تاريخ كرة القدم هو رحلة حزينة من المتعة إلى الواجب. وكلما تحولت هذه الرياضة إلى صناعة كان يتم استبعاد الجمال الذي يتولد من متعة اللعب لمجرد اللعب.
إدواردو جاليانو

تلك هي الكلمات الأولى من كتاب كرة القدم بين الشمس والظل، تلك الصيحة التي أطلقها إدواردو جاليانو ندمًا على الأيام الخوالي التي كانت الكرة تلعب فيها دون حسابات بغرض المتعة المجردة، رحلة حزينة بالطبع.

ما الضامن لنا إذن ألا نقع في فخ النوستالجيا المحبب إذا ما قررنا أن نتناول تلك الرحلة الحزينة؟ ربما سيبدو منصفًا أن نتناول الأمر كله من خلال سرد بعض الوقائع المثبتة أمام الجميع. دعنا نكون أكثر دقة: ماذا لو تسللنا داخل واحدة من أهم المؤسسات التي ساهمت في هذا التحول؟

لم ترتبط كرة القدم عبر تاريخها بمؤسسة مثلما فعلت مع شركة أديداس الألمانية. بل ربما يمكننا وصف تلك الشراكة على أنها درب طويل من الأحداث والقصص والتحول. يمكننا تخيل تلك الرحلة الحزينة التي قصدها جاليانو أنها بدأت السير عبر طريق من ثلاثة أشرطة وما زالت تسير وربما تسير إلى الأبد.

معجزة بيرن: الحذاء في مواجهة الجمجمة الحديدية

لن نعيد عليك قصة «آل داسلر» وكيف اختلف الأخوان وانفصلا؛ فأصبح هناك أديداس وبوما. كل ما نحتاجه من تلك القصة هي أن تتأكد أن السيد «أدولف داسلر» صاحب العلامة التجارية أديداس كان مبتكرًا بالفعل فيما يتعلق بصناعة الأحذية.

اقرأ أيضًا: صراع القرن: هل تعلم أن مؤسسي بوما وأديداس أشقاء؟

حدث الانفصال هذا بعد الحرب العالمية، وظهرت شركة أديداس تحت إمرة السيد أدولف. كانت السنوات التي أعقبت الحرب مباشرة صعبة للغاية، حيث قرر الاعتماد على روحه الإبداعية بشكل أساسي وبدأ في الابتكار مستغلًا حصوله على بقايا بعض المواد من زمن الحرب.

كان أدولف يصمم أحذية مصنوعة من بطانات خزان وقود الطائرات وطوافات مطاطية وقماش من الخيام في حالة عدم وجود الجلد المناسب لصناعة الحذاء. كان الرجل متعطشًا للنجاح والابتكار ولم يتوقف أمام الظروف الصعبة بل إن تلك الصعوبات ستشكل الكثير من مستقبله فيما بعد.

تعافى الاقتصاد الألماني مع الوقت وأصبحت شركة أديداس أكثر نجاحًا، إلا أن أدولف لم يستطع أن يتخلص من آثار الأيام الصعبة على ما يبدو، فقد كانت فكرة الابتكار والتطوير لحذاء كرة القدم صداعًا لا يهدأ في عقله.

كان أدولف يعمل مستشارًا للمنتخب الألماني مقدمًا النصائح فيما يتعلق بالملابس والأحذية، وكان الحدث هو نهائي كأس العالم 1954 فيما عُرف بعد ذلك بمعجزة بيرن.

 واجه المنتخب الألماني ذو المستوى المتدني منتخب المجر الذي وصل النهائي دون هزيمة منذ أربع سنوات مضت، حتى أن الفريقين تقابلا في دور المجموعات فكانت النتيجة فوز منتخب المجر بثمانية أهداف مقابل ثلاثة.

لم يكن المنتخب الألماني متفوقًا في شيء سوى شيء وحيد وهو حذاء مصمم خصيصًا من قبل أدولف. استطاع الرجل الذي نجح في تطويع مخلفات الحرب من قبل أن يخترع أحذية ذات مسامير ملولبة يمكن تغييرها بسهولة لتلائم حالة العشب.

