قبل أن يبدأ الموسم الرمضاني هذا العام كانت العناوين العريضة لأي أخبار عن المسلسلات أو قنوات عرضها تتصدرها جملة «أقوى موسم رمضاني منذ سنوات». حماس كبير كان ينتاب الجمهور والمهتمين بالفن على حد سواء، فالموسم يحمل أسماءً كبيرة؛ يحيى الفخراني، وعبد الرحيم كمال، ومنى زكي، ومحمد ممدوح، ومحمد فراج، ومريم نعوم، ويسرا، ونيللي كريم، وأحمد عز، وكريم عبد العزيز، وهند صبري. كل النجوم المصريين تقريباً في استوديوهات التصوير، هذا إلى جانب الميزانيات الضخمة والإنتاج السخي، كل هذا ينبئ بموسم درامي قوي ووجبة مسلسلاتية دسمة.

بدأ الجمهور مشاهدة الأعمال بحماس، والآن وبعد عشر حلقات فقط هل ما زال الحماس متّقداً؟ وما هي الانطباعات الأولية عن المسلسلات الرمضانية حتى الآن؟ هل اختلف الانطباع الاستباقي عن الرأي الحقيقي في معظم المسلسلات بعد مشاهدة عشر حلقات؟ هذا ما نناقشه اليوم.

السطحية التي أعيت من يداويها

بدأت الحماسة الجماهيرية مع عرض أول حلقات مسلسل «القاهرة كابول» من بطولة طارق لطفي وفتحي عبد الوهاب وخالد الصاوي، من تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج حسام علي، والذي يحكي عن التطرف الديني وكيف يمكن للإسلام السياسي أن يفسد الأمور، ويستعرض قصة صعود/تحول شاب عادي إلى أمير جماعة جهادية متطرفة، وكيف يتعامل المجتمع المصري مع التطرف والإرهاب.

لاحت منذ الحلقات الأولى بوادر الكليشيهية المتعمدة والمناظرات الفكرية الأكاديمية المباشرة، مع أداء استعراضي من كل من يتحدث عن الأصالة والمواطنة والسلام والعدل، مباراة تمثيلية في السطحية كسبها الفنان نبيل الحلفاوي بفارق كبير مع باقي طاقم العمل حتى أصبح الأمر متداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي كنكتة مبتذلة.

لم تقتصر المباشرة والسطحية على مسلسل «القاهرة كابول»، ولكنها امتدت للعمل الأكثر شهرة وتأثيراً منذ العام الماضي «الاختيار»، والذي يدور هذا العام عن بطولات الشرطة المصرية في مواجهة إرهاب جماعة الإخوان المسلمين وفض اعتصام رابعة وما تبعه من أحداث، العمل الذي امتلأ بالخطب العصماء والنظرات المؤثرة والحديث المطول عن الاختلافات العقائدية والسياسية ومحاولات الشرطة المصرية والأمن الوطني في احتواء أزمات الهوية لدى أفراد المجتمع.

تحول الأمر مرة أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي لنكت، فالحديث عن رهافة ورقة ونبل ونورانية ضباط الشرطة لم ينقطع لحظة، لا يمارس أي ضابط منهم العنف المتعمد أو حتى غير المتعمد، كلهم يملكون ثباتاً انفعالياً مذهلاً، وعقيدة راسخة بأحقية كل أطياف الشعب في المواطنة العادلة، كلهم رجال أشداء على الإرهابيين رحماء فيما بينهم، متفانون في عملهم ومع أسرهم بنفس القدر، رقيقو الحاشية ولا ينطقون عن الهوى. من حق كل نظام أن يُحسِّن صورته وأن يلمِّع كوادره ذوي الأهمية، ولكن الإتقان والمنطق ضروريان في هذه العملية حتى لا يتحول الأمر إلى مهزلة.

ثم إن استخدام المباشرة بإفراط في الحديث عن كل ما يتعلق بالوطن يجعل الأمر يبدو وكأن هذا الوطن لا يملك شيئاً حقيقياً للدفاع عنه، يجعل أي عاقل يشكك فيما يراه ويخفض معدلات المصداقية، وبالتالي أنت تضر قضيتك بدلاً من أن تدافع عنها.

آفة حارتنا الإملال

عندما تحكي قصة لأحدهم، لو أردت أن تستحوذ على اهتمامه يجب عليك ألا تطيل المقدمات، وأن تدخل في صلب الموضوع مباشرة، أعطِه ومضات قوية فيتركك تسترسل بينها وتخبره بكل التفاصيل التي تريد أن تحكيها، لكن لو حكيت له قصة حياتك قبل أن تخبره ما هو الأمر المشوق الذي يستحق وقته، فسوف يفقد اهتمامه بعد خمس جمل على الأكثر.

في الدراما لا يختلف الأمر كثيراً عن الحياة، التطويل والمط والإملال والتفاصيل التي لا تساعد المشاهد في تطوير رابطة مع العمل تضر العمل كثيراً حتى لو كان أعظم دراما في العالم. إيقاع العالم السريع جعل صانعي الدراما في تحدٍّ حقيقي مع هذا الأمر، كيف يمكنك اجتذاب المشاهد وإقناعه ألا يتركك طوال ثلاثين حلقة؟ يتطلب الأمر موهبة حقيقية، واقتناعاً بأهمية رأي ووقت المتلقي، أنت لا تصنع فناً لمجرد الفن، الدراما صناعة لها مستهلك، ويجب أن يرضى الزبون عن بضاعتك حتى تروج.

