في سبتمبر/أيلول في العام 2014؛ قام «الحوثيون» بتحركات عسكرية في العاصمة اليمنية صنعاء. أعلنوا آنذاك أن الهدف من التصعيد هو إجراء تغييرات في الحكومة، وشيئًا فشيئًا بدأوا حربًا لم تنتهِ حتى اليوم.وفي سيناريو مُشابه، قبل ما يربو على أسبوعٍ من الآن، دعا «المجلس الانتقالي الجنوبي» الرئيس «عبد ربه منصور هادي» إلى إجراء تغييرات في الحكومة. شفعَ المجلس دعوته بتهديداتٍ مضمونها أنه سيستخدم الشارع لإسقاط الحكومة إذا مر أسبوعٌ دون استجابة رسمية لمطالبه!.انقضى الأسبوع، فبدأ أنصار المجلس النازع للانفصال بالتحرك. منعتهم قوات «الحماية الرئاسية» من إقامة اعتصام في ساحة «العروض» في مديريتي «كريتر» و«خور مكسر» في عدن. فبدأت اشتباكات مُسلحة بين الطرفين، أثارتها قوات «الحزام الأمني» التابعة لـ «المجلس الانتقالي» باقتحام مبنى الأمانة العامة للحكومة اليمنية، والمُجمع القضائي في «خور مكسر». وبعد الاقتحام ظهرت مقاطع فيديو لجنود المجلس الانتقالي وهم يمزقون صورة الرئيس «هادي»، ويسبون رئيس الوزراء «أحمد بن دغر» وحكومته.

حصيلة اللحظات الأولى كانت عشرة قتلى منهم ثلاثة مدنيين، وإصابة نحو 30 شخص. ازدادت الأعداد بعد ذلك حتى بلغت 15 قتيلًا، و 80 جريحًا. وتواترت الأخبار عن سيطرة قوات المجلس على أماكن واسعة من عدن. وتم إغلاق مطار عدن، وجميع المدارس المجاورة. وبقرب نهاية اليوم الأول كانت قوات المجلس قد أحكمت سيطرتها على المدخلين الرئيسيين لمديرية «كريتر»، التي تضم القصر الرئاسي المتواجد به رئيس الوزراء وحكومته.


انقلاب آخر لن يضر

«لطفي شطارة» – قيادي في «المجلس الانتقالي الجنوبي»

مع تصاعد الأحداث دخلت السعودية على خط الأزمة. فأعلن المجلس السبت الماضي استجابة لمساعي السعودية والتحالف في احتواء الأزمة، وأن المجلس يلتزم بالطريقة السلمية للوصول إلى حل في الاختلافات بينه وبين الحكومة، وأن الحوثيين هم العدو المشترك الذي يجب على الجميع الاصطفاف من أجل قتاله. بعد بيان المجلس صدر بيان الرئيس «هادي» بوقف إطلاق النار، وإعادة جميع الوحدات إلى ثكناتها، وأن يقوم كلا الطرفين بترك الأماكن التي سيطر عليها دون قيد أو شرط. لكنّ طلقات الرصاص التي لم تهدأ حتى مع ظلام الليل، والمدفعية الثقيلة التي اُستخدمت في «جبل حديد» كذّبت الطرفين.

نشر «بن دغر» على صفحة الـ«فيس بوك» نداءً موجهًا للإمارات دون غيرها، قائلًا إن الأمل معقود عليها كونها صاحبة القرار في عدن. وأكد على أن الموقف الرسمي اليمني ثابت منذ اللحظات الأولى على توصيف ما يحدث بـ«الانقلاب المرفوض». توصيف ما يحدث بالانقلاب يلقى إجماعًا داخليًا يمنيًا من مختلف الأحزاب والحركات اليمنية.

