لا يمكن القول بأن هناك صناعة سينما حقيقية في لبنان، وإنما تظل التجارب المتاحة كلها تجارب فردية في ظل غياب الدعم وصعوبة ظروف الإنتاج. ولعل أبرز هذه التجارب تتمثل في فيلم «كراميل» لنادين لبكي، الذي يدور حول حكايات لمجموعة من النساء يعملن في محل لتصفيف شعر، وقد عرض الفيلم بمهرجان «كان» 2007، وفيلم «دخان بلا نار» إنتاج 2009 بطولة خالد النبوي، سيرين عبد النور، تأليف وإخراج سمير حبش، ويدور في أجواء الحرب اللبنانية بعد مقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري، ويحكي عن مخرج يختار لبنان لتصوير فيلم عن القمع في العالم العربي فيقع هو تحت طائلته.

هناك أيضا فيلم «وهلأ لوين» إخراج نادين لبكي، إنتاج عام 2011، ويدور حول أحداث طائفية تقع في قرية لبنانية. وفيلم «تنورة ماكسي» إنتاج عام 2012، إخراج «جو بوعيد» الذي فاز عن الفيلم بجائزة أحسن مخرج في مهرجان موناكو السينمائي، وفازت بطلته «جوي كرم» بجائزة أفضل ممثلة، كذلك فاز بجائزة في مهرجان القاهرة السينمائي في الدورة الخامسة والثلاثين، ويدور الفيلم حول ثلاث قصص حب محرمة. ومؤخرا فيلم «فيلم طالع نازل» إخراج «محمود حجيج»، ويدور في إطار كوميدي في ليلة رأس السنة حول مجموعة من الناس تذهب لجلسة لطبيب نفسي.

وسط إكليشيهات الأفلام اللبنانية عن الحروب، والطائفية، نفذ المخرج الشاب «ميرجان بو شعيا» فيلمه الجديد «فيلم كتير كبير»، ليسخر من كل هذه الإكليشيهات بخفة ظل، ويلعب في منطقة جديدة على الساحة السينمائية اللبنانية، ويفوز الفيلم بعدة جوائز دولية، ويلقى احتفاءً محليًا وعالميًا، ويتم تقديمه للترشح بالأوسكار 2016.


قام بالفيلم مجموعة من الممثلين غير المحترفين يظهرون على الشاشة لأول مرة، ويدور الفيلم حول زياد «آلان سعادة»، ذو الوجه القاسي، العنيف، الحاد كأنه فرد من عصابات المافيا، يمتلك مع أخويه مخبزًا لصناعة البيتزا ويستخدمونه كمخزن سري للمخدرات.

نفذ الفيلم ببراعة بمزيج من العنف والفكاهة. وبالرغم من العنف والمعارك والملامح الهوليودية، إلا أن أجواء الفيلم لبنانية بامتياز.

يبدأ الفيلم بظلال «تارنتينيّة»، بجريمة قتل سيسدد ثمنها لاحقًا شخص برئ، ذنبه الوحيد أنه أخ لشخص دموي يدعي زياد الحداد. يُكلف زياد بنقل شحنة كبتاجون (نوع من أنواع المخدرات) بسيارة نقل ثقيل إلى سوريا، ثم يتورط في جريمة قتل، ويقرر سرقة الشحنة.

تبدأ بعدها رحلة كوميدية يقوم فيها «زياد» بنقل المخدرات، عبر المطار للخروج بها لأربيل بطريقة مبتكرة، ولسبب ما يلجأ زياد للعمل بالسينما كستار، ويستعين في ذلك بصديقه المخرج شربل «فؤاد يمين» ذو الشخصية الهشّة المنساقة. يقرران عمل فيلم يحكي عن فتاة مسلمة تحب مسيحيًا، ويلاقيان عدة عراقيل طائفية، وهي حكاية لبنانية معتادة.

