تطرح الاحتجاجات المندلعة حاليًا في السودان تساؤلًا مهمًا عن موقف الأحزاب والقوى السياسية السودانية الرئيسية منها. ففي النهاية، سواء أدت هذه الغضبة الشعبية إلى سقوط نظام البشير أم إلى الدخول في حوار وطني أم لم تسفر عن شيء، فمن سيجني مكاسبها هي الأحزاب والحركات السياسية المنظمة وليس رجل الشارع العادي. ورغم أن مطالب الشارع هي مطالب اقتصادية بالأساس، فإن باب الاقتصاد دائمًا هو السياسة.

في هذا الإطار نقدم موجزًا مختصرًا لتاريخ أبرز الأحزاب والحركات السياسية في السودان وموقفها من المظاهرات الحالية.


الأمة القومي

يعد حزب الأمة القومي أحد أعرق الأحزاب السودانية، إذ تأسس عام 1945 كأول حزب جماهيري سوداني، تحت رعاية الإمام عبد الرحمن المهدي، زعيم طائفة الأنصار. نادى الحزب بالاستقلال الكامل عن دولتي الحكم الثنائي (مصر وبريطانيا) تحت شعار «السودان للسودانيين»، حتى تم ذلك عام 1956. قاد «الأمة القومي» على مدى تاريخه العديد من الحكومات، مثل حكومتي عبد الله خليل بين عامي 1956 و1958، وحكومتي الصادق المهدي بين عامي 1966 و1967 وعامي 1986 و1989. كمان كان للحزب دور فعال في مواجهة انقلاب إبراهيم عبود (1958 – 1964) وانقلاب جعفر النميري (1969 – 1985).

عارض الحزب كذلك انقلاب الإنقاذ الذي قاده العميد عمر البشير والسياسي حسن الترابي، في يونيو/ حزيران 1989. واضطر زعيم الحزب الصادق المهدي إلى ترك السودان سرًّا عام 1996 ليلتحق بمعارضة الخارج، ولم يعد إلا عام 2000 بعد توقيع اتفاق مصالحة مع النظام أواخر عام 1999.

استمرت العلاقة بين «الأمة القومي» ونظام الرئيس البشير تتراوح بين الشد والجذب، دون أن يبرح الحزب مقعد المعارضة. وفي عام 2014 وجه الصادق المهدي انتقادات للسلطات السودانية فتم اعتقاله، وقرر ترك السودان والذهاب إلى منفى اختياري في بريطانيا عام 2017، ثم عاد مع بداية الاحتجاجات الحالية.

للحزب دور فعال في قيادة المعارضة السودانية حاليًا، إذ يرأس زعيمه منذ مارس/ آذار الماضي «قوى نداء السودان» وهو تحالف للمعارضة يضم أحزابًا مدنية، وحركات مسلحة، ومنظمات مجتمع مدني. كما أعلن «الأمة القومي» منذ بداية الاحتجاجات الحالية تأييده الكامل لها، وناشد «كل قطاعات الشعب السوداني التعبير الحركي والرفض الواسع للنظام وسياساته الخرقاء المستهدفة لقمة العيش وحق الحياة، وحذر الأجهزة الأمنية ومليشيات النظام من مغبة التعرض للمتظاهرين، وطالب الشرطة والجيش بحماية المواطنين والانحياز للشارع».

اقرأ أيضًا:علاقة مضطربة: الحركة الإسلامية والجيش في السودان


الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)

يعد الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل امتدادًا للحزب «الوطني الاتحادي»، الذي تأسس رسميًّا عام 1951 بتحالف بين سيد علي الميرغني، زعيم الطريقة الختمية الصوفية، وقائد تنظيم «الأشقاء»، إسماعيل الأزهري. كان الحزب مدعومًا من مصر بسبب إيمانه بمبدأ «وحدة وادي النيل».

اكتسح الحزب الوطني الاتحادي أول انتخابات ديمقراطية في البلاد في فترة الحكم الذاتي 1954، وفاز بأغلبية مطلقة مكنته منفردًا، للمرة الأولى والأخيرة في تاريخ السودان الديمقراطي، من تشكيل الحكومة. لكن، سرعان ما دب الخلاف داخل الحزب، فخرجت طائفة الختمية منه وأسست حزب «الشعب الديمقراطي».حُل كلا الحزبين، مثل غيرهما من الأحزاب السياسية، تحت حكم نظام إبراهيم عبود (1958 – 1964)، وبعد أن أطيح بعبود عاد الحزبان إلى الحياة، ثم قررا الاندماج مرة أخرى عام 1968 تحت اسم الحزب الاتحادي الديمقراطي.

