ما أغرب ما نتابعه من سياسات وقرارات عنصرية يدعمها ويناصرها نازيون جدد، وما أشبه تلك السياسات بمواقف النازية البارحة، سياسات منع الرمز الديني الإسلامي في أوروبا ودعوات منع إقامة الشعائر الإسلامية هل تحقق هدفها المرجو من إدماج مسلمي الغرب في أوروبا؟ أم هل نشهد هولوكوست جديد؟وهل تحرق أوروبا المساجد والمآذن والزي الإسلامي؟

بدأت النازية البارحة بمقولات فيلهلم مار في كتاباته «انتصار اليهود على الثقافة الألمانية» 1879 والتي دعا فيها إلى إنقاذ المانيا بمواجهة اليهودية المنظمة بالثقافة الألمانية المنظمة، ويتشابه ذلك مع الدعوات المعاصرة لليمين الأوروبي المتطرف الداعي إلى مواجهة تمدد المسلمين في أوروبا.


الحرية المحدودة

من أوروبا خرجت حركات الإصلاح السياسي والديني في العصور الوسطى ضد سلطة الكنسية الغربية المحتكرة للرؤية والممارسة الدينية والقاضية بصكوك الغفران، انتفض مصلحو أوروبا ضد العنصرية والطبقية فخرجت قيم الليبرالية عند جان لوك في كتابه التسامح ومفكري العقد الاجتماعي، وخرجت فيما بعد الماركسية لمحاربة الطبقية.

أسست الحضارة الغربية على القيم الليبرالية وركائزها حرية الفرد السياسية والاجتماعية والعقائدية، كما بنت أوروبا حضارتها بمشاركة ثقافوية متعددة شارك فيها المهاجرون العرب والإسلاميون فكان النتاج الثقافي المتعدد هو ثمار تلك المشاركة وهو السمة الأبرز في حضارة الغرب.

الحديث عن صدام الحضارات في كتابات ميشيل فوكو اتبعها العديد من الأطروحات الفكرية والسياسية حول الإسلام الأوروبي والإسلام فوبيا، فبعد أن كانت الاتجاهات السياسية والفكرية الأوروبية تتجه في الستينات والسبعينات إلى محاولة أقلمة إدماج مسلمي الغرب في الأمة الأوروبية، اتجهت أوروبا مع وصول الجيل الثاني والثالث من المهاجرين إلى تعبئتهم سياسيا.

رواية آيات شيطانية لسلمان رشدي والتي ضج العالم الإسلامي حول مضمونها باعتبارها إهانة للنبي محمد كانت الشرارة الأولى لصراع ثقافي حضاري معاضر بين الغرب والإسلام، ومن هنا انطلقت الدعوات إلى سحب شرعية وجود الرموز الدينية في الأماكن العامة في أوروبا.


المساجد والحجاب ممنوع
صورة لامرأة ترتدي البرقع وتقف إلى جوار مآذن على شكل صواريخ مدمرة تخرج من العلم السويسري منطلقة تجاه السماء

من فرنسا التي تقدِّم نفسها كمهد للحريات، حيث القبلة الأوروبية الأولي لمسلمي شمال وغرب إفريقيا، بدأت أولى خطوات شرعنة المنع لوجود الرمز الديني في أوروبا فأصدرت في 2000 أول قانون يمنع ارتداء أي شئ له دلالة دينية في القطاع العام وكان مقصد القانون الحجاب والنقاب معا وقد تم تفعيل القانون في 2004 بالمدارس الحكومية.

مثَّلت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 نقطة التحول الأساسية التي دعمت جزئيات الإسلام فوبيا وربط الإسلام بالعنف، وهو ما جعل الخطاب الغربي لا يخفي في حينها عدائه للإسلام وتخوفه من الإسلام، ومن ثم واجه مسلمو الغرب العديد من الإشكاليات الداخلية وتعثرت مسألة إدماج المسلمين، بل واجه المسلمين التمييز العنصري والتهميش ليس فقط على المستوى الخطابي ولكن على مستوى الممارسة الثقافية والاجتماعية.

