في مسلسل «سوق العصر» قام البطل «أحمد عبد العزيز» بأداء دور «منصور المغازي» الذي ينتفض لشرفه وكرامته وكرامة أسرته وعائلته. وحين دخل السجن زورًا حاول المسجونون ضربه لإخضاعه للمعلم «سمعة» كبير المسجونين. ولكنهم لم يستطيعوا النيل من ابن المغازية الذي قام بضرب الجميع بما فيهم سمعة. هذا المشهد المهيب عاد مرة أخرى للاستخدام ولكن في صفحات السخرية والكوميكس، فهو بمقاييس العصر مشهد هزلي بامتياز.

السبب الرئيسي لهزلية المشهد ﻻ يكمن فقط في الأداء المبالغ فيه لأحمد عبد العزيز وباقي الممثلين بالمشهد، فمشاهد الأكشن تصور الآن بشكل أكثر إقناعًا رغم سوء أداء الممثلين أغلب الوقت، ولكن يرجع أيضًا لتقنية الثلاث كاميرات التليفزونية المستخدمة في ذلك العصر، والتي كانت لا تسمح بمساحة للقطع المونتاجي أو إعادة تصوير المشاهد وأخذ لقطات مجمعة ليصبح المشهد أكثر إتقانًا، بالإضافة لعدم جودة صورتها وتعاطيها السيئ مع الإضاءة والمؤثرات الصوتية والبصرية.

ولكن تغير الحال وأصبحت مسلسلات الأكشن تملأ الشاشة خصوصًا هذا العام. فكيف تطورت مسلسلات الأكشن؟ وما العقبات التي تواجهها؟


كيف كانت البداية؟

قبيل 2010 سيطرت المسلسلات الدرامية على الموسم الرمضاني بشكل كبير، وبدرجة أقل جاءت الكوميديا والست كوم. ولكن بعد بداية استخدام تقنية الكاميرا الواحدة، كانت هناك محاولات حثيثة لصنع بعض مشاهد الأكشن المتقنة، حيث قام المخرج «نادر جلال» بتصوير بعض مشاهد الأكشن في مسلسلي «ظل المحارب»، و«حرب الجواسيس».

بداية من عام 2011، صادف قيام ثورة 25 يناير، تحقق عنصرين كان لهما عظيم الأثر في تطور الدراما التلفزيونية؛ أولهما هو نهاية الموسم الصيفي السينمائي نتيجة دخول شهر رمضان فيه وهو الموسم الأهم، وانخفاض الإنتاج السينمائي نتيجة توترات ما بعد الثورة. وثانيهما اعتياد صناع الدراما والجمهور على الصورة التليفزيونية الجديدة التي تخلقها تقنية الكاميرا الواحدة، والتي ظلت عصية على الفهم عند العديد من مخرجي الدراما والفنانين لفترة إلى أن أصبحت أمرًا واقعًا.

ثم بدأ قطار مسلسلات الأكشن مع المخرج «أحمد نادر جلال» و«يوسف الشريف» من خلال مسلسل «رقم مجهول» الذي صنع بعض مشاهد الأكشن المميزة وكانت طريقة تنفيذها جديدة على الدراما الرمضانية. فلأول مرة تقريبًا يتم تصوير مشهد مطاردة في الدراما في حارة عشوائية متهالكة وباستخدام السيارات والتكاتك والأسلحة، ثم أكد أحمد جلال بعدها تميزه في مسلسل «اسم مؤقت». وفي ذلك الوقت بدأت الدراما الرمضانية تجذب الفئات العمرية الصغيرة التي كانت الدراما بعيدة عنهم في الأوقات السابقة، ومن هنا بدأ اهتمام المنتجين يتزايد بمسلسلات الأكشن.


المزيد من الالتواءات

تنقسم مسلسلات الأكشن المصرية لنوعين؛ الأول وهو المعتمد بشكل خالص على تقديم حبكة غامضة مليئة بالألغاز، حيث الحلقات الغامرة بالتواءات في الحبكة والأحداث. وتعد مسلسلات «عمرو سمير عاطف» التي كتبها ليوسف الشريف وطارق لطفي المثال الأشهر على تلك الفئة. أما النوع الثاني وهو المعتمد على قصة خالية من الغموض حيث أطراف الصراع معروفون من الحلقات الأولى، ويتم تعقيد الصراع تدريجيًا إلى أن نصل لذروة الأحداث مثل مسلسلي «كلبش» و«رحيم» على سبيل المثال.