وهو ما عاد «هادي» ليُؤكده بعد اجتماعه بمستشاريه أمس في العاصمة السعودية الرياض؛ مضيفًا أن ما يحدث يثير التساؤلات حول الجهة المستفيدة من الأحداث. ودعا «الواهمين» إلى الالتزام بغايات وأهداف التحالف العربي الرئيسية، وعدم الدخول في رهانات خاسرة.

«معمر الإرياني» – وزير الإعلام اليمني.

بعد طول صمت خرج «تركي المالكي» المُتحدث باسم التحالف بدعوةٍ إلى الحوار بدلًا من القتال، مؤكدًا أن هناك اختلافات وخلافات كثيرة بين الشعب اليمني في عدن والحكومة الشرعية. وهو ما يتشابه بشكل أو بآخر مع تصريحات المجلس الانتقالي الجنوبي سالفة الذكر.

في الساعات الأولى من فجر اليوم الثلاثاء أعلن «سالم ثابت العولقي» المُتحدث باسم «المجلس الانتقالي الجنوبي» أن قواته قد أوقفت التقدم تجاه القصر الرئاسي في «معاشيق» نظرًا لوجود قوات حكومية في طريقها، لتدخل عدن بذلك فترةً من الهدوء الحذر.


عدن: ولاية الإمارات الجديدة

يتوجه الجميع شطر الإمارات نظرًا لولاء المجلس لها. وولاء المجلس وقواته للإمارات ليس سرًا، بل حقيقة أعلنها المجلس ذاته، وتُدركها رئاسة اليمن. المجلس أسسه «عيدروس الزبيدي» محافظ عدن المُقال في 11 مايو/ آيار 2017. المجلس يدعم الإمارات، وتدعمه الإمارات. بيانُ تأسيسه تضمن الاستمرار في دعم التحالف العربي وقوات «علي عبد الله صالح»، وحمل البيان شكرًا خاصًا للإمارات العربية المُتحدة لتهيئتها المنظومة الأمنية والعسكرية في محافظات الجنوب. نائب رئيس المجلس «هاني بن بريك» قريبٌ من قيادة الإمارات.كذلك جاء بيان التأسيس برغبة واضحة في إرساء «الفيدرالية» اليمنية، بالإضافة إلى طلب مساعدة المُجتمع الدولي في تحقيق «استقلال» جنوب اليمن دولةً، ووطنًا، وهويةً. بعد هذا البيان توجه «الزبيدي» و«بن بريك» إلى السعودية حيث قضيا أسبوعًا كاملًا، ثم منها إلى أبو ظبي حيث قضوا فترةً أطول هناك.ويبدو أن تعاون الإمارات مع المجلس يتجاوز الدعم السياسي إلى الإمداد العسكري، وهو ما أكده قائد اللواء الرابع في حرس الرئاسة «مهران القباطي»، إذ أوضح في لقاء رسمي أن الآليات التي استخدمتها قوات المجلس مملوكة للإمارات. كذلك شُوهدت طائرات التحالف محلقةً فوق ميدان المعركة، لدعم قوات «الحزام الأمني».إضافةً إلى الآليات؛ فإن الإمارات هي من شكلت قوات «الحزام الأمني» في مارس/ آذار 2016، جمعت فيها 12 ألف شخص، جميعهم من الذين سَرحهم «صالح» من الخدمة أثناء فترة حكمه. دعمتها ودربتها حتى رفضت أمرًا رئاسيًا مباشرًا بتسليم مطار عدن في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2017. خاضت قتالًا ضد نجل الرئيس «ناصر منصور هادي»، خرجت من ذلك القتال منتصرةً بانسحاب نجل الرئيس بأمر من أبيه، وظل المطار تحت سيطرتها. إلا أن الإمارات نفت على لسان وزير خارجيتها «أنور قرقاش» أي علاقة لها بما يحدث في جنوب اليمن، وأكدت أن موقفها واضح من دعم التحالف العربي، وأنه لا عزاء لمن يسعى إلى الفتنة.