رجل ملتحي على رأسه قنبلة كانت تعبير عن الصورة النمطية التي يحفظها كورت فيتسرغارد رسام الكاريكاتير الدنماركي عن النبي محمد في 2005، وقد صاحب ذلك تظاهرات للمسلمين في كافة الأقطار العربية، وما إن هدأت تلك التظاهرات، حتى أطلقت حركة ” لجنة إغركينغن ” السويسرية وأحزاب يمينة أخرى حملة ضد بناء المساجد والمآذن بزعم أن بناءها يؤدي إلى أسلمة البلاد وهو ما تم تصديق القرار في أعقاب استفتاء 2009.

قام أليكس دبليو فينز الألماني 2009 بمدينة دريسدن بطعن الصيدلانية الثلاثينية مروة الشربيني ب18 طعنة بعد أن وصفها بالإرهابية لارتدائها الحجاب وهو ما يعرب عن توحش العنصرية الغربية ضد المسلمين في أوروبا، في حين يتجه البعض إلى بيان أن أسباب الطعن عائدة لخلافات شخصية وقانونية بين أليكس ومروة وليس لها علاقة بالحجاب.

بينما أقرت بلجيكا فى إبريل/نيسان 2010 قانونا يحظر ارتداء أى ملابس تخفى هوية مرتديها فى الأماكن العامة مثل الحدائق والشوارع ودخل القانون حيز التنفيذ 2011، رغم معارضة المسلمات ببلجيكا على القانون إلا أن القانون ظل سائراً .


المنع سياسة أوروبا القاتلة
سياسة المنع كآلية للاندماج في أوروبا قاتلة تسمح للمظلومية أن تبربر التطرف والعنف

ارتبطت سياسات أوروبا العنصرية ضد المسلمين الغربيين بصعود التيار الجهادي وعملياته الانتحارية في عدد من الأقطار الغربية كما أشرنا إلى تفجيرات سبتمبر/أيلول 2001، وأيضا تفجيرات مدريد في 2004، وتفجيرات مترو لندن 2005. كما أنه ومع قيام ثورات الربيع العربي وصعود التيار الإسلامي للواجهة السياسية مرة أخرى سواء التيار الوسطي أو التيار الجهادي تزايدت العمليات الجهادية التي تستهدف الأجانب في الداخل والخارج.

ومن منطق العقلية الجهادية المعاصرة فإن جزءا من التركيبة الفكرية للتيار الجهادي تتمثل في مواجهة الكفار الأجانب سواء بطرد الاستعمار والاحتلال من بلاد المسلمين وذلك بسبب ما يفعلونه ببلاد المسلمين من خراب ودمار، وكذلك محاربة الكفار في بلادهم من منطلق دار السلم والحرب.

ويتشكل الوعي الجهادي على الحجج والبراهين التبريرية لهجماتهم، فنجد أن سيطرة مفهوم الحرب الصليبية على الإسلام وعداء الغرب للإسلام أحد المكونات الأساسية للفكر الجهادي التبريري، ويتداخل بذلك العداء الداخلي والخارجي للمسلمين، وهو ما يتيح للسوق الترويجية للفكر الجهادي أن يستقطب عددا لا بأس به من الشباب المسلم الذي يشعر بالمظلومية والعداء والضعف، فالجماعات الجهادية هي بالنسبة لهؤلاء الملاذ الأقوى.

ما نريد أن ننتهي إليه هو أن سياسة المنع بديلا عن الاندماج هي سياسة عكسية تشجيعية ترويجية للتطرف والعنف وهو ما يشير إليه عدد من الأوروبيين المنضمين للجماعات الجهادية وخاصة تنظيم الدولة، تزايد العمليات الجهادية في أوروبا بدءا بهجمات فرنسا الأولى والثانية وهجمات بروكسل.


الحجاب والبوركيني في مواجهة النازية الجديدة
من وجهة نظري قلما تمتلك سيدة تغطي وجهها تماما في ألمانيا فرصة للاندماج.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل

عودة الإسلام فوبيا بشكل حاد ومتسارع في أعقاب ثورات الربيع العربي وتحديدا مع صعود الجهاد العالمي وتخلي تنظيم الدولة عن تبنيها لمواجهة العدو القريب إلى استهداف العدو البعيد، وتناغم ذلك مع صعود القاعدة وإعادة تشكيل أهدافها وعملياتها النوعية، وما صاحبه ذلك من صعود للشبكات الجهادية في شرق آسيا.