فاز «الاتحادي الديمقراطي» في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 1986، بعد التخلص من نظام النميري، بثاني أكبر عدد من المقاعد النيابية، وشارك في حكومة ائتلافية مع حزب الأمة القومي. وأصبح نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي أحمد الميرغني، رئيسًا للجمهورية.

بعد انقلاب البشير عام 1989 انضم الحزب إلى تحالف المعارضة، وسافر زعيمه محمد عثمان الميرغني إلى مصر. استمر الحال كذلك حتى العام 2005، عندما وقع الميرغني اتفاق مصالحة مع نظام البشير، وعاد إلى الخرطوم عام 2008. ويشارك الحزب منذ العام 2010 في الحكومة السودانية، وله فيها حاليًا عدد من الوزراء، كما يتبوأ نجل رئيس الحزب محمد الحسن الميرغني منصب مساعد الرئيس البشير.

لم يعلن «الاتحاد الديمقراطي» أي موقف رسمي من المظاهرات الحالية، لكن استمرار وزرائه في الحكومة مؤشر على عدم دعمه رسميًّا لها. أما على المستوى غير الرسمي فقد امتدح القيادي في الحزب والوزير السابق إبراهيم الميرغني تدخل الجيش في مدينة القضارف لصالح المتطاهرين، كما ندد محامو الحزب بالإجراءات القمعية التي تنتهجها السلطات الحكومية في مواجهة المتظاهرين، وأعلنوا انحيازهم للشعب السوداني في المطالبة بإسقاط النظام واستعادة الديمقراطية.


الحزب الشيوعي

تعود أصول الحزب الشيوعي السوداني إلى أربعينيات القرن الماضي، وهو امتداد للحركة الشيوعية المصرية النشطة في ذلك الحين. خرج الحزب علانية إلى النور عام 1946 باسم «الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو)». ارتبطت الحركة منذ تأسيسها بالنضال والمظاهرات ضد الاستعمار الإنجليزي، ورفض الوحدة مع مصر. غيرت الحركة اسمها بعد الاستقلال عام 1956 إلى «الحزب الشيوعي السوداني».

رفض الحزب انقلاب إبراهيم عبود، وانضم إلى جبهة أحزاب المعارضة المطالبة بإسقاط النظام. فاز الحزب في الانتخابات التي أجريت في مايو/ آيار 1965 بـ 11 مقعدًا برلمانيًّا من بينها مقعد واحد لأول امرأة تنتخب للبرلمان في الشرق الأوسط، لكن عقب ذلك مباشرة، نظم الإخوان المسلمون حملة ضد الحزب واتهموه بالتحريض على الإلحاد ومناهضة الإسلام. وانتهت الحملة بحل الحزب وحظره وطرد نوابه من البرلمان يوم 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1965.

دعم «الشيوعي» انقلاب النميري 1969، نكاية في الإسلاميين الذين حظروه، وشاركوا في حكومته، لكن سرعان ما اختلف قادة الحزب مع النميري، فحاولوا الانقلاب عليه عام 1971، فباءت حركتهم بالفشل، واعتقل قادة الحزب وأعدم منهم عبد الخالق محجوب وجوزيف قرنق والشفيع أحمد الشيخ والضباط الشيوعيون الذين نفذوا الانقلاب.

واجه الحزب الشيوعي السوداني بعد انقلاب «الإنقاذ» 1989 ظروفًا معقدة وعصيبة لم يواجهها من قبل، بفعل هجمة النظام «الإسلامي» عليه، واستهداف أعضائه بالاعتقال والتعذيب والتشريد، وكذلك بسبب سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار التجربة الاشتراكية. وافق الحزب على المصالحة مع نظام البشير عام 2005، وعاد إلى ممارسة نشاطه في السودان، لكن عودته كانت مهلهلة بفعل الانقسامات وعدم وجود أجيال جديدة من المؤمنين بفكره.

