْـوِلِ
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْـفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ
بِشَقٍّ،وتَحْـتِي شِقُّـهَا لَمْ يُحَوَّلِ

وهنا يتحدث الملك الضليل عن امرأة سلبها عقلها، فالمرأة الحامل والأم التي لم يتجاوز ابنها عامه الأول والتي تخاف عليه كثيرًا حتى إنها تُقلده بالتمائم وتلبسه ما يحميه من الحسد والسحر، لا تقوم من أسفل امرؤ القيس إذا ما بكى رضيعها، بل غلبتها الشهوة وأجبرتها بأن تبقى مع الشاعر ربما تتمايل قليلًا لترى الطفل، لا يتحدث الشاعر عن هذه الأمور من أجل التباهي بل يذكر هذه الذكريات في موضع البكاء، فها هو الآن في منتصف الصحراء يهرب من الموت ويتذكر لياليه القديمة، من هذه الأبيات بالذات يمكن رسم افتتاحية فيلم «Antichrist»  بالكامل، ففي بداية الفيلم أم غارقة في الشهوة، وفجأة ترى ابنها أمامها يقترب من النافذة لكنها تستسلم تمامًا لممارسة الحب، ولا تُحرك ساكنًا لإنقاذ طفلها.

الفيلم من إنتاج 2009، ومن إخراج لارس فون ترايير، ومن بطولة شارلوت جاينسبورج، وويليم دافو، في بداية الفيلم نرى الطفل وهو يقترب من النافذة ويقفز منها، ويسقط من دفتر الحياة في لحظتها، حينما تعود الأم إلى رشدها، تبدأ بإدراك الكارثة التي حدثت، وتدخل في حالة حزن، لذلك ستبتعد هي وحبيبها في بيتٍ منعزلٍ في غابة بعيدة حتى تتحسن قليلًا، لكن ما سنراه أن شعور الأم بالذنب سينمو بداخلها، ويؤثر على تصرفاتها وأفعالها التي ستصل فيها إلى حد التطرف والمغالاة، في هذا الفيلم سنرى التغيرات التي تحدث بين الأم وحبيبها، وسنرى كيف أثرت عقدة الذنب هذه عليها، بشكلٍ لا رحمة فيه.

7. Fight Club

تم إصدار الفيلم عام 1999، والفيلم من إخراج ديفيد فينشر، ومن بطولة إدوارد نورتون وبراد بيت، وهيلينا بونام كارتر، والفيلم مأخوذ من رواية الكاتب تشاك بولانيك. 

تبدأ أحداث الفيلم وتستمر معنا على لسان الراوي -إدوارد نورتون- الذي ندخل في حياته من البداية، رجل يعمل في وظيفة جيدة، يسافر كثيرًا خلالها، وتمكنه من شراء منزل في مكانٍ جيد، كما نراه وهو يشتري كل الأثاث الذي يحتاجه مهما زاد ثمنه، ولكن ومع هذا نجد أن الراوي لا يعيش حياة سعيدة، بل يعاني من الأرق والاكتئاب، ويحاول تحسين حياته بالانخراط في المجتمع ونوادي المرضى، حتى إنه انضم لمجموعة من مرضى السرطان حتى تتحسن نفسيته، ومن هنا تتكسر أمامنا صورة الشخص الناجح التي يرسمها المجتمع بالقوة، ويتحدث بعض النقاد عن أن الفيلم يناقش حياة بعد التخرج بشكلٍ خاص، وقال ديفيد فينشر إن الفيلم يخاطب الرجل في الثلاثين من عمره.

يتعرف الراوي بعد ذلك على تايلر رجل مختلف عنه بشكلٍ كبير، يعيش في منزل متهالك وبه القليل من الأساس، يعيش تايلر حياة معاكسة للراوي، ومع الوقت يقع الراوي في حياة تايلور ويؤسس معه نادي القتال لتفريغ طاقاتهما المكبوتة.

يهاجم الفيلم الحياة الاستهلاكية في المقام الأول، وطريق النجاح الجاهز والمحدد من قبل المجتمع، والحياة السطحية التي يخلقها لنا هذا الطريق. هذه الفكرة عن الحياة الاستهلاكية وحياة التفاخر بما نملك نُقِشَت بوضوح في فيلم «American Psycho». غير أن نادي القتال استطاع الغوص أكثر في النفس البشرية، ومشاهدة تأثير الحياة المعاصرة على الإنسان ورحلته في قتالها، من أجل أن يشعر أنه راضٍ عن حياته ونفسه.