الشيخ معاوية في مسلسل «حديث الصباح والمساء»، الشناوي في مسلسل «زيزينيا»، حبشي في فيلم «الفرح»، كمال في مسلسل «الخواجة عبد القادر»، والكثير جدًا من الأدوار التي لعبها «محمود الجندي» والتي ترك كل منها أثرًا لم يزل رغم انقضاء السنون ورغم إعلان اعتزاله مؤخرًا.

«محمود الجندي» الذي لم يلعب دورًا واحدًا يشبه أخاه وبصمته التي تركها في كل دور بدءًا من مواويله التي كان يلقيها في المسرحيات شابًا، مرورًا بلثغته ومخارج حروفه في «زيزينيا»، وصولاً إلى لزماته الكلامية التي يضيفها للشخصية وتصبح كالشعار مثل جملة «واخدلي بالك آخويا» التي كان يطعم بها حديثه في فيلم «الفرح»، أو جملة «ربنا يعدينا منها على خير» التي كان ينهي بها معظم حواراته في مسلسله الأخير «رمضان كريم»، لماذا يعتزل الآن تحديدًا وقد شارف مشواره على الانتهاء؟.


بروفايل

لم يكن «محمود الجندي» فتى أول على الشاشة في السينما أو في التليفزيون، أيضًا لم يصنف كممثل عادي أبدًا، بل كان دائمًا جزءًا مهمًا من أجزاء العمل الذي يشارك فيه، سواء قديمًا كشاب وسيم كثيف الشعر رشيق القد خفيف الدم للغاية، أو رجلاً ناضجًا في السن والموهبة والأداء، ودائمًا ما كان محمود الجندي قطعة أساسية من قطع العمل فني، ليس إكسسوارًا زائدًا عن الحاجة يمكن الاستغناء عنه.

بدأ «الجندي» مشواره بعد تخرجه من معهد الفنون المسرحية عام 1967، ثم تعطل مشواره الفني حتى أنهى فترة تجنيده في 1974، بعدها بدأ في تقديم أدواره في التليفزيون وعلى المسرح، وكان من هؤلاء الذين لم يولدوا نجومًا، وقد صرح أكثر من مرة أنه كان بتقاضى أجرًا عن الحلقة التليفزيونية يبلغ أربعة جنيهات.

شارك الجندي في أفلام سينمائية هامة كفيلم «شمس الزناتي» و»ليلة البيبي دول» و«الفرح» وغيرها من الأفلام التي تعتبر محطات هامة في السينما المصرية ومحطات هامة في مشوار «الجندي» الفني على حد سواء، كما اكتسب نجوميته الحقيقية من أدواره التليفزيونية التي علقت في أذهان المشاهدين إلى الآن كدوره في مسلسلات «الشهد والدموع»، و«حديث الصباح والمساء»، و«الخواجة عبد القادر» وغيرها.

كما أصدر «محمود الجندي»ألبومًا غنائيًا واحدًا بصوته من كلمات «فؤاد حداد» تحت عنوان «فنان فقير»، وربما كان هذا الألبوم هو الدليل الأوضح أن «محمود الجندي» بالفعل يعشق الفن لا يمارسه فقط كمهنة.

لمحمود الجندي ثلاث بنات وولد، وولده هو المخرج «أحمد الجندي» الذي لم يفرضه والده على الساحة الفنية كمخرج من العدم بل تدرج في المهنة وبدأ كمخرج مساعد، وعندما أضحى مخرجًا لم يفرض أباه بدوره على الشاشة ولم يجعله بطلاً بلا داعي في مسلسلاته وأفلامه بل كان يقدمه في أدوار تناسبه تمامًا – إن شارك من الأساس – بلا تضخيم لحجم الدور دون فائدة.


لماذا إذن يعتزل؟

فنان بهذه القيمة ولم يمر على عرض آخر مسلسلاته شهر، حيث أنه شارك في مسلسل «رمضان كريم» الذي كان يعرض في رمضان هذا العام، لماذا فجأة يقرر أن يعتزل وأن يعلن ذلك صراحة بدلاً من أن يأخذ القرار في هدوء ويعتذر عن المشاركة في أعمال جديدة دون التصريح بالاعتزال النهائي؟.

ربما تكمن الإجابة في الدعاية الميدانية لمسلسل «رمضان كريم» الذي سبق قرار اعتزال الفنان محمود الجندي مباشرة، فقد صرح «الجندي» أنه قد تم تهميشه في الدعاية للمسلسل التي تم وضعها في الشوارع والميادين بما لا يتناسب مع تاريخه الفني وموهبته التي لا زالت متقدة.

بعد انتهاء عرض المسلسل مباشرة قرر «محمود الجندي» الاعتزال تمامًا،وصرح أن ما حمله على القرار هو غياب التقدير بشكل عام من الوسط الفني، حيث إنه حاول إقناع نفسه أن الأدوار الصغيرة التي تعرض عليه مؤثرة في العمل إلا أنه يعرف أنها لا تليق بمشواره الفني البالغ أربعين عامًا، ثم قلة التقدير التي تعرض لها بشكل خاص في مسلسل رمضان كريم في كل ما يخص المسلسل من دعاية وإعلان وكأنه غير موجود بالعمل.


حتى لا يخسر أكثر

حديث «محمود الجندي» عن غياب التقدير مؤخرًا بعد عرض مسلسل «رمضان كريم» لم يكن حديثه الأول عن هذا الموضوع، فقد صرح من قبل في برنامج «معكم» الذي تقدمه الإعلامية «منى الشاذلي» أن ما يحدث معه من تهميش لتاريخه الفني وعدم إعطائه قدره الحقيقي تبعًا لما يتقاضاه من أجر لم يكن هو ما ينتظره بعد مسيرته الطويلة، حتى أنه بكى خلال هذا اللقاء.

وحديثه أيضًا في برنامج «الستات ميعرفوش يكدبوا» عن دوره الصغير في مسلسل «الأب الروحي» وتساؤله العفوي لمخرجه «بيتر ميمي» بعد أن عرف أن دوره لا يتعدى التسعة مشاهد «هي دي قيمتي في نظرك؟».

هذا بعد أن قام «محمود الجندي» بتقديم إعلان ترويجي في مطلع العام لأحد منتجات الأدوية التي لا تباع في الصيدليات وتباع فقط عن طريق الهاتف، مما ينبئ أنه في سبيل أن يثبت أنه موجود وأنه لا زال «محمود الجندي» الذي يحبه الناس سيبدأ في الخسارة الحقيقية لمشواره الكبير، فكان قرار الاعتزال في صالحه بكل تأكيد حتى لا ينزلق أكثر.

هذا رجل عشق الفن وأحبه واشتغل به طوال عمره، فكان ينتظر في النهايات أن يكون مصدرًا للفخر وأن ينظر لما خلفه وراءه باعتزاز وتقدير، لكن أن يتعرض لكل هذا التهميش لم يكن شيئًا يتحمله فكان قراره أن يترك الساحة التي بدأت في تركه، ولذلك أعلنها حتى يكون هو من تخلى وهو من أعلن هذا التخلي، وكأنه يثأر لنفسه مرة أخيرة حتى لو كان ثأرًا يدعو للشفقة ويعتبر رد فعل ليس أكثر، هذا الفنان الحقيقي كان يستحق تكريمًا حقيقيًا حتى لو يكن يتقاضى ملايين ولكن قيمته وموهبته تتخطى من يتقاضون هذه الملايين، ولكن للسوق حسابات مختلفة تمامًا.