يدعم الحزب الشيوعي المظاهرات الحالية بشكل كامل، ويؤكد أنه «لا إصلاح إلا بزوال نظام البشير». و اعتقلت السلطات السودانية السكرتير السياسي للحزب مسعود محمد الحسن، والقيادي بالحزب يوسف الزعيم، ضمن قيادات المعارضة التي اعتقلت خلال الاحتجاجات الحالية.

اقرأ أيضًا: الشيوعيون في السودان: تاريخ من الصراع ومستقبل مليء بالغموض


الإخوان المسلمين

تعود أصول جماعة الإخوان المسلمين في السودان إلى ثلاثينيات القرن الماضي، لكن العمل شبه المنظم بدأ في النصف الثاني من الأربعينيات، عبر محاولة إيجاد موطئ قدم داخل نادي الخريجين، الذي كان يضم طليعة المثقفين والمتعلمين السودانيين.

رفض الإخوان انقلاب إبراهيم عبود، وشاركوا في محاولة فاشلة للانقلاب عليه عام 1959، وألقي إثرها القبض على مراقب الجماعة الرشيد الطاهر بكر وحكم عليه بالسجن 5 سنوات، وعليه تم تنحيته من قيادة الجماعة. ظلت شئون الحركة في ركود نسبي حتى مطلع عام 1964، حين عاد الدكتور حسن الترابي من فترة دراسية في باريس ولمع نجمه بسبب دوره البارز في انتفاضة أكتوبر 1964 التي أطاحت بنظام عبود العسكري. وقد رشحته هذه المؤهلات لقيادة الحركة.

شارك الإخوان في انتخابات 1965، في إطار جبهة الميثاق الإسلامي (1964 – 1969)، التي كانت تضم إلى جانبهم مجموعة من السلفيين والطريقة التجانية الصوفية، لكن الجبهة لم تفز إلا بـ 7 مقاعد فقط. انتُخب حسن الترابي عام 1969 أمينًا عامًا لجماعة الإخوان المسلمين في السودان، وهو ما أدى إلى وقوع انشقاق كبير في الجماعة، لكن إعلانه تأجل بسبب انقلاب النميري.فجرت صفقة المصالحة الوطنية التي وقعها الترابي مع النميري عام 1977، الخلاف داخل الإخوان، وانتهى في عام 1980 بإعلان انشقاق مجموعة أطلقت على نفسها «حركة الإخوان المسلمين»، وتبنت النهج الإخواني في التربية وانضمت رسميًّا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وكان من أبرز زعماء هذا التيار القيادي التاريخي صادق عبد الله عبد الماجد، والحبر يوسف نور الدائم. وقد انتقد هؤلاء نهج الترابي في القيادة، وخاصة البراغماتية التي تميز بها، والتي رأى فيها هؤلاء ضربًا من الانتهازية.

أسس الترابي عام 1986 تنظيمًا خاصًّا به أسماه «الجبهة الإسلامية القومية»، وكان بعد ذلك مخطط وعراب انقلاب البشير قبل أن يختلفا. أما حركة الإخوان المسلمين فقد تراوحت مواقفها من نظام البشير بين التأييد والمشاركة في الحكومة والبرلمان، و المعارضة المائعة، وهو الموقف المستمر منذ التسعينيات وحتى الآن. وعن موقفها من المظاهرات الحالية، أعلنت الجماعة وقوفها صفًّا واحدًا مع المواطنين في مطالبهم، لكنها دعتهم إلى التعبير عن غضبهم «بصورة حضارية دون عنف أو إحراق للممتلكات الخاصة بالدولة أو المواطنين».

اقرأ أيضًا: أهم 12 كتابًا عن جماعة الإخوان المسلمين


حزب المؤتمر السوداني

تأسس الحزب مطلع العام 1986 باسم «حزب المؤتمر الوطني»، لكن حكومة «الإنقاذ» استولت على الاسم وسمت به حزبها، ولم تفلح المعركة القضائية التي خاضها الحزب الأصلي في الوصول لشيء، فغير اسمه عام 2005 إلى حزب المؤتمر السوداني، وذلك بعدما اندمج مع حزب الحركة المستقلة.