وتأثرت مسلسلات الأكشن بالأحداث السياسية والاجتماعية التي سيطرت على مصر بطبيعة الحال. ففي الفترة التي تلت الثورة كانت أغلب مسلسلات الأكشن معتمدة على الأحداث الغامضة التي حدثت في الثورة، مثل مسلسل «المواطن إكس» و«رقم مجهول» وغيرهما. وفي الفترة التي تلت «أحداث 30 يونيو» وما تبعها من عمليات إرهابية في كافة القطر المصري، تصدر موضوع الإرهاب مسلسلات الأكشن بنوعيها. فرأينا مسلسلات مثل «القيصر» و«أبو عمر المصري» تعتمد حبكتها بدرجة كبيرة على عناصر من الجماعات والتنظيمات الإرهابية سواء في الماضي أو الحاضر.

كما تغيرت صورة ضابط الشرطة من القاسي المعتدي على المواطنين إلى المدافع عن الوطن والمخلص لعائلته وبلده، حتى لو وقع في أخطاء ولكنها تبرر بحجج كثيرة مثل عدم وجود خيارات أخرى سوى الضغط على المواطن سواء بالتهديد أو التعذيب، من أمثلة هذه المسلسلات «كلبش» و«الخروج». وتغيرت كذلك صورة الثورة من الحدث الشريف المدفوع بشباب يهدف للتغيير، للحدث الغامض الذي تقف خلفه دول ومخابرات عدة وهذا كان الموضوع الرئيسي لمسلسل القيصر.


إخفاقات متكررة

اشتهرت العديد من الأسماء بصناعة دراما الأكشن مثل المخرج أحمد نادر جلال والذي أخرج أغلب أعمال يوسف الشريف، بالإضافة للمخرج «أحمد خالد موسى» والذي يخرج هذا العام مسلسل «أبو عمر المصري»، بالإضافة لـ«بيتر ميمي» والذي أخرج جزئي «كلبش» و«الأب الروحي»، و«أحمد مدحت» والذي أخرج أهم أعمال يوسف الشريف «الصياد». أما من الكتاب فاشتهر عمرو سمير عاطف، ومحمد سليمان عبد الملك.

ولكن رغم وجود العديد من الأسماء سواء في الإخراج أو الكتابة، ولكن تظل هناك إخفاقات متكررة. ويعد أهم إخفاق هو العشر حلقات الأخيرة من المسلسلات الرمضانية التي تصور غالبًا أثناء عرض الحلقات. ويشوب هذه الحلقات انخفاض ملحوظ في تصميم المشاهد والأداء التمثيلي. بالإضافة للنهايات المتسرعة والتي يكون الغرض منها إبهار المشاهد فقط وليس صنع نهاية متقنة، وكذلك الاعتماد على الالتواءات بطريقة متكررة مبالغ فيها.

ففي أعمال عمرو سمير عاطف مثلاً يعتمد على تيمة الطبيعة غير الحقيقية للأبطال المساندين. فكل الأخيار حول البطل والمساندين له نكتشف كل حلقة أنهم أشرار ومتآمرون عليه، وكل الشخصيات مشاركة في اللغز. وهذا يقلل من أهمية الالتواءة ويجعل من السهل توقعها مع مرور الوقت خصوصًا للذين اعتادوا على مشاهدة هذه النوعية من المسلسلات.

أما على المستوى التقني، فهناك مبالغة في استخدام «الكاميرا المحمولة – hand held» في كل المشاهد دون داعٍ. فالكاميرا المحمولة تستخدم عادة في تصوير مشاهد الأكشن أو المشاهد التي يشوبها التوتر، ولكن في مسلسلات الأكشن المصرية يتم استخدامها في كل المشاهد كنمط تصوير يعتمده المخرج، حتى في المشاهد العاطفية. وهناك أيضًا كثرة القطعات المونتاجية وتصوير الحوارات العادية من أكثر من زاوية دون سبب درامي أو جمالى حتى. أما أحدث صيحة فتتمثل في الاستخدام المفرط للكاميرات الطائرة والتي أصبحت ملحوظة خصوصًا في مسلسلات أحمد خالد موسى.

في النهاية يمكن القول إن ظاهرة مسلسلات الأكشن تعكس تطور أدوات التصوير والإخراج ومحاولة البحث عن أفكار جديدة تناسب فئات الشباب، ولكنها مع الوقت أصبحت متكررة بشكل كبير وتوقفت عن التطور على مستوى الأفكار والكتابة والإخراج.