مع هطول الأمطار في اليوم النهائي لكأس العالم وتدهور ملعب وانكدورف، نصح آدي الألمان بتغيير مسامير الحذاء إلى مسامير أطول. مع تقدم الوقت أصبح من الواضح أنهم يتمتعون بتحكم أفضل فوق الأرضية الموحلة، وكانوا أسرع في الوقوف على أقدامهم من المجريين الذين كانت أحذيتهم المبللة بالمطر تبطئهم.

استطاع المنتخب الألماني أن يفوز على المنتخب المجري بفضل أحذية أديداس وهو ما صرح به علانية مدرب المنتخب الألماني السيد «سيب هيربيرج» بعد المباراة وهنا تغير كل شيء. كانت معجزة بيرن تشير إلى تفوق صناعي بحت، لأول مرة كانت الأسطورة تنسج حول حذاء لا مهارة لاعب أو قدرات استثنائية لا يمكن وصفها.

قبل تلك المباراة كانت أساطير كرة القدم تتمحور حول لاعب مهاري وآخر قوي حتى أن حارس الفريق المجري في ذات المباراة كان يلقب بإله الكرة وهذا لأنه كان يلعب بشظية حرب عالقة في جمجمته لأكثر من عقد.

لمعت أديداس كما لم يحدث من قبل بعد تلك المباراة بالطبع، ولم تتوقف ابتكارات الشركة في تصنيع أحذية أقل وزنًا وأكثر راحة للاعبين. لكن أدرك الجميع أن أقدام لاعبي كرة القدم يمكنها أن تنعش الاقتصاد وتضاعف الإنتاج في المصانع. فأصبحت محاولات الحصول على حقوق تلك الأقدام حربًا لا تهدأ.

عالم عقود عقود

بدأ الأمر بعقود رعاية حصرية تربط اللاعبين بالعلامات التجارية. تتهافت الشركات ويستفيد اللاعبون قبل حتى أن تلمس أقدامهم أرضية الملعب.

لا يُقصد هنا أن الفوز لم يكن الغاية من اللعبة في البداية، أو أنه أصبح الغاية الوحيدة واندثرت فنيات اللعبة في المقابل، لكن الأكيد أن فكرة اللعب للمتعة المجردة أصبحت من الماضي، وأن فلسفة الفوز ارتبطت بالمال دون شك.

أصبح الفوز محركًا أساسيًا لأن لا عقود رعاية لفريق أو لاعب خاسر، ثم أصبحت كيفية الفوز نفسها محل شك في كثير من الأحيان نظرًا لتشعب وسطوة تلك الشركات وتحكمها في العديد من عناصر اللعبة.

إلي أي حد وصل الأمر؟ دعنا نؤكد أن القصص بصدد هذا الحديث كثيرة وعجيبة. بدأت القصة بإغراء اللاعبين لارتداء علامة تجارية معينة والبقية كان الجنون.

قرر كرويف النزول لأرض ملعب نهائي كأس العالم 1974 بقميص لا يحتوي على ثلاثة أشرطة مثل بقية لاعبي المنتخب الهولندي ولكن بشريطين فقط والسبب أنه متعاقد مع شركة بوما رغم أن المنتخب نفسه يرتدي قمصان أديداس.

كان لابد من تدارك ذلك مع الوقت، فأصبح العقد يشمل كل شيء حتى أن مدافع مانشستر سيتي السابق «ناستاسيتش» عندما وقع مع شالكه عام 2015 وجد بندًا في العقد ينص على أنه لا يمكنه ارتداء أحذية لا تحمل علامات أديداس.

لم ينتهِ الأمر هنا بل إن هناك بندًا وحيدًا يسمح للاعب أن يرتدي علامة تجارية أخرى وهو تقديم ما يثبت عدم مناسبة أحذية أديداس طبيًا له.

نعم لهذا الحد وصل الأمر، طالما أنني أقدم لك المال فيمكنني أن أتحكم في أدق التفاصيل. تبدو دومًا تلك العقود غير معلنة سواء عقود شراكة الأندية أو اللاعبين والسبب أن تلك الصفقات تحتوي على مئات التفاصيل التي تنتج من تنافس تلك الشركات.