اقرأ أيضًا:ما بعد «صالح»: سلاح التحالف وسياسة الإخوان


إما أن تموت بالرصاص أو بالجوع

لم يلق بيان «هادي» ولا منشور «بن دغر» أي صدى على الأرض. كذلك لم يبدُ «محمد آل جابر» سفير السعودية في اليمن جادًا بصورة كافية في تغريدته الداعية إلى إيقاف جميع مظاهر القتال، وإنهاء الاشتباكات المسلحة في عدن. فاستمرت الاشتباكات، وارتفعت أعداد القتلى إلى 36، وقفزت أعداد المصابين إلى 190 مصابًا.ارتفاع أعداد القتلى لم يغير شيئًا في المواقف المُعلنة حتى الآن. الولايات المُتحدة تتابع عن كثب، وتشعر بالقلق. كذلك الأمم المُتحدة تشعر بالقلق وتدعو للحوار. الحوثيون يستغلون ارتباك القوات اليمنية في إحكام سيطرتهم على العاصمة الأصلية لليمن «صنعاء». قوات المجلس تبسط مزيدًا من النفوذ على العاصمة المُؤقتة «عدن».

https://www.facebook.com/OSESGY/posts/1591623690919590

«إسماعيل ولد الشيخ» – المبعوث الأممي لدي اليمن

إلا أن كثرة القتلى وطول مدة الاقتتال تُنذر بدخول سكان المحافظة في حالة جوع نظرًا لنفاد المُؤن الغذائية. فبدخول المعارك يومها الثالث صارت محافظة عدن معزولةً عن باقي محافظات اليمن؛ إذ توقفت الملاحة الجوية والبحرية، وتم إغلاق جميع المنافذ البرية، ما نتج عنه توقف عمليات النقل بين عدن وباقي المحافظات.

اقرأ أيضًا:موانئ دبي: الاغتيال الإماراتي للأمم تلك الحالة ستضيف معركة جديدة إلى جانب المعركة الحالية، معركة يشنها السكان ضد الأسواق التجارية. وربما تشهد المدينة حالات سطو ونهب على البنوك وأماكن الخدمات العامة الأخرى، خاصةً مع انقطاع الكهرباء، وانشغال قوات الأمن بالمعركة الجارية.


السعودية: مطعونة بغدر الأصدقاء

السقف سيرتفع الآن … قلناها ولم يسمعوا.

السعودية في موقف حرج كونها القائد المُعلن لقوات التحالف، وكونها شريكة الإمارات فيما يحدث في اليمن منذ البداية. لكن أحداث عدن جاءت لتضع السعودية في موقف يحتم عليها الاختيار بين الشرعية المُتمثلة في القضاء على قوات «الحزام الأمني»، وبين «الانقلاب» المتمثل في دعم تلك القوات.السعودية بدت عليها الحيرة، إعلامها يصف قوات المجلس الانتقالي باسم بـ«الانفصاليين»، ما يرفع عنهم، وعن الإمارات الداعمة لهم، أي غطاء شرعي. لكنها في الوقت ذاته لم تقف بصرامة مع الطرف الآخر، واكتفت بلعب دور الوسيط الداعي للتهدئة والحوار.

ليست تلك الحيرة بجديدة على السعودية والإمارات. فكلٌ منهما دخلت حرب اليمن بأجندة غير الأخرى. السعودية رغبت في تأمين حدودها من الحوثيين، أما الإمارات فدخلت وعينها على مصالح اقتصادية وإستراتيجية تتجاوز القضاء على الحوثيين. لذا، فكل من يقف في طريق الإمارات تجاه السيطرة الكاملة على عدن يُعتبر عدوًا.

ما يعني أن المعركة التي تشهدها عدن هذه الأيام لن تكون الأخيرة، وأن الصمت السعودي يمكن أن يتحول من أحد ثوابت المعادلة إلى مُتغير جديد ينبغي على الإمارات أن تواجهه قبل أن تمضي في تحقيق أهدافها من وراء حرب اليمن.