على الرغم من أن قصة المخدرات قصة تقليدية للغاية،ولكن الفيلم نفذ ببراعة، بمزيج من العنف والفكاهة. وبالرغم من العنف والمعارك والملامح الهوليودية، إلا أن أجواء الفيلم لبنانية بامتياز. حيث يتابع الأبطال صناعة الفيلم الوهمي، فيقوم «جو» الأخ الأصغر لزياد بالبطولة، وتتم الاستعانة بأصدقائهم لتقليل النفقات، بينما يوافق المخرج على طلبات زياد فقط أملا في تنفيذ الفيلم.

تتداخل الأحداث بين رجال صاحب شحنة المخدرات،الذين يبحثون عن زياد ليعرفوا أين ذهبت الشحنة، وبين صناعة الفيلم الذي ينتجه زياد، وهو لا يملك أدني معرفة بالسينما، ويتعامل معها بصلف، بنفس الطريقة التي يعمل بها في المخدرات، لا يفرّق كثيرا بين صناعة السينما، وصناعة المناقيش، يغضب دائما من توجيهات المخرج، يجبره على تغيير السيناريو بالكامل، أو تمزيق الأجزاء التي لا تروق له.

احتل الوجه النسائي مساحة ضئيلة جدًا بالفيلم، تمثلت في زوجة المخرج «أليكسندرا قهوجي»، والتي تقوم ببطولة الفيلم الذي يصنعه زوجها.

يتحول الفيلم الذي يصنعه شربل وزياد،إلى فيلم كبير بالفعل، معارك طائفية حقيقية، وانفجارات في مواقع التصوير، نفذت بصورة فكاهية، شيئا فشيئًا يصبح هذا الفيلم التي تتبعه القنابل أينما ذهب، حديث التلفزيونات والصحافة، بعد مناوشات كثيرة، وحوادث خطف، وانفجارات سينمائية، سيحدث تحول جذري في حياة زياد، بعيدًا عن السينما والمناقيش.


يُذكر أن المخرج «ميرجان بوشعيا» مواليد بيروت 1989، حصل على الماجستير في السينما من الأكاديمية اللبنانية للفنون عام 2012، بدأ حياته الفنية عام 2008، بكليب موسيقي إهداء لشهداء الجيش اللبناني، قام بكتابة ومونتاج وإخراج ثمانية أفلام قصيرة، بعضهم في التلفزيون اللبناني، وعُرض البعض الآخر في مهرجانات دولية، وقام بكتابة عدة مسلسلات لبنانية، كما كتب عشرة أفلام وثائقية عن العرب المهاجرين للأرجنتين.

«فيلم كتير كبير» هو أول أفلامه الروائية الطويلة، نواة الفيلم كانت بمشروع تخرجه، فيلم قصير باسم «فيلم كبير» لنفس الممثلين، ثم عدّل السيناريو ليصبح فيلمًا روائيًا طويلًا، تم دعم الفيلم من مؤسسة الدوحة للأفلام، وأنتجته شركة «كبريت» للأخوان شعيا، كما تم تصوير الفيلم بالكامل بمنطقة الدكوانة بشمال بيروت، وهي منطقة عانت من الطائفية والحرب الأهلية لأن أغلب سكانها مسيحيون.

وقد شارك الفيلم بمهرجان «تورنتو» الماضي، وفاز بجائزة المهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف «فيفوج» الفضية، للجنة تحكيم المسابقة الدولية، كما فاز بجائزة المسابقة الرسمية لمهرجان الإسكندرية، في دورته الثانية والثلاثين، وفاز بالنجمة الذهبية بمهرجان مراكش، الذي ترأس فيه لجنة التحكيم المخرج الأمريكي«فرانسيس كوبولا» صاحب فيلم العرّاب، كما تم عرض الفيلم في معظم البلدان العربية.

ويُذكر أن فريق العمل رفض مؤخرًا جائزة «الميوركس دور» اللبنانية، احتجاجًا علي الفن الهابط، والفساد اللبناني على حد قول «آلان سعادة» بطل الفيلم.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.