منذ الحلقات الأولى وقع يحيى الفخراني – للمرة الثانية على التوالي  للأسف – في الفخ نفسه، الاعتماد على كونه يحيى الفخراني دون أن يقدم أي قيمة مضافة للعمل. «نجيب زاهي زركش» هو مسلسل ممل بالفعل، لا شيء يحدث على الإطلاق، خاصة أن المسلسل مأخوذ عن المسرحية الإيطالية «الزواج على الطريقة الإيطالية»، والتي قدمها الفخراني نفسه منذ سنوات على المسرح بمشاركة دلال عبد العزيز تحت اسم «جوازة طلياني»، وبالتالي أنت تعرف آخر الموضوع وأوله، ولا شيء على الإطلاق يحمسك لإنفاق وقتك أمام شاشة لا يحدث عليها أي شيء.

امتد الإملال أيضاً لعمل لم يكن يتوقع له أحد أبداً قبل بداية الموسم أن يصاب بهذه الآفة، مسلسل «هجمة مرتدة» المأخوذ عن ملفات المخابرات المصرية. تخيل مسلسل جاسوسية ومؤامرات ومن بطولة هند صبري وأحمد عز ولا يتحدث عنه أحد على الإطلاق سوى ليقول إن هند صبري وأحمد عز لا يناسبان المرحلة السنية التي يجب على الأبطال أن يكونوا فيها، بعد أن كان من المتوقع للمسلسل أن يكون سليلاً لأعمال كبيرة مثل «رأفت الهجان»، خاصة مع تطور صناعة الدراما، ليجيء المسلسل بإيقاع بطيء وسيناريو وحوار ركيك وأحداث مملة.

أما مسلسل «لعبة نيوتن» للمخرج تامر محسن، رغم أنه يحظى بردود فعل إيجابية واسعة، فإنه خلال عشر حلقات حتى الآن لم يقدم التطور المرجو للشخصيات. بدءاً من الحلقة الخامسة وحتى الثامنة تقريباً لم يقدم المسلسل أي قيمة مضافة حقيقية سوى أداء سيد رجب ومحمد فراج، كان تطور الشخصيات بطيئًا بالفعل، ويدورون في نفس الدائرة بعد أن عرفنا أنها دائرة وانتهى الأمر. منذ الحلقة التاسعة بدأ الأمر يتحسن، ولكننا لا يمكن – رغم جودة المسلسل الشديدة – أن ننكر أنه لامس فخ الإملال، وإن لم يقع في شباكه تماماً.

التنميط فيه سم قاتل

ما الذي تريد الحديث عنه؟ العائلات المضطربة المليئة بالعلاقات المسممة؟ أرشح لك – للسنة الثانية على التوالي – مسلسل الفنانة يسرا «حرب أهلية» الذي يمتلئ بالشخصيات السايكوباتية المعقدة التي يؤذي بعضها بعضاً دون دافع حقيقي أو بدافع نمطي جداً. الحارات الشعبية؟ أرشح لك «ملوك الجدعنة» المليء بالتنميط المسلسلاتي الذي لا يمت لواقع الحارة المصرية بأي صلة، مليء بحوارات حكيمة وجمل مؤثرة وجرافيكس رخيص جداً.

العلاقات السامة؟ أرشح لك مسلسل الفنانة نيللي كريم «ضد الكسر» الذي يعج بمشكلات الأسرة المصرية الكومباوندية. اختلاط أنساب وخيانات زوجية ومستحضرات تجميل الفنانة لقاء الخميسي كله في بروجرام واحد.

خفة دم وشقاوة مع مسحة رومانسية؟ الفنانة ياسمين عبد العزيز مع الفنان أحمد العوضي يؤديان مشاهد غاية في الشقاوة في مسلسلهما «اللي مالوش كبير»، هذا بالطبع لو تغاضينا عن شقاوة العنوان نفسه والمستوحى من مشكلات الثنائي مع أخي الفنانة ياسمين عبد العزيز.

أما دموع الجلسرين فتجد منها أطناناً لدى الفنانة الموهوبة ريهام حجاج في مسلسلها «كل ما نفترق»، والتي لا يعرف أحد بالضبط لماذا تفعل هذا، وهذا لا يعود على الجلسرين، بل يعود على التمثيل. أما إذا كنت تبحث عن مسلسل كوميدي فلن تجد هذا العام سوى عملين فقط هما «أحسن أب» للممثل الشاب علي ربيع، و«فارس بلا جواز» للمطرب مصطفى قمر، ولكن بإمكانك أيضاً متابعة «نسل الأغراب»، فهناك صعيد كليشيهي نمطي جداً مليء بالعمم والوشوم الخضراء والذهب وكلمات مثل «دلوكيت»، و«آبوي»، فمن فرط مبالغة محمد سامي في تفاصيل المسلسل بالإمكان بسهولة أن يصنف كوميدياً.

الموسم الرمضاني هذا العام يعج بالأعمال التي كان من الممكن جداً أن تكون ممتعة، فنحن نمتلك الخامات الأولية لصناعة دراما جيدة، ولكن صانعيها يشعرون دوماً بالفوقية تجاه المتلقي، فينفذون وجهات نظرهم فقط دون وضع أي وزن أو اعتبار لرأي الجمهور الحقيقي، فما يهم أن تكون الأعمال تريند، وبالتالي تتدفق الأموال، وعلى المتضرر اللجوء لنتفلكس.