ترافق مع ذلك صعود اليمين المتطرف الأوروبي بعد أزمة اللاجئين في أوروبا خاصة في فرنسا والمانيا وعدد من العواصم الأوروبية، فقد تبنت تلك الأحزاب خطاب معادي للمسلمين في أوروبا ودعت إلى ضرورة تحجيم أعداد اللاجئين، فظهرت في أوروبا حركة بيجيديا والتي عرفت بعدائها للإسلام، كما تزامن مع ذلك تبني المرشح الأمريكي دونالد ترامب لخطاب أكثر جرأة في مواجهة الإسلام الغربي وحديثه العنيف العنصري ضد المسلمين.

ومن ثم فقد عادت سياسة المنع من جديد فقد ألزمت بعض البلديات الفرنسية المسلمات بعدم ارتداء الزي الإسلامي على البحر أو ما يطلق عليه “البوركيني” كما تم توقيع غرامة لمن يخالف القرار بقيمة 38 يورو (ما يعادل نحو 42.9 دولار) ، وصدَّقت المحكمة الإدارية بنيس يوم 21 أغسطس/آب الحالى على قرار الحظر رغم أن البت فى هذا القرار كان يرجع لمجلس الدولة بفرنسا.

وقد برر رؤساء البلديات القرار بأنه خوفاً من الإخلال بالأمن العام ومنهم من أكد على أن ارتداء البوركينى يتعارض مع قوانين العلمانية الفرنسية، ودعم رئيس وزراء فرنسا قرار رؤساء البلديات معتبراً أن البوركيني مشروع لاستعباد المرأة.

تتابع مع ذلك حملة ضد النقاب والحجاب في عدد من العواصم الأوروبية وعلى رأسها المانيا فقد دعا وزير داخليتها ” توماس دو ميزيير ” في 2015 إلى منع ارتداء النقاب أثناء القيام بإجراءات إدارية وفي المدارس والدوائر العامة والمحا كم، فيما تعتبر المستشارة الألمانية أن ارتداء النقاب أو الحجاب لا يعطي للمرأة المسلمة الفرصة للاندماج في المجتمع الألماني.

كما فرضت السلطات السويسرية غرامة تتراوح بين 100 دولار وقد تصل 10 آلاف دولار على من ترتدى النقاب ابتداءً من يوليو/تموز 2016، ويذكر أن البرلمان السويسرى فى عام 2012 صوَّت بنسبة حوالى 93% ضد مشروع قرار بمنع ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة.


الواقعية الجديدة وجه أوروبا القبيح

ترافق قرارات المنع وسياسات تحجيم الانتشار للرمز الديني في أوروبا عدد من المقولات مفاداها أن تلك السياسات هي تغليب للمصلحة العامة على المصلحة الفردية، وحفاظا على الأمن العام في ظل ما تشهده أوروبا من عمليات انتحارية، وحفاظا على القيم العلمانية وهو ما يشبه بسيطرة مبادئ الواقعية الجديدة في مقابل تراجع المنظومة القيمية للمثالية الليبرالية.

لكن في ظل كل هذه المحاولات يدرك البعض بأن الرمز الديني جزءا من الحرية الفردية فعديد من المنظمات الحقوقية الأوروبية أدانت قرارات المنع، كما أدركت بعض الدول خطورة تلك السياسات وتأثيرها على بلدانها فسارعت كلا من اسكتلندا وكندا بإرسال رسائل تطمينية وأكدت على سماحها للشرطة المحلية بارتداء الحجاب كزي اختياري للشرطة، وأن هذا الزي يتساوى مع زي الراهبات المسيحيات.

المراجع
  1. شتيفان بوخن، هل سيأتي يوم تُحرَق فيه مآذن مساجد المسلمين في ألمانيا؟، قنطرة
  2. جوسلين سيزاري، لماذا يخاف الغرب من الإسلام؟، القنطرة
  3. عبد الله السمطى، مرحبا بالصحوة الأوروبية ضد النقاب،