يتبنى الحزب «مشروع الثورة السودانية كأساس لعمله السياسي لتغيير المجتمع حتى الوصول إلى وطنٍ جديد يسع الجميع، كما يتبنى الاقتصاد التنموي كنظام يخرج الدولة السودانية من أزمتها الاقتصادية»، ويرفض استخدام العنف أو السلاح للوصول إلى هذا الهدف. يعتبر الحزب منذ نشأته حزبًا معارضًا، و رفض أكثر من مرة المشاركة في الحوارات الوطنية التي أجراها نظام البشير، ما أدى إلى اعتقال رئيسه السابق إبراهيم الشيخ عبد الرحمن أكثر من مرة.

أعلن المؤتمر السوداني تأييده الكامل للمظاهرات الحالية منذ بدايتها، وطالب جموع الشعب بالانضمام إليها من أجل إسقاط النظام. واعتقلت السلطات السودانية رئيس الحزب عمر الدقير ضمن قادة المعارضة الذين اعتقلوا خلال الاحتجاجات الحالية.


المؤتمر الوطني (الحاكم)

تأسس حزب المؤتمر الوطني السوداني عام 1998 على أنقاض الجبهة الإسلامية القومية التي كان يتزعمها الدكتور حسن الترابي، ومجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني بقيادة عمر البشير. يسيطر الحزب منذ ذلك الحين على الرئاسة والحكومة والبرلمان والمنظمات والاتحادات العمالية.

يرفض «المؤتمر الوطني» المظاهرات الحالية، ويتهم القوى السياسية المعارضة بالعمل على التخريب وإثارة الفتنة وتقويض الأمن والاستقرار. ويعتبر أن أعمال العنف التي اندلعت خلال المظاهرات جاءت «من فئة محدودة سعت لإشعال الفتنة بتدبير من حزب عقائدي عجوز (الحزب الشيوعي) هدفه الأساسي أن يعيش الوطن في حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي».


المؤتمر الشعبي

أسس حسن الترابي حزب المؤتمر الشعبي عام 2001، بعد خروجه من المؤتمر الوطني، عقب خلافه مع الرئيس البشير، بشأن عدة قضايا، أبرزها الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية. ظل الحزب في مقاعد المعارضة حتى العام 2017، عندما قبل بالمشاركة في حكومة الوفاق الوطني. يتولى قادة الحزب حاليًا عدة مناصب وزارية ومنصب مساعد رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى عضوية البرلمان القومي والمجالس التشريعية المحلية.

أعلن المؤتمر الشعبي رفضه استخدام القوة والعنف ضد المحتجين في المظاهرات الحالية، وأكد حق السودانيين في التظاهر السلمي، كما طالب الحكومة السودانية بالتحقيق في حوادث القتل التي وقعت خلال الاشتباكات، بالإضافة إلى الإفراج عن المعتقلين، وفي نفس الوقت هدد الحزب بمراجعة موقفه من المشاركة في الحكومة في حال استمرار حزب المؤتمر الوطني الحاكم في نهج الانفراد بالسلطة وعدم الالتزام بتنفيذ نتائج توصيات مؤتمر الحوار الوطني، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية.

اقرأ أيضًا: حسن الترابي: الطريق إلى الدولة


حركة الإصلاح الآن

تأسس حزب «حركة الإصلاح الآن» أواخر العام 2013 من مجموعة من المنشقين عن حزب المؤتمر الوطني، يقودهم وزير الإعلام الأسبق والمستشار الأسبق لرئيس الجمهورية، غازي صلاح الدين العتباني. الانشقاق جاء إثر تقديم العتباني و31 قياديًّا إسلاميًّا، بينهم 10 من أعضاء البرلمان، مذكرة إصلاحية للرئيس عمر البشير تزامنًا مع الاحتجاجات الشعبية و المظاهرات التي اندلعت في سبتمبر/ أيلول 2013، وقتل فيها عشرات المواطنين.

شارك «الإصلاح الآن» في الحوار الوطني الذي دعا له البشير عام 2014، ووقع على وثيقته النهائية، كما يشارك حاليًا في البرلمان بعدد من النواب. لكن هذا لم يمنع الحزب من انتقاد النظام الحاكم، في أكثر من مناسبة، واتهامه بإدخال البلاد في انهيار شامل ونفق أزمة.

أعلن «الإصلاح الآن» دعمه الكامل للمظاهرات منذ بدايتها، من أجل «هدم الطغيان والاستبداد لصالح الشورى والديمقراطية وتقليل وتقنين سلطات جهاز الأمن لصالح دولة العدل والقانون».