دعنا لا نفقد الخيط الأساسي لقصتنا: كيف أثرت تلك العقود في عالم كرة القدم؟ ما يحدث عملًا أن قرار الشركات بالتركيز على الأفضل كان أحد الأسباب الرئيسية وراء اتساع الفجوة المالية بين الأغنياء والبقية.

ينطبق هذا على الأندية تمامًا كما ينطبق على اللاعبين وقد أدى ذلك إلى تضاؤل ​​عدد الأندية التي يمكنها تحمل تكلفة أفضل لاعبي كرة القدم، ودائرة الأندية القادرة على الاختراق والفوز بلقب محلي أو بطولة أوروبية أصبحت أصغر.

ولهذا أصبحت فلسفة الفوز أكثر أهمية لأنها تخدم الصناعة التي تقدم المال. هذا المال الذي يجلب اللاعبين، هؤلاء اللاعبون كان هدفهم إمتاع الجماهير فأصبح هدفهم الفوز كأولوية حتى يتمكنوا من جلب الأموال عن طريق إمضاء عقود الرعاية، وهكذا أصبحت الدائرة مغلقة إلى ما لا نهاية.

المال والفساد: طريق محتوم

طالما أن المال أصبح المحرك الرئيسي فحتمًا سينزلق الأمر نحو الفساد. وهذا ما حدث بالفعل!

بعد أن غرق الفيفا في قضايا الفساد وانتهى الأمر للإطاحة ببلاتر والعديد من الأسماء التاريخية ظهرت العديد من الملفات للسطح. أحد تلك الملفات كانت مزاعم تؤكد أن الرئيس التنفيذي السابق لشركة أديداس «روبرت لويس دريفوس» أقرض اللجنة المسؤولة عن ملف استضافة ألمانيا لكأس العالم 2006 حوالي 6.5 مليون يورو للمساعدة في الحصول على الدعم اللازم في تصويت 2000 أو بمسمى آخر للمساهمة في عملية شراء الأصوات لدعم الملف الألماني.

أكدت جريدة دير شبيجل أن لويس دريفوس استعاد أمواله في 2005 من خلال مدفوعات من الفيفا مقنعة في شكل أموال للبرنامج الثقافي خلال البطولة.

أكد الاتحاد الألماني أن تحقيقًا داخليًا لم يجد ما يشير إلى ارتكاب مخالفات في العملية الشاملة التي منحت بطولة كأس العالم 2006 لألمانيا، لكن يتم البحث في ذات المبلغ حيث تم دفعه عام 2005 من اللجنة المنظمة لكأس العالم بالفعل في غير المخصص له.

ناهيك أن أديداس شريك أساسي في قضايا عمالة الأطفال في دول العالم الثالث، حيث تم اتهامها من قبل بالمعاملة البربرية للموظفين في المصانع الإندونيسية التي تزود الشركة الألمانية العملاقة.

ثبت أن تصنيع ملابس أديداس في مصنعين محددين تم باستخدام عمالة الأطفال والعمل الإضافي القسري. كان الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا يعانون من العمل أكثر من 15 ساعة يوميًا.

يتقاضى هؤلاء أقل من 60 دولارًا أمريكيًا في الشهر، وهي معدلات أقل من طلب منظمة العمل الدولية للحصول على أجر معيشي جيد، كما يعاقبون على أخذ إجازة رغم الصعوبات الطبية ويقتطع من الأجور بشكل غير قانوني.

ماذا تفعل أديداس حيال ذلك؟ تمامًا مثلما تتعامل مؤسسات كرة القدم مع الفساد. تم تعيين السيدة «أديتي وانشو» المديرة التنفيذية لشركة أديداس لمهمة القضاء على أي عبودية في سلسلة التوريد الخاصة بشركة أديداس. النتيجة العديد من التصريحات التي لا تتوقف والكثير من المشاكل التي لا تتوقف أيضًا.

تبدو رحلة أديداس مع كرة القدم رحلة حزينة بالفعل بدأت بالابتكار وانتهت بالفساد وفي طريقها حولت كرة القدم من المتعة البسيطة للصناعة التي لا تعترف سوى بالفوز بأي طريقة.